كل - نوروز - وأنتم بسلام

صلاح بدرالدين
kurdarab2004@yahoo.com

2009 / 3 / 21

نوروز ويعني في بعض اللغات ومنها الكردية – اليوم الجديد – من أقدم المناسبات التي عرفت منذ مئات السنين قبل الميلاد وأكثرها استحواذا على الاحتفاء بها من شعوب وأقوام كثيرة متعددة التي تختلف في طرق التعامل معها وقراءة تاريخها وتفسيرمعانيها وتجسيد طقوسها ومن الشعوب التي عرفت نوروز منذ القدم اضافة للشعب الكردي – الفرس – اللذين يعتبرونه أول يوم في السنة الايرانية و – الأفغان - بغالبية قومياتهم من بشتون وطاجيك وبلوج وهزار ولهذا العيد تقاليد خاصة لديهم مثل – مائدة نوروز – التي تتكون من سبعة أصناف تبدأ بحرف السين باللغة الفارسية وفي سياق مختلف ولكن مشابه يحتفلون به في مصر تحت اسم عيد – شم النسيم – وهو واحد من أعياد مصر الفرعونية يرجع تاريخ الاحتفال به حسب بعض المصادرالى ما يقرب من نحو خمسة آلاف عام ويتحول الاحتفال بعيد "شم النسيم" – مع إشراقة شمس اليوم الجديد إلى مهرجان شعبي، فيخرج الناس إلى الحدائق والحقول والمتنزهات، حاملين معهم أنواع معينة من الأطعمة التي يتناولونها في ذلك اليوم، وهي أطعمة مصرية ذات طابع خاص ارتبطت بمدلول الاحتفال بذلك اليوم – عند الفراعنة - بما يمثله عندهم من الخلق والخصب والحياة, وقد أخذ اليهود عن المصريين احتفالهم بهذا العيد، فقد كان وقت خروجهم من مصر – في عهد النبي"موسى" مواكبًا لاحتفال المصريين بعيدهم، وقد اختار اليهود – على حَدِّ زعمهم - ذلك اليوم بالذات لخروجهم من مصر حتى لا يشعر بهم المصريون أثناء هروبهم حاملين معهم ما سلبوه من ذهب المصريين وثرواتهم؛ لانشغالهم بالاحتفال بعيدهم، ويصف ذلك "سِفْر الخروج" من "العهد القديم" بأنهم: "طلبوا من المصريين أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثيابًا، وأعطى الرَّب نعمة للشعب في عيون المصريين حتى أعاروهم فسلبوا المصريين", واتخذ اليهود ذلك اليوم عيدًا لهم، وجعلوه رأسًا للسنة العبرية، وأطلقوا عليه اسم "عيد الفِصْح" – وهو كلمة عبرية تعني: الخروج أو العبور – تيمُّنًا بنجاتهم، واحتفالاً ببداية حياتهم الجديدة, وعندما دخلت المسيحية مصر جاء "عيد القيامة" موافقًا لاحتفال المصريين بعيدهم، فكان احتفال النصارى بعيد الفصح – أو "عيد القيامة" – في يوم الأحد، ويليه مباشرة عيد "شم النسيم" , ويحتفلون بهذا العيد في جنوب العراق و يسمى محلياً عيد الدخول ولنوروز مكانة روحية لدى الطائفة العلوية في سوريا حيث يحل – نشيد نوروز – في مقدمة الأناشيد الذي يتلى في مناسباتهم الدينية ولشاعرهم الكبير الراحل – أحمد سليمان الأحمد – قصائد بالمناسبة .
نوروز كريا
ينفرد الشعب الكردي في اتخاذ نوروز كأهم وأعظم مناسبة قومية منذ القدم واكبها أدبه الشفاهي من شعر وفولكلور وغناء وجسدها حركته القومية التحررية في أدبياتها السياسية التعبوية بمختلف مراحل كفاحها وأشير اليها اعلاميا بالحفاوة والتكريم منذ صدور الصحيفة الكردية الأولى – كردستان – منذ أكثر من قرن وظهر اهتمام الشاعر الكبير ملا احمدي جزيري (1407-1481) بهذه المناسبة في قصيدة له بخصوص "نوروز" حيث يشير إلى نورها الابدي المعبر وهي مناسبة لرأس السنة والاحياء والانتعاش. اما الشاعر والفيلسوف احمدي خاني (1650-1706) صاحب ملحمة "مه م وزين" التي تنعكس فيها آمال وطموحات شعبه في الحرية والاستقلال فهو كذلك يشيد بهذه المناسبة ويشير إلى خروج الناس إلى الطبيعة للاحتفال بعيد "نوروز" والتعبير عن نزهة القلب ولدى مولوى (1806-1882) شاعر الطبيعة والحب نجد في "نوروز" علامة بداية فصل الربيع والنماء. وفي قصيدة "نه وروز" للشاعر وفائى (1841-1902) شاعر الغزل والهيام نجد بأنه يرى في حلول الربيع واطلالة "نوروز" انتعاش الهوى والحب بين العشاق وتبادل الرسائل القلبية بينهم أما الشعراء الكرد المعاصرون من المدرسة الواقعية أمثال – كوران – و – جكرخوين – و – قدري جان – فقد تناولوا نوروز اضافة الى معانيه القومية كرمز للحرية والسلام والتعايش بين الكرد والشعوب الأخرى لذلك يمكن قراءة نوروز في الميثولوجيا الكردية بجانبيها شبه الأسطوري المنتقل من جيل الى آخر لأكثر من ألفين ونيف من الأعوام والواقعي المعاش الذي بدأت معالمه تستقر في الوعي الجمعي الكردي لتشكل جزء من الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية وقيمة قومية تراكمت لتتفاعل مع مستوى وتيرة بلوغ الوعي القومي الكردي في العصر الراهن بمواصفاتها الانسانية ومضمونها الديموقراطي .
في الجانب الأول تدور قصة نوروز المثيرة حول الطاغية – أزدهاك – الذي تسلط على الكرد وتم التخلص منه منذ – 2621 – من السنين أي عام – 612 – ق م وهو بداية التقويم الكردي الذي يتوافق مع التحديد الزمني لتاريخ نوروز من جانب الأقوام المعروفة بالهندو – أوروبية المحتفية به وفي سرد ما يشبه الاسطورة تمضي القصة بشرح مرض أصاب الحاكم نصحه الأطباء بتناول مخين بشريين كل يوم كدواء لعاهته فيما عمد المسؤول المكلف بالتنفيذ بدافع الاشفاق الى الاكتفاء بواحد واضافة مخ خروف وارسال الناجي ليتوارى في الجبال وبمرور الزمن يصل أعداد الناجين الى الألوف ليتصدرهم حداد اسمه – كاوا – ويقودهم الى الثورة والقضاء على – أزدهاك – الظالم في الواحد والعشرين من آذار حاملين المشاعل والتي مازالت معمول بها حتى الآن عشية نوروز المتعارف عليها – بشعلة كاوا – وهناك من يعيد اشعال النار- المقدسة - الى طقوس – الزردشتية – التي كانت الديانة الكردية الرسمية وانطلقت من كردستان الشرقية كما هو معروف .
في جانبه الآخر الملامس للواقع الحسي الموضوعي يظهر نوروز كأول يوم في الرزنامة الكردية يتساوى فيه الليل والنهار وهو بداية الربيع وقع فيه أهم وأعظم حدث في بلاد الكرد وهو التحرر من نير الظلم والاضطهاد مما يضفي عليه عددا من السمات تجتمع في آن واحد : الرمزية التاريخية في قدسية النوروالناروالشخصية الحضارية المستقلة وعشق الطبيعة الخلابة وثورة الجياع المهمشين في سبيل الحرية والصراع بين الخير والشر وبخلاف الكرد فان معظم الأقوام التي تحتفي بنوروز كل على طريقته اجتاز مرحلة التحرر القومي ويمارس طقوسه في كيانات مستقلة مما جعل الكرد أكثر تمسكا بنوروز الى درجة تحوله الى أحد علائم حركتهم القومية التحررية وبندا من بنود برامج كفاحهم وباستثناء كرد ايران الذين يحتفلون بنوروز اسوة بالفرس والشعوب الأخرى في ظروف شبه طبيعية فقد كان ممنوعا وغير مجاز في الأجزاء الأخرى الا أن تم الاعتراف به كعيد رسمي منذ اتفاقية الحادي عشر من آذار لعام سبعين في العراق وهو الآن عيد قومي تتعطل فيه الدوائر الحكومية لأربعة أيام في اقليم كردستان العراق الفدرالي أما في تركيا وسوريا فمازال في قائمة الممنوعات .
منذ بدايات ظهور الحركة القومية الكردية وهي تحتفي بنوروز بوسائل متعددة وأتذكر ومنذ سنوات النصف الثاني من خمسينات القرن الماضي وبعد قيام الحزب الديموقراطي الكردستاني – سوريا كنا نقوم بأيام نوروز وخلال اجتماعات الفرق والهيئات باشعال الشموع وشرح معاني هذا العيد في غاية السرية وبعد كونفرانس الخامس من آب عام خمسة وستين وانبثاق اليسار القومي الديموقراطي وضعنا خططا لاخراج نوروز من بين جدران أربعة الى الفضاء الأوسع وتحويله تدريجيا الى عيد شعبي جماهيري يحتفى به علنا رغم اجراءات المنع والاعتقال والتنكيل وفي نوروز عام 1986 منعت أجهزة الأمن بدمشق توجه عائلات حي الأكراد الى أطراف الغوطة للاحتفال وأوقفت وسائل مواصلاتها فما كان من الجموع الا أن توجهت الى القصر الجمهوري لتقديم الشكوى الى رئيس البلاد فأمطرهم الحرس الرئاسي بوابل من الرصاص استشهد جراء ذلك – سليمان آدي – كأول شهيد من شهداء نوروز وفي عام 2004 وعشية التحضيرات لأعياد نوروز قدمت مدينة القامشلي والمدن والبلدات الكردية الأخرى أكثر من ثلاثين شهيد ومئات الجرحى والمعاقين كضحايا للسياسة العنصرية حيث عرفت الهبة الكردية آنذاك بانتفاضة آذار ونوروز وبعد أربعة أعوام استشهد في نوروز ثلاثة شبان من القامشلي برصاص أجهزة النظام لأنهم كانوا يشعلون الشموع بالمناسبة وهكذا أصبح نوروز جزء من الحياة السياسية الكردية حلوها ومرها ويتصدر مطالب الحركة الكردية في سوريا وتركيا للاعتراف به عيدا رسميا .
ياترى ماذا يحمل لنا نوروز هذا العام في ظل نظام الاستبداد في بلادنا ؟



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن