التفاوض فى مجالات الاتفاقيات التجارية المفهوم والدوافع والعوائق

محمد نبيل الشيمي

2008 / 12 / 7

حوار وتبادل الآراء بين طرفين أو بين طرف وأطراف أخرى بهدف الوصول إلى اتفاق حول موضوع معين وقد يكون ذلك لمرة واحدة أو أكثر والتفاوض لا يخضع لنمط أو شكل محدد وإن كان مضمونه واحد ويعرف بعض الفقهاء التفاوض بأنه تبادل وجهات النظر بين أطراف حول موضوع محدد يراد منه إبرام معاهدة بغض النظر عما إذا كان هذا الموضوع سياسيا أو اقتصاديا أو عسكريا(1).
والتفاوض يبدأ عمليا بجس النبض بين الأطراف كل يبحث عن الآخر ويحاول استكشاف ما لدية من عناصر القوة والضعف وكذا المصالح المشتركة بينهما للوصول إلى صيغة توفيقية بين المتفاوضين.
يتم التفاوض عادة على ارض أي من طرفى/أطراف التفاوض أو فى بلد ثالث وقد يختار بلد معين للتفاوض كما حدث فى مفاوضات الجات خلال الجولات الثمانية التى عقدت من 1947 حتى 1986 وعادة يكون للفنيين الدور الأكبر فى حالة المفاوضات التى تقتضى التحضير وجمع البيانات والمعلومات والمستندات...الخ).
أهلية التفاوض:
يتولى التفاوض أشخاص طبيعيون مفوضون من قبل الدول التى يمثلونها ومن ثم فإنهم مسئولون عن كل تصرفاتهم ولذا يتعين أن يكونوا مزودين بالصلاحيات اللازمة.
وعملية التفاوض تكون ايجابية أو سلبية فإذا انتهت المفاوضات دون الوصول إلى نتائج محددة فإن كل ما حدث خلالها لا يلزم المفاوضين حتى لو كانت هناك مواقف مبدئية تمخضت عن الاجتماعات.
ويعتبر تحرير المعاهدة جزءا لا يتجزأ من التفاوض فهى تتضمن كل ما دار من مناقشات خلال التفاوض ويتم تحرير المعاهدة عادة بلغة أطراف التعاقد ويمكن فى هذا الصدد تحرير المعاهدة بأكثر من لغة مع اعتبار جميع النسخ نسخا رسمية.

دوافع التفاوض:
1- تسوية نزاع:
قد يهدف التفاوض إلى الوصول إلى تسوية ما فى نزاع قائم بين طرفين وفى العلاقات التجارية كثيرا ما يكون لأحد الأطراف حقوقا مالية قبل الطرف آخر (المديونية) ويمكن من خلال التفاوض الاتفاق على كيفية السداد وأسلوبه والمدة الزمنية للاسترداد.
2- تحقيق مصلحة:
كثيرا ما يحقق التفاوض للطرفين المتفاوضين مصالح/مصلحة مشتركة بينهما فى إطار العلاقات التجارية مثل منح منتجات الطرفين كل فى بلد الآخر ميزات تفضيلية كتطبيق مبدأ الدولة الأولى أو الأكثر رعاية وهذه تعنى التمتع بميزة نسبية لمنتجات البلدين كل فى سوق الدولة الأخرى( ).
أطراف التفاوض:
(1) شركاء (طرفان أو أطراف يتفاوضون بشكل مباشر) :
فى هذا النمط يجلس المتفاوضون فى المواجهة لفرض وجهات نظرهم للوصول إلى نتائج محددة وقد يشارك فى الاجتماعات أطراف أخرى بصفة مراقب لتسهيل عمليات التفاوض أو تجاوز ما قد يستجد من تباين فى الآراء بين الأطراف.
(2) أطراف أخرى مساهمون فى التفاوض من وراء ستار (مفاوضون غير مباشرين) :
أحيانا يكون لأطراف أخرى غير طرفيَّ الاتفاق أدواراً تؤثر على فحوى الاتفاقات دون مشاركة فعلية مباشرة فى الاجتماعات والهدف من ذلك هو التأثير على سير المفاوضات لتحقيق أهداف بعينها ويذكر فى هذا الصدد الدور الذى تقوم به الدبلوماسية الأمريكية فى التدخل فى العمليات التفاوضية للعديد من الدول لمنع وصول الأطراف المتفاوضة إلى نتائج محددة ترى الولايات المتحدة أنها فى غير صالحها( ) أو دفع البعض للانسحاب من اتفاقيات قائمة.
للتفاوض عنصرين:
- عنصر القوة التفاوضية.
- عنصر الاعتماد على الغير.
والعنصران مكملان لبعضهما أحيانا ومتباينان أحيانا وكلما كان لأي طرف جوانب قوة ويمتلك أسبابها كان لدية إمكانيات للحصول على مزايا أكثر من الطرف الآخر فى حين أن الدول التى تعتمد على دول أخرى فى الحصول على مساندة أو دعم عادة ما تكون اضعف فى فرض وجهة نظرها فالولايات المتحدة وهى تقدم مساعدات مالية( ) وعسكرية لبعض الدول تعمل عادة على ربط مساعداتها بالتعامل مع إسرائيل ( يلاحظ أن الولايات المتحدة الأمريكية تربط موافقتها فى الدخول مع بعض الدول فى مناطق للتجارة الحرة زيادة العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل كما حدث بالنسبة لمصر عندما دخلت فى اتفاقية الكويز كشرط لبدء المباحثات فى هذا الصدد)
ويبقى قدرة أحد طرفى التفاوض على تقدير موقف الطرف الآخر وبما يمتلكه من أسباب القوة أمرا حاكما للوصول إلى اتفاق ما والتفاوض يبدأ عادة بعمليات حوار ومساومات بين المفاوضين يحاول كل طرف من أطراف المساومة إبراز جوانب قوته من خلال تكتيكات تستهدف التأثير على الطرف الآخر ومن ثم يتعين أن يكون المتفاوضون على جانب من المهارة فى المساومة والقدرة على التأثير على الطرف الأخر على التنازل.
تتطلب عملية التفاوض بهدف الوصول إلى اتفاقيات أو معاهدات تجارية أن يكون لدى المفاوض المعلومات الخاصة بالطرف الأخر من حيث مكونات الاقتصاد القومى – التجارة الخارجية للدولة – أهم المنتجات القابلة للتصدير – حجم السوق وأهم الواردات – حجم السكان والتقسيم العمرى – التشريعات الجمركية السارية – الضرائب والرسوم ذات الأثر المماثل – أسعار السوق – منافذ التوزيع...الخ.
....ثم على المفاوضيين تحديد أهداف التفاوض مع وضع مجموعة من البدائل التى يمكن طرحها إذا اقتضت الحاجة ويمكن فى هذه الحالة وضع الحلول الممكنة للوصول الى الاتفاق او المعاهدة.
....ومن المحتم أن يكون المفاوض التجارى ملما بالقواعد المنظمة للتجارة العالمية وعما إذا كانت الاتفاقيات التى سيتم الوصول إليها متسقة مع الاتفاقيات الدولية ولا تتعارض معها خاصة إذا كان الطرفان من أعضاء منظمة التجارة العالمية وأيضا مدى الغنم والغرم الذى سيتحقق لبلده من جراء عقد الاتفاقية التجارية.
مراحل التفاوض:

للتفاوض مراحل ثلاثة:
 مرحلة ما قبل التفاوض:
وهى مرحلة تجميع المعلومات ووضع الرؤى حول سير المفاوضات وتحديد المطلوب طرحة على مائدة التفاوض وهى مرحلة يتعين من خلالها الوقوف على كافة ما يتعلق بالطرف الأخر.


 مرحلة التفاوض:
وهى المرحلة التى يجلس فيها الطرف فى المواجهة وفيها يعرض كل طرف رؤيته حول الموضوع المطروح وهذه المرحلة قد تنتهى بأن يتمكن احد الأطراف من فرض رؤيته على الطرف الأخر والتسليم بشروطه أو عرضه (الدول المتلقية للمعونات والمنح عادة تكون الطرف الضعيف القابل لشروط الطرف المانح).
ويمكن أن تنتهى هذه المرحلة بدون الوصول إلى أى نتائج حين يصر طرفى التفاوض على مطالبهما التى قد تكون متباينة او لصالح طرف تجاه الأخر.
وعموما فإن نجاح اى طرف فى الحصول على مزايا تفوق ما حصل عليه الطرف الأخر هى أيضا ثمرة الجهد المبذول من هذا الطرف وقدرته على طرح وجهة نظره المدعمة بالحقائق ويعتمد نجاح المفاوض فى بعض الأحيان على القدرة التفاوضية للمفاوضين ويقصد بالقدرة التفاوضية مهارة أعضاء الفريق المفاوض ومن ثم فان انتقائهم أمر ضرورى ويجب أن يكون الفريق المفاوض على انسجام ويكمل بعضهم البعض ويمتلك القدرة على المناورة بصدد الوصول إلى نتائج.
وعموما فان مرحلة التفاوض يمكن أن يتولد عنها اتفاق أو معاهدة أو بروتوكول.
 مرحلة ما بعد التفاوض:
وهى المرحلة التى يبدأ فيها تنفيذ ما تم الاتفاق عليه خلال التفاوض وفى حالة الاتفاقيات التجارية تخطر السلطات الجمركية بما تم الاتفاق عليه بشأن منتجات الدولة التى تم الاتفاق معها من حيث طبيعة الإعفاءات ونسبة التخفيض فى الرسوم الجمركية...
هذا وبشكل عام فإن للأطراف الاتفاق على تحديد أجل لانتهاء أو تعديل أو الاتفاق على آلية معينة لإلغاء الاتفاقية / المعاهدة.

تعريف المعاهدة :
هى اتفاق مكتوب بين أشخاص القانون الدولى لإحداث نتائج قانونية أو مجموعة من الحقوق والالتزامات الدولية وتعتبر اتفاقا دوليا بغض النظر عن الشكل أو المضمون الذى يظهر به الاتفاق وفقا لأحكامه وقد استعملت اصطلاحات متعددة للدلالة على ذلك مثل: معاهدة / اتفاقية / ميثاق / نظام / عقد / تقرير / بروتوكول / تسوية اتفاق / اتفاق مؤقت / عقد ملحق / نظام أساسي كل هذه الاصطلاحات ذات مدلول واحد حيث تعنى حدوث اتفاق بين دولتين أو أكثر للوصول إلى نتائج محددة قد تكون تسوية نزاع أو وضع حد لحرب أو وضع صيغة للتعاون الفنى أو التبادل التجارى . . إلخ.
ولا يعتبر من قبل الاتفاقيات الدولية ما يسمى بإعلان المبادئ أو إعلان النوايا أو البيانات المشتركة أو ما تقدمه الدول من مذكرات عن موضوع ما.
التوقيع على المعاهدة:
يعد التوقيع على المعاهدة بمثابة إقرار يعبر عن رضاء الإطراف الموقعة على ما تم التوصل إليه من اتفاق والتوقيع على المعاهدة أو الاتفاق لا يعنى فى الأصل أن المعاهدة باتت سارية المفعول إذ يجب التصديق من جانب الدولة باعتبار أن ذلك يعنى التزامها بأحكام المعاهدة.
ويمكن للمفاوضين التوقيع بالأحرف الأولى لإثبات حسن نية المتفاوضين ويرى بعض الفقهاء أن التوقيع بالأحرف الأولى قد ينتج نفس الآثار القانونية للتوقيع الكامل.
أما التصديق فهو فقط الذى يكسب الاتفاقيات القوة التنفيذية باعتباره إقرارا يصدر عن السلطات الداخلية المختصة بالموافقة على المعاهدة ومن ثم يجعل الدولة ملزمه بأحكام هذه المعاهدة وهذا يعنى ان التصديق مسألة موضوعية هامة ينقل المعاهدة إلى نطاق القانون الواجب التنفيذ (يرى البعض أن المعاهدات ذات الشكل المبسط لا تشترط التصديق ويبقى هذا التصديق أمراً واجباً بالنسبة للمعاهدات بالمعنى الدقيق وتأتى الاتفاقيات التجارية الثنائية بين بعض الدول العربية مثلا لهذا).
والأهداف التى تتوخى من ورائها الدول عقد الاتفاقيات التجارية هى بالتأكيد العمل على زيادة صادرتها وفتح أسواق جديدة لمنتجاتها حيث تعمل الاتفاقيات التجارية على منح ميزات فى أسواق الدول لصادرات الدول الأخرى العضو فى اتفاق وأهم هذه الميزات الإعفاءات الجمركية التى تعطى صادرات الدولة الأخرى ميزات نسبية نتيجة تخفيض أسعار السلع والمنتجات بنفس قيمة تخفيضات التعريفة الجمركية وغيرها من الرسوم ذات الأثر المباشر ،ينبثق عن الاتفاقيات التجارية اتفاقيات فرعية منها:
- اتفاقية قواعد المنشأ.
- اتفاقية تشجيع وضمان الاستثمارات.
- اتفاقية منع الازدواج الضريبى.
- اتفاقية لحماية حقوق الملكية الفكرية.
- اتفاقية إقامة مراكز تجارية أو معارض.
- اتفاقيات لتنسيق النظم والتشريعات والسياسات التجارية.
- اتفاقيات تعاون فنى فى مجال التدريب.
- اتفاقيات لتنظيم استغلال المياه الإقليمية فى البلد فى مجال الصيد البحرى.
- اتفاقيات لفض المنازعات.
- اتفاق بين غرف التجارة.
- اتفاق تعاون بين مراكز تنمية الصادرات.
- اتفاق إنشاء مجالس رجال أعمال مشتركة.
وقد يقتصر الأمر أحيانا على أي من الاتفاقيات دون أن تصل إلى مستوى اتفاقيات مناطق التجارة الحرة

وتعتبر من قبيل الاتفاقيات التجارية تلك التى تنبئ بظهور أحد مراحل التكتل أو التكامل الاقتصادى ..وهناك درجات للتكامل الاقتصادى والتى تبدأ باتفاقيات التجارة التفضيلية وتنتهى بالوحدة الاقتصادية.
 الاتفاقية التفضيلية:
وهى أدنى درجات التكامل حيث يتم بمقتضاها تخفيض العوائق التجارية بين الدول المشتركة فى الاتفاقية فى حين تبقى بالنسبة لغيرها من الدول.
 منطقة التجارة الحرة:
هذه المرحلة عبارة عن الاتفاق بين دولتين أو أكثر على إلغاء الرسوم الجمركية والقيود الكمية على التبادل التجارى البينى دون أن ينصرف ذلك إلى دول أخرى ومن أمثلة مناطق التجارة الحرة حاليا منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى التى بدأت فعالياتها اعتبارا من 1/1/2005 والتى ألغيت بموجبها الرسوم الجمركية بين الدول الأعضاء والتى انتهت بموجبها نظريا القوائم السلبية والكمية بين الدول الأعضاء وأيضا منطقة التجارة الحرة الكوميسا التى بدأ العمل بموجبها فى 31 أكتوبر 2000 والتى ألغى بمقتضاها كافة الرسوم الجمركية بين الدول الأعضاء.
 الاتحاد الجمركى:
وهى مرحلة تتجاوز سابقتها من حيث إلغاء الرسوم الجمركية والقوائم الكمية بين الدول الأعضاء إضافة إلى ذلك يكون لها أي الدول الأعضاء هيكل موحد للتعريفات الجمركية قبل الدول الأخرى غير الأعضاء.
 السوق المشتركة:
وفى هذه المرحلة يتم إزالة كل القيود التى تحد من تحركات العمالة ورؤوس الأموال بين الدول الأعضاء بجانب إلغاء الرسوم الجمركية والقيود الكمية ووجود هيكل موحد للتعريفات الجمركية قبل الدول الأخرى.
 الوحدة الاقتصادية:
وهو الإطار الموحد لكافة النظم والسياسات الاقتصادية بين الدول الأعضاء فيما يتعلق بالقوانين الجمركية والضريبية وكذا توحيد قوانين العمل والتأمينات الاجتماعية والنظم البيئية ووجود عملة موحدة وبرلمان موحد ومفوضية تمثل كافة ما يتعلق بالاتحاد من مسائل قبل العالم الخارجى ويعد الاتحاد الأوروبي المثال الذى يحتذى به فى هذا السياق.

العوائق التى تحول من الاستفادة من الاتفاقيات التجارية فى إطار ثنائي أو متعدد الأطراف:
عوائق عامة:
- تسيس الاتفاقيات بمعنى توجيهها وإخضاع تنفيذ بنودها لأهواء سياسية مما يجعل من نجاح أي اتفاقية رهن بحالة الرضا السياسى الراهنة دونما اعتبار للمصالح الحقيقة للأطراف.
- تنصل بعض الدول من تطبيق الإعفاءات الجمركية بدعوى انخفاض حصيلتها السيادية.
- الرزنامة الزارعية وتعنى فرض الرسوم الجمركية على السلع الزراعية المستوردة وقت توافر إنتاج محلى.
- التشديد فى تطبيق قواعد المنشأ.
- الاختلاف فى اللوائح والتشريعات الاقتصادية بين الأطراف ويأتي على رأسها اختلاف وثائق الإفراج الجمركى بين الدول الأعضاء مما يعوق من سرعة الإفراج فى الموانئ.
- قيام بعض الدول بفرض رسوم جمركية تحت مسميات مختلفة على واردتها.
- عدم الالتزام بمعايير التثمين الجمركى.
- وضع معايير ومقاييس متشددة تعد بمثابة قيود فنية على التجارة.


خلاصة:
إن نجاح الاتفاقيات التجارية رهن بما تحققه من زيادة الصادرات وفتح الأسواق وإعادة التوازن فى الميزان التجاري بين الأطراف.
....وأيضا الاتفاقيات التجارية عادة ما تكون نقطة البدء فى الوصول إلى مرحلة الاندماج الاقتصادي وزيادة حركة الاستثمارات الأجنبية المباشرة ومن شأن ذلك زيادة فى نمو الناتج المحلى الإجمالي والحد من معدلات البطالة وتقليل آثار التقلبات الاقتصادية.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن