أطفال في الشوارع بين التسول والضياع

وليد المسعودي
walidmasody@yahoo.com

2009 / 6 / 4

يمكننا ان نقول بداية ان ظاهرة التسول بشكل عام هي ظاهرة تتكون نتيجة عوامل تتعلق بجميع مديات السلطة وتوزعها الهائل على مقدرات الانسان الوجودية والاجتماعية ، هذه السلطة تنبثق من الاطار والشكل السياسي الحاكم اي الدولة وتأثيرها على جميع الطبقات الاجتماعية

داخل المجتمع سواء تعلق الامر بوجود مجتمعات تعاني الحرمان الوجودي المادي والمعنوي او مجتمعات تعيش حالة التمدن والرفاه والديمقراطية المصاحبة لتطور الذات البشرية ، وهكذا نقول ان ظاهرة التسول في العراق أخذت في الازدياد إبان حقبة التسعينيات بأكملها الى سقوط وزوال الدكتاتورية في العراق وما تزال الى وقتنا الحاضر ، حيث تشكل ظاهرة انتشار الاطفال عند اشارات المرور وكثير من الاماكن والمؤسسات العامة كالمستشفيات والجامعات والمساجد وغيرها ظاهرة تشي بضعف الخدمات المقدمة اجتماعيا وبضعف طبيعة الدولة العراقية المشكلة حديثا.

وذلك لعدة اسباب تتعلق في مجملها بتركة وارث الدكتاتورية في العراق وما تبعه من فساد اداري ومالي كبير داخل مؤسسات الدولة إضافة الى طبيعة التحول نحو الديمقراطية المرتبط بشكل محاصصي من الممكن ان يؤخر ظهور عنصري المواطنة وانتشار التقدم في المجالات المختلفة اقتصاديا وامنيا واجتماعيا وثقافيا .. الخ إضافة الى وجود الارهاب وما يشكله من عائق كبير على إحداث الاستقرار في العراق ، فضلا عن الاملاءات التي يريدها المحتل وجاهزية القيم التي يحملها والتي يراد لها الانبثاق على حساب الذات العراقية المشكلة حديثا .
ان ظاهرة تسول الاطفال في العراق يصاحبها في كثير من الاحيان مجموعة من الادلاء او العصب التي تحيط هؤلاء الاطفال من اجل جعلهم في مكان الاستغلال والاستثمار المادي والاقتصادي ، بحيث نلاحظ ان هنالك عوائل بأكملها تتسول هي واطفالها ، هذه العوائل تقودها النساء في اكثر الاحيان عند اشارات المرور وداخل الاسواق العامة ، ومن الممكن ان نقول ان هنالك الكثير من العوائل المهاجرة من المحافظات العراقية الشمالية على وجه الخصوص تمتهن عملية التسول بسبب الفقر وحالات الحرمان والعوز المادي والاقتصادي إظافة الى وجود الكثير من الاطفال المتسربين من العوائل المفككة والتي تعاني من ضعف اسري وتربوي وخصوصا في المناطق الشعبية في المدن ، كل ذلك يحرك واقع التسول لدى الاطفال ، حيث لم تجر هنالك الى الان دراسة حول عدد الاطفال الذين يمارسون هذه الظاهرة وهل هي تسير في تزايد مستمر ام ان هنالك الجهود التي تؤدي الى عملية تقليل اثرها ان لم نقل زوالها حسب علمنا في الصحف ومؤسسات الاعلام ، وهل هنالك تعاون يجري بين الاعلام ومؤسساته الكثيرة والمتعددة في العراق وبين مؤسسات الخدمة الاجتماعية لدى الدولة من اجل تجاوز ظاهرة التسول برمتها وأحداث عملية توعية اجتماعية بمدى خطورة هذه الظاهرة على مستقبل الكثير من الاطفال في العراق الذين من الممكن ان يتم سحبهم شارعيا الى اماكن ومجالات في غاية الجريمة والانحلال الاخلاقي والانساني ومن ثم وجود الكثير من الاجيال الاجتماعية التي تعاني من آثار هذه الظاهرة مستقبليا ، والتي تؤثر بالاجمال على تطور المجتمع العراقي إذا لم يتم تجاوز هذه الظاهرة والكثير من مديات وجودها الاجتماعي والثقافي ، حيث من الممكن ان يظهر التسول لدى الاطفال من خلال امتهانهم لاعمال مقنعة من خلال وجودهم في اوضاع وصور تستدرج المواطن العراقي من اجل الحصول على المال ، وهكذا نقول ان هذه الظاهرة من الممكن ان يتم السيطرة عليها من خلال إحداث قفزات نوعية في مستوى الخدمات الاجتماعية إضافة الى الاهتمام الفاعل لدى الدولة بجميع الاطفال المنبوذين والمشردين من اجل ضمان رعاية افضل لديهم وفي مختلف المجالات الصحية والنفسية والتعليمية ، حيث يعد العراق بلدا بتروليا من الاجحاف الكبير بحق ابنائه واطفاله ان يرسم لديهم هكذا صوراً واشكالاً معيشية في غاية التردي الوجودي ماديا ومعنويا ، حيث من الممكن السيطرة على هذه الظاهرة ومن ثم زوالها بشكل نهائي من خلال : 1- تفعيل مستويات الخدمة الاجتماعية وتنشيط جميع مديات وجودها على الارض الاجتماعية من اجل انتشال الاطفال الذين يمارسون التسول والمباشرة في عملية تأسيس توعية اعلامية بهذا الخصوص في الحاضر والمستقبل القريب ، حيث لابد من تفعيل جهود انتشار الخدمة الاجتماعية والرعاية والاهتمام بالطبقات الفقيرة والتي تعاني من آثار الحقبة الصدامية وما عملت على خلقه من تشوهات مادية ومعنوية ماتزال حاضرة الى وقتنا الحاضر ، حيث يمثل وجود الكثير من الاطفال الذين يمارسون ظاهرة التسول عند اشارات المرور ما هو إلا دليل ضعف كبير في مستويات الخدمة الاجتماعية المقدمة من قبل الدولة ، إضافة الى ضعف عملية السيطرة على هذه الظاهرة.
2-انبثاق لجان التعاون بين مختلف الوزارات المعنية بهذا الشأن بشكل فاعل واكيد من خلال عدة وزارات كالتربية والتعليم والصحة والبلديات والداخلية والشؤون الاجتماعية ، ومن ثم اجراء دراسة مستفيضة لمدى التقدم المنجز ضمن ذلك المجال حيث يقود ذلك الى السيطرة على هذه الظاهرة ومن ثم زوالها بشكل نهائي من خلال عوامل كثيرة تتعلق بطبيعة العمل الاداري الهادف إضافة الى طبيعة الاهتمام الحقيقي الجاد والمراقبة المستمرة من قبل الاعلام والمؤسسات المعنية بالمجتمع المدني ، حيث لايمكننا ان نعمل على خلق مجتمعات تسودها الالفة والتسامح مالم يتم السيطرة على كثير من المظاهر التي تشكل عائقا كبيرا نحو مجتمعات متمدنة تعيش حالة الانفتاح والتقدم على مختلف المجالات الاقتصادية والثقافية.
3-البدء بعملية توعية شعبية بخطورة هذه الظاهرة وترسيخ الكثير من الصفات المعنوية التي يشعر بها الانسان العراقي من خلالها بالاعتزاز بعراقيته وان وجوده الاجتماعي والثقافي غير مرتهن بهكذا ظروف اجتماعية يعيشها الكثير من الاطفال سواء من خلال التسول او من خلال الاستغلال المادي والاقتصادي لهم من خلال امتهانهم لاعمال تلغي جانبي الطفولة والحياة المؤصل فيها جميع مديات السعادة والرفاه والاحساس بهذا العالم الانساني المعاش.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن