المؤتمر العام الخامس للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية-اعادة التأسيس والتوطين

ريما كتانة نزال
nazzalrima@gmail.com

2009 / 5 / 21

يعقد الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية مؤتمره العام الخامس بعد أكثر من أربع وعشرين عاما على آخر مؤتمر له في عام 1985، والذي يعقد تحت شعار " وحدة الوطن والشعب".. فقد عُقد المؤتمر الرابع للاتحاد في تونس بعد الخروج المدوي من بيروت وافتقاد ركيزة الوجود العلني لمنظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها، وذلك بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان في عام 1982. وسيشارك المؤتمر المنعقد في رام الله في الفترة الممتدة ما بين 22-23 أيار الجاري ثلاثمائة وثمان وستون عضوة من داخل الوطن وخارجه.
مياه كثيرة جرت تحت جسور الاتحاد منذ تأسيسه في القدس في عام 1965؛ أي بعد النكبة وقبل احتلال باقي الأراضي الفلسطينية في عام 1967. وخروج الاتحاد بعد الاحتلال كرس عمله الشعبي في صفوف المخيمات في بلاد اللجوء والمهجر ليصوغ أوراقه الناظمة وفقا لواقع الهجرة. ومن ثم وضعت لوائح تنظيمية وبرنامجية لمواكبة الوقائع الوطنية الجديدة في تونس وما بعد تأسيس السلطة وعودة الجسم القيادي للاتحاد الى أراضي السلطة. لقد عُدل دستور وبرنامج الاتحاد المقر في المؤتمر الأول في القدس عام 1965خلال الفترة الماضية ثلاث مرات، المرة الأولى في المؤتمر الثاني المنعقد في سوق الغرب – لبنان في العام 1974 لتضمين مقتضيات سياسية جديدة بعد طرح فكرة الحل المرحلي، وجرى عليه تعديل آخر في المؤتمر الثالث المنعقد في بيروت في العام 1980 لاستيعاب متغيرات سياسية أخرى. أما التعديل الرابع فقد جرى في تونس في مؤتمر الاتحاد الرابع وبه استوعب متغيرات سياسية واجتماعية جديدة طارئة. والتعديل الرابع هو المقترح على المؤتمر الخامس في رام الله 2009 حيث المتغيرات والدواعي عديدة.
عند قراءة التغيير على بنية الاتحاد ومركبات مؤتمره، مقارنة بذات المركبات لمؤتمراته السابقة، نجد بأنه في الوقت الذي كان يمُثل فيه الداخل- والذي كان يطلق عليه فرعا- بعدد من المندوبات لا يتجاوز خمسا وعشرين مندوبة، واتفق على أن يمثلهن مناضلات مبعدات وأسيرات محررات يعشن خارج الوطن بسبب الاحتلال وظروف العمل السري، بينما يحضر أكثر من عشرة أضعاف عدد مندوبات الداخل عضوات يمثلن الساحات الخارجية في بلدان اللجوء والشتات. الحراك الفلسطيني الواسع يقف خلف التغييرعلى توزيع خارطة المؤتمر الخامس، والذي تمخَض عنه تمثيل فروع الخارج بستين مندوبة فقط مقابل تمثيل الداخل بما يقترب من خمسة أضعاف هذا العدد. لقد قلب الواقع الوطني آية التوزيع، فالخروج الأول لقيادة الاتحاد وقع بعد احتلال المناطق الفلسطينية في 1967، مفرزا واقعا جديدا نقل مركز الثقل من الوطن الى خارجه. وقد أفرز خروج القيادة الفلسطينية ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها القيادية من بيروت نشوء ساحات جديدة، مما حدا بالاتحاد الى انشاء فروع أخرى إثر الهجرة الجديدة، الأمر الذي وسَع حضور الخارج وبقاء تمثيل فرع الداخل في المؤتمر ضامرا ورمزيا حتى المحطة النوعية التي تعتبر كانعطافة كبرى في الواقع الوطني والسياسي عام 1994، والتي أدت إلى عودة مركز الثقل الى مكانه الطبيعي، وأدت كذلك إلى أفول عدد من فروع الاتحاد كاليمن والسودان وتونس وغيرها. ولا يمكن تجاهل ما انتجته حرب الخليج الأولى والثانية من أفول ساحات وفروع كانت رئيسية للاتحاد في الكويت والعراق وعدد من بلدان الخليج أوفي البلدان الغربية الأخرى.
تكمن أهمية انعقاد المؤتمر العام الخامس للاتحاد، كأول مؤتمر على صعيد المنظمات الشعبية الفلسطينية يعقد في الوطن ما بعد قيام السلطة الوطنية. كما يأتي كتتويج لعملية ديمقراطية داخلية تراتبية تمت من القاعدة الى قمة الهرم، وذلك بعد خوض عملية تنسيب فردية للمرأة في المحافظات لتوسيع قاعدته لتصل عدد منتسباته الى ما يقارب مائة ألف عضوة في الضفة والقطاع. وعلى الرغم من الحمَى التي شهدتها عملية التنسيب والتي أبعدت العملية عن جوهرها ومحتواها، لأن ما حصل عمليا قيام الأطر النسائية بجلب أوراق التنسيب ولم تحضر المرأة بنفسها للانتساب، والآلية تشكل بحد ذاتها عملية تنظيمية وتوعوية لا يستهان بها، إلا أنها أيضا عبَرت عن نقلة نوعية إصلاحية على النظام الداخلي قد تحققت. فقد وضع التنسيب الفردي علاقة المرأة مع الاتحاد في شكلها المباشر؛ عوضا عن العلاقة غير المباشرة. حيث استعاض الاتحاد عن علاقته المباشرة بالقاعدة بالصيغة التنسيقية بين الأطر والجمعيات، وذلك خلال حقبة العمل السري وحتى عام 2005، وهو الأمر الذي لم يمكَن المرأة من وعي وتلمس علاقتها بالاتحاد أو التحقق منها، حيث اقتصرت علاقتها به من خلال عضويتها في الجمعية أو الإطار النسائي الذي يسحبها الى الاتحاد أو منه وفقا لرؤاه واعتباراته، مما لا يمكنها من تشكيل الوعي والمعرفة بالاتحاد لتقرر علاقتها وصلتها به، وهو ما يقود في النهاية الى جرَ موقف الاطار على المنتسبة أو اتخاذه المواقف بالنيابة عنها كوكيل. لقد ساهمت حقا عملية التنسيب الفردي في بناء قاعدة الاتحاد، حيث تأسس خلالها ستة عشرة فرعا في محافظات الضفة وغزة من خلال مؤتمرات فرعية في المحافظات عقدت استنادا لمبدأ التمثيل النسبي، وهو أحد التعديلات الهامة المقترحة في النظام الداخلي للاتحاد انسجاما مع الوثائق المتوافق عليها وطنيا في الآونة الأخيرة. حيث أصبح اعتماد نظام التمثيل النسبي مطلبا واحتياجا فلسطينيا كونه يجسد التعددية، ويمكن من تمثيل جميع مكونات الحركة النسائية بحجمها الواقعي، لذلك اعتبر بأنه النظام الأكثر عدالة وديمقراطية
كما يصب انعقاد المؤتمر، في سياق الخطوات والجهود الوطنية التي تصب في اصلاح بنية منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل مؤسساتها وركائزها، ويفخر الاتحاد بأنه أول من بادر الى مواجهة الاستحقاق الكبير، بالقيام بخطوات إصلاحية تمت على بنيته، وكذلك على صعيد تجديد نظامه الأساسي ورؤياه وتوجهاته البرنامجية واتجاهات خطته العامة، وكل هذا يجري استنادا الى التطورات الواقعة على ارض الواقع بخلفيتها المشهدية الوطنية والاجتماعية، وقد سجلت مسوداته المطروحة على المصادقة من المؤتمر تمسك الاتحاد بهويته الجماهيرية كأحد مكونات منظمة التحرير الفلسطينية، وكأحد ركائزها وامتدادها في القطاع النسائي، والى هويته الشعبية والديمقراطية، في الوقت الذي شكلت التطويرات المقترحة على البرنامج تصدي الاتحاد للدفاع عن حقوق المرأة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية.
ان المحطة التنظيمية المتمثلة بعقد المؤتمر العام الخامس العام للاتحاد في الوطن، تشكل تحديا للاتحاد العام بكل مكوناته، لان جمهور النساء يعلقن آمالا كبيرة وعريضة على المؤتمر باعتباره محطة استنهاض جدية، وإعادة انطلاقه بأفق حركة اجتماعية تشكل مرجعية معتمدة ومؤتمنة للنساء الفلسطينيات بهدف التغيير، وتدافع عن هموم ومصالح المرأة. وحتى يرتقي المؤتمر الى مستوى الآمال؛ فانه من الضرورة بمكان نقاش مشاريع أوراقه بشكل معمق، وتجديد هيئاته القيادية مراعيا رفده بالدماء الجديدة. والوقوف أمام برنامجه ولوائحه التنظيمية بشكل جاد وبما يفضي إلى تجديدها وفلترتها لكي تتوافق مع الظروف الجديدة الوطنية والاجتماعية. إن الجديد القادم سيعكس ما يقرره المؤتمر بشأن قراءته ورؤاه لسمات المرحلة الوطنية والسياسية ومتطلباتها؛ ولطبيعة ومتطلبات المرأة الفلسطينية في ضوء الوضع الوطني الجديد، والذي يحمل ذات السمات العامة القديمة بحكم استمرار الاحتلال؛ مندمجة مع مستجدات وظروف جديدة نوعيا. وهي محطة لا بد وأن تخدم الخروج من عنق الزجاجة باتجاه توطين الاتحاد في وطنه؛ دون القفز عما يتصل بالمرأة الفلسطينية ومجمل اهتماماتها في سائر بلدان اللجوء والشتات، كما وأن تؤدي الخطوة التنظيمية الكبيرة التي يمكن أن نطلق عليها كتأسيس ثاني للاتحاد؛ الى إعادة الاعتبار لدور الاتحاد وتاريخه على أساس برنامجه الذي تتداخل فيها المهمات الوطنية والاجتماعية، مع تزايد متعاظم للوزن النوعي للقضايا الاجتماعية في إطار هذا التداخل.
ان زمن الكسب السريع قد ذهب، ولم تعد قوة المرجعية ورمزيتها والتفاف المجتمع حول برنامجها ومواقفها تؤدي حكما الى ذات القوة والالتفاف التلقائي حول الاتحاد، لذلك ينبغي العمل المخطط والطويل النفس مع النساء، والتعامل مع الأهداف الاجتماعية الموضوعية كأهداف طويلة الأمد، ومن موقع الإدراك بأنه لا يمكن حرق المراحل، ولا يمكن اكتساب الدور القيادي دون لمس القطاع النسوي للفوائد
والانجازات المتحققة على الأرض. فهذا هو الأمر الذي من خلاله يمكن به للاتحاد ان يقوي نفوذه في أوساط النساء. لقد قدم الاتحاد الكثير للقضية الوطنية والاجتماعية، ولا زال مطلوبا منه دورا تاريخيا اتجاه المرأة من جانب؛ واتجاه منظمة التحرير الفلسطينية من جانب آخر.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن