في الوحدةِ الوطنيةِ

ييلماز جاويد
yelimaz@hotmail.com

2008 / 11 / 4

قلنا مراراً إنّ من واجبات المثقفين توعية الشعب وشرح اسباب معاناته على يد سلطة أتت بطريقة غير إعتيادية جوبهت بأعداء غير تقليديين ، سلطة لم تعالج القضايا بحكمة بل إنشقت على نفسها إلى تيارات طائفية وأخرى عنصرية ، ففقدت بتفرّقها قدرتها للملمة الأوصال بدون جدوى . لجأت إلى ( التوافق ) الذي زاد الطين بلة بما إستغلته الأطراف المتنافسة في عملية الجرّ والعرّ للحصول على أكبر المكاسب الذاتية والحزبية والفئوية متناسين مصلحة الشعب . وقلنا إنّ مبدأ ( التوافق ) الذي إبتُدع لتمرير المصالح الفئوية إنما مبدأ يؤدي إلى الهدم ، أساسه عدم الإعتراف بالغير من جهة ومُغلّف بغطاء خداع من ما أطلق عليه زوراً ( الديمقراطية ) .

خمسُ سنوات نحضّ المثقفين أن يقوموا بدورهم التنويري لرفع الوعي لدى الجماهير بحقوقها ، ودفعها للدفاع عنها والنضال من أجل ترسيخ الممارسات الحضارية لتوسيعها . لكننا ومع الأسف الشديد لاحظنا أن تيارات الطائفية والعنصرية قد فعلت فعلها حتى في مثقفينا فإنجرّ بعضهم في التيار مدافعاّ عن الظالم أو عن المظلوم . فالمدافع عن الظالم ظالمٌ مثلُه فهو هدّامٌ للنسيج الفسيفسائي للشعب ، حاملٌ معوله لهدم المجتمع . والمدافع عن المظلوم يتظلّمُ في إطار العنصرية أو الطائفية الإنعزالية ويتباكى على جماعته دون غيرها ، فيضعف النسيج الموحد للشعب وبذلك يتحوّل إلى هدام حامل معوله لهدم المجتمع .

إنّ العراق يمرّ بمرحلة دقيقة جدّاً ، وعلى المثقفين وواجبهم أن يكونوا الهداة لعامة الشعب لتبصيرهم أننا لسنا ولم نكن في صراع مع بعضنا البعض ، فقد عشنا قرونا متآخين ، والتأريخ يشهد لنا بذلك ، وكذا يشهدُ لنا إختلاط الأنساب من عشرات الأجداد .

لم يُدقق كثيرٌ من المثقفين والسياسيين التقدميين في الفحوى والمضمون الإقتصادي للتحالفات السياسية التي تجري في العراق وتوجهاتها منذ العام 2003 . إن التحالفات الموجودة ، وإن تغلفت بغطاء كثيف من الطائفية والعنصرية ، إلاّ أن الأساس الإقتصادي هو في الحقيقة الذي يتحكم فيها بصورة جوهرية . منذ 2003 تجري الأحداث حثيثاً لعودة العراق إلى الوراء ، إلى المجتمع القبلي ، وإعطاء دور للعشيرة والشيوخ وكذا رجال الدين ذوي السيطرة الدينية على أفكار الشعب . إن هذا المسار مدعوم من المحتل من جهة ويحقق مصالح الشرائح العليا من شيوخ العشائر ورجال الدين من جهة أخرى . إن مصالح المحتل ومصالح هذه الشرائح متوائمة حتى لو كانوا من طوائف أو قوميات مختلفة ، فليست الصراعات الدموية التي تُختلق لهذا السبب أو ذاك إلاّ إثارة الدخان الكثيف لتعكير الرؤية الحقيقية لهذا المسار . إن مستقبل العراق الوضاء مرهون بالإستقرار ، فقد عملت جهات متناقضة في ظاهرها على إدامة عدم الإستقرار. ومستقبل العراق في إعطاء دور للقوى التقدمية ، وقد هُمّشت ، والعقول من العلماء والأطباء والمهندسين والكتاب وأساتذة الجامعات دون إعتبار إنتماءاتهم الدينية أو القومية قد كوفحوا وأجبروا على الهجرة إلى الخارج . وعلى جانب آخر ظهر نشاطٌ حثيث لإعادة الإعتبار والسلطة لشيوخ العشائر ودورهم السياسي بالإضافة إلى الإبقاء على الميليشيات الخارجة عن سلطة الدولة ، ومن جهة أخرى عدم وجود أي نشاط جدّيّ من الدولة لتشجيع النشاط الإقتصادي التنموي ، سواء الصناعي أو الزراعي . إنها عملية مدروسة ومخطط لها بدقة لإفراغ العراق من جميع الوساءل التي تعرقل مسيرة التمهيد لعودة العراق إلى عهد ما قبل 14 تموز1958 ، العهد الإقطاعي ورجال الدين والرأسماليين المرتبطين بالدول الخارجية بتجارتهم في الإستيراد والتصدير ؛ أي لإعادة بناء النظام الأوليغاركي التقليدي ثانية .

نداءٌ إلى جميع المثقفين أن يكونوا فوق الصغائر ، ولا ينجرّوا في متاهات الطائفية والعنصرية البغيضة ، ولا يكونوا المعول الهدام بإندفاعهم العاطفي في الدفاع عن شريحة من الشعب والهجوم على شريحة أخرى ، فالدولة والقيادات السياسية التي تتوافق مع بعضها هي رأس البلاء ، والشعب المسكين عديم الإرادة يسير قسراً إلى ما يخططون دون أن تكون له مصلحة في ما يفعل . إننا أزاء نظام حكم يدعي زوراً تمثيل الشعب والشعب بريء منه ، نظامٌ يضم كتلاً متفرقة وكل كتلة تدعي زوراً تمثيل فصيل من الشعب ، والشعب لا مصلحة له في أية تفرقة في نسيجه .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن