نهاية الإنكلوسكسونية ... والدخول في عصر التنين ( الفصل الثاني - قرن التخبط الغربي .. و إتجاه حركة التأريخ )

وليد مهدي
waleedmahdi2002@yahoo.com

2008 / 10 / 14

المراهقة السياسية الأمريكية ... في ميزان التأريخ
أميركا لا تزالُ مراهقة ً .. ما دامت حتى اللحظة لم تخض أي حرب ٍ حقيقية على أراضيها الوطنية ، لا تزال أرضها " عذراء " من وقع القنابل ودماء البشر كتلك التي سالت في أوربا في الحرب العالمية الثانية .

تمتلك الذهنية الرأسمالية الحالية في أميركا تسطحاً وفراغا ً ينم عن عدم نضج " إنساني " غير قادر على تقدير " الآخر " وما تعنيه الحرب بحقيقتها الكاملة لا الجزئية ، أي حقيقة الأضرار والآلام التي تسببها لدى طرفيها ، هذه الحقيقة التي تعيها دول القارة الأوربية التي شهدت العديد من الحروب والتي كانت أعتاها وآخرها الحرب العالمية الثانية ..
فقد خبرت أوربا معنى الحرب جيداً من هذه الزاوية ، وهو مالا تعرفه الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تشهد عاصمتها واشنطن الغارات الألمانية على لندن ، ولا الخراب الذي حل بألمانيا وباريس والدمار الكامل الذي أصاب العديد من مدن أوربا الأخرى وما ترافق مع هذا كله من أوجاع وألم وكوارث إنسانية ألمت بالمدنيين إضافة للعسكريين .
التأريخ ، نقش ذهنية السياسة الأوربية ( عبر تحولاته ) بهذا المسلك الإنساني المناهض لمفهوم الحرب ، لكنه حتى الآن ينتظر الفرصة ليفعلها مع العقلية الأمريكية الطائشة المغرورة ، أميركا التي لم ترى في الحادي عشر من سبتمبر إلا صورة رمزية بسيطة عن الويلات التي ألمت بشعب العراق .
لقد آمنت العقلية الأوربية ، التي رفضت حرب الغزو الأمريكية للعراق إبتداءاً ، بقدر السلم كأولوية بدلاً عن الحرب .. و استوعبت دروس المئة سنة الأخيرة والتي شكلت الوعي الجمعي الأوربي المناهض لهــا ، فيما نجد العكس في طفولة .. ومراهقة الكاوبوي .. و جيمس بوند .. و رامبو ، فهذه الشخصيات تعبر عن تحولات و تمثلات رمزية للوعي الجمعي الأمريكي المغامر الطائش الذي وإن كان تلقى درساً بليغاً في فيتنام والعراق إلا إنه إعتبره درساً لأجل التفكر أكثر .. و الإستعداد بجاهزية أكبر والتأني بوضع الإستراتيجيات بمدى ورؤية ٍ أعمق إذا ما حاول غزو إيران أو بلد ٍ آخر في الشرق الأوسط ، أميركا .. الطائشة العذراء لم تتعلم دروساً حقيقية في الحرب بعد !
نعم ، فالحرب لا يعرف معناها الحقيقي ولا يستوعب درسها الأبلغ إلا الشعب ، أما القوات المسلحة التي يرسلها الساسة من وراء البحار فهي لا تعطي إلا إنطباعاً ناقصاً يصور المشهد بعين واحدة ، العين التي ترى القدرة والقوة العسكرية وتأثيرها البطولي والملحمي في فييتنام والصومال والبلقان والعراق ... ، أما العين الأخرى التي ترى داخل الأمة وبنيتها والآلام التي تسببها فهي لليوم عن كل عيب ٍ كليلة ، ولم تفتحها أي حرب ٍ على الأرض الأمريكية العذراء ، الشعب الأمريكي إذن ، وكما تخبرنا مسالك التأريخ ينتظر لحظة الإمتحان الحقيقية في الحرب التي كان يراها في أفلام الأكشن الهوليودية كـــ " يوم الحساب " و " يوم الإستقلال " ، فهذا الشعب ورغم سلسلة الهزائم التي منيت بها قواته في العراق لا يزال يعتبر الحرب مغامرة ، وهو بذلك مأخوذٌ بما تنقشه أفلام هوليوود في وعيه الجمعي الذي يعرف الحرب تعريفاً مختلفاً عن التعريف الذي تعرفها به الأمم ، فساسة أميركا المقامرين بمصير الأمة الأمريكية إنما تتوافر لديهم تغطية كاملة لهذه المقامرات التي يحسبها وعي الشعب مجرد لعبة تقوم بها القوات المسلحة وجنديها الكوني الذي لا يقهر في بقاعٍ مختلفة ٍ من العالم ...!
نعم ، سياسة أميركا لا تزال غير ناضجة ، وغير مؤهلة لقيادة العالم على الإطلاق ، وحينما يأتي اليوم الذي تخوض فيه الولايات المتحدة حرباً كارثية كبرى على أراضيها ، بعد ذلك فقط ، يمكن الحديث عن الأمة الأمريكية كلاعب أساس في إحلال السلم العالمي .
السياسة الأمريكية ، لا تزال مأخوذة بأصداء النزعة الإستعمارية البريطانية ، وعقلية التفوق النيتشوية الهيجلية الألمانية التي أثرت كثيراً على رؤى المحافظين الجدد في " نهاية التأريخ " الفوكويامية ، وصدام الحضارات الإسطوري الهنتغتوني ، ففي ظل الحرب الطاحنة بين النازية و أوربا والإتحاد السوفييتي ، ظلت العذراء بنت بريطانيا ، أميركا الطائشة المتمردة ، تترقب ، وتقف موقف المتفرج أيامها كانت مجرد دولة إقتصادية تحاول دخول التأريخ ، وقد أثـْـرت بالفعل لتمويلها الأوربيين بالسلاح ولم تشترك إلا بعد أن بدت علائم نصر الحلفاء بالوضوح .. وهذا ما ولد ردة الفعل لديها بخوض المغامرات تلو الأخرى والإيمان اليقيني الطائش بأن أميركا لن تخسر أبدا ً ..!
وفي معرض إكمالنا للمحاور المتبقية من الموضوع ، سنرى إن عدم النضج السياسي الأمريكي يتبدى من خلال سلوك الولايات المتحدة لخطوات الإمبراطورية العظمى ، الأم بريطانيا وهي تعالج و تتعاطى مع مشاكل الشرق الأوسط الحالية .

التغيرات التأريخية المؤثرة بنشوء العقل السياسي الأمريكي الحالي

سنقرأ بعجل الأحداث على طول المسار الذي إتخذته التراكمات والتحولات الفكرية التي خلصت إلى ولادة النازية الألمانية ، المتجذرة عن الشعور بالتفوق ، تفوق العروق الأوربية عامة والألمانية خاصة والتي تجلت بسوبرمان نيتشه القائم على مبادئ وسيلة ميكافيللي وصولاً إلى عقيدة التفوق الغربي الأمريكية الحالية ، والتي نطق بها سيلفيو برلسكوني غداة الحادي عشر من سبتمبر ، حين قال ( الحضارة الغربية متفوقة على الحضارة الإسلامية ) وجورج بوش الذي نطق بهستيريا بأن قد بدأت الحرب الصليبية ، مذكراً التأريخ بما قاله الجنرال البريطاني اللنبي وهو يطأ قبر القائد المسلم ( ها قد عدنا يا صلاح الدين )، ويمكننا الآن إيجاز المؤثرات التأريخية بهذه المسارات بالخطوات المتتابعة الآتية :

أولاً : ظهور الإتحاد السوفييتي

وتشكيله لجبهة عالمية عقائدية " شيوعية " مضادة للرأسمالية أساس العقيدة الغربية .
إن ظهور الإتحاد السوفييتي بعد ثورة أكتوبر 1917 ، دفع الغرب نحو عصر القلق الطويل جدا ً تجاه الشيوعية والتي بدأت تنتشر كالنار في الهشيم في فكر أوربا السياسي الديمقراطي ، فالديمقراطية ورغم فضائلها على الرأسمالية فهي مرعبة إذا أن بالإمكان تخيل وصول الشيوعية للسلطة عن طريق صناديق الإقتراع . ما أدى إلى أخطاء كبيرة في معالجة هذه المسألة وكان من نتائجها الحالة النازية .



ثانياً : ظهور النازية في ألمانيا
التي دعمتها بريطانيا أصلاً للوصول إلى السلطة كي تكون نداً للشيوعية ، حيث إنقلب السحر على الساحر إلى درجة إن هتلر كاد أن يتحالف مع السوفييت للسيطرة على العالم وتدمير الرأسمالية ، لولا أن تدارك الإنكليز والغربيين المسألة ، فقد أسهمت أطماع هتلر في خسارة التحالف الكبير معهم ، و لو تخلى هتلر عن فكرة النفوذ على دول البلطيق بداية الحرب العالمية الثانية لكان مسار التأريخ اليوم بإتجاه آخر .. كما سنأتي على هذا لاحقاً ، مع ذلك ، تركت ألمانيا بصمات ٍ هامة في عالم اليوم وإن كانت خفية غير ماثلة للعيان ولعل أهمها بلورة الشعور القومي " الموحد " للشعوب الإيرانية والذي ساعد الثورة الإسلامية في إيران كثيراً في الثبات و الإزدهار مع الأيام .
فتفشي النزعة الآرية القومية في إيران بتأثير النازية الألمانية وقيام رضا شاه الذي جائت به بريطانيا للحكم بعد الإطاحة بالعائلة القاجارية بالميل نحو ألمانيا سياسياً وعقائدياً ، هذه النزعة الألمانية التي تكرست كثيراً في الوعي الجمعي الإيراني وكانت أهم أسباب ثبات وقوة الثورة الإسلامية في إيران بعد روح الله الخميني ، فما قام به رضا شاه هو تحويل إسم بلاد فارس إلى إسمٍ آري جديد هو : إيران !
ولقد لعبت إيران في القرن الماضي دوراً أساسياً في تحولات القوى السياسية و توازنات الإستراتيجيات بين أقطاب العالم آنذاك ، وهي اليوم تعاود الظهور بقوة غير مسبوقة مستفيدة ً من أدوارها السابقة كثيراً ..

ثالثاً : الحرب العالمية الثانية :
وأحداثها شهدت تحولات كونية كبيرة خصوصا ً في منطقة الشرق الأوسط ..
ولعل حصول ثورة مايس1941 المفاجئة في العراق قبل إجتياح الألمان للإتحاد السوفييتي بمدة وجيزة ( حوالي الشهرين ) كان أهم حدث في الشرق الأوسط بتأثير هذه الحرب ما دفع بريطانيا إلى إعادة النظر في الخلاف مع الشيوعيين وشعورهم ببداية السيطرة الألمانية على العالم وعزمهم على ضرب أي تحرك سياسي في الشرق الأوسط من شأنه أن يفقدهم السيطرة عليه ، فقامت وبسرعة وبما أوتيت من قوة لضرب ثورة الكيلاني و العقداء الأربعة في العراق وتصفية النفوذ الفرنسي ( حكومة فيشي ) العميلة لألمانيا في سوريا والذي كان من المفروض أن يدعم الثورة في العراق ، وأخيراً إحتلال إيران بمشاركة السوفييت وإسقاط رضا شاه المذل والمهين للشعب الإيراني المسحور بالآرية الألمانية كثيراً .

رابعاً : الحرب الباردة

وما شكلته من صراع ٍ أسهم في تأخير المشروع الغربي الأمريكي في الشرق الأوسط من أن يستكمل خطاه التي تعثرت بعد تدمير ثورة 14 تموز العسكرية الوطنية في العراق لحلف بغداد ، حلف نوري باشا السعيد .



خامساً : إنهيار الإتحاد السوفييتي ونزول القوات الأمريكية في منطقة الخليج

ما سمي في الأدبيات السياسية الغربية بداية القرن الأمريكي بعد فترة طويلة من التقلبات في الفكر السياسي والإقتصاد ، حيث ظهر ما عرف بالفكر الليبرالي الجديد بعد ريغان وتاتشر ليتحول مطلع القرن الأمريكي بنهاية السوفييت لقيادة العالم.. الذي ما كان ولن يكون لدولـــة طائشة مثل الولايات المتحدة .



عقلية التفوق وخيالات القطب الأوحد ... دورس ٌ من التأريخ
" تــَـعـــاصُـــر " العقلية الأمريكية مع العقلية النازية

مفردة" التعاصر "المقصودة هي الإصطلاح الذي أطلقه الفيلسوف الألماني شبنغلر على مراحل نشوء الحضارات وتشابه هذه المراحل التي رآى فيها على سبيل المثال إن ظهور واشنطن في الحضارة الغربية يتعاصر مع ظهور بغداد في الحضارة العربية كما يسميها ، أي بنفس المرحلة من عمر الحضارة ( * ) ، وفي موضوعنا هذا ، نجد إن نزعة الإنفراد والشعور بأحادية القطب بعد زوال السوفييت ونهاية الحرب العالمية " الباردة " إنما يتعاصر مع نهاية الحرب العالمية الأولى وظهور النزعة التفوقية الألمانية ، كما أن صعود النازية إلى السلطة بقيادة هتلر يتعاصر تماما مع هيمنة المحافظين الجدد على السلطة في أميركا بصورة تامة بفترة آل بوش ..
من خلال الأحداث المتسلسلة الستة السابقة ، تشكلت العقلية الأمريكية الحالية ، خصوصاً ذهنية المحافظين الجدد ، فالقلق المزمن تجاه السوفييت تحول إلى غرور و إستهتار بعد سقوط القطب المنافس ، هذا الإستهتار المراهق للأمة العذراء جاء مشحوناً بنزعة التفوق الأمريكية الشبيهه بالألمانية النازية وكبرياء العظمة الموروثة من بريطانيا الأم ، والتي أورثت العقل الأمريكي السياسي تجاربها المريرة مع ثورات مايو 1941 وثورة تموز 1958 في العراق وثورة 1954 ( مصدق ) في إيران ، هذه الثورات التي وضعت العصا في العجلة التسلطية الغربية في الشرق الأوسط في القرن الماضي ، ورثت أميركا رعب بريطانيا من الثورة التي قد تندلع في العراق كما حدث في ثورة العشرين وقبلها في مقارعة الغزو البريطاني إلى جانب القوات العثمانية في العام 1914 ، والذي حصل هو وجود " شرخ " كبير بين السنة والشيعة من جهة والعرب والأكراد من ناحية أخرى حين جاءته أميركا لإحتلاله وضع بذوره حكم البعثيين في العراق منذ إغتيالهم لثورة تموز في العام 1963 ومجيئهم في القطار الأمريكي ( كما صرح أحد أقطابهم " علي السعدي " ) ولذا ، فإن الولايات المتحدة شعرت إن زمانها غير زمان أمها بريطانيا ، والأجواء أكثر ملائمة في العراق لتمزيقه وتفتيته وتحويله إلى كانتونات حامية للمصالح الإقتصادية للأمة الأمريكية العذراء ، فشرعت بترسيخ الإنقسام ، وساعدت بتكبير الهوة الفاصلة بين تكويناته الرئيسية الثلاث : الشيعة والأكراد والسنة وتطبيق ذات سياسة بريطانيا " فرق تسد " التي طبقتها بإمعان ٍ في العراق خلال القرن الماضي .
الملفت والطريف في الموضوع إن الولايات المتحدة وقعت بنفس الخطأ الكارثي الذي وقعت فيه ألمانيا بالإستخفاف بدور الروس في قيادة العالم ، ودارت بنفس الفلك التأريخي الذي دارت به ألمانيا .. !
فحين كانت أميركا مجرد متفرج يبيع السلع والأسلحة على العالم ، كانت ألمانيا قد وقعت معاهدة عدم إعتداء مع الإتحاد السوفييتي في العام 1939 ، حيث قامت ألمانيا وبعد أن إطمأنت لجانب السوفييت بإجتياح بولندا ، تماماً كما فعلت أميركا بعد الحادي عشر من سبتمبر حين تصورت إنها تحالفت مع روسيا ضد الإرهاب وحظيت برضا موسكو لإجتياح أفغانستان ، وبينت لكل من الصين وروسيا إنهم سيبنون معاً عالماً حرا ً جديداً مثل الذي قاله هتلر لمولوتوف وزير خارجية روسيا في العام 1940 :

بعد أن تغزو ألمانيا بريطانيا وتقوم بتقسيم الإمبراطورية البريطانية سيتوافر لروسيا مخرج إلى المناطق الدافئة وإلى البحر المفتوح ، ألمانيا ستعترف بأن المنطقة الآسيوية منطقة ُ نفوذٍ روسية ...! ( * * )

لم تكن الأمة ُ العذراء حينها إلا متفرجة إذ يعيد هتلر تقسيم العالم بمزاجه ، كما تفعل كونداليزا رايس بمشاريع الشرق الأوسط الكبير والجديد وخارطة الطريق وسواها...ولم تكن أحلام هتلر بعيدة ً عن التحقيق كما يتصور للوهلة الأولى ، بل العكس ، رؤيته كانت واقعية فيما لو بقي الروس له على عهدهم وبقي هو على عهده مع الروس ، الذي حصل هو إن الألمان كانوا قد طالبوا السوفييت بالتخلي عن أوربا الشرقية و الإمتداد بدلا ً عن ذلك في آسيا جنوب بحر قزوين والهند والمياه الدافئة في الخليج ، وفي تلك الفترة لم تكن العقلية الأمريكية والمخيلة الجمعية قد أنتجت " رامبو " ... نظير السوبرمان الألماني بعد ..، وإنما لا تزال أميركا في بهجة طفولة المافيا و الكاوبوي ، الذي حصل هو قيام الروس بإجتياح دول البلطيق ، ليتوانيا و إستونيا و مولدافيا ، بعد أن إجتاح هتلر الدنمارك والنرويج وبلجيكا وهولندا ، قام بالإنسحاب من المحادثات مع الروس .. معلنا ً للتأريخ إستراتيجيته الجهنمية " بارباروسا " لإحتلال الإتحاد السوفييتي ....كما فعل المحافظون الجدد بتحريض " نيكولا ساكاشفيلي " للمس بالهيبة الروسية بإجتياح أوسيتيا ...!
العقلية الأمريكية تؤمن اليوم بتفوق العرق الإنكلوسكسوني " المبدع " أو " الخلاق " ولكن بصورة خفية وبدلاً من إجتياح أوربا من قبل النازية ، يجتاح الإنكلوسكسون الشرق الأوسط ، وبدلاً من بارباروسا ... تعلن الولايات المتحدة مشروع الدرع الصاروخي وتحاول أن تقيمه في نفس الدول التي أسقطت المعاهدة بين الروس و الألمان ، دول ُ أوربا الشرقية ، وتبقى تثير غضب الروس في قضايا البلقان و آخرها إستقلال كوسوفو وجورجيا في القوقاز الروسي !
العقلية السياسية الأمريكية لم تتعظ من التأريخ بعد ، ولم تدرك حتى اللحظة القاعدة " الكونية " للحركة في التأريخ السياسي والعسكري الدولي وهي :

من أراد السيطرة على العالم ، وجب عليه أن يكون حليفاً لروسيا ... الدولة ُ " القارة " الشمالية !



وتطول سلسلة التعاصر ... النفط ... الضغط على سوريا وإيران

نعم ، إن " التعاصر " بين حركة التأريخ النازي والتأريخ الأمريكي واضح ، فالضغط على سوريا وإيران والسيطرة على العراق هو صميم سياسات بريطانيا وروسيا في الحرب العالمية الثانية ، وكما قلنا في البداية ، فإن الولايات المتحدة جائت لتكمل المشروع البريطاني في القرن العشرين ولا تنفرد بمشروعها الخاص كما يشاع بالمتداول عنها في الأوساط السياسية التي لا تقرأ التأريخ قراءة " تحليلية " عامة جامعة ، وكذلك إحتلال إيران من قبل السوفييت والإنكليز بنفس الطريقة التي أحتل فيها العراق عام 2003 ، قيام جيشان من الشمال والجنوب بإحتلال إيران حيث تولى جيش بريطانيا الجنوبي بتأمين السيطرة على حقول البترول الإيرانية ، نفس الخطة التي وضعت للعراق إبتداءاً لولا إمتناع البرلمان التركي عن المساعدة بإدخال جيش ٍ من شمال العراق ، كذلك مشكلة الدرع الصاروخي ودول أوربا الشرقية هي المشكلة التي على شاكلتها دفع هتلر للإستهتار وإعلانه "بارباروسا" ، وفيما توجه روسيا صواريخها تجاه التشيك وبولندا وتصر على منع " الدرع الصاروخية " فإن الولايات المتحدة لا تزال تتجاهل ما تشكله روسيا في حركة التأريخ حتى لو كانت ضعيفة ، فهي التي قهرت بونابرت .. وهتلر .. وقد تقهر الإمبراطورية العذراء ، وهذه كلها مؤشرات على إمتداد المشروع الغربي نفسه الذي كانت تقوده بريطانيا وتحول اليوم إلى أمرة أميركا لتقوده..

فهتلر كان يحلم بالسيطرة على أوربا و تحقيق النفوذ في العراق ، بنظام الكيلاني ، وإيران بنظام رضا شاه ، وسوريا بسلطة حكومة فيشي الفرنسية العميلة لألمانيا ، وفيما يلتقي فيلق الجنرال رومل مع القوات الألمانية في روسيا عبر إيران بعد أن يدمر رومل دفاعات القوات البريطانية في شمال إفريقيا ، حينها يلتقي الجيشان بعد إسقاط موسكو ويتجهان نحو البر المفتوح في آسيا ، نحو الهند التي بضياعها من أيدي بريطانيا تكون الأخيرة ركعت لهتلر ...

الذي أفسد على هتلر هذه الخريطة الشيطانية ، هو روسيا ، وحسب رؤية " التعاصر " لشبنغلر ، والتي نستخدمها في القراءة الديناميكية السريعة وليست الرؤية ذات حركة التطورات البطيئة التي قاس شبنغلر بموجبها حركة التأريخ ، فإن منهج الولايات المتحدة بمحاولة إخضاع إيران وسوريا وتدمير و إحتلال العراق ومحاولة الإستئثار بالنفوذ في الخليج هو نفس منهج بريطانيا العظمى وألمانيا النازية مجتمعتين !
وروسيا تعود لتقف مثل العصا في عجلة التقدم الأمريكية ، الملفت في الأمر ، إن الإتحاد السوفييتي وبريطانيا ، ورغم كل الخلافات ، فقد تحالفا معا لمواجهة الخطر النازي ، ما يذكرنا بلجوء روسيا مؤخرا لتغيير لغة الحديث عن المشروع النووي الإيراني ، ودخلت اليابان في أقصى الشرق الحرب فيما بعد ، وكانت بيرل هاربر فرصة تاريخية لدخول الولايات المتحدة الحرب ، وهي الدولة الإقتصادية الكبرى في العالم ولم تدخل حرباً كونية ً من قبل في القرن العشرين ، وهذا الموقف للولايات المتحدة " يتعاصر " مع موقف الصين في القرن الحادي والعشرين !
فالصين اليوم ، تماثل الولايات المتحدة في مواقفها مطلع القرن العشرين ، همها الأول هو البناء الإقتصادي وعلاقتها مع روسيا تشبه إلى حد ٍ بعيد علاقة برياطنيا مع أميركا فالأخيرة بنت ٌ للأولى و إستقلت عنها بحرب ، والصين بنت ٌ للإشتراكية السوفيتية رغم الخلافات ، وتفاقم الأوضاع بين الروس والغرب و إشتعال فتيل حرب ٍ كونية بقيادة روسيا .. قد يؤدي لخسارة الغرب لها إذا ما دخلتها الصين بتوقيت يقارب أو " يعاصر " دخول أميركا الحرب العالمية الثانية ..!
من الممكن أن نتوقع إنضمام دول ٍ من الإتحاد السوفييتي السابق إلى التحالف العسكري مع روسيا ، خصوصا ً تحت مظلة شنغهاي للتعاون ، وتصور حرب عالمية كبرى بالأسلحة غير التقليدية تتبادل بها الأطراف الإنتحار المتبادل ، أي تلقي الضربات الأولى قد يؤدي بإنفراد قوة ٍ عظمى " مستترة " مثل الصين ودول أخرى بالعالم ، أو قد يعود العالم إلى قطبية ٍ من نوع ما أو نظام ٍ عالمي جديد يشهد تأسيس أمم ٍ متحدة ٍ جديدة ..
إن التوازنات الدولية في العقود المقبلة ستتغير كثيراً ، خصوصاً وإن المشاريع الأمريكية ترنحت كثيراً في الشرق الأوسط في العراق ولبنان وسوريا وطريقة التعاطي مع إيران ، ما يذكرنا بترنح سياسات بريطانيا الدولية قبل هبوب إعصار الحرب العالمية الثانية ، وفيما يبدو ، فإن روسيا " تتمنى " أن تقوم الولايات المتحدة بحرب شاملة ضد إيران ، ويصب في صالحها أن تتورط الولايات المتحدة أكثر ، خصوصاً وإن تداعيات تأثر الإقتصاد الأمريكي بدأت تظهر جراء الحربين المستمرتين في العراق وأفغانستان ، فكيف بحرب ٍ مع كوريا ، التي لا تزال تماطل الولايات المتحدة بما يتعلق بتفكيك برنامجها النووي أو بحرب ٍ مع إيران التي يقع الخليج بطوله وعرضه في مرمى قدراتها الصاروخية ..!

الولايات المتحدة تتعامل مع جميع هذه الملفات بحذر ، لكن ، وكما يبدو من مواقفها المتجاهلة لروسيا فهي لن تصمد طويلاً على أقدامها الإقتصادية ، فالأسواق العالمية التي كانت تعتمد عليها في القرن الماضي تحولت إلى الصين ودول آسيا ، نفوذها المعول عليه لإنقاذ الإقتصاد وقدراتها اليوم هي " الخيلج " وأسواقه ، وأي حرب ٍ فيه .. خصوصا ً إذا إستمرت لفترة ٍ طويلة ، فإن الحسابات الروسية الصينية و الإستشارة التي ستقدم لكل من سوريا وإيران في حالة حصول الحرب فهي ستصب في " إطالة " أمد الحرب ما يمكن كي تنهك أوربا والولايات المتحدة إقتصادياً .. وتركع الولايات المتحدة !
إن تزايد المشاكل بين روسيا والولايات المتحدة من شأنه أن يزيد من التغييرات في الساحة السياسية الدولية ، وقد تبدأ روسيا بالضغط على أوربا التي تتزود بالغاز منها ما قد يؤدي إلى تغييرات غير محسوبة خصوصاً وإن الولايات المتحدة ولعدم وجود نضج سياسي كافي لديها لا تعرف كيف تتراجع عن القرارات التي تتخذها ، فهي تدرك تماماً إن منافع الدرع الصاروخية لا تساوي إستعداء روسيا ، مع ذلك تصر على عدم التراجع ؟
لماذا تخشى الولايات المتحدة الظهور بموقف المتراجع ؟
من المؤكد لمن يقرا خريطة السياسة العالمية اليوم إن أمريكا " تتمنى " لو تخلت عن مشروع الدرع الصاروخية ، وتتمنى لو إنها لم تطرحه أصلاً ، لكن تأخذها العزة ُ بالإثم وتخشى أن تفقد هيبتها الدولية لو قامت بالتراجع أو يقوم الروس بإبتزازها أكثر ، والعقلية الرأسمالية – العسكرية الأمريكية المعتمدة على تجارة الحروب لم تعد تفهم إلا لغة الضغط السياسي و الإقتصادي حيث لم تتعود أمريكا على تقديم تنازلات منذ نهاية الثمانينيات ، ولم تتقبل حقيقة تغير العالم ودخوله في حقبة ٍ جديدة ، لكنها اليوم تكاد تدرك هذا جيدا ً خصوصا بعد الثامن من آب 2008 ...!

العاصفة التي ضربت بريطانيا العظمى في الماضي
هل ستعصف بالولايات المتحدة ليعيد التأريخ نفسه ؟

بصورة ٍ عامــة ، هناك شعور ٌ بعدم الثقة ، وعدم الإستقرار الكافي وربما الخوف والقلق في العقل السياسي الأمريكي الذي ينعكس بالتصلب في المواقف لتغطية هذا الخوف " الدفين " ، هناك قلق ٌ من شيء ما غير معروف لدى العالم هو الذي يدفع سياسة الولايات المتحدة نحو هذه التصرفات غير الموزونة .. شبه المجنونة ، والنتيجة ستظهر بالتأكيد خلال العقدين المقبلين الذين سيتقبل العالم فيهما الصين كقوة إقتصادية كونية لا ينافسها أحد فيما لو جرت الأمور عليها رخاء كإستقبال العالم للولايات المتحدة بنهاية الحرب العالمية الأولى والثانية .
وظهور الصين كقوة عالمية في الإقتصاد هو الذي يهز بواطن الثقة بالنفس لدى المتنفذين في القرارات الغربية خصوصا في الولايات المتحدة التي تشعر بالهلع من تنامي النفوذ والقوة العسكرية الروسية بتزامن مع عملقة الصين الإقتصادية والعسكرية ...
هذا يذكرنا بتنامي القوة الإقتصادية للولايات المتحدة مطلع القرن العشرين ، وظهور الإتحاد السوفييتي ، وهبوب العاصفة الألمانية النازية ، وهي عوامل هزت بريطانيا الإمبراطورية ... وجعلتها في النهاية تتنحى عن تسلطها ونفوذها القديم ... حيث برز قطبان كونيان جديدان ... روسيا وأمريكا .... ، فهل إن روسيا تشكل قطباً ثابتاً في حركة التأريخ فيما تتأهب الصين لإحتلال مكان الولايات المتحدة إقتصاديا ً .... وما هي ملامح العاصفة القادمة ُ يا ترى ؟
أسواق المال العالمية ... وأزماتها العاصفة ، وأزمة القوقاز ... وربما ظهرت أزمات جديدة في أقصى الشرق إضافة لتنامي إيران في الشرق الأوسط وتراجع القدرة الإسرائيلية بعد حرب تموز ، كل هذه مجرد نذر لعاصفة كونية قادمة في الآفاق ... لأن التأريخ يحب الحركة ويمقت الركود الذي روج له العقل الأمريكي بمفاهيم " نهاية التأريخ " ....!
والتأريخ يعلمنا إن " الحروب " هي التي تنقل البشرية نحو قفزات ثورية وتطور الفكر والعقل الإنساني ، والعالم يتجه نحو بلورة تكتلات جديدة لمواجهة الغرب ... والحرب الكونية الجديدة باتت مسألة وقت لا أكثر ...!
وعبر متابعة تطورات ما قبل الحربين العالميتين السابقتين فإن غياب المرونة السياسية الذي يميز العقل الأمريكي إضافة إلى الثقة المطلقة بالعقيدة الليبرالية الغربية التي تهيمن على عقول المثقفين والمفكرين الغربيين وما يواجهها من إحتقان لدى باقي الأمم في العالم خصوصا في الشرق الأقصى وأمريكا اللاتينية ... هو الذي سيؤدي بالولايات المتحدة إلى التهاوي بسرعة في مواجهة أية أزمة تضرب الأمة الأمريكية ... إقتصادية أو طبيعية أو سياسية ، حيث باتت الكثير من الدول اليوم تتأهب الفرصة السانحة التي تخلخل النظام في أميركا ، والأزمة المالية التي يعاني منها الإقتصاد الأمريكي والعالمي المرتبط به قد تؤدي إلى تضعضع الرئيس القادم للولايات المتحدة .. ووصوله إلى مرحلة التسليم بقدر التنحي عن زعامة العالم كما فعل تشرشل أو ربما قدر الإنهيار والتهاوي كما فعل غورباتشوف !


الغرب .... التفاؤل المزيف والهروب من مواجهة الحقيقة ...!

فمن اللافت للنظر أن نطالع ما تكتبه أقلام المفكرين الغربيين ، والكتاب والمحللين السياسيين في الغرب ... ولا نجد بينهم من يتوقع الأسوأ ...؟
هناك تفاؤل مزيف قبيل تصاعد التوتر بين روسيا والولايات المتحدة بعد إستقلال كوسوفو لدى السياسيين والكتاب الغربيين بأن الأمور لن تصل إلى حد عودة الحرب الباردة بين الروس و الأميركان ....!
وأنا شخصيا ً ... كمتابع لسير التحولات الإقتصادية والعسكرية في تلك الفترة ( مطلع العام 2008 ) كنت أرى الحرب الباردة الجديدة بوضوح ، وكنت أستغرب التفاؤل الساذج في الصحف البريطانية والفرنسية والأمريكية ...!!؟
أدركت حينها ... إن العقل السياسي الغربي برمته يعاني من " هروب " لا شعوري من مواجهة الحقيقة ، حقيقة إن الغرب آيل ٌ لأفول ٍ من الأجدى الإستعداد لــه بمواجهته ِ لا الهروب منه ، والغرب يهرب من هذه الحقيقة منذ أكثر من عقدين ..
والنتيجة .. مشاكل هذين العقدين المحتقنة في بنية الإقتصاد والسياسة الغربية تفجرت كلها دفعة ً واحدة ... !
كانت الأجواء تنذر بتصاعد التوتر على المدى البعيد... منذ أحداث البوسنة والهرسك لكن العقل الغربي والأمريكي بالتحديد كان يموه نفسه بأن شيئاً لن يحصل مما يحذرون ، وتأبى الأيام إلا أن تريهم " من روسيا " ما كانوا يحذرون ...!
فها هي نذر ُ حرب ٍ عالميـــة ٍ جديدة باتت تلوح في الأفق القريب ، لكن يبقى العقل الغربي في تفاؤله و أفيونه ، مجتراً بذلك صورة الصراع بين السوفييت والمعسكر الإشتراكي من جهة وأميركا و الغرب من جهة ثانية ، حيث كانت الحرب مجرد سباق تسلحي لا أكثر بين قطبين ونظامين مختلفين تماماً ، عكس هذه المرة حيث الصراع السياسي مع الروس كقوة قومية عسكرية ومع الشرق الآسيوي كإعصار تسويقي كاسح ...!
مع ذلك .. العقل الغربي لا يزال يطارد الأحلام بذكريات الأمس .. الأمس حيث الغرب هو الأول ، والبشرية إنتقلت من الظلام إلى النور بفضل الغرب ، ولذا فسيبقى الغرب بالصدارة وإلى الأبد ...!
هذه هي الصورة المتفائلة لدى الأقلام الغربية ، أحداً لن يتوقع الأسوأ ... خصوصاً وإن الولايات المتحدة بعد سلاسل طويلة من الهزائم العسكرية والهزة الإقتصادية العنيفة التي لم يسبقها مثيل إلا قبيل الحرب العالمية الثانية لم تعد تلك القوة الإقتصادية والعسكرية التي تعدل نصف العالم تقريبا ً كما كانت منتصف الخمسينييات من القرن الماضي ، ويقدر خبراء الإقتصاد إن أميركا كانت ولفترة طويلة تشكل نصف الناتج العالمي ، لكن إنتاجها اليوم لا يتجاوز الخـُـمس .. والحالة الأمريكية تنفرد بكونها ظاهرة إقتصادية تأريخية إستمرت من العام 1890 تقريباً كإقتصاد رقم واحد في العالم وحتى العام 2000 حيث ظهر التراجع بيناً، فقد تمكنت من السيطرة والنفوذ خلال تلك المئة سنة بفعل القوة الإقتصادية ، وهي دولة رأس المال الأولى عالميا ً طيلة هذه المدة ، وخسارتها نفوذها الإقتصادي مطلع هذا القرن يعني خسارتها مصدر قوتها الأساسي ... وبالتالي تحول القرن إلى قطب كوني جديد .. وربما عدة أقطاب .. ومن الغريب أن لا تقبل الولايات المتحدة الديمقراطية على مستوى تقاسم صنع القرار والمصير مع أمم أخرى فيما تتباكى عليها ليل نهار بمستوى تكوينات هذه الأمم !

أميركا " مرغوبـة " كدولة إقتصاد قوي أكثر من كونها " مرهوبة " كقوة ٍ عسكرية ٍ اليوم خصوصا ً وهي تغرق في مستنقعات الأزمات " العسكرية " في الكثير من بقاع العالم كالعراق وأفغانستان ..
فهي متورطة بحروب ٍ إلى درجة لم تعد تخشى دول أميركا اللاتينية من تدخلها العسكري المباشر كما فعلت في بنما أواخر القرن الماضي ، وهذه كلها مجرد نذرٌٍ تؤكد حقيقة هامة وهي :
أميركا اليوم أشبه بالإتحاد السوفييتي قبل إنهياره بسنوات ، وخطط إنعاش الإقتصاد الأمريكي وإنعاش الأسواق المالية العالمية .. تذكرنا ببيروسترويكا غورباتشوف الفاشلة ، وفشل الولايات المتحدة بتخطي الأزمات الحالية في الإقتصاد قد يؤدي إلى إنهيارها أسرع مما نتصور ، قد تختفي قوتها فجأة من خريطة العالم السياسي كما حصلت المفاجئة مع إنهيار الإتحاد السوفييتي بداية تسعينيات القرن الماضي ....!

عالم ما بعد أميركا ..

في كل الأحوال ... فإن أنظمة حكم جديدة ستظهر في الشرق الأوسط ، وستخلع " العساكر " في المنطقة العربية أعنة الحكام الراضخين لأسطورة الهيمنة الأمريكية ، ستطفو للسطح حكومات عسكرية جديدة ، على الأغلب ، ستكون منبثقة من دوائر الإستخبارات للدول العربية و كذلك الإسلامية كماليزيا وباكستان ... وليس من المؤسسة الحربية الصرفة بسبب طبيعة التحولات في الحروب المعاصرة التي باتت ترجح العقليات الإستخبارية في إدارة الحروب على الذهنية العسكرية الأكاديمية كما أثبتت ذلك حرب تموز في لبنان وحرب العراق وأفغانستان .. ونهاية نظام مشرف العسكري في باكستان .. ووجود رجل مخابرات من رعيل الكي جي بي براس السلطة في روسيا القيصرية الجديدة .. روسيا بوتن ..
أما الحلفاء الغربيين في الشرق ، كاليابان وكوريا الجنوبية والهند و الباكستان... فالتغيرات التي ستحدث فيها ستؤدي إلى إنقلاب في الولاء والتبعية السياسية بمئة وثمانين درجة نحو معسكر روسيا والصين بمظلة منظمة " شنغهاي " ...
ومن خلال متابعة تطورات السياسة الدولية على مدى السنوات الثمان الأولى من القرن الحادي والعشرين ، فإن المواجهة العسكرية بين روسيا والولايات المتحدة تكون مستبعدة ما دامت الولايات المتحدة تحتفظ بقوتها الإقتصادية والسياسية في العالم ، لكن ، الأزمات المتعاقبة التي مرت بها حكومات المحافظين الجدد في أمريكا خلال السنوات الأخيرة أظهرت الإستعداد الروسي للإنقضاض على الولايات المتحدة وأوربا حينما تحين لحظة مناسبة ... يبدو إنها محسوبة ومدروسة بعناية من قبل قوى دولية كثيرة ..
ويمكننا تخيل ماذا سيحدث في العالم فيما لو تنازلت أميركا فجأة عن عرش الربوبية الكونية بفعل أحداث دراماتيكية عاصفة وغير متوقعة كالتي حدثت للإتحاد السوفييتي ..!
ستنفرد روسيا لتعيد بسط نفوذها على دول أوربا الشرقية .. ما قد يجر الناتو ( بدون أميركا ) إلى التصادم مع الروس بحربٍ لا تحمد عقباها على البشرية جمعاء ..
كوريا ستتوحد ربما بالحرب أو بالسلم... والصين تستيقض من سباتها التأريخي الطويل معلنة ً إستيقاضها بفرض سيطرتها الكاملة على تايوان بالسلم أو بالحرب ، وربما تتيح الصراعات الدولية للصين أن تبقى القوة الوحيدة في العالم .. !
أما إيران فستكون الدولة العظمى في الشرق الأوسط ، وإسرائيل ستكون مضطرة لقبول مالا تحتمله من شروط الإنضمام إلى المنظومة الشرقية وأولها تقسيم القدس مع المسلمين وعودة اللاجئين الفلسطينيين ...!
بالتأكيد ، هناك أكثر من قطبين في العالم حينذاك ... وسيفرض نظام ٌ عالمي جديد نفسه وبقوة ، نأمل أن يكون أفضل من النظم السابقة .. و السؤآل الذي نطرحه الآن هو :
أما آن للحكومات العربية ... وحكومة إسرائيل أن تقرأ هذه المتغيرات بإمعان وتستخلص العبر من التأريخ ..؟
أما آن للشرق الأوسط أن يستقل ويقف في الحياد عن التأثير الأمريكي كي لا تطاله العاصفة النووية الكبرى ، خصوصاً وفرص إحتمال حدوثها بدأت تتزايد أكثر من أي وقت ٍ مضى ؟

الأيام وحدها هي التي ستتحدث وستجيب عن الكثير من تساؤلاتنا الأخرى ..

***********************************************
هوامش الفصل الثاني :

• جميل موسى النجار ، فلسفة التأريخ .. مباحث نظرية ، ط 1 2007 ، بغداد ، المكتبة العصرية ، ص 324 .
• خضير البديري ، إيران ... تفاقم الصراع الدولي وأثره في سقوط رضا شاه ، العراق – النجف ، دار الضياء (2007 ) ط 1.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن