مكافحة الارهاب واصلاح السلطة الفلسطينية

لطفي حاتم
LutfiHatem@hotmail.com

2002 / 6 / 8

 

اثار ولايزال الغزو الاسرائيلي لاراضي السلطة الفلسطينية الكثير من الاشكالات والتساؤلات اهمها : ماهي اهداف ذلك الغزو الهمجي ؟ وما هي مسوغاته وتبريراته القانونية والسياسية ؟ ومنها هل ان الغزو الاسرائيلي محاولة جديدة لنسف اتفاقيات مدريد التي كانت ثمنا" دوليا" للعرب بعد حرب الخليج الثانية؟ وقبل هذا وذلك هل هناك علاقة جدلية بين اهداف الاستراتيجية الامريكية الهادفة الى احكام سيطرتها على توجهات الامن الاقليمي وبين استمرار العدوان الاسرائيلي ؟  .

اسئلة كثيرة واجتهادات متعددة تقررها  الانتماءات الفكرية لهذا الكاتب او ذك. من جانبي  احاول التوقف عند  واحدة من المطالبات الامركية ـ الاسرائيلية التي تشكل حلقة  خطيرة  في مسار تطور القضية الفلسطينية وافاق حلها واعني بتلك الحلقة ما اصطلح على تسميته باصلاح السلطة الفلسطينية.

من المعروف ان الحكومة الاسرائيلية وفي هجموها المتواصل على الشعب الفلسطيني تعللت  بمكافحة الارهاب وصيانة امنها القومي مدعومة بقوة من الدبلوماسية الامريكية وبهذا الاتجاه  فان الرؤية الاسرائيلية ـ الامريكية  لحل القضية الفلسطينية  ترتكز  على ثلاث مسارات مترابطة تتحدد ب: ــ -1 - معالجة القضية الامنية المستندة على قاعدة مكافحة -الارهاب - التي تطورت واتخذت  تسمية اصلاح السلطة الفلسطينية . - 2 - : المؤتمر الدولي  المنوي عقده  لاحقا" والذي يشكل في حال انعقاده  بديلا" عن مرجعية مدريد وقرارات الشرعية الدولية . - 3 - : اقامة دويلة فلسطينية بحماية دولية. .

استنادا" الى تلك الرؤية  تواجهنا الاسئلة التاليه : ـ  ماذا يعني اصلاح السلطة الفلسطينية ؟ ولماذا اصبح هذا الاصلاح شرطا" امريكيا"ـ اسرائليا"لاطلاق  العملية الدولية لحل المشكلة الفلسطينية ؟ .

محاولة الاجابة على التساؤلات المذكورة تكمن في استعراض توجهات الدبلوماسية الامريكية المرتبطة  بمكافحة الارهاب .

 

                                 عقلية عدوانية وسياسة متغطرسة

 

شكل هجوم  سبتمبر الارهابي على رموز السيادة الامريكية ذروة التحول في اتجاه تطور العقلية الامريكيةونمط معالجتها لتوترات السياسة  الدولية والنزاعات الاقليمية , ورغم ان مضامين تلك العقلية  لم تكن وليدة الظروف التاريخية الملموسة الا ان  احداث سبتمبرالدامية اعطتها زخما" جديدا"  مستندة على  انهيار التوازن العسكري الاستراتيجي الذي ارخ حقبة المعسكرين وما نتج عن ذلك الانهيار من تحولات جذريةعلى صعيد  معالجة التوترات الاقليمية والصراعات الوطنية  وهنا نشير الى ان انفراد الولايات المتحدة الامريكية في تقريرمسارات  السياسة الدولية ارتكز على قيادتها للتشكيلة الراسمالية المعولمة بمستوياتها المتقدمة منها والمتخلفة.

انطلاقا" من تلك المؤشرات دعونا نتوقف بعجالة عند مضامين واتجهات الدبلوماسية الامريكية في الظروف التاريخية الملموسة والتي يمكن حصر  ملامحها في : ـ

اولا" : ــ التدخل في النزاعات الاقليمية خاصة في المناطق الحيوية لامنها الاستراتيجي بهدف اخضاع  تلك النزاعات لمسار تطور مصالها الاساسية . بكلام أخر ادخال تلك النزاعات في صلب السياسة الخارجية للدولة الامريكية , وعدم السماح لاطراف دولية اخرى في المشاركة في ايجاد حلول لها تستند الى الشرعية الدولية .

ثانيا" :  ــ استخدام العنف بشكلية العسكري والاقتصادي بهدف تخريب البنى التحتية  للدول الخارجة عن - الشرعية - الامريكية وماينتج عن ذلك من اهتزازات وتبدلات في المواقع الطبقية لمكونات التشكيلات الوطنية الامر الذي يجعلها في حراك مستمر تتغير في مسيرته ـ الحراك الاجتماعي ـ  مواقع الفئات والطبقات الاجتماعية  وقدراتها على مواصلة نضالها الديمقراطي  المناهض للانظمة الاستبدادية والهيمنة الدولية الامريكية .

ثالثا" : ــ يستهدف العنف بمستوياته المتعددة اعادة صياغة الانظمة السياسية بهدف تحطيم ماتبقى من استقلاليتها النسبية ومقاومتها الوطنية ضد الاملاءات الخارجية...

ان محددات السياسة الامريكية قادت الى نتائج باهضة الثمن على فصائل الحركة  التحرريةالوطنية العالمية تمثلت في : ـ 

ـــ  انهيارالمكاسب الاقتصادية الاجتماعيةالتي حصلت عليها  شعوب العالم الثالث في كفاحها الوطني  بعد تبني غالبية الدول الوطنية وصفات الليبرالية الجديدة الامر الذي افضى الى افراغ   التوجهات الوطنية التي حملتها القوى الطبقيه الماسكة بسلطة الدولة السياسية من فعاليتها السياسيه .

ــ اضعاف المؤسسات السيادية للدول الوطنية من خلال تداخل عمليات الاشراف والتدريب والتسليح والمناورات المشتركة بين الجيوش الوطنية والمؤسسة العسكرية الامريكية . هذا اذا اسثنينا التداخل والتشابك بين انشطة الاجهزة الامنية والمخابراتيه للدولة الوطنية  ووكالة المخابرات المركزية

 ــ تكتمل محددات الدبلوماسية الامريكية عند تعيين موقفها من الاحزاب والتيارات السياسية في الدول الوطنية والذي يتجلى في نهجيين مترابطيين الاول منهما: ـ تدمير المنظمات الثورية التي تتبنى الكفاح المسلح بهدف تحرير بلادها من الاحتلال الاجنبي او تلك التي تكافح ضد الانظمة الاستبدادية . وفي هذا الاطار نشير الى ان تدمير تلك الحركات يستند الى تدمير - الملاذات الامنه - ومايعنيه ذلك من استخدام القوة ضد الدول المساندة للحركات الثورية والديمقراطية . وثانيهما : ـ محاولة احتواء التيارات السياسية المناهضة للانظمة الديكتاتورية بهدف تمكينها مستقبلا" من احتلال المواقع المقررة  في سلطة البلاد السياسية كواجهة امريكية. . .

ان  سلوك الدبلوماسية الامريكية في تعاملها مع المقاومة الوطنية الفلسطينية المشروعة تشكل مزيجا" من النهجيين نهج الاحتواء ونهج التدمير اذن دعونا نتوقف عند موضوعة اصلاح السلطة الفلسطينية

 

                           اصلاحات- ديمقراطية - بوصاية امريكية

 

بدا" نشير الى ان مكافحة الارهاب افضى الى عسكرة السياسة الدولية وما يعنيه ذلك من اعتماد  منطق القوة  في حل الخلافات الدولية ويتجلى منطق القوة في اعتماد الادارة  الامريكيةعلى دبلوماسية حربية.  بمعنى ايكال الدور المقرر في السياسة الدولية الى البنتاغون ووكالة المخابرات المركزية حيث تتعاون هاتان المؤسستان على رسم توجهات الدبلوماسية - العسكرية - ان صح التعبير  وفي هذا الاتجاه تنشط وكالة المخابرات المركزية في التغلغل في الكثير من الاجهزة السيادية للدولة الوطنية بذرائع مكافحة الارهاب . واذا كان هدف الغزو الاسرائيلي لاراضي السلطة الفلسطينية تدمير البنية التحتية للسلطة الوطنية قد شكل الحلقة الاولى فان حلقته الثانية تكمن في - اصلاح - السلطة الفلسطينية وارساءها على قاعدة - ديمقراطية- حسب الرؤية الاميركية. .

والسؤال الذي يواجهنا ماهو الجوهر -الديمقراطي - الذي تسعى اليه الادارة الامريكية ؟ وما هي طبيعة الاصلاح الذي تطالب به الدبلوماسية الاسرائيلية ؟ لنفحص الامر عن كثب : ـ .

بدا" لابد من التأكيد على ان السلطة الفلسطينية بحاجة كبيرة الى الاصلاح السياسي والاداري الهادف الى اعادة اللحمة الحقيقية بين فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وما يعنيه ذلك من  تقوية  مواقعها التفاوضية من جهة ونقل اجهزة السلطة الى قوى وطنية حريصة على المستقبل السياسي للشعب الفلسطيني  من جهة اخرى.  وبالمعنى المشار اليه فان الاصلاح هذا يشكل الجوهر الحقيقي للديمقراطية السياسية المرتكزة على مواجهة التحديات الجديدة التي افرزها تغيير العلاقات الدولية. لكن هذا.الاصلاح لايرغب به التحالف الاسرائيلي ـ الامريكي الذي يتوخى مسارات اخرى تؤدي الى  فوضى فلسطينية  تنطلق من تدمير تقاليد الحوار الفلسطيني وتتجه نحو حوار الدم والتصفيات المتبادلة ..

لتزكية مشروعية هذا التقدير نتوقف عند بعض المؤشرات الساندة  منها : ــ

اولا" : ـ يشترط اصلاح الاجهزة الامنية الفلسطينية وفق رؤية التحالف الاسرائيلي ـ الامريكي اعادة بناءها ووضع فعاليتها الامنية تحت اشراف وكالة المخابرات المركزية والموساد الاسرائيلي , وبهذا الاتجاه نشير الى ان الهجوم الاسرائيلي استهدف تدمير اجهزة السلطة الفلسطينية لغرض السيطرة الامنية عليها . بكلام أخر تحويل تلك الاجهزة الى اذرعة قمعية ضد فصائل حركة التحرير الفلسطينية بما فيها القوى المناهضة للاحتلال الاسرائيلي في حركة فتح .

ثانيا" : ـ تهدف عملية الاصلاح الى تحطيم  روح المقاومة لدى السلطة الفلسطينية المتحالفة مع القوى الوطنية ـ الديمقراطية والاسلامية . بمعنى تحويل السلطة الفلسطينية الى سلطة ديكتاتورية معادية للقوى الفلسطينية المناهضة للغزو الاسرائيلي .

ثالثا" : ـ ان ترويض الاجهزة  الفلسطينية واحتواء فعاليتها الامنية يشرع الابواب امام احتمالات الاقتتال الداخلي الذي يشكل في نهاية المطاف الورقة الاساسية لتكريس الاحتلال.

استنادا" الى تلك الرؤية يواجهنا السؤال التالي : ماهي القوى الاجتماعيةفي التشكيلة الفلسطينية المساندة لرؤية التحالف الاسرائيلي ـ الامريكي ؟  وهل تحظى هذه القوى والشرائح الاجتماعية بمباركة الدول العربية المتصالحة مع اسرائيل ؟ .

ان تدقيق مفاصل الاسئلة المثارة تجبرنا على التوقف عند طبيعة القوى الاجتماعية في التشكيلة الوطنية  التي نهضت بموازاة نمو وتطور السلطة الفلسطينية والتي يمكن اجمالها ب : ــ

1 : ــ تزايد نفود المواقع الاقتصادية ـ الاجتماعية  للراسمال الفلسطيني المستوطن  بعد اتفاقيات اوسلو وما نتج عن ذلك من مطالبة الشريحة المليونية باستقرار الحياة السلمية على قاعدة -الشراكة والمعونة المتبادلة -  مع الراسمال الدولي وخاصة الاسرائيلي

2 : ــ الطبيعة السياسية للقوى الاجتماعية المتنفذة التي انتجتها السلطة الفلسطينية والمتمثلة بالكوادر الحزبية ذات الترابطات العائلية والتي تشكل القاعدة الاجتماعية للسلطة الفلسطينية الراغبة في  تسوية مع الطرف الاسرائيلي على قاعدة نبذ - العنف - في مقاومة الغزو الاسرائيلي . .

3 : ــالعقلية البيروقراطية لبعض قيادات الاجهزة الامنية التي تعمل على  توطيد الوشائج الادارية مع الاجهزة الامنية الامريكية الاسرائيلية.وما يفرزه ذلك من نزعات تسلطيه معادية للروح اليمقراطية .

ان الاشارة الى مراكز النفوذ ومواقعها في التشكيلة الوطنية الفلسطينية تترابط وقضايااخرى بالغة الخطورة يتقدمها:  ان الهجوم الاسرائيلي على الاراضي الفلسطينية افضى الى تدمير البنية التحتية للقوى الديمقراطية والاسلامية المتمثلة بمراكز الجذب الشعبي ــ مدارس مجانية, مستشفيات,  مصانع ورشات عمل صغيرة ــالامر الذي ادى الى  تقلص القاعدة الاجتماعية للعديد من الفصائل الوطنيةالمكافحة ضد الاحتلال الاسرائيلي . وثانيهما : تحظىالقوى الراغبة في الاصلاح الفلسطيني وفق الررؤية الامريكية خاصة بعض القيادات الناشطة في اجهزة السلطة الفلسطينية  بتاييد ومباركة القوى العربية المتصالحة مع اسرائيل ناهيك عن الدعم الدولي الدي يتمتع به الراسمال الفلسطيني الوافد من قبل المؤسسات المالية والشركات الاحتكارية  الامر الذي يساعده على المشاركة السياسيةالفاعلة في تقرير المستقبل السياسي للدولة الفلسطينية. .

ان الرؤية التحليلية المشار اليها تفترض ان المساعي الامريكية الهادفة الى عقد مؤتمر دولي لحل المشكلة الفلسطينية تنطلق من موازين القوى الجديدة في التشكيلة الوطنية  الفلسطينية وبهذا الاطار فان التحالف الالسرائيلي ـ الامريكي يسعى الى توظيف تلك العوامل واستخدامها في انشاء - دويلة - فلسطينية بلا مراكز سيادية . بكلام أخر انشاء دولة تحت الوصاية الدوليه .

 

تلخيصا" يمكن القول ان نجاح اصلاح السلطة الفلسطينية وفق الرؤية الامريكية يشكل انجازا" لدبلوماسيةالبوارج الحربية   ومساعيها الهادفة الى احتواء قوى المعارضة الوطنية بعد افراغها من مضامينها الوطنية ـ الاجتماعية الامر الذي يعني انتقال العقلية الامريكية الى مرحلة جديدة يتلخص مضمونها  بتوصيف القوى الاجتماعيةالمناهضة للوحشية الراسمالية والتي لاتتجاوب وسياسة الترويض  بكونها قوى وتيارات ارهابية.

 

 

 


 



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن