بعض المحطات التاريخية للحركة النسائية الاشتراكية - مرحلة النشأة و التطور

النهج الديمقراطي العمالي
annahjad@gmail.com

2004 / 3 / 8

 ملاحظات أولية حول النشأة والتطور:
 إن المتتبع لتاريخ الحركة النسائية الاشتراكية في مراحلها الأولى لابد أن تستوقفه ثلاث ملاحظات أساسية:
- ملاحظة أولى:
تلك العناية المبكرة بقضية المرأة من طرف الفكر الماركسي والتي استمرت على امتداد القرن 19. فقد ربطت الماركسية تحرر المرأة بتحرر المجتمع حتى قبل صدور البيان الشيوعي سنة 1848، ففي "المخطوطات الاقتصادية الفلسفية" (كارل ماركس) كتب ماركس يقول سنة 1844:"فلا يمكن أن تكون حرية، ولم تكن قط، ولن تكون يوما حرية حقيقية طالما لم تتحرر المرأة من الامتيازات التي يكرسها القانون للرجل، طالما لم يتحرر العامل من نير الرأسمال، طالما لم يتحرر الفلاح الكادح من نير الرأسمالي والملاك العقاري والتاجر".
ومذاك عالجت الكتابات الماركسية موضوع المرأة في مناسبات عدة ولأغراض محددة مبينة جذور الاضطهاد الطبقية والتاريخية ومستخلصة من نتائج التحليل شروط تحرر المرأة التي هي من تحرر المجتمع برمته. وفضلا عن المخطوطات المذكورة أعلاه لابد من ذكر "البيان الشيوعي" (كارل ماركس، فريدريك انجلس: 1848)، كتاب "الرأسمال" (كارل ماركس: 1867) "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة" (انجلس: 1888)، ثم كتابي "المرأة والاشتراكية" (اوغست بيبل: 1879).
وإذا كانت كتب ماركس وانجلس معروفة بما يكفي فلابد من التذكير بأن كتاب "المرأة والاشتراكية" (بيبل) قد لعب دورا كبيرا في تطور الحركة النسائية الاشتراكية.ذلك أن بيبل أقام في هذا الكتاب صلة وثيقة بين مسألة المرأة وبين الهدف الطبقي العام للعمال ونبه إلى الحاجات الخاصة والمطالب الخاصة بالنساء والى السمات المميزة للمرأة بوصفها امرأة.
 
- ملاحظة ثانية:
هو أن حركة النساء العاملات باعتبارها جزءا من الطبقة العاملة، قد ولدت في رحم المجتمع الرأسمالي وقبل أن يحصل تواصلها مع الفكر الاشتراكي، قد ظلت لمدة طويلة كما هو الحال بالنسبة لمجموع الطبقة، عرضة لتأثيرات الفكر البرجوازي باعتبارها إيديولوجيا وسط الطبقة العاملة (idéologie au sein de la classe ouvriére,selon l _expression de charles bette lhain)(انظر رسائل حول بعض قضايا الاشتراكية)charles bette lhain et Paul smeezy
لكن لابد من تدقيق الأمور لأن نمو الوعي الذاتي (الطبقي) اكثر تعقيدا عند المرأة العاملة منه عند الرجل العامل. حقا المرأة العاملة عضو في الطبقة العاملة، - كما تقول ألكسندرا كولونتاي - قبل أن تكون أي شيء آخر تعاني الاستعباد والحرمان من الحقوق المدنية، يضطرها النضال من أجل تحررها إلى النضال قبل كل شيء لتحرر طبقتها بأسرها. وحتى لا نقف عند "ويل للمصلين"، فالمرأة العاملة ليست فقط عضوا في طبقتها بل هي كذلك في الوقت ذاته ممثلة لنصف الجنس البشري، وهي ليست فقط عاملة أو مواطنة بل إنها كذلك إما وحاملة الغد في أحشائها، فمن هنا خصوصية وضعها وخصوصية مطالبها التي لم يكن سهلا على العقلية الذكورية حتى داخل الطبقة العاملة إدراكها وبناء تصورات صحيحة حولها.
فنبذ النساء والتمييز ضدهن يولد عدم المساواة بين المرأة والرجل سواء في العمل، في الأسرة، في السياسة، في العلاقة بين الجنسين، لذلك بقيت المرأة تحتل دائما "مركزا ثانويا".
إن نمو الوعي الذاتي لدى المرأة يصطدم بمعيقات أكثر تعقيدا. فلكي تبلغ المرأة العاملة مرحلة نضج الآراء التي يبلغها العامل العادي، فهي ملزمة بأن تحقق قطيعة كاملة مع تلك التقاليد والمفاهيم والقيم الأخلاقية الذكورية التي تترسب داخل كيانها بسبب التربية، مشكلة عقبة كأداء في طريق بلوغ الوعي الطبقي لديها.
وكما استعملت البرجوازية الطبقة العاملة في مواجهة الإقطاع، ستستطيع الحركة النسوانية البرجوازية التي هي ممثلة لمصالح النساء البرجوازيات في نضالهن من أجل تحسين أوضاعهن داخل طبقتهن أن تجد لها مواطئ قدم داخل الحركة النسائية العمالية.
وكما استطاعت الطبقة العاملة في تحالفاتها الأولى مع البرجوازية (انظر البيان الشيوعي) أن تكتسب ثقافة سياسية ستوجهها فيما بعد ضد عدوها الطبقي كذلك استفادت الحركة العمالية النسائية في مراحل محددة من هذا التأثير، لاكتساب وعي أكثر خصوصية المطالب النسائية. ثم بعد ذلك مع نمو وعيها وتوفر الشروط الموضوعية لنشأة حركة نسائية اشتراكية، ستضع حدا فاصلا بين الحركة النسائية البروليتارية والحركة النسائية البرجوازية.
وفي انتظار نضج الشروط الذاتية والموضوعية، لنشأة حركة نسائية اشتراكية، "انضمت النساء إلى تنظيمات عمالية واتحادات وأحزاب دون أن يترافق ذلك مع النضال في مجالات نسائية".
- ملاحظة ثالثة:
لقد انقضت أكثر من أربعين سنة على نشأة الفكر الماركسي، قبل أن تستطيع الحركة الاشتراكية إيجاد  طريقها الخاص للعمل وسط المرأة العاملة.
صحيح أننا لا نستطيع أن ننكر تلك المحاولات المبكرة لطرح العمل وسط النساء العاملات التي قام بها جيل الرواد الأوائل، فلويزا أوتا (مناضلة ألمانية) قد ألقت خطبة في أخوية للعمال سنة 1848 (ودادية : amicale) مشيرة إلى ضرورة إشراك النساء في التنظيمات العمالية. وكان ماركس وراء القرار السابع الذي اتخذه مؤتمر مندوبي الأممية الأولى المنعقد بلندن من 17 إلى 23 سبتمبر 1871.
ونص القرار مايلي:" يوصي المِؤتمر بتشكيل فروع نسائية داخل الطبقة العاملة، شرط أن لا يمس هذا القرار بوجود أو بتشكيل فروع تضم عمالا من الجنسين".
وبعد تقديم هذا القرار المتخذ من طرف المجلس العام أمام المؤتمرين، برر ماركس موقفه بأنه يرى ضروريا تأسيس فروع نسائية محضة في البلدان التي تستخدم فيها الصناعة النساء بأعداد كبيرة. إن النساء يلعبن دورا كبيرا في الحياة، يعملن في المصانع،يشاركن في الإضرابات....إن لهن حماس أكثر من الرجال.(انظر: le parti de classe t 3questions d organisation Friedrich Engels Karl Marx  .
وفي منتصف ثمانينات القرن 19، وفي ألمانيا، قامت المناضلة الاشتراكية وليام شاك بتأسيس جمعيات للتثقيف الذاتي ونوادي نسائية للعاملات لكن السلطات الاستبدادية في ألمانيا آنذاك وضعت حدا لهذه التجربة بمبرر القوانين التي كانت تمنع النساء من العمل النقابي والسياسي.
ورغم كل هذا وإلى حدود 1896 تاريخ انعقاد مؤتمر غوتا للحزب الاشتراكي الديموقراطي الألماني الذي وضع لأول مرة قواعد العمل التنظيمي والتحريض الخاص والمستقل بين النساء، ظل الاتجاه السائد داخل الأحزاب الاشتراكية آنذاك يحكمه منطق تبسيطي اختزالي للحركة النسائية لا يراها إلا مندمجة بالحركة العامة للطبقة العاملة دون إدراك لخصوصية العمل وسط النساء العاملات.
وقد يثير هذا التفاوت بين التقدم النظري للفكر الاشتراكي في طرحه لجوهر المسألة النسائية، والتطور البطيء للوعي السياسي (والتصور التنظيمي المرتبط به) بخصوصية العمل النسائي وإشكالياته، عدة أسئلة أهمها: هل مرد ذلك إلى الفكر الاشتراكي نفسه؟ أم أن هناك عوامل أخرى محددة لعلاقة الفكر والنظرية بالواقع التاريخي؟.
إن الفكر الاشتراكي العلمي هو نتاج الصراعات الطبقية للمجتمع الرأسمالي الذي درس ماركس أهم قوانينه الاقتصادية وحللها وبين تاريخية هذا النمط الإنتاجي السائد في التشكيلة الاجتماعية الرأسمالية. أما نظام الباطرياركا فهو شكل اجتماعي أقدم من الرأسمالية عبر عشرات القرون من تاريخ البشرية وخدم المجتمعات الطبقية وظل في خدمة الرجل. لقد حطمت الرأسمالية الأسس المادية للعائلة البطريركية الواسعة. وخلقت بدلها العائلة النووية لكن دون القضاء على الأسس المادية لاضطهاد المرأة داخل الأسرة. لقد استوعبت الرأسمالية نظام الباطرياركا في شروط تاريخية جديدة ومفصلته ضمن آليات الاستغلال الرأسمالي الطبقي والاضطهادي للمرأة. إن الإيديولوجيا البطريركية وثقافتها الذكورية القائمة على الميز الجنسي ضد المرأة، تخترقان كل البنى الطبقية للمجتمع الرأسمالي. فلا حدود مغلقة بين الطبقات إذ لا وجود للبروليتاريا بدون البرجوازية والعكس صحيح. فضلا عن هذا وجود حالات انتقالية مستمرة لفئات اجتماعية تتدهور حالتها الاقتصادية فتغذي صفوف الطبقة العاملة بأعداد جديدة من العمال يحملون معهم ثقافة وإيديولوجية الطبقات المندحرة.
إن الحزب السياسي الطبقي هو نتاج الصراعات الطبقية ومكوناتها المختلفة يتأثر بها ويؤثر فيها. وهو بذلك لا يستطيع الإفلات من تأثيرات الإيديولوجيا البطريركية حتى في صفوفه. إن سيرورة تشكل الوعي الطبقي لا يمكن فهمها خارج العلاقة المتناقضة والجدلية التي تجمع الحزب والطبقة: علاقة ترابط وانفصال في آن واحد.
لقد كانت ألمانيا بالمقارنة مع بريطانيا وفرنسا بلدا متخلفا من حيث الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. بريطانيا وفرنسا قامتا بثوراتهما البرجوازية الأولى سنة 1689 والثانية سنة 1789. بينما ألمانيا فشلت ثورتها البرجوازية سنة 1848. هذا التأخر التاريخي طبع الحياة الاجتماعية والاقتصادية لهذا البلد لكن ألمانيا بالرغم من ذلك كانت البلد الذي عرف انتشارا سريعا للفكر الاشتراكي وسط الطبقة العاملة ابتداء من سبعينيات القرن 19. واستطاعت الطبقة العاملة الألمانية بقيادة الحزب الاشتراكي الديموقراطي أن نحقق العديد من المكتسبات وتصبح في طليعة البروليتاريا العالمية.
اقتصاديا كان على ألمانيا أن تنتظر مجيء ثمانينات وتسعينيات القرن 19 لتلتحق تدريجيا بفرنسا وبريطانيا. وفي هذه الحقبة عرفت الرأسمالية اتساعا كبيرا على المستوى الصناعي رافقه الانتقال إلى مرحلة الرأسمالية الاحتكارية واتساع السيطرة الإمبريالية على بلدان "العالم الثالث". بموازاة مع هذا التطور، اتسع حجم اليد العاملة النسائية وأصبحت ذات وزن اجتماعي كبير. لكن جل النساء اللواتي اقتحمن ميدان العمل المأجور كن غير منظمات وأصبحن بسبب تدني وعيهن واستغلال الرأسماليين لهن، يهددن بتخريب نضالات العمال المنظمة، لقد أصبح تنظيمهن ذا إلحاحية كبيرة بالنسبة للأحزاب الاشتراكية الديموقراطية والنقابات التابعة لها. وبعد فترة من النقاش والجدال حول أسلوب تنظيم النساء بحكم تنوع التجارب والأشكال التنظيمية تغلب ما سمي "بالأسلوب الألماني" القائم على دمج النصفين النسائي والرجالي من الطبقة العاملة في التنظيم الحزبي الواحد،مع الاحتفاظ باستقلالية في التحريض بين النساء العاملات.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن