عشر فقرات لا تتضمن حلاً للصراع العربي- الإسرائيلي

حسام هلالي
husamhilali@hotmail.com

2009 / 2 / 10

1 : الأسد لا يأكل الموز

يبدو من الجليّ جداً، حتى لغير المطلعين على الشأن الإسرائيلي اليوم - والجلاء نادر في الشرق الأوسط - أن الانتخابات التشريعية لهذه الدورة الفلكية سوف تهب حسن طالعها لحزب ليكود. بنيامين نتنياهو. المكشر بقوة عن أنيابه. يصعد مرة أخرى إلى رئاسة الحكومة على سلم من المواقف المتطرفة. درجاته : لا مفاوضات حول القدس، لأن اسمها أورشليم وليس القدس. لا إزالة للمستوطنات، لأنها مساكن لمواطنين في بلادهم وليست مستوطنات. إذن .. لا سلام مع الفلسطينيين، لأنه لا فلسطينيين، فما من بلد يدعى فلسطين. هنالك إسرائيل .. وبعض العرب، وحتى لو تجاوز هؤلاء "البعض" الملايين، فالصواريخ أكبر أسلحة إسرائيل ضد الديموغرافيا، وللعرب إحدى وعشرين دولة أخرى، وليس لليهود غير واحدة. لا سلام مع نتنياهو يرافقه وجود لدولة فلسطينية. السلام الوحيد الذي يريده الإسرائيليون هو الأقل كلفة. سلام لا يبذل للوصول إليه إلا أقل التضحيات، أو بلا تضحيات. سلام تفرضه الدولة العبرية بالقوة العسكرية "التي لا يفهم العرب غيرها"، وسيكون من السخف أن يفكر الإسرائيليون في التنازلات والتضحيات على طاولة المفاوضات وهم في مركز القوة، ومن سيجلس وراء الراية الإسرائيلية هم سياسيون بلغ بهم التطرف أن قطعوا أذرعهم اليسرى، ولأنه ما من ذراع غير اليمنى فلا يمكن أن يشغلوها بالمصافحات الفارغة ليتركوا البنادق مركونة على الحيطان. إنه اليمين الإسرائيلي يا عزيزي، وطالما أن العرب لم يستفيدوا من حكومة اليسار، فعليهم أن يعلموا أن الأسود لا تأكل الموز طالما أن الغزلان تملأ الغاب، وهذه الانتخابات وما ستأتي به من نتائج هي أكبر دليل على فرصة العرب الضائعة والتي لن تعوض . ( راجع الفقرة 8 )

2: نهاية جاسوس شجاع !

وليس بالأمر الغريب - رغم تناقضه مع الوقائع - أن تسطع نجوم اليمين الإسرائيلي في سماء سعى إلى صعودها اليسار. حصاداً لفلاحين غير أولئك الذين حرثوا حقل غزة، فحتى أفيغدور ليبرمان، أحد المتشبثين بسلم نتنياهو إلى الحكومة، والذي كان اقتصار رسالته السياسية بتزعمه لحزب "إسرائيل بيتنا" على اليهود الروس– السكان غير الوحيدين لهذا البيت التعيس - يحصر من مدى مكاسبه السياسية ويقلل من كمية المؤخرات العائدة إلى حزبه داخل مقاعد الكنيست، يبرز اليوم كمشارك محتمل بقوة في الحكومة الائتلافية القادمة. لا وبل مقرراً لمن سيشاركه الحكومة. مستفيداً من نظام التمثيل النسبي المتبع في الديمقراطية الإسرائيلية، ومن يتأخر عنه ؟ ايهود باراك، الذي لن يشفع له للتقدم في الانتخابات تطابق اسمه مع الاسم الأول للرئيس الأمريكي الجديد، ولا إدارته لحقيبة الدفاع بهذا الشكل الجيد، الذي – وبكل جودته هذه - يصيب موشي ديان بالعار في قبره الآن، فبعد أن كانت إسرائيل تجتاح ثلاث دول مجاورة في الحرب الواحدة، وتتحالف مع مليشيات محلية لإسقاط عاصمة أجنبية، عاصمة تسلل إليها باراك نفسه متنكراً بزي امرأة عندما كان لا يزال ضابطاً في الموساد. صار جيش الدفاع الإسرائيلي بقيادته ينسحب من ضفاف الليطاني، ليحصر معاركه وحروبه على السماء، والسماء لا تمطر كل الوقت، لكنها من وقت لآخر تمطر ناراً، حيث المليشيات التي لا تتقن غير حرب العصابات، والمطر الآخر لا يلبث أيضاً أن ينقشع مع غيوم الحديد، ولا تغرق اليابسة تماماً مهما ثقل القصف، فتنتهي المعركة، ليترك باراك المليشيات طليقة في المروج والقرى دون أن يربح النهر !

3: لعبة الخروج والدخول

حاول إيهود باراك بمشاركته في حكومة تصريف الأعمال إنقاذ حزب "كديما" من الاضمحلال السياسي. ليس خوفاً على "كديما" بقدر محاولته إدخال حزب العمل في اللعبة. هذا الاضمحلال الذي جعل باراك يعتزل السياسة بشكل نهائي عقب خروجه من السلطة عام 2001 وهو في قمة الفشل السياسي ( وقمة الفشل هي قاع لا قمة ) منسحباً من جنوب لبنان، وخارجاً من مفاوضات كامب ديفيد الثانية دون أن يصل إلى اتفاق سلام مع ياسر عرفات، لأن القائد اليهودي لا يقرر بمفرده كما يفعل القائد العربي، فاعتزل باراك لعبة السلم والحرب، متخلصاً من الصداع. قبل أن يعود مرة أخرى إلى الحلبة السياسية والتناول المفرط للأسبرين بعد عملية نقد ذاتي. بينما ايهود الآخر، أولمرت. سبب نكبة "كديما" برئاسته لأتعس حكومة في تاريخ إسرائيل ( راجع فقرة 8 ). يخرج بكل خزي من الحياة السياسية الإسرائيلية، ملاحقاً من الشرطة. بثلاثة عشر تحقيقاً. بعد أن أسقط الجنود هيبتهم وهم يجرون العتاد مسرعين إلى حيث لا يطالهم رصاص الله بحزبه ونصره، وأولمرت بخسارته لحرب تموز لن يعود مرة أخرى قريباً، وأقول قريباً لأنه مهما بلغ مؤشر السياسي الإسرائيلي الاقتراب من الصفر، أو الالتصاق به تماماً، فإنه يصعب عليه أن يغادر أورشليم. طالما أنه على العكس من جيرانه العرب لا يغادر الحكومة إلى القبر أو معتقلاً على أيد انقلابيين، وهذا ما يجعل شمعون بيريز رئيساً للوزراء في حكومة، ووزيراً في حكومة تالية لها. قبل أن ينتهي به المقام الآن في منصب الرئاسة وهو يحدق إلى أسطح البيوت في العاصمة الأبدية من نافذة غرفة هادئة. باراك نفسه رئيس الوزراء العمالي السابق، وزير للدفاع الآن. على الرغم من أن هذا الأمر يعد تراجعاً في التسلسل الإداري للدولة. إلا أن السياسيين الإسرائيليين لا يجدون فيه أي حرج.

4: إنه عصر الصبرا

بيد أن الخريطة السياسية في إسرائيل تطأها الكثير من المتغيرات. الحرس القديم الذين تتلمذوا على يد الآباء المؤسسين للدولة الصهيونية أوشكوا على الانقراض. رئيس الدولة شمعون بيريز يجلس على كرسي الرئاسة كأي كرسي بعجلات. يتدحرج على أرضية ضيقة بعيداً عن سباق المسافات الطويلة وصناديق الاقتراع. باراك يحرق آخر شموع صلواته، ونتنياهو تجاوز سن الستين، فبفوزه قد يكون آخر زعيم إسرائيلي من الحرس القديم ( قد ) فالشباب سنة الحياة، والسياسيون القادمون معظمهم من الصبرا، فقد حان الوقت ليهود فلسطين كي يديروا مسقط رأسهم، الذين وإن ولد بعضهم قبل إعلان الدولة، فإنهم يحملون قيم وتجارب تتباين مع الآباء المؤسسين القادمين من الشتات، فهم السياسيون الذين نشئوا ليجدوا إسرائيل وطنناً جاهزاً. له مكانه على الخريطة. علمه يرفرف في الأفق. نشيده يغنى ليملاً الصدى، وكرسيه دائم في مبنى الأمم المتحدة. لم ينضموا إلى عصابات الهاغاناه ويلاحقوا من القوات البريطانية أو يشتبكوا مع الجيوش العربية لإنشاء الدولة. الأبناء المدللون للدولة الفتية. سيأتون الآن .. إن لم يأتوا بنهدين تحت شعر أشقر ومواقف متشددة كتسيبي ليفني، فسيأتون مع غيرها من الصلع وأصحاب الشعر الذي لم يملأه الشيب تماماً. ربما يكون الصبرا أكثر اقتناعاً وتصديقاً لوعد الرب. كونهم لم يشاركوا في صنع الأساطير المؤسسة للدولة، فصانع السحر يبقى مستيقظاً من غشاوة الشعوذة, والصبرا لم يتعلموا الشعوذة بقدر ما تأثروا بها، لكنهم لن يهتموا كثيراً لكونهم سفارديم أو أشكناز. طالما أن الجميع وراء الخط الأخضر يتقن العبرية. ( وأشدد .. الجميع ) سواء كانوا من أصل مغربي يحبون الكسكس، أو بولنديين مات أجدادهم في غرف الغاز. سيأتي الصبرا بدمائهم الجديدة، لكنهم يبقون أقل خبرة وحنكة، لأنهم ولدوا في النعيم، ولم يذوقوا جهد حفر الخنادق ورمي القواعد لإقامة المبنى الذي ولدوا في غرفه ليجدوا جدرانه واقفة .

5: اردم بيوت العرب، فتصل المعارضة !

حرب غزة. التي تحالف قبل نشوبها حزبي العمل بقيادة باراك، وكديما بقيادة ليفني. التي رشحها الكثيرون لتكون جولدا مائير الثانية. ارتفعت شعبيتهما على إثرها، ورغم أنها لم ترتفع بالشكل الذي يضمن لهما فوزاً مريحاً في الانتخابات، إلا أن الوقوف تحت شجرة خير من الركض في الطقس الممطر، والحرب لم تنشب إلا لهذا الغرض، لأنها جعلت الشعب الإسرائيلي يلتف حول الحكومة. لدرجة أسكتت كل الحركات اليسارية وناشطي السلام داخل إسرائيل. الذين وجدوا القيادات العربية نفسها تقف مع حكومتهم ضد حركة حماس في قطاع غزة، أو تلتزم الصمت، أو تكتفي بالتصريحات – وهي قليلة – حتى حركة فتح، التي تدعي بأنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. احتفظت بالضفة الغربية في صمت المحايد أو أوشكت. كأن أبو مازن رئيس بلدية في مقاطعة كندية أو زعيم محلي بجزيرة في الكاريبي. مستفيدةً من السياسة الإسرائيلية العسكرية الجديدة في إلحاق الأذى ببعض العدو لتأليبه على بعض. كما فعلت باكتفائها بقصف الجنوب اللبناني في 2006مستثنيةً شماله. يموت الفلسطينيون وتبقى حماس في غزة. لا يحصل الإسرائيليون على نصر تام، فقط .. استعراض للقوة. تشغيل للآلة العسكرية التي تعجز أسلحتها عن البقاء كثيراً بالمخازن. صعود لشعبية الحكومة المنهارة. يرافقه انتعاش للجدران بصور الزعماء المتنافسين حول معركة لم يكن الغرض منها الانتصار في بيت حانون وكفر أبو سالم بقدر ما هي الرغبة في الفوز بصندوق الاقتراع، وهي حيلة يمتهنها الإسرائيليون منذ أن اخترعت كلمة منذ، ولنا في شمعون بيريز وعناقيد غضبه عبرة، ولكن من يعتبر ؟ قصف بيريز الجنوب اللبناني عن بكرة أبيه، وكان الجنوب وقتها لا يزال محتلاً، ولكنه خسر الانتخابات، وهذا ما سيحدث لليفني، ولباراك، تقصف الحكومة أسقف العرب، فتصل المعارضة إلى السلطة، والسر ؟ أن الناخب الإسرائيلي دائماً يتساءل : إذا كان اليسار بهذا العنف والتطرف، فكيف سيكون اليمين ؟!

6: من تعلم هدم الجسور، لا يقدر على بناءها

انتهت دورة الرئيس أبو مازن، ليجد الفلسطينيون أنفسهم أمام رئيس منتهي الصلاحية. مثله مثل أي زعيم عربي آخر. في عجز تام عن التصرف الدستوري. رغم أن الفلسطينيين ظلوا دائماً يفخرون بديمقراطيتهم التي سبقت نشوء الدولة، وهي نفس الديمقراطية التي أوصلت حماس إلى السلطة، ليغضب عليها دعاة الديمقراطية أنفسهم في واشنطن. وصلت حماس إلى الحكومة، وتورطت. من مليشيات مسلحة تهدف إلى إلحاق أكبر أذى بالعدو، إلى ثلة من الوزراء والبيروقراطيين المسئولين عن تسيير الأعمال والمنشئات وتشغيل الأجهزة الحكومية وتقديم الخدمات إلى المواطنين. لكن حماس فشلت. رغم أنها هي من كانت توفر أكبر الخدمات للفلسطينيين في الصحة والغذاء أثناء تواجدها على الساحة كحركة تحرر وطني ذات مرجعية دينية. كانت لا تعرف الوطن إلا وفق طريقتها، فالوطن يعاني من الاحتلال، والاحتلال يعني الصراع، والصراع يعني العنف، ولكن عندما شاركت حماس في الانتخابات، وربحت من يأس المواطن الفلسطيني من حكومته التي لم تجلب له سلاماً كاملاً ولا حرية في اتخاذ المقاومة سبيلا. فشلت في الحكومة، لأن الحكومة تعني الاقتصاد، والاقتصاد يعني السياسة، والسياسة تعني الدبلوماسية، وحماس ظلت ترفض منذ البداية الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، وهذا خلل بنيوي في الحكومة الجديدة. حيث أن هذه الانتخابات التي استخدمتها حماس للوصول إلى السلطة هي نتاج لاتفاقية أوسلو التي هندسها الإسرائيليون مع حركة فتح، وهي تعتمد في جوهرها على اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بحق إسرائيل في الوجود، والتنازل على إقامة الدولة الفلسطينية في 20% من الأرض قابلة الآن للانخفاض، فحماس لم تستطع هدم كل جسور إسرائيل بالسلاح، ولم تبني جسور الفلسطينيين محققة السلام، ولكنه حب الجنس والخوف من الإنجاب !


7 : يبقى الحال على ما هو عليه

يصر المصريون على أن المعابر مفتوحة، ولكن لقناة الجزيرة رأي آخر. لا يتعلم العرب أن من يرفض طلباً لقناة الجزيرة لا تلاحقه غير الفضيحة. يقف أحمد منصور وغسان بن جدو خلف الكاميرات أمام المعبر، ويهللون ضد الحكومة المصرية التي تسمح بالدخول والخروج إلى القطاع بنظام الخيار والفقوس، والوعي الجمعي المصري الذي يسهل شحنه بالشعارات والمعلومات المغلوطة من قبل أجهزة الإعلام الشعبية الموجهة ظل يردد : لو فتح الرئيس المعابر سيدخل الفلسطينيون إلى سيناء، وإسرائيل ترغب في إخلاء غزة لإعادة احتلالها ( من مليون ونصف من الفلسطينيين ) والغريب أن الحادثة الأشهر عند معبر رفح كانت لفلسطينية قادمة من الغرب ترغب في العودة إلى غزة أثناء القصف المستمر. الذي لا يبدو أنه قد توقف إلى الأبد، فكل من يسمح له بالدخول إلى غزة لالتقاط الصور والعودة بتكشيرة وجهه لا أكثر، يشترط عليه العودة قبل وقت محدد. إنها مجرد هدنة، فطالما أن حماس لم تسحق تماماً مع مئات القتلى، ولا أن الله أرسل الملائكة لقتال إسرائيل ومحوها من خريطة العالم في مكتب أحمدي نجاد، ومبارك هو مبارك، وأوباما لا يزال متخبطاً في مسكنه الجديد، فليس من المنطقي أن تغلق جهنم أبوابها في القريب العاجل .

8: أنا والغريب على أخويا وابن عمي

لهذا يجب على العرب أن يرموا بأنفسهم هم في البحر. قالبين لجملة عبد الناصر الشهيرة. دون أن يكون ذلك لحساب اليهود – الذين احتلوا البحر أيضاً - بل لحساب وجوههم، التي لم يحافظ العرب على ماءها، والبحر كله ماء، فأن يكون العدو يمينياً فهذا يعني واحداً من أمرين : إما أن يكون من التطرف والحماقة بحيث يصبغ كل تصرفاته بالعنف والقوة، فيغرق في المستنقع بزي السباحة، وإما أن يكون قوياً بالشكل الكافي ليكون شريكاً في السلام، فالسلام لا يصنعه الضعفاء، ولكن تكمن المشكلة أنه في كل المعادلات ظل العرب هم الأضعف. منذ نشأة دولة المماليك، وحتى ملوك الطوائف في عصرنا الحالي. وصل الجمهوريون بقيادة ديك تشيني – للمرة الثانية - إلى البيت الأبيض، وهذه المرة برئاسة الابن لا الأب، وظلوا فيه لثمانية أعوام. تورطوا في حربين مع العالم الإسلامي. نتيجة لعملية إرهابية استغلوها أحسن استغلال. لكن العنف لم يفرز غير العنف، والكره غير الكره، وتضخمت الفاتورة، ووقع الاقتصاد العالمي فريسة الركود. هبطت الصقور الصلعاء على فرائسها وانشغلت بالجيف المحيطة بها، وتركت التنانين والفيلة حرة في أرجاء الغاب. لم يستفد العرب من وصول الجمهوريين للسلطة، والأنكى ؟ تركهم لثمرة كديما تسقط على الأرض متعفنة دون أن يقطفوها. لم يتخيل أحد أن يتحول حزب أسسه أريئيل شارون. الذي تغلب على فريد شوقي في حيازة لقب "وحش الشاشة" كأكثر الإسرائيليين تعبيراً عن وطنيتهم بالبندقية. إلى أضعف حزب يرأس أضعف حكومة في تاريخ إسرائيل. ربما تدخل الله متأخراً لقبض روح شارون. لا وبل لم يقبضها كاملةً.. كأن شارون أقوى من الموت نفسه ! لكن العرب لم يستغلوا ضعف كديما، ووصول موظف كإيهود أولمرت إلى السلطة. وحدها إيران فعلت، والفرس – لحسن حظهم - ليسوا عرباً، ولم ينعموا بأكثر من دولة واحدة فقط تلم شملهم وتشد أزرهم. حزب الله يلبس الجنرالات الإسرائيليين السلطانية ويقلب الطاولات على جالسيها في مباني القدس الغربية، وجنود داوود يتقهقرون عن ضفتي الليطاني. يخسر اللبنانيون المباني والجسور والمليارات ونقصان في الاحتقان الطائفي بمقدار 1000 نسمة في شهر واحد فقط. إنه أوكازيون الشهداء، ولا أحد ينتصر! غرور الإسرائيليين وحده يدفعهم إلى الاعتراف بالهزيمة، بينما تواضع الكرامة العربية يحول من مبادلة عشرات الأسرى بعدة جثث لجنود إسرائيليين إلى كرنفال، فمقتل الآلاف وخسارة المليارات في الشمال اللبناني، مقابل عشرات القتلى وكم ألف دولار ستعوض فوراً من الولايات المتحدة للأضرار الإسرائيلية تتحول إلى نصر من الله. نصره الذي صار بطلاً قومياً رغم رفض المساجد السعودية الدعاء له في قتاله لليهود ( لأنه شيعي !) يتحول الآن إلى محرض على الفوضى، على حساب مبارك. الذي فقد البركة تماماً، ولكن الصحافة المصرية تتضامن مع زعيمها في الوقت الذي يتحول إلى عدو قومي للعرب جراء موقفه المخزي في معركة غزة، فالمصريين لا يقولون ( أنا وأخويا على ابن عمي ) في المسلسلات فقط، ولكن السؤال هو : متى يقف أبناء العم كلهم ض الغريب ؟!


9 : لو استيقظ الجنرال

أكثر المشاهد التي حاولت تخيلها لما تحتويه من كوميديا سوداء هو أن يفيق أريئيل شارون من غيبوبته، وهو الذي مات بدماغه فقط. هكذا !! بعد أن ملأ الشرق الأوسط عنفاً ودماء. يموت سريرياً. موفراً على المصريين والأردنيين – والقطريين والموريتانيين ربما – حرج المشي في جنازته التي لم تقم. أتخيله يستيقظ الآن ليرى إسرائيل في أسوأ أحوالها منذ "الاستقلال". حزب "كديما".. ابنه، الذي أسسه بكل سلاسة ليكون كرسيه في السلطة. يرث أولمرت الجلوس عليه كرئيس حكومة، فقط لكونه مستيقظ طوال الوقت. بعد أن كان مجرد سكرتير في الكنيست. يتورط في حرب مع حزب الله. دون أن يعرف كيف تقاد الدبابات، ليخسرها. ينظر شارون المستيقظ من بياته الذي تجاوز الشتاءين إلى لبنان وقد اقتحمها بدباباته القديمة أيام الشباب، ويراها تستعص على الدبابات الأكثر حداثة وتكنولوجيا في أيام الشيخوخة. شعبية الحكومة تصل إلى الحضيض مع وصول الصواريخ الإيرانية إلى حيفا، وهيبة جيش الدفاع تذوب مع السكر في كؤوس الشاي على مداد المقاهي في العواصم العربية. لا تنتهي الدورة حتى تبدأ الشرطة في ملاحقة أولمرت. كأي زعيم عصابة. شارون الذي يا ما رش الرصاص على العرب كإرهابي في الهاغاناه. يرى دولته تنشأ ويلاحق فيها "القانون" خليفته. يوجه الجيش الإسرائيلي النقد إلى جنرالاته، فتستقيل قيادات وتأتي قيادات، وتحاول التصحيح فتبدأ باجتياح غزة. على يد باراك الذي سبق له الانسحاب شمالاً. يقرر ضرب القطاع الجنوبي الذي قرر شارون نفسه الانسحاب منه. قبل أن تنسحب الحياة من جسده. يتخلص باراك من أطنان البارود والفسفور دون أن ينجز نصراً واضحاً، ويتقهقر بسرعة قبل أن يبدأ رئيس جديد في البيت الأبيض مهامه. يوصف بأنه "محب للعرب". هو باراك لكن اسمه الأوسط حسين ! يغادر جورج بوش، وتندلع الاحتجاجات العالمية ضد إسرائيل من طوكيو إلى ريو دي جانيرو. يطرد الفنزويليون والبوليفيون السفير الإسرائيلي. رغم بقاءه في عمّان والقاهرة. بينما أوروبا التي ظلت لعقود تزدري العرب في إعلامها وتستغل أقرب الفرص للتكفير عن الهولوكوست بكل نفاق وعقدة ذنب – معاً - تنقشع الغشاوة عن إعلامها ويبدأ في نقد إسرائيل علناً، وبعد أن بدأ الشرق الأوسط يحفل بالحلفاء للدولة اليهودية. يوبخ الرئيس الإسرائيلي، رفيق درب شارون، في منتدى عالمي في سويسرا من أقوى حلفائه في المنطقة. النتيجة ؟ يسقط شارون صريعاً من هول ما فاته في سباته، وهذه المرة ليس في المشفى. بل إلى مقبرة واضحة المعالم تجبر كل الزعماء المشغولين الآن للمشي في جنازته. كآخر جنرالات إسرائيل الأقوياء.


10: شعب من الأيتام

في المقابل، ماذا لو أزاح ياسر عرفات التراب من على قبره وشب واقفاً فوق أرض رام الله ؟ ليجد الدولة الفلسطينية التي حلم وعمل على تأسيسها بكل ما يمكنه من أفعال : من المفاوضات إلى التنازلات، ومن الاقتتال مع المضيفين العرب في الدول المجاورة، إلى الترحال من منفى إلى منفى، ومن العمليات العسكرية ضد العدو، إلى المؤامرات والاغتيالات ضد أشقاء، والنتيجة ؟ لا تولد الدولة المشوهة وتنسلخ قبل ولادتها إلى دولتين !! أو بالأحرى : إلى لا دولتين. يموت محمود درويش بهجاءه لكل ما عاش على مديحه. مثله مثل ناجي العلي. مناضلاً ضد المرض في سلامه مع تراب ناقص لا يكتمل مع حفر قبره. ميتاً من غير رصاص، الرصاص الذي امتلأت به قصائده غير المصفحة، وهي تتحول إلى حمائم بلا أجنحة. لا تملك حتى حق الهديل. هذا النقص الذي فرض وجوده المكتمل على قناعات الرافضين. يقتتل الأخوان على أرض النقص المقدس. أبناء نفس النبي. وينتصر إسرائيل على إسماعيل، والمسيح الذي ولد من دون أب بين إبراهيميين. يتيم معلق على صليبه. ينتقص الأخوان بعضهما دماً ولحماً، ولا يكتمل أي منهما أو يظل على نقصانه. الرئيس أبو مازن يتعدى فترته الرئاسية ولا يلوح له في الأفق الضيق بديل. يرشح أحمد سعدات ومروان البرغوثي لأي انتخابات، ولا يبلغان الفوز من الزنزانة. رغم أن الوطن كله أسير زنزانة. خرج عرفات من بيروت إلى البحر، ولم يعد من تونس إلى يابسة صلبة. غرق البحارة القدامى مع ربان السفينة. أما السفينة نفسها فلم تكن ! ومن نجا من غرقها لم يتقن السباحة إلا في أحواض السمك. أتقن الفلسطينيون الانشقاق كسائر العرب، ولكن تبقى للعرب دول وزعماء يصبون عليهم لعناتهم، ولعنات الفلسطينيين على أنفسهم قبل العدو الغريب. إنه انشقاق الناقصين عن نقص لم يبلغ الاكتمال بعد. لذا .. بات الفلسطيني بلا زعماء. حتى الفن الذي ظل يمثله غسان كنفاني وإميل حبيبي وناجي العلي. يمثله اليوم غسان مطر وجواد العلي. عاث أبناء القضية في أمهم، فتحول الفلسطينيون إلى أكبر عدد من الأيتام منذ أن تعلم الآباء الموت.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن