دور المثقفين في نضال الطبقة العاملة وفي قيادتها 2-2

حسقيل قوجمان
ykojaman@googlemail.com

2008 / 9 / 24


حين توصل كارل ماركس الى استنتاجاته بخصوص العمال وحتى قبل الانتهاء من كتابة مؤلفاته العظيمة وخصوصا كتاب الراسمال راى من واجبه الاشتراك في الحركات العمالية التي نشأت انذاك في بريطانيا واوروبا الراسمالية. واصبح عن جدارة قائد الحركة العمالية العالمية في ايامه وكان هو القائد الفعلي للاممية العمالية الاولى. ان القيادة لا تمنح بل تكتسب. فقد اصبح كارل ماركس قائد الطبقة العاملة العالمية عن طريق اخلاصه ومثابرته وصحة نظرياته وسلامة توجيهاته للطبقة العاملة. ان اشتراك المثقفين في قيادة الطبقة العاملة لم يقرره لينين بل جاء بصورة طبيعية نتيجة نضالات كارل ماركس وانجلز وسائر المثقفين الذين شاركوهما في النضال والذين اعقبوهما في مواصلة هذا النضال.
صحيح ان الماركسية هي نظرية الطبقة العاملة ولكنها علم تنبغي دراسته. ليس بامكان كل عامل ان يتوصل الى معرفة النظرية الماركسية لمجرد انها نظرية الطبقة العاملة بل على الطبقة العاملة ان تتعلم النظرية لكي تستطيع الاستفادة منها في توجيه نضالها بالاتجاه الصحيح من اجل تحقيق اهدافها. والمثقفون اقرب الى دراسة النظرية الماركسية من العمال بحكم ثقافتهم وكان على المثقفين ان يتعلموا الماركسية وان يعلموا الطبقة العاملة نظريتها. فاشتراك المثقفين في نضال وقيادة الطبقة العاملة امر طبيعي لا يمنحه لهم كارل ماركس او لينين او غيرهما ولا يستطيع ان يمنعهم عنه حتى اشد اعداء الطبقة العاملة قوة.
ان سؤالك في اخر العبارة "فكيف وبأي حق سيقودها ؛أو يعلن أنه الاعرف بماتريد؟" يستحق البحث حقا. فمن حيث الحق ليس هناك من يمنح او يمنع حق الانسان في ان يعتنق نظرية ويعمل بموجبها. وحق اعتناق النظرية الماركسية متاح لكل انسان ايا كان انتماؤه الطبقي. فاذا راى راسمالي ان النظرية الماركسية صحيحة حق له ان يعتنقها وان يعمل بموجبها. الا ان النظرية الماركسية هي نظرية الطبقة العاملة وليست نظرية الفلاحين او المثقفين او الراسماليين. والسؤال المهم هو لماذا يعتنق بعض المثقفين او الفلاحين او غيرهم النظرية الماركسية وهي ليست نظريتهم؟
ينتمي المثقفون الى فئات من المجتمع تقع بين الطبقة العاملة وبين الراسماليين. فهم ليسوا عمالا وليسوا راسماليين. ولهذا اطلق على الفئات المثقفة وغير المثقفة التي لا تنتمي الى الطبقة العاملة ولا الى الطبقة الراسمالية اسم البتي برجوازية وهذا الاسم مقتبس من المصطلح الاوروبي. وجرت العادة ترجمة هذه العبارة بعبارة البرجوازية الصغيرة وهي في رايي ترجمة غير دقيقة لان البرجوازية الصغيرة يمكن اعتبارها جزءا من البرجوازية او الراسمالية تختلف عن البرجوازية الكبيرة بصغر راسمالها. والحقيقة هي ان البتي برجوازية ليست برجوازية وليست طبقة عاملة لذلك كنت في جميع كتاباتي استعمل المصطلح المقتبس من اللغات الاوروبية. وقد يمكن استخدام مصطلح اخر لترجمة هذه العبارة مثل المراتب المتوسطة او حتى النصف برجوازية. وينبغي استخدام كلمة المراتب في جميع الاحوال لان البتي برجوازية ليست فئة واحدة منسجمة تعيش اوضاعا متشابهة ولها اهداف استراتيجية واحدة كما هو الحال لدى الطبقتين العاملة والراسمالية. فكل فئة من هذه المراتب لها اسلوب حياتها واسلوب عملها وطريقة حصولها على مصادر عيشها. فالنجارون والحدادون والصاغة والمحامون والمهندسون والاطباء يختلفون عن بعضهم وعن اكبر مرتبة من هذه المراتب عدديا، مرتبة متوسطي الفلاحين.
ولكن الصفة المشتركة بين جميع هذه المراتب المتوسطة هي انها مراتب تحلم بالارتفاع الى مستوى الطبقة الراسمالية بينما يدفعها تطور النظام الراسمالي للهبوط الاقتصادي الى مستوى الطبقة العاملة. وهذا الوضع الطبقي هو الذي يجعل كافة هذه المراتب متذبذبة في افكارها واعمالها بين الطبقة العاملة وبين الراسمالية. ومن هذه المراتب المتوسطة وخصوصا من المراتب المثقفة تنشأ النظريات التي تحاول التوفيق بين مصالح الطبقة الراسمالية ومصالح الطبقة العاملة. النظريات التي يسميها الماركسيون نظريات انتهازية.
ما معنى ان النظرية الماركسية هي نظرية الطبقة العاملة؟ ولماذا لا يمكن تسميتها نظرية الطبقة العاملة والفلاحين والمثقفين والعلماء والفنانين وغيرهم؟ الجواب على هذا السؤال هو ان النظرية الماركسية هي النظرية التي تحدد الاتجاه الطبيعي الحتمي لمسيرة المجتمع الراسمالي. انها تحدد ان المجتمع الراسمالي في تطوره الطبيعي يجب ان يسير في اتجاه الاطاحة بالنظام الراسمالي وتحقيق نظام اشتراكي وان هذا الاتجاه هو اتجاه الطبقة العاملة والواجب الذي فرضه التاريخ عليها من اجل تحررها من الاستغلال الراسمالي.
ان تعريف النظرية الماركسية بانها نظرية الطبقة العاملة يعني ان كل من يعتنق النظرية الماركسية بصرف النظر عن انتمائه الطبقي، سواء اكان فلاحا متوسطا ام طبيبا ام محاميا ام حتى برجوازيا ويعمل على تطبيقها تطبيقا صحيحا فانه يساعد على مسيرة المجتمع الراسمالي في اتجاه نهايته الطبيعية، الاطاحة بالطبقة الراسمالية وتحرير الطبقة العاملة من الاستغلال الراسمالي. فالبرجوازي الذي يعتنق الماركسية ويطبقها تطبيقا صحيحا لا يستطيع ان يستخدمها في سبيل مقاومة الحركة العمالية او في سبيل ادامة النظام الراسمالي. وكذلك اذا اعتنق الماركسية شخص ينتمي الى المراتب المتوسطة على انواعها لا يستطيع ان يستخدمها في طريق تطوير هذه الفئة المتوسطة على حساب اتجاه المجتمع الطبيعي الحتمي، اتجاه القضاء على النظام الراسمالي. فكل من يطبق الماركسية تطبيقا صحيحا انما يسير في طريق تحرير المجتمع من النظام الراسمالي ايا كان انتماؤه الطبقي. هذا هو المعنى الحقيقي لكون النظرية الماركسية نظرية الطبقة العاملة.
ان المصالح الانية للمراتب المتوسطة تختلف عن مصالح الطبقة العاملة بحكم وضعها المتوسط بين البرجوازية والطبقة العاملة. فليست الاطاحة بالنظام الراسمالي من مصالح المراتب المتوسطة وانما مصالحها الرئيسية الانية هي التقدم والاغتناء من اجل التقرب الى المستوى الاقتصادي للبرجوازية في الحياة. ولكن في الوقت نفسه تعاني المراتب المتوسطة او اغلبيتها من ضغط الراسمالية وتضييق الخناق عليها ودفعها نحو مستوى العمال الاقتصادي. وهذا الوضع الوسطي هو مصدر التقلب والتذبذب السياسي للفئات المتوسطة. فهي تتذبذب بين التفكير البرجوازي والتفكير العمالي وتحاول التوفيق بينهما.
والطبقة العاملة حين تهدف الى الاطاحة بالراسمالية وتصبح طبقة حاكمة تختلف عن كافة الطبقات الحاكمة التي سيطرت في المجتمع الانساني في المراحل السابقة. فهي في استيلائها على السلطة بعد الاطاحة بالنظام الراسمالي تريد الخلاص من الاستغلال كليا وليست كما حدث في السابق استبدال طبقة مستغلة بطبقة مستغلة اخرى. لذلك لا تستطيع الطبقة العاملة تحرير نفسها من الاستغلال على اساس استغلال طبقة او طبقات اخرى. فمهمة القضاء على الاستغلال تعني تحرير كافة المجتمع بجميع اعضائه وفئاته بعد القضاء على الطبقة الراسمالية وبقايا الطبقات الحاكمة الاخرى. ولهذا عليها ان تحرر الفلاحين وجميع فئات المراتب المتوسطة من الاستغلال لكي تستطيع حقا ان تحرر نفسها منه.
رغم ان المصالح الانية للمراتب المتوسطة بمن فيهم متوسطي الفلاحين تختلف عن مصالح الطبقة العاملة فان تحرير الطبقة العاملة من الاستغلال يحتم تحرير هذه الفئات المتوسطة ايضا من الاستغلال. وهذا يعني ان الاهداف البعيدة للمراتب المتوسطة هي في تحرير الطبقة العاملة من الاستغلال. لان تحرير الطبقة العاملة من الاستغلال يعني تحرير جميع المراتب المتوسطة ايضا من الاستغلال. ان مصالح المراتب المتوسطة البعيدة تختلف عن مصالحها الانية وتتطابق مع مصالح الطبقة العاملة الهادفة الى انهاء كل انواع الاستغلال.
هذا هو الاساس في اعتناق بعض المراتب المتوسطة وخصوصا الفلاحين والمثقفين للنظرية الماركسية رغم انها نظرية الطبقة العاملة. فالمثقف يشعر بان تحرير الطبقة العاملة يعني في المدى البعيد تحريره هو ايضا من الاستغلال. ولذلك يشعر بضرورة اعتناقه النظرية الماركسية، نظرية الطبقة العاملة. فالمثقف حين يعتنق الماركسية يتخلى عن مصالحه الانية المباشرة لكي يعمل على تحقيق مصالحه البعيدة المرتبطة بتحرر الطبقة العاملة من الاستغلال. انه يعتنق نظرية تقود الى اهداف تختلف عن اهدافه الاقتصادية الانية.
هذا هو السر في ان عناصر كثيرة من المراتب المتوسطة وخصوصا الطلاب يعتنقون النظرية الماركسية. وحين يعتنق شخص من غير الطبقة العاملة النظرية الماركسية ويعمل على تطبيقها تطبيقا صحيحا يصبح في النضال السياسي جزءا لا يتجزأ من الطبقة العاملة رغم انه يبقى بتي برجوازيا من الناحية الاقتصادية او الاجتماعية. واذا انحرف بعضهم عن كونهم في النضال جزءا من الطبقة العاملة وحاولوا تمييز انفسهم عن هذه الطبقة اصبحوا في العرف الماركسي انتهازيين او تحريفيين. والتاريخ زاخر بمثل هؤلاء الانتهازيين والتحريفيين.
كون المناضل الماركسي يصبح جزءا من الطبقة العاملة يمكن تتبعه تاريخيا. ففي المؤتمر الثاني للحزب الاشتراكي الديمقراطي سنة ١٩٠٣ جرى الاتفاق بالاجماع او بالاغلبية الساحقة على برنامج الحزب الذي حدد ان الثورة الروسية تتألف من مرحلتين، مرحلة الثورة البرجوازية ومرحلة الثورة الاشتراكية. ولكن عند بحث شروط عضوية الحزب نشأ الخلاف بين لينين وبين عدد من المؤتمرين. فبينما كان لينين يعتبر ان جميع اعضاء الحزب متساوون في الحقوق والواجبات اعترض الاخرون على شروط لينين الدقيقة الصارمة للعضوية. وهنا كان الخلاف الذي ادى الى انقسام الحزب الى بلاشفة ومنشفيك. فلينين كان يرى ان عضو الحزب هو في النضال الحزبي جزء من الطبقة العاملة بصرف النظر عن منشئه الطبقي. وهذا ما نلمسه في تاريخ كافة الاحزاب الماركسية الحقيقية في التاريخ. فقد عرفنا عن الكثير من المثقفين وغير المثقفين من ابناء الفئات المتوسطة ممن ناضلوا في صفوف الطبقة العاملة وكابدوا ما كابده العمال المناضلون من عسف واضطهاد الطبقات الحاكمة الاقطاعية والراسمالية. واولهم كان كارل ماركس وانجلز ولينين وكثير غيرهم.
ومن الناحية الاخرى فان الطبقات الحاكمة تنظر الى المناضل الماركسي كانه جزء من الطبقة العاملة. فحين تطلق النار على المظاهرات او تعتقل المناضلين وتلقي بهم في غياهب السجون وتطردهم من وظائفهم او من كلياتهم او من اعمالهم وحتى لدى اعدامهم لا تميز بين مثقف او طالب او طبيب او شاعر او فنان او عامل. فكلهم سواء امام عسف وظلم الطبقات الحاكمة للمناضلين الماركسيين.
كما ان العامل في النضال العمالي الاقتصادي والنقابي والسياسي ينبغي ان يثبت اهليته عن طريق المثابرة والاخلاص في النضال لكي يصبح قائدا، كذلك المثقف الذي يعتنق الماركسية ويصبح جزءا من الطبقة العاملة في النضال يجب ان يثبت اهليته لكي يكون قائدا في الحركة العمالية. وقد اثبت العديد من المثقفين وغير المثقفين من ابناء المراتب المتوسطة اهليتهم لحيازة القيادة في الحركات العمالية. فلا ماركس ولا لينين ولا غيرهما يستطيع ان يمنح القيادة للمثقفين او لغير المثقفين وحتى للعمال لان القيادة لا تمنح وانما تكتسب عن طريق النضال المثابر والمخلص لحركة الطبقة العاملة. وما حدث في الاحزاب الماركسية ليس منح قيادة العمال للمثقفين كما اشرت عزيزي القارئ وانما بلوغ المثقفين الذين اصبحوا جزءا من الطبقة العاملة في النضال الاقتصادي والسياسي والفكري الى القيادة عن طريق النضال. ويشهد التاريخ ان الاحزاب الماركسية كانت تتألف من اغلبية من المثقفين وكان هم القيادات المخلصة لهذه الاحزاب زيادة عدد العمال في القيادة عن طريق التوعية والمثابرة في تثقيف العمال وتوعيتهم بنظريتهم الماركسية ودفعهم الى المثابرة في النضال لبلوع المراكز القيادية في هذه الاحزاب. وقد كانت هذه المشكلة واضحة حتى في الحزب البلشفي الذي قاد العمال والفلاحين في الاطاحة بالراسمالية وبناء المجتمع الاشتراكي. واذا تتبعنا تاريخ الحزب البلشفي نلاحظ ان مناقشة مسألة زيادة نسبة العمال في الحزب على الفئات الاخرى من المجتمع كانت سائدة في جميع مراحل تطور الاتحاد السوفييتي الاشتراكي قبل استيلاء الزمرة الخروشوفية على الحزب.




https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن