المؤسسات الأهلية وقانون الأحوال الشخصية

فوزية مطر

2004 / 3 / 8

تتميز المجتمعات الديمقراطية بوجود وقوة تأثير مؤسسات المجتمع المدني الأهلية التي تتمتع فيه بالاستقلالية التامة وتملك الشجاعة في طرح رؤاها بثقة وصلابة. ومن جهتها تقوم قوانين المجتمع الديمقراطي بتأطير وتنظيم عمل هذه المؤسسات، وتتولى - في الوقت ذاته- حمايتها وتعزز استقلالية قرارها. وبهذا فالمؤسسات الأهلية تعمل على تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها باستقلالية تامة، فلا تتبع الموقف والقرار الرسمي ولا تتبع احداها الأخرى. هي تتخذ الموقف المتسق مع أهدافها والذي قد يتوافق مع موقف رسمي أو غير رسمي.
وقد لا يتوافق. استقلالية المؤسسات الأهلية تحكم علاقتها بالأجهزة الرسمية. وأكثر من ذلك - وباعتبار تمثيلها للناس وتعبيرها عن مصالحهم- فالمؤسسات الأهلية منوطة بدور رقابي على عمل الأجهزة الرسمية يمكن أن يصل الى تشكيل عوامل ضغط مجتمعي. والاستقلالية ذاتها تحكم علاقة المؤسسات الأهلية بعضها ببعض. وان حدث تنسيق أو اتخذت مواقف مشتركة بين أي مؤسستين أهليتين أو أكثر ففي الحدود التي لا تتعارض مع أهداف كل منهم ولا تؤدي الى مصادرة المؤسسة الأكبر أو الأبرز لكيان واستقلالية المؤسسات الأصغر أو الأقل بروزا.
في الاطار المذكور وبملاحظة المتغيرات الآنية النابضة بالحياة التي يعج بها مجتمعنا نلامس قضية من قضايا الجدل الراهن هي قضية اصدار قانون بحريني للأحوال الشخصية. حول الأمر يبدو واضحا أن هناك رؤية رسمية فحواها أن اصدار قانون للأحوال الشخصية يجب أن يتم في ظل توافق مجتمعي تجنبا لأي نوع من الخلافات أو الفرقة أو - لا سمح الله- التصعيد. فالملموس في الموقف الرسمي الحرص على بلوغ توافق مجتمعي ملائم لاصدار القانون، وبالتالي التروي وبحث الأمر واستطلاع الآراء حوله. والملموس في موقف بعض القوى الدينية رفض قطعي لتقنين الأحوال الشخصية أو رفض اصداره من خلال السلطة التشريعية لدى البعض الآخر. والملموس في موقف بعض القوى السياسية تأجيل طرح الموضوع بدواعي حسابات وتكتيكات سياسية مرحلية.
الا أن المؤسسات الأهلية - المعنية منها في صميم أهدافها بتقنين الأحوال الشخصية - ليس لها أن تضع اليوم هذا الملف على الرف وتستكين بانتظار ما يتمخض عنه الموقف الرسمي أو ما تنتهي اليه مواقف القوى الدينية أو تكتيكات القوى السياسية. وليس فيما نذهب اليه دعوة للتسرع أو للتصعيد المجتمعي حيال الأمر. فباعتبار استقلالية المؤسسات الأهلية المعنية، نجد أن دورها محوري في هذا المخاض وهناك الكثير مما يمكنها عمله والسعي فيه في فترة التريث الراهن. المطلوب منها أن تضع مساعي الدفع باتجاه اصدار القانون ضمن أولوياتها. انها منوطة باستمرارية طرح الموضوع وبقائه على طاولة التداول المجتمعي. وهي منوطة باستمرارية حملات التوعية بأهمية وضرورة اصدار القانون. بل هي منوطة بوضعه على جداول عملها وبرامجها الآن وغدا لحين تحقق اصداره.
ان دورا كبيرا ينتظر المؤسسات الأهلية ويمكن تفعيله على أكثر من صعيد. فالتوعية المجتمعية بأهمية اصدار القانون مطلوبة. ومحاورة رافضي اصدار القانون مطلوبة. وتوسيع دائرة المؤيدين لاصداره مطلوبة. ومعاودة طرحه على الجهة الرسمية مطلوبة. والدفع بتفعيل دور المجلس النيابي في مناقشة القانون واصداره مطلوب. والعمل على توسيع دائرة النواب الداعمين لاصداره مطلوب. كما أن مواصلة اعداد الدراسات الميدانية والقانونية حول الواقع المجتمعي في ظل غياب القانون أيضا مطلوبة. ولن يتأتى النجاح في الدفع باتجاه اصدار القانون ان لم تمسك المؤسسات الأهلية المعنية بزمام كل ما ذكرنا من مهام. ان تقريب وجهات النظر وتحقيق التوافق المطلوب رهن بتواصل الجهد المبذول لتهيئة الأرضية المواتية. وحقوق الناس ومطالبهم يفترض أن تشق طريقها للطرح عبر مؤسساتهم الأهلية بالدرجة الأولى. وكل ذلك من خلال طرح عقلاني مدروس يؤصل خطوات الاصلاح ويمضي بها قدما للأمام.
اصدار قانون متوازن وعادل للأحوال الشخصية يصون خصوصيات المذهبين ويلامس مصالح كل فرد من أفراد الأسرة البحرينية، سيشكل عاملا من عوامل الوحدة الوطنية التي ستتعزز بصدوره. وسيظل اصدار القانون حاجة مجتمعية قائمة ما دام المواطن يعاني شخصيا، أسريا ومجتمعيا من تبعات غيابه.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن