قمة الثلاثة الكبار و إرهاصات الوحدة العربية

سعيد موسى

2009 / 3 / 11


((مابين السطور))
من بؤرة التوترات تولد الانفراجة, من ذروة الغياب يصنع الحضور, من أساطير الأحلام تنبثق الحقائق, إنها ترنيمة الحلم العربي,هي حلم الملايين والمليارات من البشر, فقد بلغ الخصام والتشرذم العربي مابلغ من احتراب سياسي, وصل إلى حد القطيعة والاستعداء, بل كاد أن يصل إلى حد الاقتتال الشامل, انقسم العرب بسبب التأثيرات الخارجية إلى محاور تجسد قتل الحلم العربي, وكان وقود الاحتراب السياسي خطابات الممانعة في مواجهة خطاب الاعتدال, والمعيار بين تعدد الخطابات هو مسار السلام والتسويات, حتى انشطر العالم العربي على مستوى الأنظمة والقيادات وبعض الكتل الشعبية التابعة والهيئات, إلى معسكرين محتشدان هما معسكر الاعتدال كنهج لاستعادة الحقوق العربية في ظل الهيمنة الغربية الأمريكية بعد سقوط المنظومة والقطب الاشتراكي للمعسكر الشرقي, ومعسكر الممانعة والذي لايملك من مفهوم الممانعة عمليا سوى استعداد للدفاع عن النفس دون جدوى, فقد كان ذلك الانشطار أرضية خصبة لمزيد من العدوان على الأنظمة والشعوب العربية, ثم يليه تراشقا نيراني بين عواصم الاعتدال وعواصم الممانعة, حتى بدت تلك التقسيمة عديمة الجدوى, وان لاخيار أمام العرب مجتمعين ومتفرقين, في ظل موازين القوى الحالية عسكريا وسياسيا, إلا لملمة الأشلاء وإنقاذ مايمكن إنقاذه, ولا ضرر لتبني إستراتيجية الاعتدال, وتفعيل هذا التبني بحماية إجماع عربي, يمكنهم من بناء أرضية صلبة لجعل ذلك التوجه السلمي المعتدل , من منطلقات قوة إجماع عربي للامساك بأطراف العروبة من محيطها حتى خليجها, لان مزيدا من الانشطار يعني مزيد من الضياع, مزيد من المزايدات العربية الجوفاء, يعني مزيدا من العدوان الغربي الصهيوني, وفرض مزيدا من الوصاية على مقدراتنا وقضايانا, العدوان يعني استثمار المحاور العربية بمزيد من الدعم الغربي لهذا الطرف ضد ذاك, بل وتفعيل التشكيك وعدم الثقة بين تلك المحاور, وتوجيه البوصلة العربية صوب مخاطر هيمنة إقليمية, واستخدام السلوك الإيراني من احتلال الأراضي العربية وحتى تهديد دول مجاورة عربية أخرى بالضم, والتلويح بزعزعة الاستقرار لدى الأنظمة العربية لمعسكر الاعتدال, استخدام هذه السلوكيات الغير محسوبة كسيف مسلط على رقاب الأنظمة العربية المهلهلة.


يبدوا أن العرب في هذه الحقبة بالذ1ات على مفترق طرق خطير, لان ميلاد المشروع الشرق أوسطي في مخاضه الأخير, هناك إسقاط لأنظمة عربية وتثبيت ودعم لأنظمة أخرى, هناك رغبة عربية ودولية لتعميم ثقافة الاعتدال في مواجهة الحسم للقضايا العالقة بالمفاوضات والتسويات بعيدا عن الحروب والأدوات العسكرية, ولازلت اكرر مكاتبته سابقا منذ عدة سنوات, حول الإستراتيجية الغربية وتحديدا الأمريكية" لاحرب دون مصر ولا سلام دون سوريا", الأزمات العربية وصلت إلى سقف خطها البياني الخطير, ويبقى أن يخرج من بين القيادات العربية المسئولة, في ظل التوافق على الإجماع العربي بمنهج الاعتدال, لان يحددوا مسار سلامة الانحناء ونزول ذلك الخط البياني للأسفل, وإيصال ذلك الخط البياني العربي بسلامة واقل الخسائر إلى قاعدة الوفاق وبر الأمان.


في ظل هذا السياق حدثت الانطلاقة التي تبشر بالخير في قمة الكويت العربية, وفي ظل ظروف ومتغيرات غاية في التعقيد والخطورة, حيث هجمة الإبادة الصهيونية على غزة, ومرافقتها بهجمة مزايدات عربية وإقليمية تسير بنفس اتجاه تدمير الحلم العربي وإعادة القضية الفلسطينية إلى مستنقع النكبات دون أرضية عربية موحدة بل ممزقة لصالح أطراف إقليمية ودولية, ولصالح الكيان لاحتلالي الإسرائيلي بالمقام الأول, وفي ظل الانقسام الفلسطيني الكارثي والعدوان, كانت مبادرة خادم الحرمين الشريفين بالقول والعمل والإصرار على مصالحة عربية لتفادي كارثة عربية وفلسطينية محدقة, حقا كانت مبادرة مباركة ومسئولة, أتت أوكلها ميدانيا بسرعة غير مسبوقة, لان الخطر الداهم لم يعد مستترا بل يلامس الأنظمة والعواصم العربية تحت العديد من المسميات, وتصفية القضية الفلسطينية بدا واضح المعالم, على أرضية التمزق العربي الفلسطيني, أقول كانت مبادرة مسئولة ولم تنطلق فقط من موقف سعودي منفرد, بل من منطلق محور الاعتدال ومن يدور في فلكه من الدول العربية الأخرى.


وقد وضعت التحديات العربية في ظل عالم متغير, على طاولة المسئولية, وان لافائدة من تقسيمة المحاور ممانعة واعتدال, إنما هي مسميات تخدم أجندات خبيثة غير عربية, وبدا واضحا أن الجمهورية العربية السورية, وقيادتها السياسية انتبهت جيدا إلى مسار الخطر, وأهمية استعادة دورها القيادي الريادي العربي التاريخي, وأهمية استعادة أرضها المحتلة ولاضرر باستعادتها بالاتفاق والتفاوض, لغياب إمكانية الاستعادة بالحروب في ظل اختلال الموازين والانشطار العربي, كما توقعنا فان مسار السلامة العربي يتجه بخطى حثيثة ومسئولة ومحسوبة صوب التوافق متخطين بذلك جبالا من المعيقات التي خلفتها رحلة الفراق والطلاق العربي لصالح أطراف غير عربية.


نشهد اليوم حراكا سياسيا دوليا, يوازيه حراكا سياسيا عربيا, واعتقد أن الحراكين متوازيين على أرضية الاعتدال في مواجهة التطرف والممانعة الصهيونية, لأي إرهاصات وحدة عربية أو وحدة فلسطينية, أو تغير في موازين العمل السياسي الأوروبي الأمريكي للتعاطي مع القضايا العربية عامة والقضية الفلسطينية خاصة, ومنذ قمة الكويت التاريخية ومسار العمل العربي يتجه صوب لم شمل أضلاع المثلث القيادي التاريخي العربي, بأضلاعه وزواياه المتساوية وقممه القيادية الثلاث, وهو مايرتقب حدوث غدا بإذن الله في المملكة العربية السعودية, بعد جهود سعودية مكثفة وحثيثة وعلى جميع المستويات, خاصة بين العاصمتين المصرية والسورية, وهما الأساس في أي إستراتيجية عربية قادمة, فالاعتدال في ظل هذه المصالحة تعني قوة, والممانعة تعني قرارا عربيا موحدا, ينطلق من هذه المحاور القيادية التاريخية الثلاث, وتجميع توليفتها العربية ولا أقول توابعها من باقي الدول العربية, إنما اقصد أن إغلاق أضلع المثلث بالمصالحة والتوافق والوحدة, يجعل من باقي الدول العربية حشوة وجوهر ذلك المثلث القيادي المحوري, ليضم بين جنبات أضلعه 22 عضوا عربيا يعيدون صياغة الهيكل الوحدوي العربي إلى شكل المربع أو حتى الشكل السداسي بالحراك الداخلي وصولا إلى تحويل هيكل المثلث الملتحم إلى الهدف الدائري المنشود, ليدور الكل العربي في فلك الوحدة العربية حول محور واحد لا عدة محاور, ويتخذون قراراتهم بالتوافق الموحد, سواء صوب الاعتدال أو الممانعة الموحدة لتحقيق مصالحهم في إطار خلية عمل عربي مشترك.


مسارين قد يرسمان خارطة طريق لاستعادة ما أفسده دهر النزاعات العربية الخطيرة, هما مسار الزحف الثلاثي المصري السعودي السوري كأرضية وسقف لرسم ملامح المرحلة التاريخية العربية القادمة, ومسار الزحف الفلسطيني الفلسطيني صوب القاهرة برعاية مصرية عربية, من اجل مصالحة كبرى ومصالحة صغرى, تشكل كل العناصر اللازمة لانطلاقة عربية جديدة, فالتحديات المحدقة تتطلب إصرار على التنافس لإنجاح هذين المسارين الاستراتيجيين, وان فشلهما لن يكون معناه مجرد بقاء الوضع على ماهو عليه, بل تدرك الأطراف جميعها وخاصة الممانعة منها أن القادم ليس في صالحها على الإطلاق, لذا فان الجميع يقف على رؤوس أصابعه استنفارا من اجل تحقيق هدف المصالحة, الذي سيكون أرضية متينة لعمل عربي وحدوي مشترك في المرحلة القادمة بتحدياتها الأوسطية , التي لن تكون في صالح أي عربي دون نجاح مساري المصالحة في القاهرة والرياض, وهنا لست متشائما رغم أن الخشية تكاد تعصف بكيان كل عربي يحلم بالوحدة, خشية أي منغصات غير عربية تستميت في الحيلولة دون مصالحة عربية بشكل عام, وسورية مصرية, وفلسطينية فلسطينية بشكل خاص,والتقدير هنا ليس مسالة تفاؤل وتشاؤم, بل المعطيات على الساحة الفلسطينية والعربية والإقليمية, لاتحمل ولا تحتمل عدة خيارات مصالحة من عدمها, وليس هناك وقت في ظل المتغيرات الدولية لأي مناورات ومزايدات ومهاترات, فان الوضع العربي برمته يقف على منعطف طرق, ومن يجدف باتجاه التيار سيعصف به, وان الأهم في ذلك هو وحدة الممانعة مع وحدة الاعتدال في دائرة عربية واحدة, تختار وتنتقي أدوات الممانعة والاعتدال حسب مقتضيات المصلحة العربية المشتركة, القائمة على الاحترام المتبادل بين أعضاء الدائرة من بعد مثلث, احترام السادة واستقلال القرار في إطار استقلال القرار العربي الموحد.


في الأيام القليلة القادمة, وقبل مؤتمر الدوحة الدوري في الثامن والعشرون من الشهر الجاري, وقد دعونا القيادة القطرية لان تحرص على احتضان قمة عربية تاريخية بمعنى الكلمة, وذلك بدعم المصالحة الفلسطينية بخطوات ملموسة إعلامية وسياسية, فيكون لقطر في ذلك انطلاقة سياسية ودورا شرعيا ينطلق من التوافقات لا من التناقضات, فمجرد القمة السورية السعودية المصرية, هي غطاء صريح ولا يحمل اللبس لتوافق عربي على أهمية ودعم المصالحة الفلسطينية الفلسطينية, وهي بالتالي انطلاقة حقيقية في معترك السلام, لتفعيل العمل العربي المشترك الخامل منذ عشرات الأعوام, وما تسببه ذلك من محاور واستقطابات إقليمية, لاترقى لموقع الدفاع عن أي خطر زاحف على إحدى العواصم العربية في مواجهة العدوان الغربي والصهيوني بغير التهديدات الخطابية المخزية, ولعل عدوان الإبادة الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني مؤخرا في غزة, وضع النقاط على الحروف, وانه لامجال ولا خيار إلا بوحدة الموقف العربي ووحدة الصف الفلسطيني, مقدمة لوحدة عربية في مخاضها العسير, قد يكون أسبابها مؤثرات ومخاطر خارجية أكثر من حقيقة النوايا الوفاقية الداخلية العربية, لكنها خطوة الخطوات بل وثبة إستراتيجية ومنطلقا قويا عربيا, لمواجهة التحديات التي عصفت ومازالت تعصف بالواقع والحقوق العربية بسبب الفرقة والشتات, ومن ثم التفرغ لإنهاء الأزمة في السودان بعيدا عن شبح الحرب الأهلية الشاملة والتقسيم.


يحدونا الأمل وكلنا ثقة بان يزف بشائر إطلاق عرس الوحدة العربية وعرس الوحدة الفلسطينية في سباق مع المخاطر والزمن خلال الأسابيع إن لم يكن الأيام القليلة القادمة, ترقبوا ميلاد مرحلة جديدة وتوجهوا إلى الله بالدعاء لإحلال الوفاق محل الشقاق,,,, والله ولي التوفيق



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن