إستطلاعٌ للرأي

اسماعيل داود
ismaeel.dawood@gmail.com

2009 / 1 / 21

من بين عدد من الأمور التي أعقبت التغيير في العراق والتي شغلت الرأي العام، برز وبشكل ملفت اهتمام كبير باستطلاعات الرأي، فتأسس العديد من مراكز الاستطلاع ضمن تنوعات مؤسسات المجتمع المدني وكذلك لجئت الجهات الحكومية وغير الحكومية في الكثير من مؤسساتها إلى اعتماد آليات لاستطلاع الرأي ، البعض منها كان يعتمد على المواقع الالكترونية لتلك المؤسسات.
بنفس الوقت سعى الكثير من الساسة إلى استخدام ما اعتبروه حقائق مبنية على نتائج لاستطلاع الرأي كأداة في سجالاتها السياسية تُعزز آراء كل طرف منهم، بالطبع يتم التعامل مع نتائج هذه الاستطلاعات بانتقائية شديدة وفي بعض الأحيان تُصمم هذه الاستطلاعات بشكل منحاز سلفاً .
ومع اقتراب انتخابات مجالس المحافظات ورغبة الجميع لاستشراف نتائجها وحجم التغيير الذي من الممكن لهذه الانتخابات أن تجلبه، سمعنا الكثير من نتائج استطلاعات الرأي، أكثرها إثارة ، ما كان يحمل لنا بُشرى تفوق العلمانيين الساحق في الانتخابات القادمة، ويبدو انه قوبل بترحيب ومصداقية ملفتة بوصفه ما سيحدث خلال الانتخابات القادمة. والبعض يذهب أكثر من ذلك مفترضا إن هذه الاستطلاعات تُبشر بتغيير سيطول أثره انتخابات البرلمان مما يترتب عليه ومرة أخرى تفوق العلمانيين الساحق .

لست أدعو هنا لتحديد تعريف لمن يوسمون بالعلمانيين أو ماهية برامجهم العلمانية ،لأنني ببساطة افترض وفي أحسن الأحوال إن المقصود من تفوق العمانيين الساحق في انتخابات مجالس المحافظات هذا كما يبدو، هو أن تكون الغلبة لجهات سياسية تكون هي نفسها غير محددة بدين أو طائفة ، وتعمل على تطبيق القانون بشكل منعزل عن تأثير ذوي النفوذ من رجالات الدين .
أما فيما يتعلق بالانتخابات البرلمانية فسيعني ذلك ولأكثر الناس تفاؤلاً، أن تكون الغلبة لجهات سياسية تُبقي على قانون الأحوال الشخصية والتشريعات العراقية مدنية غير متأثرة في الدين والطائفة، وهي أمور لا يجب أن نقلل من شئنها ومن أهميتها بل إنني ادعوا إلى إن يبدأ النقاش من هذه النقطة بالذات لنعرف ما المقصود اليوم من أن تكون الغلبة للعلمانيين .

ومع حقيقة ما يشوب المشهد السياسي العراقي من ضبابية، وبغض النظر عن مدى صحة القراءة التي افترضناها أعلاه ، علينا أن نتعامل مع نتائج الاستطلاع هذه أو غيرها بالكثير من الحذر ، لأسباب موضوعية ترتبط بمدى مهنية أي استطلاع ،ومدى فهم واستجابة الجمهور له .
يحضرني هنا مثال طريف ليس بالضرورة أن يكون من الواقع لكنه اقرب إليه ، أمل من هذا المثال أن يعينني ومن يقرءا هذه المقالة على استجلاء هذه الأسباب بشكل أعمق، وان يخفف نفسه الساخر من حدة واقعنا المُلتبس.

يُحكى إن الأمم المتحدة صممت استطلاعا للرأي يهدف لمساعدتها على التخطيط لأهداف الألفية الثالثة التي أمضينا عقدا منها مراوحين في أماكننا، فوجهت مجموعة من الأسئلة إلى سكان قاراتنا المختلفة لكن الاستطلاع هذا قوبل بالكثير من الأسئلة والتي منعت من تحقيق أي من أهداف هذا الاستطلاع .
ففي أفريقيا ورداً على سؤال طرح للجمهور عن سبب نقص الغذاء ،كان السؤال المقابل من الجمهور:
عفواً ولكن ما المقصود بالغذاء ؟
و في أوربا التي طُلب من جمهورها أن يقترح معالجات لظاهرة الفقر المنتشرة في العالم ، فقد كان سؤال الجمهور المقابل :
عذرا ولكن ما المقصود بالفقر ؟
وللجمهور الأمريكي الذي استطلعت آراءه حول ما يعتقده مسؤولية على الحكومة الأمريكية تجاه الآخرين فقد كان سؤال الجمهور:
عفوا ولكن من هم الآخرين؟
أما سكان الشرق الأوسط فقد أُريد لهم أن يشتركوا في استطلاع الرأي هذا لكن لم يتسنى إعداد سؤال محدد لان الجمهور بادر منذ البداية بطرح تساؤل مفاده :
عفوا ولكن ما هو المقصود من كلمة رأي ؟.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن