الحوار الفلسطيني ما بين حتمية الفشل واحتمال التجمع الانتهازي

خالد عبد القادر احمد
khalidjeam@yahoo.com

2008 / 9 / 30

ربما لن يجد القاريء الفلسطيني , وعلى وجه الخصوص العاطفي, لي عذرا في تحديد الكلمات السابقة عنوانا لهذا المقال , وقد يغضب على كتابتي هذه البعض من القراء المحترمين , حيث لن يجد دغدغة عواطف ولا مغازلة اماني في هذه الكتابة , بل سيجد وجهة نظر هاذئة من رؤيا باردة , تهبط باماني واحلام وطنية عند مواطننا الفلسطيني الى ارض الواقع غير المرغوب بحقائقه الموضوعية .
لكني اؤمن ان احد جوانب مهمة ورسالة الكاتب , هي ان يضع القاريء , على شاطيء الحقيقة وان يجعله ينظر بتحديد اكبر وان يجيب على سؤال , هل تشرق الشمس ام هي الى غياب؟ , ومشكلتنا نحن الفلسطينيون ( من وجهة نظري الخاصة ولا افرضها على احد) ليست في اننا نعيش ونواجه قضية مصيرية , فاغلب شعوب العالم قد واجهت هذا الوضع , ان في المجال الوطني او الديموقراطي , غير انها ( المنتصرون منهم ) استطاعوا قراءة واقع معضلاتهم بصورة موضوعية صحيحة واستجابوا لمتطلبات انجاز مهماتها ايضا بصورة صحيحة , ولم يجعلوا الاوهام والاماني والاحلام استراتيجيات وتاكتيكات لهم يتبعون فيها الهوى لا العقل
ونحن في المجتمع الفلسطيني على العكس من مجتمعات اخرى لا نزال نقراء الواقع بطريقة خاطئة ومن حالة احكام مسبقة تتوقع ان تنجح امانينا معها في ان تحلب الصخر فنطعم اطفالنا ونسد رمقهم وجوعهم , ولو استعدنا قراءة المكتوب حول الحالة الفلسطينية لوجدنا توقعات فلسطينية غاية في الاغتراب عن حقائق الواقع
فمثلا قراءتنا لعدالة القضية الفلسطينية ومحاولة فرضها على الاجندة السياسية للاطراف الاخرى العالمية والاقليمية ومحاولة ايجاد مكان لهذه العدالة بين مرصوص مصالح القوميات في هذه الاجندات في حين يقتضي الامر منا ان نعرض اجنداتهم هذه لتاثيرنا المحسوب بدقة
كذلك قراءتنا لمثالية النضال الفلسطيني وايضا محاولة فرضها على اجندة الاطراف الاخرى على اعتبار اننا نمنع تكرارالحاق اضرار واخطار التجربة عن باقي القوميات في حين تكون اجندة هذه القوميات تستجيب فقط للمصالح الباردة الجامدة لهذه القوميات ولا تضع في اعتبارها هذه المثاليات ....الخ
كذلك عرضنا لصورة نضالنا على انها تمنع تمدد وتوسع الحالة الاستعمارية عن المجتمعات القومية الاقليمية , في صورة بطولة وفروسية قروسطية في اللحظة التي يقوم هؤلاء بتطويقنا وحصارنا وخنق نضالنا بدلا من ان نعرض استقرار علاقاتهم بالكيان الصهيوني للخطر وكذلك امنهم الخاص
وحتى في مسالة الوحدة الداخلية الفلسطينية نقبل حالة ( تجمع بدل وحدة ) فلسطينية اكثر مما نأمل برافعة نضال وطني , حيث تصبح صورة الوحدة في نظرنا هي عدم اطلاق النار على بعضنا البعض , فهل خطر على بال اي منا ان يسال نفسه عن حقيقة تاريخ الوحدة الداخلية الفلسطينية
ان جوهر الوحدة هو المركزية الخطية ومظهرها الاساس هو في حجم ووزن دور هذه المركزية الخطية في توجيه مسار النضال والانتاج والتطور , فاين هي ( هذه المركزية ) في تاريخ النضال الفلسطيني ؟ ان تاريخ النضال الفلسطيني منذ فرض الانتداب البريطاني على فلسطين , لم يكن سوى تاريخ تشظي , خطيا وتنظيميا وعلاقات وتوجهات , الا عندمستوى كلمتين فقط كانتا تشكلان اطارا جامعا لهرم كامل من الانقسامات , وهاتين الكلمتين هما ( تحرير فلسطين ) وما عداهما كان منقسما عليه ,
ففلسطين مستقلة , تعاكس فلسطين حرة عربيية / وفلسطين دينية , تعاكس فلسطين علمانية /و فلسطين قومية, تعاكس فلسطين طبقية / وهذا هو مظهر الانقسام الخطي في صورة شعارات استراتيجية
اما على الصعيد التنظيمي فكل تنظيم كان عبارة عن( منظمة تحرير فلسطينية) كاملة لكن اصغر في الحجم , او اكبر , مستقل في رؤاه السياسية وعلاقاتها وشرعيتها وكذلك في فاعليته العسكرية وعلاقاته الدولية , وتحالفاته وصراعاته , ليس هذا فحسب بل ايضا في توقيتاته الخاصة في حركته وفي تاكتيكاته
ان هذه الاشكال (الوحدوية) والتي هي في حقيقتها لم تكن اكثر من تجمعات مؤقتة , لا ترقى في حقيقتها الى مفهوم علمي للوحدة في حقيقتها اللازمة لانجاز المهمة الوطنية وان اخذت صورة عوامل ازعاج لهدوء الحركة السياسية العالمية والاقليمية , ازعاج يذكر بوجود حالة خاصة اسمها القضية الفلسطينية , لكنه لا يفرض ( حلا فلسطينيا ) على هذه الحركة العالمية والاقليمية , فهل كانت الحالة الانفصالية الراهنة , حلقة متصلة او منفصلة عن مسار التشظي والانقسام التاريخي في الوضع الفلسطيني , نعم الحالة الانقسامية الراهنة تميزت بتكرار راسخ لمظهرين من مظاهر تفاقم الحالة الانقسامية في الوضع الفلسطيني , كانت اولاهما بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان حيث انتهت الحالة الانقسامية الى الطلاق الجغرافي والسياسي والعلاقة الدموية , غير ان الحركة اللبنانية احتوتها وخفضت من مستوى مخاطرها المباشرة على الجمهور الفلسطيني , واما الحالة الراهنة فانتهت الى نفس النتائج ولكن برسوخ تام استقلالي كامل , والتي يجري الان محاولة تجاوزها ونعلن انها ستنتهي اما الى الفشل او الى الصيغة الانتهازية , وقد يسال هنا البعض لماذا؟
ان الخلل الكامن في الصيغة النظرية السياسية الفلسطينية , هو محرك فاعلية الاتجاه الانقسامي في الساحة الفلسطينية , اما الاستراتيجيات والتاكتيكات فهي تجسيم للرؤية النظرية السياسية ’ فكيف يمكن الجمع بين اسس نظرية سياسية على قناعة راسخة ان الفلسطيني ليس له حق تقرير مصيره القومي , واسس نظرية سياسية على قناعة راسخة ان الفلسطيني وحده هو الذي له الحق بهذا القرار
ان الخط الديني الذي هو على قناعة ان فلسطين ارض وقف اسلامي لا حق لاهلها سوى التمتع بها , وكذلك الخط القومي العربي الذي يرى الحالة الفلسطينية جزءا من كل شامل عربي مركزي , والذي ايضا لا يرى للفلسطيني حق التصرف المستقل المنفرد , في مقابل الخط القائل بالخصوصية والاستقلالية الفلسطينية , ان هذا الشرخ النظري السياسي وتفاعله في الوضع الداخلي الفلسطيني هو جوهر واساس الحالة الانفصالية في الوضع الفلسطيني منذ الانتداب البريطاني على فلسطين وحتى اللحظة , وهو عامل التقييم الاساس في رسم الخط الفاصل بين الوطني واللاوطني , وهوجوهر مفهوم الوطنية الفلسطينية من عدمها , وقواها وتنظيماتها هي الاطراف المتحاورة ليس على تفسير الماضي الفلسطيني بل على تحديد مستقبل مساره , فكيف يمكن وهذه الحال جمع النقيضين وهما على هذه الدرجة من الاستقلالية والفاعلية والسيطرة والتمكن؟
ان الحوار الان بهدف الوصول الى وحدة (وطنية) امر غير ممكن , الا مشروطا بحدوث تغيير جوهري في نطاق , غزة اذا هزم بها الخط اللاوطني , او وحدة (لا وطنية) اذا هزم الخط الوطني السائد في الضفة الغربية , او حدوث تغير جوهري اساسي في الخط النظري السياسي لاحد المعسكرين يودي بالوضع الداخلي الفلسطيني الى وحدة وطنية او وحدة لا وطنية بينهما
ان وجهة نظرنا سابقة العرض , لا تسقط احتمال ( اجتماع فلسطيني ) مرشده كلمتي ( تحرير فلسطين ) من الحالة الاحتلالية الراهنة من السيطرة الصهيونية , وهذا امر يمكن للمتحاورين في القاهرة الوصول اليه في صورة ( صيغة جبهوية ) تنظم مدى وحجم استقلالية كل منهما وحرية حركته الخاصة وصولا الى سقف مشترك هو التخلص من ( الاحتلال الراهن) غير ان ذلك لا يعني بالضرورة استقلال وسيادة القومية الفلسطينية بل تبقى كاحتمال من بين احتمالات اخرى
ان توقع وحدة وطنية معبرة عن امال واماني الجمهور الفلسطيني اذن هو احتمال ليس مقدر لحوار القاهرة الراهن ان تسفر عنه في ظل شرطها الحالي , ولن يكون تشكيل حكومة واحدة ومركزية واحدة وهذه الحال سوى محاصصة انتهازية تقدم للجمهور الفلسطيني بمسمى وحدة وطنية , وهو امر قابل للفرض علينا غير انه ليس مطلبنا



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن