العجوز الشمطاءعند خط الشروع / قصة قصيرة

حيدر الحيدر
hyder.alhyder@yahoo.com

2009 / 4 / 16


كانت ليلة غاب عنها القمر، ساعة افزعتني تلك المرأة العجوز.
حينها كنتُ مستلقيا على ظهري فوق ذلك السطح الترابي الناعم لبيت بغدادي قديم ، تحيط معظم جهاته مستطيلات منتظمة من قطع ( الجينكو )المخروم بين مسافة وأخرى بفتحات دائرية من الاعلى تسمح بمرور الهواء في ليالي تموز وآب .
أطَلتْ العجوزُ بثوبها الداكن المخيف من فتحة ( البادكير) *
كان اول ما ظهر منها اصابعها الطويلة التي تنبت في مقدماتها اظفار معكوفة الى الاسفل كأنها مخالب حيوان مفترس .
ما لبثتْ ان دفعت بكتفيها الى الاعلى من الفتحة واخرجت رأسها الأشمط الكثيف ، وما ان نظرتُ الى عينيها الحمراوين اللتين يشع منهما بريق مرعب حتى كشفتْ عن انيابها المدببة البيضاء واخذ تْ تقهقه بصوت مرتفع متشنج اشبه بنعيق. تشق بقهقهتها عنان السماء ، الا ان احداَ من الجيران لم يسمعها سواي انا
المرعوب من هول تلك المفاجئة ...........
قفزت ُ صوب مشربة الماء المصنوعة من الفخار،المثلومة من اعلاها . امسكتـُها بكلتا يدي ،
ثم رميتها بإتجاه الشمطاء . لكن المسافة القصيرة التي تفصلنا
افرغت تلك المشربة من ثقلها ، فسقطت امامي ، كقطعة من اسفنج خفيف .
تعجبتُ من تلك الحالة الغريبة ! بيد ان العجوز استمرتْ في نعيقها المخيف مشيرة لي بأصابعها المرعبة ، مما جعلتني اهرب منها راكضاَ تبتلع قدماي شوارع الليل هلعاَ ..............
هرولتُ خلف حافلة نقل الركاب ذات الطابقين ، لغرض اللحاق بها فقد كانت آخرحافلةٍ تتجه صوب المرآب في تلك الليلة .
لم يكن الشارع المفروش بالأسفلت الاسود يزدحم بألناس في آخر الليل، الا انني كنت اصطدم بزرافات من النساء ذوات عباءات سود ، يقطعن عليً طريق اللحاق بالحافلة الحمراء .......
ركضت غير مبالٍ بهن ،وقد ازداد عددهن غير المألوف في تلك الساعة المتأخرة .
وحين وصلت الى مقربةٍ منها ، اذا بالعجوز الشمطاء تظهر امامي من جديد مقهقهة وهي تحول بيني وبين ركوب الحافلة ....
عكستُ اتجاهي فراراَ منها . تركتُ الشارع والحافلة والناس والمدينة بأسرها .... 
عبرتُ مسافات حتى وصلت لحافات القضبان الحديدية الممتدة طولاَ ، وانا بين الذهول والارهاق احاول ان استجمع قواي ،............
يمر قطار سريع من امامي ، اشاهد اصحابي ممسكين بأبواب عرباته ....يلوحون لي بفرح : اصعد ..اركض .. اسرع .. الحق بنا ..
اسرعت راكضاَ خلف قاطراته بتوازي تلك القضبان ، حتى امسكت ُبذيل آخر قاطرة ، واذا بالعجوزالشمطاء تدفعني بقدميهاالصلبتين ، وهي تنعق من على تلك القاطرة ، تدحرجت بين القضبان ، ........ شعرت بالحصي وهي تصطك بظهري واضلعي .... تقلبت فوقها متألماَ .
نهضت لعلي اريح عظامي قليلاَ من تلك الحصي الناعمات التي تفترش الثكنة القديمة في معسكر المنصورية .
لم اتعود النوم فوق الحصي من قبل ، لكنها كانت الليلة الاولى لألتحاقي بكتيبة تدريب الدروع .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*البادكير : منفذ للهواء في البيوت البغدادية القديمة .
حيث يمتد بجوار الجدار من السرداب حتى اعلى سطح البيت .
والسرداب : بناء تحت الارض اي الطابق السفلي من البيت .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* حيدر الحيدر / معسكر المنصورية ـ ديالى /11/8 /1974
من مجموعتي القصصية ( أصداء تدوي في فضاءات احلامي )
ترجمها الى اللغة الكردية الاستاذ : محسن بني ويس
ونشرت في جريدة خانقين في تموز 2004



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن