دين البرجوازية والذوات

ياس خضير محمد الشمخاوي

2009 / 4 / 16


أولت الشرائع السماوية والهيئات الدولية والمنظمات الإنسانية ومؤسسات عديدة ذات صلة ، أهتماما واسعا في رعاية اليتيم ، وقد عمل كل منهم بأساليب متنوّعة في توجيه أنظار العالم والضمير الإنساني لأحتضان اليتيم وأنتشاله من واقع الضياع وتداعياته ، والتي غالبا ما تصحبه في مراحله الأولى من حياته بعد رحيل أبويه عن عالم الدنيا .
مفارقة الحياة للوالدين تعني الكثير بالنسبة للطفل وعالم الطفولة ، فرحيلهما يعني رحيل الحنان والعطف والرقة والأحضان الدافئة واللمسات الحانية التي أعتاد أن يحصل عليها الإنسان في مرحلة الطفولة .
ولعل في خسارة الطفل لوالديه خسارة لنفسه وتربيته الصحيحة إذا ما تخلى المجتمع عنه ، وليس بعيدا أن يتحول إلى قنبلة موقوتة في أي لحظة يمكنها أن تنفجر وتحطم منْ حولها .
لذا فأن مسؤولية رعاية اليتيم مسؤولية ضخمة وحساسة ، تتعدى كونها مجرد قضية أخلاقية ، متروكة لنزعات إنسانية متعلقة بالرحمة والشفقة والمشاعر الوجدانية ، إنما هي واجبات إلزامية أكثر مما هي طوعية ، تقع مسؤوليتها على عاتق الدولة والمجتمع ، وقد أكتسبت صفتها الشرعية والقانونية من الناموس والدين فضلا عن تلك العهود والمواثيق والألتزامات الدولية المتعلقة بقرارات لائحة حقوق الإنسان .
ولمـّا كان لحالة اليـُتم من إنعكاسات جد خطيرة على واقع الحياة والمجتمع ، ألزمت التشريعات القانونية والدينية حتمية التعامل معها وأحتواءها بغية الحصول على طيف أوسع من العدالة الأجتماعية .
ومن هنا نلحظ أن الرسالات السماوية قد خاطبت المجتمع وفي أكثر من موضع بلغة الأمر لا بلغة التخيير في إعطاء حق اليتيم قبل أن يشرّع الإنسان دساتيره الوضعية بآلاف السنين ، كالذي جاء مثلا على لسان النبي أشعيا في الإصحاح الأول ، فقرة رقم 7 (( تعلــّموا فعل الخير ، كرّسوا أنفسكم لطلب الحق ، قوّموا الخاطئين ، حافظوا على حقوق اليتيم ، دافعوا عن حقوق الأرملة )) .
وأيضا نجد روح التطلعات الإنسانية تتجلــّى بوضوح في خطابات أخرى للحث على رعاية الأيتام والمحتاجين من خلال آيات بيـّنات في القرآن الكريم إذ نهى عن المعاملة الخشنة والأساليب الجافة بحقهم تجنبا لوقوع مفسدة أو ظلم إجتماعي .
(( فأمّا اليتيم فلا تقهر (9) وأمّا السائل فلا تنهر )) سورة الضحى.
(( وإذا حَضَرَ القسمة أولوا القربى وَاليتامى وَالمساكين فأرزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا )) النساء8 .
ولقد خص الله اليتيم في أكثرمن ستة عشر آية تقريبا لما له من منزلة عظيمة عند الله .
أما في رسالة يعقوب للأسباط ، فقد إعتبر عُمق الطهارة والأيمان ، تكمن في إفتقاد اليتامى والأرامل عند ضيقهم .
ثم جاء القرآن ليؤكد هذا المعنى في سورة البقرة (( ليس البرّ أن تولــّوا وجوهكم قِبـَـلَ المشرق والمغرب ولكن البرّ من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبهِ ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبن السبيل وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة )) .
ولقد قرن الخالق الأيتام بأمور مقدسة وعظيمة ، بل أنه قدّم ذكرهم على الصلاة والزكاة .
فضلا عن أنها أشارة واضحة من لدن الجليل ، من أن الألتزام الحقيقي والسمو الروحي يتعدى مفهومنا السطحي للدين والتديـّن وأنه أكبر من أن يكون مجرد طقوس تعبديّة جامدة محصورة بين الصلاة والصوم والقيام والقعود .
أما تلك الهينمات والتمتمة والأنحناءات في التحية ليست إلا ثرثرة ورياء وخداع في مقاييس الرب ما لمْ يكمن تحتها قلب حنون عطوف مسؤول ، شاعر بحياة البؤس التي تأكل أفئدة المحتاجين واليتامى والمساكين .
(( أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدعّ اليتيم ولمـّا يحض على طعام المسكين فويلٌ للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون )) سورة الماعون .
خطاب صريح تضمنته تلك الآية الكريمة لأصحاب الكروش المتدلية ، الذين حوّلوا جوهر الدين إلى مجرد طقوس وشعائر وتناقضات لا تمت بصلة لرسالة الخالق وطبيعته .
وإن كانت التناقضات شيء مألوف في طبائع البشر والمجتمعات ، ولكن بمثل تلك التناقضات التي يحظى بها مجتمعنا حقيقة لا سمعنا ولا رأينا .
فما أن يــُرفعُ الأذان حتى ترى الناس يدخلون في دين الله أفواجا ، ويتدافعون ويقتتلون إقتتالا ويكاد بعضهم يبعج خاصرة البعض من أجل الوقوف بين يدي الله في الصف الأول من الصلاة ، وماهي إلا دقائق عشرا أو أقل من الرهبنة والخشوع حتى يعودون كسيرتهم الأولى ، حيتانا وغيلان بوجوهٍ مكفهرّة ، لمجرد وقوف السائل والمحروم أمام قصورهم ودوائرهم .
وعجبا لقوم ٍ لا يخدش مسامعهم عويل الأمهات وصريخ اليتامى ، ولا تؤرّق مشاعرهم قط دولة الأيتام والتشرد ، التي ناءت شوارعها بحمل أكثر من خمسة مليون يتيم ، معظمهم يعيش دون مستوى خط الفقر .
ولسنا مبالغين إذ وضعنا الرقم ، فتلك إحصائيات خمسة منظمات عالمية من بينها منظمة اليونيسيف ، حيث أعطت للعراق ما شاء الله قائمة الصدارة في أنتاج الأيتام من بين دول العالم .
أفلا تقضّ مضاجع الأثرياء والمسؤولين والمترفين تلك المأساة المرعبة ؟ !
ألا منْ يسأل جناب مؤسسة الشهداء ، لماذا يصوّمون اليتامى والأرامل لمدة ستة أشهر خلت ؟ !
فمنذ رمضان المنصرم ورمضان اليتامى مستمر ، يتضورون جوعا وألما وأولاد الذوات ينعمون ويأكلون ويشربون !!!
أما والله لو جاعت قططهم .... لو سابت كلابهم ، لقامت الدنيا ولم تقعد !!
ما فائدة أن حجّوا وصاموا وخلفهم أيتاما ينوحون ويصرخون ؟ !
وأين هم من خـُلـِق زين العابدين وعلي بن يقطين ؟ ؟!!

ياس خضير محمد الشمخاوي
رئيس منظمة حوار الديانات
Yas_alshamkhawi@yahoo.com
http://www.rezgar.com/m.asp?i=1846



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن