حواتمة: فشل حوار القاهرة سيوصلنا إلى النموذج الصومالي

نايف حواتمة
dflp@aloola.sy

2008 / 10 / 29

حاورته: سمية درويش
س1: هل الجهود المصرية الرامية لعقد مصالحة وطنية كافية لإنهاء الانقسام والأزمة السياسية التي تمر بها الساحة الفلسطينية ؟
تستند الورقة المصرية "المشروع الوطني الفلسطيني" لاستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، على الحوارات التي تمت في القاهرة (25/8 ـ 8/10/2008) مع الفصائل والقوى والأحزاب الفلسطينية، والتي دعونا بها للحوار الشامل تحت رعاية الجامعة العربية (صيغة الدوحة) على أساس وثائق الإجماع الوطني لإنهاء الانقسام (اتفاق القاهرة آذار/ مارس 2005)، و(وثيقة الوفاق الوطني ـ وثيقة الأسرى حزيران/ يونيو 2006) ووثيقة الإجماع العربي في قمة دمشق (آذار/ مارس 2008).
إن الجهد المصري كما هو واضح، يستند إلى إجماع عربي معبر عنه في قمة دمشق، وسيجري الحوار برعاية الجامعة العربية. لقد جرت الحوارات وسط ترحيب وارتياح شعبي فلسطيني واسع وغامر، رغم أن قادة حماس "تحفظوا وأعلنوا ذلك الآن"، عبر التطرق للتفاصيل، وكما تعلمون فإن "الشيطان يكمن بالتفاصيل".
أقول: كي تتقن الورقة المصرية إدارة الأزمة الفلسطينية الراهنة، مشروطاً ذلك إذا ما اعتمدت صيغة "الدوحة اللبنانية" بالحوار الشامل. أزمة الانقسام تراكبت وتشابكت وتداخلت فيها العديد من العناصر والعوامل الخارجة عن التحكم الفلسطيني، وأخذت تختلق الأزمات تلو الأزمات في ارتباطاتها الخارجية، وخرجت عن اعتبارات المصلحة الوطنية واعتبارات المقاومة والنضال، وأصبحت المصلحة العربية الجامعة تقتضي التدخل السريع، لكن مسؤولية الخروج من الأزمة هي مسؤولية فلسطينية بالأساس، خاصة وأن بوصلة التفاعلات في الانقسام الفلسطيني تؤكد أن المستفيد الوحيد هي "إسرائيل"، تمهيداً لإنهاء المقاومة وفرض حلولها "الأمر الواقع" لتصفية القضية الفلسطينية.
إن إنجاح المشروع الوطني الفلسطيني هو نجاح لاعتبارات المقاومة والنضال، وفي حال الفشل فإن الفوضى الفلسطينية ستقود إلى تكرار النموذج الصومالي وربما أفدح تمزقاً ودماً، بما يعني من خسارة للقضية وللشعب أيضاً، من هنا معالجاتنا الدؤوبة في صيغتنا الوطنية الوحدوية.
س2: حماس تصر على عقد لقاء ثنائي مع حركة فتح، بينما الأخيرة ترفض ذلك، برأيكم هل رفض الرئيس عباس لذلك الحوار الثنائي، تلبية لمطالبكم ومنظمات أخرى، أم أنه عبرة من دروس الماضي ؟
لقد أكدت مراراً وتكراراً أن أي اتفاقات محاصصة ثنائية، ستنتهي بالاقتتال الدموي والاحتراب والمزيد من التشرذم. في اللقاء الأخير مع الأخ محمود عباس (أبو مازن) في دمشق؛ اتفقنا على أن الحوار الوطني الشامل طريق إنهاء الانقسام وبناء الوحدة الوطنية، وأن لا عودة للاجتماعات الثنائية وصفقات واتفاقات المحاصصة الثنائية بين فتح وحماس، فقد تم تجريبها في اتفاق 8 شباط/ فبراير 2007، والذي انهار بجحيم الحرب الأهلية والانقلابات السياسية والعسكرية. كما اتفقنا على أن "صيغة الدوحة" لحل الأزمة اللبنانية بالحوار الشامل تحت رعاية الجامعة العربية، هي الصيغة الأمثل في موضوعة الانقسام الفلسطيني، وليس صيغة الحوار واللجان الثنائية والمحاصصة الثنائية، وهذا ما أكد (12) اثني عشر فصيلاً بما فيها فتح مع القيادة السياسية المصرية، وهذا ما أجمعت عليه كل الفصائل الوطنية والديمقراطية في اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير برام الله (20/10/2008) بحضور محمود عباس، وصدر هذا أيضاً ببيان اللجنة التنفيذية "نزولاً" عند إصرار فصائل المقاومة الوطنية أولاً، وتجربة اتفاق المحاصصة المدمر، الدامي بين فتح وحماس".
إن هذا التوجه الوطني الفلسطيني هو ما ينقذ فلسطين من الأزمة، نحو إعادة بناء النظام السياسي والثقافي، على أساس من الديمقراطية والتمثيل النسبي الكامل، والمصلحة الوطنية الواحدة والتعددية السياسية، في إطار من الشرعية الواحدة، بعيداً عن سياسة الإقصاء والإلغاء، نحو بناء نظام سياسي قادر على توفير إطار سياسي ملزم لجميع الفصائل والأحزاب والقوى، يمارس فيه كل تنظيم برنامجه السياسي، بما لا يتعارض مع البرنامج السياسي الوطني العام.
إن استعادة البناء الوطني السياسي، هو الذي يفتح على فرصة إعادة بناء مؤسسات السلطة التشريعية والرئاسية، وإعادة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية بانتخابات التمثيل النسبي الكامل، فضلاً عن أمر بالغ الأهمية هو أنه يؤسس لبناء مؤسسات الدولة، من خلال تأسيس مؤسسات المجتمع المدني على أسس بناء ثقافة وطنية تشاركية مواطنية، للحيلولة دون قيام سلطات قمعية في المستقبل، أو تسلطية سلطوية استبدادية تغلب عليها الميليشيات والأجهزة الأمنية، وبالمحصلة العامة فالمطلوب والهدف هو بناء نظام سياسي ديمقراطي تعددي يقوم على الشراكة الوطنية الشاملة، يؤسس لثقافة مؤسساتية وديمقراطية، هو وحده القابل للبقاء، وهو وحده الذي يوفر شرعية سياسية واحدة وجامعة، لا تجرؤ قوة مهما كانت على تجاوزها أو محاولة إلغائها.
ينبغي التيقظ كي لا تطل المحاصصة بقرنيّها وتعيد الأزمة إلى بداياتها.
س3: تتحدث حماس عن عدم قدرة الجامعة العربية على اتخاذ أي قرار ضدها في حال رفضت بنود الاتفاق، وتعزو ذلك لمراهنتها على أصوات عربية ماذا تقولون في ذلك ؟
نأخذ بعين الاعتبار قرار وزراء خارجية جامعة الدول العربية الأخيرة (9 سبتمبر/ أيلول 2008)، أنها سوف "تعاقب" أي طرف فلسطيني يعطل إرادة ونجاح الحوار. والشرعية الفلسطينية هي فلسطينية أولاً، وعربية ثانياً، ودولية عبر هيئة الأمم، وأقصد هنا خطأ التعويل على "الفراغ الدستوري الرئاسي بعد 9/1/ المقبل.
قبل الوصول إلى 9/1/2009 مؤتمر وزراء خارجية الدول العربية الذي انعقد في القاهرة 9 أيلول/ سبتمبر 2008؛ أعلن واتخذ قراراً أعلنه عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية، بأن جامعة الدول العربية أي كل الدول العربية باسم جامعة الدول العربية ستعلن الطرف أو الأطراف المعطلة للحوار الوطني الشامل ووصوله إلى نتائج توحيدية لكل الأوضاع الفلسطينية خلال الفترة القريبة القادمة، والورقة المصرية التي وصلتني قبل 24 ساعة تشير بأنها تأمل أن تتمكن من حل العقد الباقية حتى ننتقل إلى الحوار الوطني الشامل في 9/11/2008، وإذا لم نصل إلى نتيجة فعلى جامعة الدول العربية أن تعلن الطرف أو الأطراف المعطلة أمام الرأي العام الفلسطيني والعربي هذا أولاً، وثانياً على ذلك يجب أن يلتقي وزراء خارجية الدول العربية من جديد مرة أخرى وسيبحثوا من جديد هؤلاء الذين عطلوا كيف تحل القضايا معهم بالاستجابة للرغبة العربية الجماعية. وثالثاً إذا لم يقع هذا الالتزام من وزراء خارجية الدول العربية أقول بصراحة هذا يعني انحناء وركوع من جامعة الدول العربية من مصالح فئوية حزبية أنانية، ومن المحاور والعواصم الإقليمية العربية والشرق أوسطية التي لا تريد للشعب الفلسطيني إعادة بناء وحدته الوطنية، لأن الوحدة الوطنية الفلسطينية ثمنها مكلف على جميع الدول العربية والدول المسلمة، لأن عليها أن تأتلف وتساند الوحدة الوطنية الفلسطينية، وهي لا تريد ذلك أو بعضها لا يريد ...
س4: ماذا عن توقعاتكم للمصالحة، وما نتائج فشلها على الشعب والقضية الفلسطينية ؟
الفشل في هذا الظرف المصيري بالذات، وفي ظل هذه الأزمة التي باتت تعبث بمصير شعب، يعني مباشرة المزيد من الشرذمة بما تعني من تداعيات سياسية واجتماعية، والتي ستفرخ مباشرة المزيد من الفلتان الأمني، وتغييب القضاء وإنهاء سيادة القانون، وشرذمة المجتمع عشائرياً وعائلياً بالاعتماد على مجموعات مسلحة ميليشاوية لحماية الذات بانتماءات فرعية بدلاً من الانتماء الوطني والاحتماء بقانونيته. وستعزز اختلاطاً بين السلاح المقاوم والشرعي، وبين الاستخدامات المختلفة.
دوماً يجري هذا لدى تغييب المؤسسات الشرعية في المجتمعات بما يترتب عليها من تداعيات، سبق وأن عانينا منها أكثر في قطاع غزة، التي ما زالت تحمل تبعات وذيول ذلك.
إن دائرة العنف، والعنف المتبادل ستسع حلقاتها، أليس هذا ما شاهدناه في متوالية المحاصصة بين فتح وحماس، أمام هذا كله، وكي لا يستمر هذا التيه الدموي، تنبع أهمية وضرورة الحوار الشامل "بصيغة الدوحة كما وقع بحل أزمة الصراع الدامي اللبناني ـ اللبناني الذي طال ثماني سنوات من أيار 2000 إلى أيار 2008"، الضرورة القصوى والفرصة سانحة للخطو الناتجة، وهي إصلاح النظام السياسي الفلسطيني في إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني من جديد على أسس ديمقراطية بالتمثيل النسبي الكامل، وعلى أساس متين من الثقافة التعددية الديمقراطية، ثقافة المواطنية المدنية.
س5: حماس تريد حكومة جديدة بوجوه سياسية مختلفة، بينما تصر فتح على تشكيل حكومة من المستقلين، برأيكم أليس غالبية الفلسطينيين مسيسين ؟
لا تكفي الثقافة السياسية وحدها أن تفي بالمطلوب، في ظل غياب أنظمة ديمقراطية ناظمة لعلاقة الفرد بالمجتمع. نحن الفلسطينيون نعاني من ضعف مذهل وربما غياب الثقافة الديمقراطية التعددية، وقوانين الانتخابات انقسامية لا ديمقراطية حتى الآن.
وعلينا أن ندقق بالأزمة ومتوالياتها، أن ندرسها ونمحصها ونسال لماذا استفحلت ؟ وعليه نلخص إجابتنا.
إن الأزمة الفلسطينية الراهنة في ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ حركات التحرر الوطني، وأقصد الانقسام والصراع والاقتتال الدموي الداخلي حول السلطة قبل التحرير وفي ظل استمرار الاحتلال، في تغليب للثانوي على الرئيسي، صراع بين قوى التحرر وقبل أن نكمل وظيفتها الأساس في إنهاء الاحتلال، والنتيجة إدامة وتعميق الاحتلال وإجراءاته. أليس هذا ما تعلنه "إسرائيل"، تغول الاستيطان في الضفة، وحصار شامل على قطاع غزة رغم "التهدئة" أو "الهدنة". أما النتيجة تآكل حالة المقاومة وغياب الإرادة الوطنية الجامعة، والانهماك في الصراعات الجانبية والمكاسب الضيقة، بدلاً من سيادة ثقافة المقاومة وتفرغ الكل الوطني ومن موقعه في المقاومة، وهنا أؤكد أن المقاومة ليست بالسلاح فقط، بل هي مقاومة على مستوى إرادة المجتمع ذاته، ربطاً بخصائص النموذج السياسي الفلسطيني، وطبيعة الاحتلال الصهيوني، فإن ما جرى هو فشل بكل المعاني السلبية حين جرى انقسام شعب واحد في وطن واحد، ببعدين جغرافيين وبمزايا ديمغرافية.
على ما تقدم؛ هنا لا يهم ماذا يمكن أن نسمي الحكومة، بل إن ما ينبغي هو أن يحظى تشكيلها على توافق وطني شامل، والأهم هو برنامجها لتصريف الأعمال والتحضير للإصلاح المؤسساتي والوطني، أي الانتخابات التشريعية والرئاسية في مهل زمنية محددة وملزمة، يستعيد به النظام السياسي الفلسطيني فعاليته بأوجهها المختلفة، وأولاً على صعيد المواطنة والمجتمع ومؤسسات المجتمع المدني، في تفعيل دور المؤسسات الثلاث "التنفيذية والتشريعية والقضائية".
س6: هل تتفق مع الكثيرين ممكن قالوا بأن حماس كسبت جولة في الحوار، خصوصاً بعد ردودها على كافة المقترحات المصرية بكلمة "لعم" ؟
أعلنت حماس في 20/10/2008 "تحفظها" على "المشروع الوطني الفلسطيني" الذي قدمته القيادة السياسية المصرية لجميع فصائل الحوار في 18/10/2008.
لقد حذرنا آنفاً بأن "الشيطان يكمن في التفاصيل"، لا أستطيع أن أقدر كما ورد في سؤالكم بأن حماس قد كسبت جولة في الحوار، فأسس الحوار معروفة، ودونها الاستمرار في الأزمة وخيار استمرار "الأمر الواقع"، أي التأجيل للحل الفعلي للأزمة، والاستدارة والمناورة عليها، وتركها لعامل الوقت والحسابات الإقليمية.
ووفقاً لهذه الحالة المعقدة، لن يكسب أي طرف فضلاً عن المجموع والكل الوطني، فلا أحد يستطيع تحقيق خياراته الذاتية، وعليه ستكون الخسائر أكبر، بل سنتجه إلى المزيد من التصعيد وربما المواجهات العنيفة، عندما يذهب المشروع الذاتي إلى خيارات غير عقلانية، وفي ظل مواصلة حالة الحصار الصهيونية على قطاع غزة، فإن الأمور المرجحة أن تذهب ـ إذا ما استمرت ولم تحل الأزمة ـ إلى حالة من العصيان الشعبي السلمي والصراعات الدورية الدموية الجارية في غزة، والاعتقالات السياسية في الضفة وغزة، فلا يمكن لشعب أن يعيش حياته تحت الحصار، وبالنتيجة لا أحد يكسب، لأن القضية الفلسطينية هي الخاسر أولاً وأخيراً، حيث ستفتح على السيناريوهات السلبية للتخلص منها.



س7: بماذا تفسر إصرار ورفض حركة حماس اللجوء لانتخابات تشريعية ورئاسية في الوقت الحالي ؟
ما زالت حماس تواصل البحث عن المحاصصة الثنائية رغم ثمرته الانقسامية الدامية المرة، وهذا يناقض تماماً الحل الوطني الديمقراطي، المعبر عن نتاج حقيقي لدراسة الأزمة وأسبابها ومسبباتها، فضلاً عن كون طبيعة الصراع مع "إسرائيل".
القضية الفلسطينية لا يمكن تلخيصها بفصيلين وانتخابات 32% من شعبنا تحت سقف أوسلو، بينما 68% من الشعب محروم من المشاركة بها، ولم ينتخب أحداً، وهذا استنساخ انقلابي جديد، لم يعد بمقدوره أن يقنع الشعب الفلسطيني، فالخيار الوطني واضح ولا بديل عنه، وليس تجريب المجرب بالاقتسام، الخيارات واضحة بعيدة عن الصيغة المترفة وموائدها الشائعة في الإقطاع السياسي العربي، صيغة "لا غالب ولا مغلوب". المطروح واضح جداً ديمقراطية أو لا ديمقراطية، صندوق الاقتراع والتمثيل النسبي الكامل، أم السلطة المدججة بالسلاح وسفك دماء الأبرياء، والعشائرية والمال السياسي والانتخابي الفاسد. وحدانية أو ثنائية، أم نحن الشعب المجموع العام.
أمامكم دروس حركات التحرر، دروس وخبرات الشعوب، الدرس الأول الذي ينبغي أن نعمل به، هو أن يتعلم الجميع معاني وخبرات الجبهات الوطنية، جبهات التحرير الوطنية الموحدة، وأن نتعلم بعمق مثلاً من التجربة الفيتنامية، لقد ضمت جبهة تحرير فيتنام 22 تنظيماً، من أقصى اليسار الشيوعي إلى أقصى اليمين البوذي الوطني، تحت برنامج وهدف الاستقلال الوطني وطرد الاحتلال. لم يكن لديهم "زواج متعة"، لأن الهدف كبير هو طرد الاحتلال، لم يكن لديهم تحاصصات، بل لم يتصارعوا على شكل ومحتوى الحكم المقبل، لم يختلفوا على اقتسام جلد الدب قبل اصطياده، فتمكنوا من هزيمة احتلال إمبراطوريتين: الفرنسية ثم الأمريكية.
س8: بعد كشف "الجريدة" للرسالة الحرفية التي وجهتها وزيرة الخارجية الأمريكية إلى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، ونفي الأخير، هل من عزل جديد سنشهده قريباً ؟
أستطيع القول بأن هذه الرسالة الشخصية من رايس والموجهة إلى الأخ خالد مشعل كـ "شخص" هي رسالة "رومانسية" لا تليق بواقع خشن وحصار واحتلال، يجرح كل ما يلامسه ويعيش تحت طغيانه، لقد جاءت الرسالة الموصوفة بفترة تلملم بها الإدارة الأمريكية حقائبها للرحيل، ورحلت معها "وعود بوش" المخادعة والخُلبية بشأن الدولة الفلسطينية. الرسالة الموجهة حالة خطابية لا تطفو على سطح الوجدان الفلسطيني، فهي تؤكد وتثني نصاً على التزام حركة حماس "بالتهدئة ووقف إطلاق الصواريخ على حدود الدولة اليهودية" وتدعو حماس "للاعتراف بشروط الرباعية الدولية الثلاثة ... الخ"، دون أن تشير إلى حالة الحصار الشديد ونتائجها على قطاع غزة، وعليه فهي لا تذهب إلى العقل بـ "رؤاها الرومانسية"، فهي كما تزج معايير "السوق" الأمريكية الراهنة، دون التعرض للانهيارات المالية. الرسالة أشبه بوسيلة إيضاح مدرسية بطلها "الهدنة" ودون معالجات للقضايا الفلسطينية الساخنة، وعلى المذبح الحقوق الوطنية الفلسطينية، وفيها تبرئة لـ "إسرائيل"، حيث لم تذكر قضية الحصار على القطاع، الحصار الذي أوصل القطاع إلى الجحيم على درب مُعَبَدْ بـ "النوايا الطيبة".
الأمور تقاس بالخاتمة، أي بنتائجها، كما توحي من أفكار وتداعيات، ومنها أيضاً تداعيات مواصلة اللعب على الانقسام الفلسطيني أمريكياً وإسرائيلياً، فما الذي يمنع من مواصلة العزل والخطابات الرومانسية التي بدون رصيد، بدلاً من دعوة الإدارة الأمريكية ذاتها للالتزام بوعودها في معالجة القضايا المشروعة والمصيرية للشعب الفلسطيني، بما فيها الوعود بدولته المستقلة وحق العودة وفقاً للقرارات الدولية.
س9: طالما حذرتم من السياسة الأمريكية وتعاملها مع قضايا الشرق الأوسط، لكن هناك قوى لها وزنها في الساحة الفلسطينية ما زالت تعول على فوز "باراك أوباما" كيف لكم ذلك ؟
نحن أولاً نعول على العامل الذاتي الفلسطيني، هو الذي يدفع ويعزز ضغوط الشعوب العربية، لوضع بند القضية الفلسطينية على الأجندات الحكومية العربية، ويفعّل دوراً عربياً جامعاً يبذل في سبيلها، ونعتمد على تضامن أممي ودولي متعدد، يقرُّ بالحقوق الفلسطينية المشروعة، كقضية وطنية وإنسانية ومن موقع نظرته الأخلاقية.
ثانياً: الإنسان يتعلم من تجربته، كثيراً ما انتظر العرب، حلول إدارة أمريكية جديدة مكان أخرى انتهت ولايتها، منذ منتصف ستينات القرن الماضي. شكل هذا العامل "الانتظاري" حالة سلبية للموقف العربي المطلوب. إذا ما جمعنا هذا الإرث السلبي من تنظيرات عربية رسمية، حول انتظارها الإدارات الجديدة، لكدسنا دون مبالغة أوراقاً بالأطنان. لا يعني هذا أنه لا يوجد متغيرات في أمريكا ذاتها، فهكذا استنتاج مخالف لعلم الطبيعة وعلم المجتمع في آنٍ معاً. لكن طبيعة الحكم والإدارة الأمريكية هي محكومة بمؤسسات لها مشاريعها المستقبلية وأهدافها، ولا يمكن لفرد أن يغيّرها. ولنراقب مثلاً؛ ما إن يخرج الرئيس من الإدارة حتى يعود لتبني وجهة نظره الشخصية حول الشرق الأوسط، ويتساءل البعض منا بسذاجة مطلقة، ها هو يتكلم بـ "اعتدال" ولكن بعد أن خرج من الرئاسة لماذا ؟
أعود وأؤكد أن مفتاح التغيير الأمريكي هو العامل الذاتي الفلسطيني والعربي في المسائل العربية، حين يبدأ البراغمات بحسابات لوغارتمية للربح والخسارة، يستطيع "الشخص ـ الفرد" أن يغير إلى حدود ما، ولكن أن تصل تلك إلى معالجات حاسمة تستند إلى الشرعية الدولية في الحقوق الفلسطينية فهذا أمر آخر، وعليه لا بدَّ من تفعيل العامل الذاتي أولاً على حلبة تسجيل النقاط، نحو المرحلية بالأهداف.
س10: هل ستنظم الانتخابات القادمة على مبدأ التمثيل النسبي الكامل، وهل جبهة اليسار مستعدة لتلك الانتخابات ؟
نحن في الجبهة الديمقراطية؛ نواصل تأكيدنا على موقفنا في كل أجندات عملنا المختلفة، فالديمقراطية في أحد أعمدتها تقوم على الانتخابات والتمثيل النسبي الكامل، وهذا جرى مؤخراً في اجتماع العمل الملموس في دمشق مع الأخ محمود عباس (أبو مازن) رئيس السلطة الفلسطينية رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
إن موقفنا واضح وجلي، فلقد دعونا ومعنا جبهة اليسار (المشكلة من الجبهتين الديمقراطية والشعبية وحزب الشعب) إلى:
1 ـ تشكيل حكومة انتقالية متوافق عليها وطنياً تتولى إدارة الشأن الداخلي، وإعادة توحيد وزارات ومؤسسات السلطة الوطنية والتحضير لإجراءات انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة وفقاً لنظام التمثيل النسبي الكامل وفي فترة زمنية يتم التوافق عليها.
2 ـ إعادة بناء الأجهزة الأمنية على أسس مهنية ووطنية وبمساعدة خبرات عربية.
3 ـ إعادة تفعيل وبناء مؤسسات م.ت.ف وفقاً لما جاء في إعلان القاهرة / آذار 2005 ووثيقة الوفاق الوطني / حزيران 2006 التي وقعت عليها جميع الفصائل الفلسطينية بلا استثناء، بما يتطلبه ذلك من إجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني.
ولأجل ذلك ندعو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية لإقرار قانون الانتخابات للمجلس الوطني في الوطن والشتات وفقاً لنظام التمثيل النسبي الكامل، كما ورد بوثيقة الوفاق الوطني ـ وثيقة القوى الأسيرة نصاً. وكما ورد ببيان اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير (20/10/2008)، الذي دعا المجلس المركزي للمنظمة في 12/11 لإقرار وإعلان قانون انتخابات التمثيل النسبي الكامل للمجلس الوطني الجديد، في الوطن وأقطار اللجوء والشتات.
كما دعونا إلى وقف السجالات والحملات الإعلامية التحريضية التي من شأنها تعكير أجواء الحوار وإشاعة مناخات الإحباط لدى المواطنين، وإلى إغلاق ملف الاعتقال السياسي وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين في كل من غزة والضفة.
وعلى ما تقدم أعيد التأكيد على البديهيات الواردة في بنود مشروع جبهة اليسار، وأقول: أمامكم الفرق بين الثورات حتى النصر والانتصار؛ وبين الثورات النخر والانتحار، الأولى بديهيات الهندسة الوطنية وطبقاتها وديمقراطيتها، والثانية أن تتحول من وعد لفجر الاستقلال إلى وعيد الانتحار، بسلبها الإرادة الموحدة الشعبية الوطنية ضد الاحتلال، وهي محفوفة بالألغام والكمائن السوداء للمصير الوطني، كما أنها انعطاب للبوصلة والإدارة.
العدو الصهيوني يتربص بالجميع بدءاً من الأرض، الجميع الوطني اليساري الديمقراطي، والقومي العربي، الليبرالي والعلماني، والقومي الاجتماعي، والإسلامي الوطني والإسلاموي السياسي ... الجميع.




https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن