مدينة الحوار المتمدن

وديع العبيدي
wdobd14@yahoo.com

2008 / 12 / 19

معنى الحضارة هو أن تخلق مدينة.. ومعنى المدينة يتجسد في انتاجها ثقافة مدنية.. المدينة بمعنى التعدد والانسجام والتعاون كالجسد متعدد الأعضاء. لكل عضو وظيفة واتجاه حركة، ولكن بدونه يفقد الجسد خاصة من كيانه. العين لوحدها لا تصنع جسدا ولا الرجل فقط، أو الكتف.. انما هو كل هذا وذاك. لا يمكن تصور مجتمع كلهم يلعبون الكرة، أو مجتمع كله منشغل بصناعة السلاح، كما أن الانسان لا يستطيع أن يشتغل بشيء واحد كل وقته أو يأكل نوعا واحدا من الطعام. لا يمكن تصور جسد بدون رأس، ولا رأس بدون عين أو أنف، جثة بغير قدمين، أو أو....

عنيت أثينا بالفلسفة والعقل، فتحدد أجلها، وعنيت طروادة بالعسكرة فأتت أجلها، وجمعت روما بين هذه وتلك وغيرها، فطال أمدها، وتواصلت أغصانها وثمرها لتشكل جوهر الثقافة العصرية الراهنة والمستقبلية. وفي تاريخ العرب ظهرت دويلات وممالك قبلية لم يكن لها من الحياة أو الرفعة نصيب، ثم جاءت دولة عمر لتجمع اختلاف الشعوب واللغات في إطارها فنشأت امبراطورية استمرت صبغتها أمدا كثيرا. لكن هذه الدولة المتعددة لم تتجاوز عصبية القبيلة وعقدة قريش، ولم تدرك أهمية المساواة والتكافؤ بين الناس والجماعات والشعوب والثقافات المختلفة. فلم يكن لها من الامبراطورية غير سعة الرقعة، ومن الدولة غير السطوة والبأس، فدالت من حال إلى حال، وتقاسمتها ملل وعوائل، سعى كل منها لتسخيرها تحت ظل عصبيته القبلية والأسرية، حتى انتهت غير مأسوف عليها، ودون ان تسفر عن درس التاريخ والانسانية. ولا زالت عصبية القبيلة التي ندّد بها ابن خلدون تسود مفهوم دول الشرق الأوسط ونظريات الحركات السياسية. فما تنجب عاقر، أثبتت قرون التاريخ عقمها..
*
الاسلام لم ينتج شاعرا اسلاميا*، وولاية الفقيه لم تؤسس مدينة، والعروبة لم تتحول إلى هوية ثقافية حية. والسبب هو أحادية النظرة ورفض الآخر والاستبداد وتغييب المختلف. فالدرس الذي نخرج به من تاريخ الجور هو أهمية التعدد واحترام الآخر وقبول المختلف وتوقير حرية الرأي والتعبير والتعاون، ونبذ العصبية والانحياز والاستبداد تحت أي عنوان. وفي هذا الإطار تقتضي ثقافة التعددية مستوى مناسبا من (حوار متمدن) يشارك فيه الجميع من منطلق المسؤولية والمشاركة في الرأي وبالشكل الذي يؤسس لتقاليد ثقافية اجتماعية جديدة تحترم أدب الحوار والحريات الفردية والتعبير عن الرأي الجاد.
ان ثقافة الحوار أو ما يطلق عليه دمقراطية الحوار ليس ظاهرة منقطعة أو موضة سلوكية عابرة، وانما جزء من ثقافة اجتماعية تربوية عامة تشكل جزء من البنية التحية للثقافة الاجتماعية العامة.
ومجلة الحوار المتمدن وهي تعبر عامها السابع بثبات ونجاح، تؤكد مسيس الحاجة إلى حرية الفكر وعلمانية التفكير ودور العقل في بناء الحياة والحضارة الانسانية.
لقد إستبقت مجلة الحوار المتمدن المتغيرات والظروف السياسية في انطلاقها المبكر ورفعها لواء الحوار والعلمانية واليسار، مدركة أن مسيرة الأحداث والسياسات الدولية تمضي في اتجاه آخر، حيث العلمانية واليسار أكبر ضحايا عهد الاحتلال والامبريالية.
وباعتبارها رمزا من رموز ثقافة المنفى العراقي التي حملت فوق كلكلها كاهل الوطن، مما اعتصرتها الظروف وانتهى كثير منها في زوايا النسيان، يقتضي من الجميع التفكير الجاد في كيفية إدامة نسغها ودعم مسيرتها، والمحافظة على أصالة خطها وخطابها.
في عيدها السابع.. أحيي مجلة الحوار المتمدن وأشد على يد الصديق الاستاذ رزكار عقراوي رائد هذه التجربة النيرة، كما أحيي جميع المناضلين المجهولين خلف الكواليس الذين ساهموا في إدامة هذا المشروع، إلى مواكب كتابها ومرفديها، وإلى عام جديد حافل بالأمنيات والمحبة!.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن