الدائرة المغلقة..!

فاضل الخطيب
fadel.katib@gmail.com

2009 / 6 / 6

الدائرة المغلقة..!
"كان وأخوته في أوربا"..

عند سماع اسم أوربا، ماذا يخطر في بال البعض؟
يخطر في ذاكرة باحث تاريخ الفنون مثلاً بنت الملك الفينيقي والذي سرق زيوس بصورة ثور. أو يتصور عالم النجوم، القمر الثاني للمشتري. بينما العالم الكيميائي، يرى أمام عينيه العنصر الذي يحتوي 63 ذرة. وقد يطرق باب اللغوي، مجموعة كبيرة جداً من اللغات. وإذا سألنا باحث الجغرافية عن اسم أوربا فإنه لابدّ أن يقول، أن أوربا هي الجزء الغربي لامتداد آسيا. وباحث التاريخ لا يسعه إلاّ الاعتراف، أن أوربا صاخبة غير هادئة، متمردة، خارجة عن الأطوار، صاحبة التجارب، حساسة وشفّافة كالزجاج الذي يسهل كسره..
وعند الحديث عن التاريخ، ماذا يخطر بالبال عند سماع اسم سوريا في هذا العصر؟.. إذا سمع الأوربي هذا الاسم "سوريا" ماذا يتصوّر؟..
وإن أردتُ أن أطرح سؤالاً غير بريء وبرسم الأبرياء. ماذا يخطر ببال بعض السوريين في أوربا إذا ذكر اسم سوريا؟.
وقد أتجرأ على تصوّر الجواب، وهو قبل كل شيء يخطر ببال البعض أن سوريا اسم مؤنث مثل أوربا، ويذكّر هذا بتفاحة حواء وفحولة آدم..!
إن أوربا كتعبير ومصطلح جغرافي معروفٌ منذ القرن الثالث عشر، ويعود استخدام اسم أوربا كرمز ومصطلح سياسي – ثقافي إلى القرن السابع عشر فقط.
ورغم فارق المسافة بين اسم سوريا وعمقه في التاريخ والزمن وبين اسم أوربا، إلاّ أن سوريا مجهولة تقريباً في أوربا، لا يوجد ما يجب أن يتذكره الأوربي، وما يحزّ في نفوسنا نحن السوريون أن بعض الأوربيين لم يتعرفوا على حقوق الإنسان وحرية الكلمة خارج حدود قارتهم..
مفارقة مثيرة وهي أنّ تعبير أوربا ليس قديماً مثل فكرة الوحدة الأوربية نفسها. غريبٌ أن تكون فكرة وحدة القارة سبقت اسمها، وقد كانت تلك الفكرة مطروحة منذ أيام الإمبراطورية الرومانية، وكانت تذهب وتعود من جديد حتى العصر الحديث، ثم بدأ الهدف يتمحور أولاً حول أكثر الدول ديمقراطية وسيادة للقانون، بحيث تشكّل نواة الاتحاد الجاذبة والتي سيلتحق فيها بقية الدول بالتدرج..
أي أنه كان هناك دائماً بُعداً إضافياً لأوربا، بُعداً ثقافياً – روحياً تمتد جذوره عميقاً في التاريخ، وأهدافها كانت أرفع – أو أكبر من الأهداف والمصالح التي كان يفرضها العصر..
وانطلاق الاتحاد الأوربي من فكرةٍ نظرية، أو من رغبةٍ إلى واقع عملي حقيقي، كان يحتاج لأهوال ونتائج حربين عالميتين، كي تتغير مفاهيم وأساليب التفكير عند الكثير.
إن رعاية وحدة أوربا هي بلا شك، تعود إلى تفكير رجال دولة أكفّاء. حيث اعتبروا إنه لا يمكن أن يكون النصر كاملاً إلاّ إذا كانت نتائج الانتصارات ومكاسبها ليست على حساب الخاسرين، وإنما يجب العمل كي يكون من الخاسرين أيضاً منتصرين، وهذا ما حدث ويحدث الآن..
ويعتقد كثير من الأوربيين في الوقت الراهن، أنه من أجل متابعة البناء الأوربي بحاجة إلى تغيير جديد في التفكير، خصوصاً ما يمكن أن يحمله الغد من مصاعب لا يستطيعون التحكم في قراراتها كالطاقة مثلاً.
ويؤكد الكثير من نخبة أوربا، أن مقياس شعب أو أمة ومكانتها يحدده ما تقدمه من إبداعات شخصية وجماعية، من انتماءات قطرية وأوربية، من أفكار ومعتقدات مشتركة، مقياسها وميزانها هو التفكير على إيجاد الأهداف المشتركة والعمل لتطبيقها، والعودة من جديد لاكتشاف ذاتها وما يحيط بها. على أوربا دائماً اكتشاف ذاتها من جديد، وإيجاد لغة خطاب جديد وأسلوب تفكير جديد..
ضمن هذه الـ أوربا والتي تحتضن الكثير من السوريين بما فيهم معارضين، كم يتعلم بعضنا، المعارض للنظام السوري قبل غيره بحاجة للتعلم من طريقة تفكير أوربا، حبذا لو يتذكر البعض أن أوربا – ذات الصدر الواسع للمؤمن وغير المؤمن - تقع على الضفة الثانية للبحر المتوسط!..
وسنكون بعيدون عن تخمين أسماء – ليس المقصود أسماء الأسد زوجة السيد بشار الأسد، ابن السيد حافظ الأسد، وابن إبن السيد علي الأسد، بل أخذنا اسمها الثاني الذي يدلّ على الصمت-، فهل علينا تقليد الأخرس؟ خصوصاً إذا كان الكلام هو نفسه الحكي...
ونبقى الآن عند الدائرة المغلقة التي لا تنتج غير نفسها، وهذا يتضح أكثر من خلال الطرفة التالية:
ــ ينادي كبير وجهاء المؤسسة على سكرتيرته قائلاً، سنذهب معاً إلى مؤتمر في خارج البلاد في الأسبوع الأول من الشهر المقبل، وستكون فترة ممتعة، أرجو حجز مكان في الفندق، ومتابعة كل ما يحتاج من التحضير المطلوب لهذا.
ــ ثم تقوم السكرتيرة بالاتصال بزوجها تخبره بذلك وأن يكون متفهماً للموضوع.
ــ يقوم الرجل - الزوج بالاتصال بعشيقته، ويزف لها الخبر السار، وبأنهما سيقضيان أسبوعاً ممتعاً وحدهما، لأن زوجته ستكون مسافرة.
ــ العشيقة وهي آنسة مدرسة تقوم من جانبها بإبلاغ الأطفال، أن عندهم أسبوع عطلة بسبب أمر مهم عليها إنجازه.
ــ أحد أطفال المدرسة، يتصل بجدّه والذي يعمل مدير مؤسسة كبيرة ليخبره بأنه في الشهر القادم عندهم عطلة أسبوع، وسيذهب إلى عنده لقضاء الإجازة معه في الجبال.
ــ الجد / المدير الوجيه يحب حفيده حتى الجنون، لذا يقول للسكرتيرة، أنه سيأتي حفيده في تلك الفترة التي يكون فيها المؤتمر، وبهذه الحالة لن يستطيع الذهاب، ويطلب منها إلغاء الحجز وإبلاغ منظمي المؤتمر والاعتذار عن عدم المشاركة.
ــ تقوم السكرتيرة فوراً بالاتصال بزوجها وتقول له، أنها لن تذهب للمؤتمر، وستبقى هنا.
ــ يقوم الزوج مباشرة بالاتصال بعشيقته في المدرسة، ويخبرها بعدم إمكانيتهما قضاء تلك الفترة معاً لأن زوجته لن تسافر إلى المؤتمر.
ــ آنسة المدرسة تقول للأولاد أنه تمّ حلّ الموضوع الذي كان عليها الذهاب بسببه، وهذا يعني أن الأسبوع الأول من الشهر القادم سيكون دوام، ولن يكون عطلة.
ــ يقوم الطفل يتصل بجدّه حزيناً ليخبره أنه لن يكون هناك عطلة، ولن يستطيع السفر إلى عنده.
ــ المدير/ الجدّ يقول لسكرتيرته، أن حفيده لا يستطيع المجيء، وهذا يعني أنه علينا السفر للمؤتمر، وتابعي ملاحقة الإجراءات بهذا الشأن.
ــ ...
ملاحظة: في هذا العالم الذكوري الفحولي، لا أعرف لماذا قاموا بتأنيث "كان".. وسبحان اللي بغيّر "كان وأخوته" وما بيتغيّر..
هذا الموضوع لا علاقة له بانتخابات لبنان ولا بنتائج نتائجها، ولا يربطها بالدوائر المغلقة في سورية – التابعة للنظام أو المناهضة له -.. مجرد دوائر على سطح الماء.. الماء الذي يخيفني لأنني لا أعرف السباحة...


5 / 6 / 2009, فاضل الخطيب.





https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن