السّهلة ، المُمتنع 2

دلور ميقري

2008 / 11 / 4


على أعتاب سنّ البلوغ ، المُرَخمَة بمَرْمر أحمَر ، كنتُ شاهداً على نضج ثمرَة شهيّة ، لذيذة ، دأبَتْ دوماً على دنوِّها ، السّهل ، من جوع الجنس ونهمه . هيَ " مليكة " ؛ الفتاة الفاتنة ، التي تكبرني بسنة واحدة حسب ، مع أنها توحي للناظر بكونها إمرأة ، كاملة العلامات ؛ بالنظر لإمتلاء بدنها وحيوية روحها . حسنها ، المُفعم بملامح منسجمة لسحنة رائقة ، ناصعة ، كان يُزاد مثاقيله بقناطير مُذهّبة لمؤخرةٍ سخيّة ، عارمَة . هذا الحسنُ ، كان مُعششاً بمكامنه ثمة ، في الجهة المُقابلة لبيتنا ؛ أين يقومُ المنزل الأصل لآل " حج عبده " . إنطلاقة بنات آلهم والحريّة المُتاحة لهنّ ، هما من واردات حكاية عجيبة ، شائعة في محيطنا ، تجزُم إعتناق الجدّ الأول لمذهب " البهائية " ، بُعيدَ إقترانه بإمرأة إيرانية . جارَتنا ، خياطة الحارَة الأشهر وزوجة عمّ " مليكة " ، ضافرَتْ من تلك الإشاعة بما أنها من الأصل نفسه ، الأعجميّ . ولكنّ بيتَ الجدّ ، الكبير المساحة ـ كحال معظم بيوت الحارَة ، سبقَ له أن قسّمَ على ذكوره الثلاثة بُعيدَ زواجهم . أمّا شقيقتهم الكبرى ، فإنها كانت قد إقترنت بأحد وجهاء الحيّ ، في قسمه الغربيّ ، فأنجبتْ منه إبنها " عصمت " ؛ الذائع الشهرة لاحقاً ، بوصفه بروفيسوراً مُحاضراً في الجامعات السويسرية والأوروبية ، كما وبمراكزه السياسية ، المرموقة ، في الحركة الكردستانية . مذ مبتدأ طفولتنا ، لبثَ حقدٌ ضار يسرَحُ بين بيتيْ إبنيْ " حج عبده " ، والذي يفصل بينهما منزل شقيقهما الكبير ، الحياديّ . هذا الحقد ، حقّ له ان يتغذى أواره بجمر ماض دمويّ ؛ مذ طعنة مطوى " قابيل " زقاقنا ، القاتلة ، لشقيقه الأصغر . القاتل ، أورَثَ بناته ثروة وسامة فتوّته ، الثرّة ، وفي قِسْمَةٍ ، عادلة ، مُبقياً لنفسه عسرَ الخلق وناريّته .

***
البنتُ البكر لجارنا ذاك ، ما كانت سوى أمّ رفيق الطفولة ، الأقرَب ؛ " غسان " ، الفتى الفاتن ، الذي إبتلاه المقدورُ بعاهة الصمّ والبكم . " سوزي " ؛ شقيقته الصغيرة ، الوحيدة ، كانت تظلع أيضاً على قدَمَيّ حسن باهر ، حثيث ، مندغم بخلق خجول ورقة لا مُتناهية . بيتهم ، كان في حقيقته حصّة كبير ذكور آل " حج عبده " ؛ هذا الرجل الصموت المُتكتم ، والعطوف في آن ، المتكرّم على إبنة أخيه بالضيافة الدائمة ، بُعيد مقتل زوجها ، الضابط العسكريّ ، في إحدى التدريبات . وعلى الرغم من جفاء العلاقة بين والدة الأخوين ، اليتيمين ، وزوجة أبيها ، فإنّ ذلك لم يمنع توثق أصرَة صداقتهما للخالة الصغيرة ، " مليكة " ، التي بادلتهما بدورها المودّة . في سنيي تلك ، الحدَثة ، غيرَ المُتمّة بعد الدزينة الكاملة ، كنتُ مُعتاداً على التواجد الدائب في بيت لدّات الطفولة أولئك ، المَركون بمواجه بيتنا تماماً . وما فتأتُ أذكر تفاصيلَ ذلك اليوم الصيفيّ ، المشهود ، الذي حفلتْ ظهيرته بعبثٍ صاخب ، من لدن خالتيْ صديقي ، الأخرس . " ليال " ، التي تماثل عمراً بكرَ أسرتنا ، كانت قد إقترَحتْ اللهوَ بنربيش الماء ، غبَّ فراغها وأختها الصغرى " مليكة " من مهمّة غسل أرض الديار . كان البيت خال إلا من حضورنا ، فعمّ البنات ، الكبير ، كان وقتئذٍ في مشاغل المحلّ الصغير ، الذي يملكه في الزقاق العلويّ ، المُفضي لما يُعرف عندنا بـ " حارَة الدروز " . أمّا " أمّ غسان " ، فكانت غائبة عن بيتها هذا ، كونها تعمل ممرضة في عيادة خاصّة لأحد الأطباء ، في مركز الشام القديمة . هكذا رأيتني في غمرةٍ من التلاحم الغامض مع الجسديْن الرائعيْن ، شبه العارييْن ، للأختين هاتين ، المتماجنتيْن ؛ التلاحم الحميم ، المتماهي بمظهر ، بريء ، من اللعب وتراشق المياه . " غسان " ، من جهته ، كان الأكثرَ مرَحاً بيننا ، مُطلقاً صيحاتٍ متواليَة ، مفقودة المفردات ، فيما هوَ يتراكض خلف صغرى خالتيْه برشاقة بدنه ، المتجرّد تماماً من أيّ ملبس . فلا يلبث أن يُدركها ، لاهثاً ، فيهوي على ظهرها بما يُشبه الطعنات ، الخاطفة ، من إحليله المُستدَقّ ، والقائم مُنتصباً في الوقت نفسه . عندئذٍ كانت " مليكة " تتصنع الفرار ، صائحة بدورها ، فيما أردافها تترجرجُ وتهتزّ بصورةٍ غاية في الإثارة ؛ أردافها الثقيلة ، المُتبدّية على عريّ بيّن ، بما كان من حال السروال الشفيف ، المُبتلّ .

***
بدورها ، فإنّ " ليال " ولا ريب ، كانت حسناء الحارَة دون منازع . صداقتها لشقيقتي ، الكبرى ، توثقتْ خلال دراستهما معاً منهاج البكالوريا ، الأدبية . إذ ذاك ، كنتُ بمثابة ساع للبريد بينهما ؛ لقصاصاتٍ من الورق ، دقيقة ، مُنتزعة من هذا الكرّاس أو ذاك . جارتنا الفاتنة ، الفائقة اللطف والظرف ، كانت تخصّني بمودّتها ولا تكفّ عن ضمّي وتقبيلي ، بوجود شقيقتي أو عدَمَه . فضلاً عن ذلك ، فما كانت لتأبه في حضوري بالتخاطر بملبس النوم الرقيق ، القصير ، المكوِّر كلّ خلجةٍ ، خلوقة ، من أجزاء بدنها المُثير . حقيقة إيثاري بمحبّتها ، مُحالة ربما لكوني دأبتُ صغيراً على مهمّة الساعي تلك ، إنما مع شخص آخر ، مّذكّر الصفة . وبعبارة اخرى ، كنتُ لهما مرسالاً : وإذاً بحدود التاسعة من عمري ، إتفق لي رؤية " ليال " وإبن عمّها " راضي " ، الذي يكبرها ببضعة أعوام ، وكانا يتبادلان الإشارات ، الخفيّة ، خلل المسافة الهيّنة ، الفاصلة بين حجرتيْ منزليهما ، العلويتين . وإذا بقصاصة من الورق ، ملفوفة بعناية ، تنهمل من عليّة إبن العمّ . لحظات اخرى ، ثمّ ظهرَت " ليال " أمام باب بيتها ، لتوميء لي بلطف .
" تلك الورقة على الأرض ، أتراها ؟ أجلبها لي ، حبيبي ! " ، هتفتْ بي الجارةَ الحلوة بصوتٍ خفيض . " راضي " ، المُشتهر بوسامته ، كان بطبيعة الحال هوَ حبيبها الحقّ ، وليسَ ذلك الطفل ، الذي كنته . منذئذٍ ، إعتاد عاشقنا على تكليفي بشراء سكائره من الدكان ، جنباً لجنب مع مهمّتي تلك ، السريّة ـ كمرسال الغرام . تشديدي على سريّة الأمر ، لكون العاشقيْن هذيْن ، المُتولّهيْن ، يعلمان ولا شكّ بما بين بيتيْهما من أحقاد ودماء . ولكي تتناهى المُفارقة ، فإنّ " ليال " و " راضي " هما من كانا سببَ المأساة تلك ؛ حينما إشتبكا طفليْن بمشادة حامية ، مما إستدعى تدخل أبوَيْهما الشقيقيْن ، اللدودَيْن . وهما بالذات من سيكونا ، على أغلب ترجيح ، باعثيْ شرارة مشادة اخرى ، ما عتمَتْ أن إحتدمَتْ بين أسرتيْهما ، وبالتالي ، أنهَتْ بدورها واقعة عشقهما .

***
ـ " قلتُ لكِ ، لا تصرخي هكذا ، مثل عاهرة !! "
راحَ شقيق " راضي " ، الذي يصغره مباشرة ً ، يَصرخُ مُغضباً بإبنة عمّه ، الكبرى . " أمّ غسان " ، المسكينة ، هيَ التي كانت معنيَة بالإهانة تلك ، الفظيعة ، كونها القائمة بهمّة على منافحة إمرأة عمّها وإبنتها . ولكنّ تدخل عمّي المُهاب ، الحاسم ، بين أولئك الأقارب ، المُتخاصمين ، سرعانَ ما أخمدَ أوارَ النزاع . على سذاجة سني تلك ، المُبكرة ، كنتُ على يقين بأنني الوحيد في الحارَة من يملكُ تأويلاً ، مرجوحاً ، للمشادة المُنتهية تواً . لخيبتي ، فإنني إلتقطتُ في مساء ذلك اليوم إشاراتٍ ، لا لبس فيها ، من شقيقتيّ الكبيرتيْن ، تؤكّد معرفتهما بحكاية الحبّ ، المُحرّم ، التي كانت تربط " ليال " مع " راضي " . هذا الأخير ، ما لبث أن اُجزيَ تفوّقه الباهر ببعثةٍ ، حكوميّة ، إلى عاصمة البلاشفة ، كيما يدرس الفيزياء النووية . فيما أنّ إبنة عمّه ، الحبيبة ، سيكون عليها إختيار شابّ فلسطينيّ زوجاً ، وما عتمتْ أيضاً أن رحلتْ معه إلى العاصمة العراقية ؛ أين مكان عمله ، ضابطاً في منظمة التحرير . صهر آل " حج عبده " ذاك ، الغريب ، كان علاوة على ذلك عجيبَ الأطوار . خلال فترة الخطبة ، كان يتعامل معي وكأنني من أهل بيته ، وبكلّ ودّ ولطف . تآلفتُ وصديقي " آدم " مع حضور هذا الضابط الفلسطينيّ ، الذي دأبَ على مجالستنا على عتبة دار حموه . فيشرع إذ ذاك برواية مغامراته المشوّقة ، الفدائية ، في غزة وجنوب لبنان ، وكذا مهمّاته ، السريّة ، في بعض الدول الأوروبية . كان يُشفع معلوماته أحياناً بإبراز صور ، شخصية ، مع مسؤولين مهمين من المنظمة ، وكذلك مع حسناوات من ذوات الشعر الأشقر والعيون الزرق . خلال العرس ، تبدّى جلياً خلق الرجل البسيط ، المرح ، فكانت تصرفاته تثير في كلّ مرة عاصفة من الضحكات بين النسوة . في تلك الليلة ، المُحتفلة ، وجدتني مع " آدم " ، الجريء حدّ الإستهتار ، في الحجرة العلوية لمنزل عروسنا ، المخصصة لتغيير فساتينها ، العديدة ، المُفترض أن تعرضها على مرأى من المدعوات . هنا ، في الحجرة ذاتها ، التي شهدَتْ إشارات الحبّ الأول ، الموؤود ، كانت " ليال " بأحلى حلّة وأروع مظهر . عندئذٍ كان جسدُها ، شبه العاري ، يومضُ لناظري في عجالة الخلع والإكتساء ؛ الجسَدُ المُعجز ، الذي ألِفتهُ زمناً وتحسرّتُ فيما بعد دوماً على فتنته الآسرة ، المُفتقدة .

للسيرة بقية ..



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن