التعليم الخصوصي واستباحة المشهد التعليمي

محمد الحنفي
sihanafi@gmail.com

2008 / 9 / 20

إن الاختيارات الرأسمالية والرأسمالية التبعية تقتضي تسليع كل شيء في هذا الكون، بما في ذلك الخدمات الاجتماعية، كالصحة، والتعليم، اللتين تسمان الحياة اليومية لمجموع المواطنين، والغاية المتوخاة من وراء ذلك، هي خلق شروط استنزاف ثروات الشعب المغربي لصالح كمشة من التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، الذي أخذ يستثمر الأموال التي نهبها من الشعب المغربي لصالح الرأسمال المحلي، والعالمي، في مجالي التعليم، والصحة، نظرا لحاجة الشعب الملحة إلى التعليم والصحة.

ولعل المجال الأكثر إلحاحا، والأكثر حضورا في الحياة اليومية، هو مجال التعليم، الذي يحتاج إليه أبناء الشعب المغربي، من أجل تأهيلهم لتحمل المسئولية في المستقبل.

وبما أن التعليم العمومي، في المغرب، أعلن إفلاسه بسبب إفراغ المدرسة العمومية من محتواها التربوي / التعليمي، والديمقراطي، والوطني، والمهني، والإنساني، فإن المجال صار فسيحا أمام التعليم الخصوصي في جميع أسلاك التعليم الذي وجه الرساميل الضخمة إلى هذا المجال، الذي أصبح مقصد الأسر الميسورة، التي تسعى بكل ما توفر لديها من إمكانيات، من أجل تحقيق التأهيل المناسب لأبنائها، ومن اجل ضمان استمرار التسلق الطبقي اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، ومدنيا، وسياسيا.

وحاجة الأسر الميسورة إلى التعليم الخصوصي، هي التي تجعل هذا النوع من التعليم في مركز اهتمام الدولة، التي صارت تقدم له المزيد من الامتيازات التي تمكنه من السيطرة على الساحة التعليمة، حيث يفرض أباب العمل في المدرسة الخصوصية، قيمة الخدمة التعليمية، التي تضاعف تراكم الرأسمال لديهم، في مقابل استنزاف جيوب الآباء، والأولياء، واستغلال خبرة أطر التعليم العمومي، الذين صاروا يتهاونون في أداء واجبهم التربوي / التعليمي في المدارس العمومية، مقابل جودة الأداء في المدارس الخصوصية.

فالتعليم الخصوصي، إذن، باعتباره تعليما نخبويا / طبقيا، استفرد بالاهتمام، وبجودة البضاعة التي يقدمها، وبارتباطه بالمؤسسات الإنتاجية التي يعد لها الأطر المناسبة لكل مؤسسة إنتاجية على حدة، خاصة، وأن البرامج المعتمدة في التعليم الخصوصي، هي برامج مختلفة، في معظمها، عن برامج التعليم العمومي، رغبة في التميز، وفي ربط الرأسمال المحلي بالرأسمال الأجنبي، عن طريق ربط التعليم الخصوصي المحلي بالتعليم الخصوصي الأجنبي، ومن أجل تأهيل المقاولة، حتى تصير أكثر مراكمة للثروات، وأكثر ارتباطا بالرأسمال الأجنبي.

وبذلك نجد أن مهمة التعليم الخصوصي تتمثل في:

1) احتكار بضاعة التعليم المناسبة للنمو الرأسمالي التبعي، حتى تبيعها لمن يرغب فيها، وبالقيمة التي يحددها أرباب المدارس، خدمة للرأسمال الخدماتي وللراسماليين الخدماتيين:

2) شراء ذمم المدرسين العاملين في التعليم العمومي، من ذوي الخبرات، حتى يلعبوا دورا مزدوجا: دور تخريب العملية التربوية التعليمية في المدرسة العمومية، وإفراغها من محتواها، ودور تقديم البضاعة الجيدة في المدرسة الخصوصية.

3) ربط التعليم الخصوصي بالعملية الإنتاجية الرأسمالية بتخصصاتها المختلفة، حتى تقوى على منافسة العمليات الإنتاجية الرأسمالية في البلدان ذات الأنظمة التابعة على الأقل.

4) ربط التعليم الخصوصي المحلي بالتعليم الخصوصي الأجنبي، مساهمة منه في تكريس التبعية القائمة على المستوى الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والإعلامي، والسياسي.

5) تكريس ارتباط الإنتاج المعرفي المحلي بالإنتاج المعرفي الأجنبي، مساهمة منه في قيام عولمة معرفية / تعليمية، كامتداد لقيام عولمة معرفية عامة.

وهذه المهمة المتعددة، والمختلفة، لا تنتج لنا إلا جعل التعليم الخصوصي حاضرا في اهتمام التلاميذ، كما في اهتمام الآباء، كما في اهتمام المسئولين على جميع المستويات، في الوقت الذي يتراجع فيه التعليم العمومي إلى الخلف، ليشكل مجرد وعاء لأبناء الشعب المغربي، الذين لا يجدون فيه ما يروى عطشهم، ولا يؤدي بهم إلا إلى الشارع، ليجدوا أنفسهم وجها لوجه مع المصير المظلم.

وإذا كانت جميع الطبقات الاجتماعية تسعى إلى تجديد نفسها، فإنه من الطبيعي، جدا، أن تسعى الطبقات الاجتماعية الميسورة إلى تجديد نفس الهياكل الاقتصادية، والاجتماعية القائمة، من أجل تأبيد الاستبداد القائم، فإن عملية إعادة الإنتاج تلك، لم تعد كافية في ظل الشروط القائمة، والتي تتميز بسيادة عولمة اقتصاد السوق، المعبرة عن قيام الرأسمالية بتطوير نفسها، لضمان تعميق سيطرتها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

وبما أن البورجوازية المحلية ترتبط ارتباطا عضويا بالرأسمالية العالمية بسبب التبعية، فإن هذه البورجوازية تجد نفسها مضطرة إلى تجديد نفسها، رغم أنها مؤصلة من الإقطاع المحلي، وآتية من ممارسة التهريب والاتجار في المخدرات، ومن الاحتكار، ومن استغلال النفوذ، ومن السطو على الموارد الجماعية. وأهم وسائل التجديد: التعليم الخصوصي، باعتباره تعليما طبقيا بامتياز، ومن منطلق أنه معنى بإنتاج الأطر البورجوازية، التي تعرف من أين توكل الكتف.

وتجديد البورجوازية المغربية لنفسها يقتضي منها إعداد أبنائها إعدادا جيدا، لاعن طريق المدرسة العمومية؛ لأن هذه المدرسة لم تعد تجدي شيئا، ولا تساهم إلا في إعادة إنتاج التخلف البورجوازي / الإقطاعي، الذي يلحق الضرر الكبير بالبورجوازية نفسها. بل عن طريق المدرسة الخصوصية، التي يمكن اعتبارها:

1) مدرسة النخبة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي عملت بطريقة مباشرة، وغير مباشرة، على تخريب المدرسة العمومية، بنهجها للاختيارات اللا ديمقراطية، واللا شعبية.

2) مدرسة تعتمد برامج مستوردة، لا علاقة لها بالبرامج المعتمدة في المدرسة العمومية، سعيا إلى تكريس التبعية المطلقة إلى الرأسمال العالمي المعولم، ومن أجل أن تصير البورجوازية المغربية المتجددة مستنسخة عن البورجوازية العالمية المتجددة.

3)مدرسة تهدف إلى إنتاج أطر تدرك جيدا: ما هي السبل التي يمكن أن تسلكها البورجوازية المغربية، لإحداث تراكم رأسمالي هائل، بعيدا عن الطرق التقليدية التي كانت تسلكها.

4) مدرسة تحقق ربط تعليم أبناء الطبقات البورجوازية الكبرى، والمتوسطة، بالتنمية الاقتصادية، والاجتماعية البورجوازية، في تجددها، حتى تضمن تجدد البورجوازية نفسها، تبعا للتجدد الذي تعرفه على المستوى العالمي.

5) إيهام جميع أفراد الشعب المغربي، أن التعليم الخصوصي هو السبيل المؤدي إلى الخروج من الأزمة التعليمية، التي يعيشها الشعب المغربي منذ حصوله على الاستقلال السياسي.

6) إقناع الشعب المغربي بموت المدرسة العمومية، كهدف أسمى، لما صار يعرف بالميثاق الوطني للتربية والتكوين.

وبهذه الامتيازات المكملة لبعضها البعض، والمتكاملة فيما بينها، يمكن القول: بأن القطع مع ماضي المدرسة العمومية صار ضروريا، وبأن هذا القطع صار وسيلة من الوسائل التي تؤدي إلى تسييد التعليم الخصوصي، باعتباره تعليما بديلا للتعليم العمومي، الذي لم يعد يتتبع إلا خريجين يجدون شبع البطالة أمامهم، بمن فيهم حاملو شهادة الدكتوراه في مختلف التخصصات.

فما الذي جعل التعليم الخصوصي بهذه الأهمية؟

وما هي الأسباب التي أدت إلى ذلك؟

ولماذا تراجعت أهمية التعليم العمومي؟

وما نتائج الاهتمام بالتعليم الخصوصي؟

وما نتائج تراجع التعليم العمومي؟

وهل يمكن ان تستعيد المدرسة العمومية مكانتها في ظل تهافت الرأسمال العمومي المحلي، والعالمي على الاستثمار في هذا المجال؟

وما هي الخلاصة التي يمكن أن نستنتجها من وراء كل ذلك؟

إن التعليم الخصوصي حظي بهذه الأهمية لكونه:

1) موجها لطبقة معينة تتكدس لديها ثروات هائلة نهبتها من ثروات الشعب المغربي بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة.
2) يخدم مصالح هذه الطبقة على المدى المتوسط والبعيد.

3) يساهم في إعادة إنتاج هذه الطبقة.

4) يعمل على تجديد آليات التراكم الرأسمالي.

5) يشكل بديلا للتعليم العمومي الموجه إلى جميع أبناء الشعب المغربي.

6) يعتمد في تكريس التفاوت الطبقي الصارخ.

ولذلك يمكن اعتبار تلك الأهمية بمثابة نتيجة، وليست سببا.

والأسباب التي أدت إلى حضور أهمية التعليم الخصوصي على جميع المستويات، تتمثل في:

1) اختلال التوازن الاقتصادي، لصالح كمشة قليلة من المجتمع، والتي تتشكل منها الطبقات المستبدة بالثروات الهائلة.

2) إنضاج الشروط الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية المؤدية إلى حضور أهمية التعليم الخصوصي.

3) بروز أهمية تكثيف المعرفة في إنتاج البضائع المتقدمة، والمتطورة.

4) عولمة البضائع المرتكزة على تكثيف المعرفة في الإنتاج.

5) تطور وسائل الإنتاج الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي.

6) التطور الحاصل في وسائل الاتصال، التي تفرض وجود مؤهلات معرفية متطورة.

7) اعتماد الإنتاج على التقنيات الإلكترونية المتقدمة؟

وبالنسبة لتراجع أهمية التعليم العمومي، فإننا نجد أن ذلك التراجع نتيجة ل:

1) الاختيارات الرأسمالية التبعية الساعية إلى خوصصة الخدمات العمومية.

2)غياب الديمقراطية المترتبة عن قيام دستور ديمقراطي، لا يضمن سيادة الشعب على نفسه.

3) عدم التفكير في إيجاد حلول للمشاكل المستعصية، التي يعاني منها الشعب المغربي، والتي يوجد من بينها المشكل التعليمي.

4) السكوت عن بيع الحصص الخصوصية إلى أبناء الأسر الميسورة، تلك الحصص التي تعتبر بمثابة إرشاء لعديمي الضمير من نساء، ورجال التعليم، وارتشاء من قبلهم، مما جعل التعليم العمومي بدوره مجالا لسيادة الرشوة، والمحسوبية، والزبونية، وغيرها من الممارسات التي أفسدت المدرسة العمومية.

5) طبيعة البرامج الدراسية التي تعتمد على الكم، بدل الاعتماد على الحيف، مما يثقل كاهل المدرس، والتلميذ في نفس الوقت.

6) طبيعة التقويم السائد في مختلف المستويات، والذي يغيب فيه اعتماد تقويم القدرات، والمهارات، وفي جميع التخصصات، وجميع الأسلاك.

7) قيام المدرسة الخصوصية، إلى جانب المدرسة العمومية، واختلاف جودة الأداء فيها عنه في المدرسة العمومية، التي تعرف تردي هذا الأداء، وارتفاع مردودية المدرسة الخصوصية، وتدني هذه المردودية في المدرسة العمومية.

8) عدم ارتباط المدرسة العمومية بالتنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، في الوقت الذي تسعى فيه المدرسة الخصوصية إلى ذلك ما أمكن.

ونظرا للاهتمام المتزايد بالتعليم الخصوصي، فان هذا الاهتمام أدى إلى النتائج التالية:

1) اعتبار التعليم الخصوصي مجالا للاستثمار الواسع، وفي جميع المستويات التعليمية.

2) وقوف التعليم الخصوصي وراء خدمة مصالح البورجوازية التابعة، ووراء خدمة المصالح الرأسمالية العالمية.

3) حضور الاهتمام بالتعليم الخصوصي في سلوك، ووجدان الطبقات البورجوازية: الكبرى، والمتوسطة.

4) سعة آفاق التعليم الخصوصي الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.

5) تكريس تسليع التعليم، وتسليع جودته ومردوديته.

6) تأهيل أبناء الطبقة البورجوازية، والبورجوازية التابعة، إلى تحمل المسئولية، لإعادة إنتاج نفس الطبقة، وتجددها.

7) تعميق ارتباط الاقتصاد المحلي بالاقتصاد الرأسمالي العالمي.

8) تعميق تبعية التعليم المحلي بالتعليم في البلدان الرأسمالية المتقدمة.

وهذه النتائج، وغيرها، لا يمكن أن تعكس إلا نتائج تردي، وتراجع التعليم العمومي المتمثلة في:

1) فشل استثمار الدولة في التعليم العمومي، نظرا لإفراغ المدرسة العمومية من محتواها.

2) عدم قيام التعليم العمومي بخدمة مصالح الشعب المغربي، نظرا لكونه يدخل ضمن الاختيارات اللا ديمقراطية واللا شعبية.

3) عدم حضور الاهتمام بالتعليم العمومي في سلوك، ووجدان الشعب المغربي، كما يحضر الاهتمام بالتعليم الخصوصي في وجدان وسلوك الطبقات البورجوازية الكبرى، والمتوسطة.

4) محدودية آفاق التعليم العمومي الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، إن لم تكن منعدمة.

5) اتخاذ التعليم العمومي مطية لتسليع التعليم عن طريق ازدهار بيع الحصص التعليمية إلى أبناء الأسر الميسورة.

6) عدم تأهيل أبناء الكادحين لتحمل المسئوليات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، مما يجعل مصيرهم مجهولا.

7) تكريس تبعية الاقتصاد المحلي للاقتصاد الرأسمالي العالمي.

8) تكريس تبعية المدرسة العمومية للنظم التعليمية في البلدان الرأسمالية، عن طريق اتخاذ المدرسة العمومية منطلقا لتبضيع الخدمة التعليمية.

وانطلاقا من هذه النتائج المتناقضة، فإن استرجاع المدرسة العمومية لمكانتها، وبسبب ازدياد أهمية المدرسة الخصوصية، صار من باب المستحيلات، مما يؤدي إلى قيام الطبقة الحاكمة بالتخلي، وبصفة نهائية عن المدرسة لعمومية، من أجل توفير الإمكانيات الضخمة، التي تهدر من أجلها وبدون مردودية.

وما يمكن أن نستنتجه من وراء كل ذلك:

1) أن المدرسة الخصوصية هي التي صارت محط اهتمام الطبقات الميسورة، والمتوسطة، ومحط اهتمام المسئولين في نفس الوقت.

2) أن تردي التعليم العمومي في المدرسة العمومية يرشحها إلى الزوال.

3) أن الشعب المغربي لم يعد يهتم، كما كان، بالمدرسة العمومية، التي صارت لا تنتج إلا البطالة.

4) أن منهجية الطبقة الحاكمة تسير في اتجاه إقناع الشعب المغربي، بضرورة التخلص من المدرسة العمومية.

5) أن عديمي الضمير من المدرسات، والمدرسين، صاروا يلعبون دورا كبيرا في إفراغ المدرسة العمومية من محتواها، في الوقت الذي يرفعون فيه من جودة، ومردودية المدرسة الخصوصية.

وهذه الاستنتاجات / الخلاصات هي التي تفرض إعادة النظر في الممارسة التربوية / التعليمية / التعليمية في بلادنا، من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن