-شباب يفرح القلب-

فاطمة ناعوت
f.naoot@hotmail.com

2009 / 5 / 21

لو أن حدثًا كهذا، حدث في دولةٍ أخرى، عربيةً كانت أم أجنبية، لشعرتُ بالحسد، لا بالغبطة وحدَها، وهي اللونُ الأكثرُ عُلوًّا وإيجابيةً من الحسد الرديء السلبيّ. أن تقومَ جماعةٌ من شبابٍ حديثي العمر بتدشين دارٍ من أجل الاحتفاء بالكِتاب. الكتابُ وحدَه لا شريكَ له. رفعوا شِعارًا يقول "نحن نحترمُ الكتابَ!" ثم ابتنوا لأنفسهم، ولنا، موقعًا به أرشيفٌ موسَّعٌ يضمُّ كافةَ الإصدارات المصرية، قديمِها وحديثِها، مع تبيانٍ لسنةِ الصدور وعددِ الطبعات ودُوْرِ النشر وأمكنة التوزيع وسعر الكتاب وصورة الغلاف، ثم بيانًا بأسماءِ المؤلفين، أحياءً وأمواتًا، وتغطيةً مصوّرة للفعاليات الثقافية من ندواتٍ ومهرجانات ثقافية وحفلات توقيع، ثم تنظيم مسابقاتٍ ثقافية جوائزُها درّةُ الفكر وتاجه: الكتاب. ثم الأجملُ، والأكثرُ إنسانيةً وحميمية، هو توفير إمكانية استعارة الكتب، الورقية، من الدار أو عبر القراء الذين لديهم فائضُ كتبٍ في مكتباتهم، ثم الاضطلاع بتوصيل الكتاب من فرد إلى فرد، مع التعهّد بإعادة الكتاب المُعار من المستعير إلى المُعير.
هم أربعةٌ من الشباب تتفاوت أعمارهم بين التاسعة عشرة والثمانية والعشرين، أدركوا بعمق، بدايةً، أنهم ينتسبون، بحكم الميلاد والمواطَنة، إلى بلد مثقفٍ (كان مثقفًا)، بلد مستنيرٍ ومُنير للبشرية، بلد ذي حضارةٍ موغلةٍ في العراقة وريادة العالم، بلدٍ مازالت حضارتُه القديمة عَصِيّةً مُلْغِزَةً للعالمِين من علماءَ وباحثين في شتى مجالاتِ العِلم والمعارف من طبٍّ وفَلكٍ وهندسةٍ وتشكيلٍ ونحتٍ وتلوينٍ وتدوين؛ بلد جميل اسمُه مصر. ثم اكتشفوا، تاليًا، أن ميلادَهم هذا، جاء في لحظة غير مثقفة، وفي عهدٍ، من أسفٍ، يتفنَّنُ في قتل تلك الحضارة وإخماد ذلك النور، وطمس وتسخيف وإزهاق تلك الإعجازية الحضارية المُلْغزة! شبابٌ سمعوا من أجدادهم وآبائهم وأمهاتهم أن الكتابَ كان رفيقَهم اليوميّ، حتى الأمس القريب، قبل أن تغزوا مصرَ ثقافةُ الاستهلاك السريع والانحطاط الفكريّ، مع عصر الانفتاح وعهد استيراد ثقافاتٍ، لا تشبهُنا، من بلاد النِّفط والصحراء.
أحزنهم سوءُ توقيتِ ميلادهم، لكنهم، أولاً، لم ينغمسوا، مثل الكثير من مُجايليهم، في المطروح السائد من فراغِ مقاهٍ، وخواءِ فضائياتٍ تافهة، وغثاءِ غرفِ دردشة على شبكة عنكبوتية، تحفلُ بالغَثِّ، كما تحفلُ بالعميق، فترفّعوا عن إسلامِ آذانَهم وعيونهم لما تطرحه لهم لحظتُهم من ركاكةٍ وبلادة، وثانيًا، لم يكتفوا بالحزن الذي دثَّرَنا نحن المثقفين- فانقسمنا ما بين باكٍ على ماضٍ مُشِعٍّ انتهى إلى حاضرٍ مُعتم، وفقط، وما بين مناوئ هذي العتمة بالكتابة والعراك والمُساجلة، مع نَيْل ما يستتبعُ ذلك من هجومٍ وسَبٍّ بل واعتقال واغتيال أحيانًا. بل هم، عِوَضًا عن ذلك، أخذوا خطوةً للأمام، وقدّموا، في هدوء وذكاء، حلاًّ عمليًّا قد يدفعُ العجلةَ المتهاويةَ خطوةً للأمام.
أحمد الساعاتي، محمد مجدي، مصطفى الحسيني، محمد مفيد، قرروا أن يهبوا جزءًا ليس يسيرًا من أوقاتهم وجهدهم وعقولهم، لكي يَفيدَ منها أقرانُهم الشبابُ، والكِبارُ على السواء. هاكم عنوان موقعهم http://www.daralkotob.net/، الذي أدعوا قراء "المصري اليوم" الواعين أن يدخلوه ويشدّوا على أيادي هؤلاء الأبناء. فقط قولوا لهم إنّا معكم، وسوف ندعمكم أدبيًّا وفكريًّا ومعنويًّا، لأننا، جميعًا، نحتاجُ مثل هذا المشروع النبيل. مِدُّوهم بالكتاب وبالمشورة وبالسَّند الماديّ والأدبيّ، ذاك أنهم كما وصفهم الكاتب الجميل "بهاء طاهر" "شباب يفرح القلب."



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن