منظمات المجتمع المدني.. قوة توازن بين الدولة والمجتمع

كاظم الحسن

2008 / 11 / 16

يعتبر انبثاق المجتمع المدني في اية دولة من دول العالم دلالة ومؤشراً على نضج العمل السياسي وتكامل العلاقة مابين الدولة والمجتمع حيث يكون الحوار والتفاهم والتسامح والتلاقي والتواصل اهم مكونات هذه العلاقة الصحية في الحياة الانسانية مابين الاطراف السياسية المختلفة

وتصبح طاقات المجتمع المنزوية والمعطلة مادة للتطور والحيوية فتلقي بظلالها على الواقع السياسي فتنتشله من الجمود والتناحر والتشتت.
ان النسيج المرن والمطاط والمتجدد للديمقراطية يجعل من فضائها الواسع والمترامي الاطراف الحاضنة السلمية للتعدد والاختلاف والتنوع وهذا يؤدي الى تطوير الوعي والفكر باتجاه المصلحة العامة.
ومن مزايا الديمقراطية صناديق الاقتراع التي تعتبر من اليات الديمقراطية ومن اهم الاسس التي تقوم عليها المجتمعات الحديثة والمتحضرة وهذه التوجهات الحرة تخلق حالة من التفاهم والنقد البناء بين منظمات المجتمع المدني والبرلمان قائمة على تجسيد وتحقيق المصالح العامة بعيداً عن الممسالك الضيقة والاساليب ذات المرامي الخاصة ولاجل التعرف على المزيد من التصورات والاراء والافكار عن منظمات المجتمع المدني والعلاقة التبادلية بين الاثنين كان لنا هذا اللقاء مع عدد من الاكاديميين والباحثين والادباء الذين اكدوا اهمية وضرورة تواجد منظمات المجتمع المدني وان تمارس دورها الفعال المناط بها وتمد الجسور مع البرلمان عبر المتابعة والنقد البناء لانشطة واعمال السلطة التشريعية.
- تشتت منظمات المجتمع المدني
قال الدكتور ابراهيم سعيد البيضاني رئيس المركز الستراتيجي للبحوث والدراسات الجامعة المستنصرية: ان العراق في مرحلة صياغة جديدة للحياة السياسية والثقافية والاعلامية ومثلما تلعب النخب في المجتمع دورها المطلوب فان مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني هي الاخرى مطلوب منها الارتقاء والتطور ولابد ان تحدث القوانين ويحدث الدستور وشروط الحياة الديمقراطية تغييرا في عموم الحياة السياسية والاجتماعية وتخلق اجواء الديمقراطية والموازنة ومنع الدكتاتورية من الاستئثار بالسلطة ولذلك فأن تجاهل واهمال دور منظمات المجتمع المدني سيكون اتجاهاً يؤدي الى الابتعاد عن الديمقراطية والى سلوك دكتاتوري وهيمنة المركزية والتهميش والاستئثار بالسلطة.
واضاف ان منظمات المجتمع المدني في العراق حديثة العهد وهي تجربة ديمقراطية حديثة انبثقت بعد عام 2003 اذ ان هذه المنظمات والمراكز غير المرتبطة بالحكومة تعمل بشكل مستقل ويمكن ان تنهض بمسؤولية كبيرة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية وتضطلع بدور فعال في البناء الفكري والاجتماعي والسياسي لما تتمتع به من استقلالية وما تمتلكه من قدرة على المراقبة وتشخيص الاخطاء ياتي من خلال ما تتمتع به من قدرة وآليات تنظيم ونشاط متميز وفعاليات متنوعة تثبت حضورها في المجتمع وتستطيع ان توصل صوتها الى القوى الفاعلة في المجتمع والى النخب السياسية من جهة والى المواطن العراقي من جهة اخرى، بل تستطيع ان تعبر عن نفسها بشكل حقيقي عندما تمثل المجتمع تمثيلاً حقيقياً وتعبر عن صوته لذلك فان من المفروض ان تصل منظمات المجتمع المدني الى هدفها بخلق التأثير الايجابي في اداء مجلس النواب وتكون مراقباً وراصداً لحركته ومصححاً لها.
واشار الى النفوذ الذي تتمتع به القوى السياسية داخل البرلمان اوفي العملية السياسية يجب ان ينطلق من الاداء الحسن والنجاح الذي تحققه في سلوكها السياسي الذي عبر عن امال وحاجات المواطن. اما اذا كان التاثير متأتياً من اساليب غير مشروعة ومنافية للشروط الديمقراطية والدستورية فيكون واجب منظمات المجتمع المدني هو التصدي لهكذا اوضاع.
ولا تزال منظمات المجتمع المدني لا تمتلك المؤسسة او الهيئة التي يمكن ان توحد وتقود وتعي طاقاتها نحو الاهداف المطلوبة ولذلك فان الهدف المنشود ان توحد جهود هذه المنظمات من خلال انبثاق قانون لمنظمات المجتمع المدني والهيئة المشرفة على عملها وتكون قوة فاعلة بالاتجاه الايجابي للتصدي للممارسات السلبية المنافسة للديمقراطية.
- الوعي بالتغيير
اشار الباحث والاكاديمي سعد مطرعبود الى الاشكالية في تراتبية الاحداث ومعطياتها والقناعات المتوفرة في استمراريتها واستيعاب معطياتها فالدستور مثلاً هو القاسم المشترك لمعطيات التغيير والحراك السياسي فينبغي ان يكون المحور الذي تنطلق منه التنظيرات والتطبيقات ومحوراً لتشكيل العلاقات بين النخبة والقاعدة والا سيكون هنالك فاصل قانوني يؤدي الى استبدادية النخب وانفصال في العلاقة بين القوى البرلمانية والقاعدة الشعبية وينبغي ايضا ان يكون هناك وعي بالتغيير وبمتطلباته وفهم واستيعاب لتشكيلات المرحلة سواء المرتبطة بالدولة او التشكيلات غير المرتبطة بها فالمؤسسة البرلمانية ينبغي ان تكون على اعلى درجة من الوعي السياسي بطبيعة المرحلة وتمهد لبلورة تأسيس منظمات المجتمع المدني وان تبتعد عن التقاطعات والمصالح الضيقة وان لا تكون رؤيتها ضيقة تقتصر على المآثر الذاتية والنفعية اي ان التنسيق بين المؤسسة البرلمانية ومنظمات المجتمع المدني ضرورة لتشكيل دولة مؤسساتية يكون فيها الفرد فاعلاً والقانون محترماً والنظام الديمقراطي فعالاً اوضح ان آليات التحديث لا ينبغي ان تخضع لايديولوجيات ضيقة بل ينبغي ان ترتبط المتغيرات العلمية والثقافية والاقتصادية لان الحداثة في بعض ما تعنيه هي الغاء التقليدي المتهرئ وانتاج اساليب للحياة جديدة يكون فيها الانسان قيمة عليا واحترام الرأي والرأي الاخر وتكون المعالجات النقدية بناءة وبعيدة عن الاصطفافات الفئوية ولكي تحقق استمرارية فاعلة للنظام السياسي الديمقراطي ينبغي ان يكون هناك تطابق بين النظرية والواقع وبناء لشخصية الانسان الديمقراطي وتفعيل قوانين حقوق الانسان واحترام مؤسسات المجتمع المدني.
وان يكون هناك تأسيس حقيقي لرجال الدولة لارجال السلطة وان تعتمد اليات تبادل السلطة بالطرق الديمقراطية ، وان يكون هناك وعي حقيقي باختيار اعضاء البرلمان ومنظمات المجتمع المدني .
- الرصيد الشعبي
اكد فلاح القريشي معاون مدير عام تربية الرصافة الاولى اهمية دور منظمات المجتمع المدني في البلدان الديمقراطية لانها تمثل الراي العام للشعب وتشكل ضغطاً قوياً في رسم سياسة المجتمع وهذه التجربة مازالت في العراق حديثة العهد وهي تواجه ثقافة شمولية ودكتاتورية مغروسة في العقل العراقي الذي تربى على تقديس الزعامة والبطولة والكارزمة والمنقذ الذي تخضع له الجماهير.
واعرب عن شعوره بالتفاؤل في ان ثقافة المواطنة والتعددية والانتخابات وارادة الشعب، هي التي سوف تسود وان التنسيق والتعاون بين منظمات المجتمع المدني سوف تأخذ دورها بعد نضج التجربة الديمقراطية ونقس الشيء يقال عن البرلمان في تجسيد وتحقيق مطالب الشعب وان يتحرك ضمن قناعات ورغبات الجماهير صاحبة المصلحة الحقيقية..
واوضح ان منظمات المجتمع المدني بدأت تظهر ملامحها في المجتمع العراقي وتحتاج الى جهود حثيثة وندوات ومؤتمرات حتى تكون لها قوة ضغط على البرلمان حتى يحسب البرلماني لها عندما تكون فاعلة ومؤثرة، وهذا يأتي من خلال امتلاكها الى رصيد شعبي واعلامي تستطيع من خلاله فضح وتعرية كل ممارسات البرلماني الذي لا يبحث الا عن مصالحه الخاصة.

- جدولة الأولويات

اشار الكاتب والروائي رياض الفهد الى الدور الخطير والضاغط الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني وقدرتها على تصحيح المسار وتحريك الحياة برمتها لو استطاعت تحديد الاطار المفاهيمي لها وكذلك لابد من اشاعة ثقافة القيم والتقاليد الخاصة بروح الديمقراطية ومحاولة ترسيخها في المجتمع المدني من بينها ان يفهم المواطن حقوقه وواجباته وكيفية التأثير في السلطة التشريعية ودفعها باتجاه المصلحة العامة.
واضاف ان سكة السير تحتاج دائماً الى جدولة الاولويات لكي يتواصل الحراك الاجتماعي والثقافي وفق هذا التطور على الرغم من ان الامال والطموحات مازالت في صيرورتها الاولى لبناء مجتمع يرتقي بنفسه سلم التطور والتقدم الاقتصادي.
ولعل لمنظمات المجتمع المدني دوراً لصياغة مشروع منسجم مع قيم الحرية والديمقراطية رغم ان الخصوم يقفون بالضد من هذا المشروع وبقائه حياً كونه برنامجاً لحياة الشعوب وإضاءة لكل المناطق المسكونة بالعتمة لذلك تبقى المسألة خاضعة لمعايير الفهم وادراك ضرورات المرحلة في حياة الشعب العراقي وهو ينتقل من نظام احادي الى نوع اخر متقدم ينظم الحياة الاجتماعية في الاطار العام للمفاهيم الحرية والديمقراطية.
- الثقافة المتبادلة

اوضح الباحث جبار حسين صبري، ان العراق بمتغيراته يشكل نوعاً من الثقافة المتبادلة التي من شأنها ان تضفي على المشهد ارتباكاً كما تضفي عليه نقلة لم تألفها الذات العراقية منذ ولادتها وهذا التغاير سيندرج تحت لافتة التبادل في العلاقة تشريعاً (برلمان) او را صداً (منظمات مجتمع مدني) ولكن ليس ضمن المديات القريبة بل على المدى الابعد لضرورة التلاقح بين الذاتين.
واضاف ان عمليات الانفتاح على الرأي والرأي الاخر في العلاقة مابين البرلمان ومنظمات المجتمع المدني يمكن ان تؤطر المشهد الثقافي - الاجتماعي وصولا الى المشهد السياسي بنموذجين تشغلهما الروابط والعلاقات المتواصلة.

النموذج الاول: الذات الخاصة اي ذات الفرد او ذات المؤسسة او ذات الثقافة او ذات الاجتماع وغيرها ضمن الدوائر الصغرى.
النموذج الثاني: الذات العامة اي ذات الدولة او الذات المشرعة (البرلمانية) وغيرها لنفس المحمولات.

ولتحقيق الذاتين تكمن في سعة تبادل الروابط ونوع العلاقات حتى تتخصب الرؤية بين الطرفين..
- الوعي الانتخابي
يعتقد الكاتب عبدالرزاق النداوي ان منظمات المجتمع المدني تشكل العمود الفقري للمنظمات المهنية اضافة الى المجتمعية وهذه المنظمات بدوها تشكل النخبة التي تحرك الوعي الانتخابي لدى الشعب وتحدد بوصلته.
وشدد على الدور الاساسي لمنظمات المجتمع المدني في تحديد نتائج صندوق الانتخابات الذي يشكل هاجس (البرلمان) واعضائه جميعاً باعتبارهم يطمحون دوما الى تجديد عضويتهم من خلال الفوز المستمر في الانتخابات.
ومن هذه الجزئية (الرغبة بالتجديد- الانتخاب) تتأطر العلاقة بين الناخب والنائب وهي علاقة نفعية مشروعة حيث يطمح المواطن الى ترجيح من يرى ويتوسم فيه منفعة للشعب والوطن ويسعى النائب لحصد وكسب الاصوات من اجل استمرار بقائها في البرلمان .
- منظمات نافذة الصلاحية
يعتقد الشاعر والاكاديمي كريم مظهر ان طموح كل مثقف ومتابع لمجريات العمل الثقافي والسياسي في العراق الجديد ان يكون ثمة تنسيق وتعاون بين منظمات المجتمع المدني على اعتبار ان المنطلق لهذه المنظمات هو واحد يبستمد جذوره من مشروع ثقافي وسياسي ووطني واحد ولكن مثل هذا التعاون على ارض الواقع لم يظهر بل اننا نرى اليوم كثيراً من منظمات المجتمع المدني الوهمية التي تتسع لاشخاص معينين ينشدون الجاه والمال وهناك البعض الاخر من المنظمات ارتبط قبل الشروع بتاسيسها بولاءات سياسية ما يجعلها منظمات نافذة الصلاحية.
ويرى ان البرلمان والكتل السياسية المتقابلة فيه عليهم ان ينظروا بعين الاهتمام الى منظمات المجتمع المدني بصفتهم ممثلين ليس الا وينبغي لهم ان يدخلوا في جميع الازقة والبيوتات الثقافية الشعبية الا ان ذلك لم يحدث الا في بعض الحالات الخاصة التي تحمل الهم الثقافي الابداعي.






https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن