مكامن الفتنة الطائفية مازالت مُتّقِدَة تحت رماد إستقرار كاذب!

حسين الحسيني
itjahathurra@yahoo.com

2008 / 9 / 14

لا أحد يتمنى الحرب الاهلية والاقتتال الطائفي، ولا عاقل يدعو لذلك، خاصة وأن العراق عاش أجواء الفتنة والأقتتال الطائفيين عام 2006، بشكل ما، عقب فتنة تفجير مرقدي سامراء، تلك الجريمة اللعينة مجهولة الفاعلين، لكنها معروفة المخططين ومن لهم مصلحة فيها، وكم من مرة إدعت الحكومة أنها قبضت على المنفذين لكن سرعان مايذهب الخبر أدراج الرياح كواحد من الأكاذيب التي لا حقيقة ولا مصداقية لها، مثل آلاف الجرائم التي تقع كل يوم وتقيد ضد (مجهول)!.. فأحداث فتنة 2006 مرشحة للعودة بشكل أبشع لأن عواملها وشخوصها مازالت تنشد هل من مزيد والمتعطشون لها لم يرتووا بعد!
لست متشائما، وأدرك جيدا معنى الحرب الأهلية والفتنة العمياء، لكن علامات ودلائل كثيرة للأسف تجعلني أكاد أجزم أن الفتنة التي أخمدت لفترة ما، بتراب أكذوبة الإستقرار الأمني، مازالت نارها متقدة وقابلة للأشتعال من بين الرماد، ومن تحت التراب الهش..المتطاير!
وحين تعلن الحكومة، أو قوات الإحتلال أن تحسنا حصل في الوضع الأمني في العراق، وفقا لمؤشرات تراها الحكومة او القوات الامريكية انها تعني (التحسن) هي في حقيقتها (علامات توقف وقتية ووهمية) وكما تكتب الميليشيات على الجدران في الكثير من شوارع بغداد ومدن العراق (...فاصل ثم نواصل!)، وحين تأتينا الأخبار من إيران أن عناصر قيادية من ميليشيات وفرق الموت الهاربة إليها، تتهيأ للعودة إلى العراق بعد أن أتمت تدريباتها لدى فيلق قدس الفتنة وغيره من المنظمات الإرهابية الأيرانية، تلك القوى التي كانت وما زالت وستبقى تضمر الشر والسوء للعراق، وتعتزم العودة لتكملة مسلسل الموت والتصفيات وحرق العوائل وهدم المساجد والدور.. فإن كل كلام عن إستقرار أمني في العراق هو ضرب من الخيال المريض! مريض الوهم، أو من مختلقات "إشاعات الأمل والرجاء"!..
الحكومة قامت بحملات عسكرية في البصرة والموصل وديالى تحت تسميات طنانة وهالة إعلامية ضخمة، ربما أتت أكلها في مناطق محددة، في تقليم أظافر فرق الموت، وإرهابيي القاعدة، لكنها لم تتمكن من القضاء عليهم وإجتثاث شرورهم، ولازالوا موجودين وفعالين.
ومن المؤسف أن الحكومة لم تستطع أن تثبت حياديتها، وكونها حكومة لكل العراقيين وليست حكومة طائفة دون أخرى، فما زالت الطائفية تتحكم في معظم مفاصل الدولة، وما زالت قوات وزارة الداخلية معبأة بالآلاف من عناصر الميليشيات التي تأتمر بأوامر الميليشيات وليس بأوامر الوزارة، وهؤلاء يشكلون قنابل موقوتة قابلة للأنفجار في كل وقت، والعناصر التي أسمتها وزارة الداخلية (غير منضبطة) وتقصد بها عناصر جيش المهدي التي تم عزلها وطردها من صفوف الشرطة وألوية الداخلية، وقيل أن أعدادها بلغت (35) ألفا، دون أن تتخذ الوزارة أية إجراءات قانونية ضدهم لمحاسبتهم عن عصيان الأوامر، والأنتماء لمنظمات إرهابية محظورة، إكتفت بتسريحهم وسرعان ماتلقفتهم تنظيماتهم الأصلية (جيش المهدي) بالرعاية والرواتب المجزية التي تعوضهم عن ضيم الداخلية، وبدلا من أن يقوموا بجرائمهم تحت غطاء وأزياء الشرطة صاروا ينفذونها بالملابس السود، ولا فرق لديهم مادام المورد المالي مستمر.. والحماية مكفولة لهم من جيش المهدي!.. وهؤلاء هم الذين مازالوا يهددون الأحياء والمناطق بعبارات (فاصل ثم نواصل!). أما عناصر فيلق بدر التي تم زجها بأوامر رسمية ضمن تشكيلات وزارتي الدفاع والداخلية، فخهم أيضا قنابل موقوتة مهيئة للانفجار في أي لحظة للانطلاق في إرتكاب جرائم طائفية دموية!
أما عن الاستقرار الكاذب المزعوم في أحياء بغداد، فهو إستقرار مبني على جدران الأسمنت العازل التي حولت أحياء بغداد الى كانتونات مغلقة، لا يتم الدخول والخروج اليها إلا من خلال هويات تعريفية طائفية، فإبن الكاظمية لايمكن له أن يدخل المنصور، ولا إبن الكرخ يسمح له بدخول الثورة.. وهكذا تحولت أحياء بغداد إلى سجون ومعتقلات خانقة، والخطر فيها جاهز في أي وقت يتم فيه رفع هذه الجدران اتعود التصفيات الدموية!..
ثم مأساة المرحلين الذين تركوا دورهم جبرا من قبل الميليشيات ولم يسمح لهم بأخذ أي حاجة من دورهم، وعاشوا عامين من العناء والهم والحزن والرعب، في مخيمات للنازحين لاتتوفر فيها أبسط معاني ومستلزمات الحياة الكريمة، والمحظوظ فيهم من تمكن من إستئجار دار في حي آخر يتوافق مع طائفته! أو من هاجر خارج العراق، عدا منهم من قاربت مدخراته على النفاد!.. تلك هي مأساة العراقيين الذين تروج الحكومة أكذوبة عودة الأستقرار الأمني!
عناصر الصحوة الذين تجاوز عددهم المائة وخمسين ألفا، والذين عاونوا الحكومة في طرد القاعدة من مدنهم وقراهم، يتعرضون اليوم الى حملة ملاحقة شرسة لهم من قبل القوات الحكومية الطائفية بعد أن إستنفذت غرضها القوات الامريكية منهم وتركتهم تحت رحمة الحكومة، وهاهي الحكومة ترفض ضمهم في الشرطة والجيش (كما وعدتهم سابقا) تحت ذرائع واهية يشم منها رائحة النفس الطائفي وعدم الرغبة في تخريب معادلة بناء القوات الأمنية التي تريدها الحكومة محسومة الولاء الطائفي لطائفة معينة دون غيرها. وعناصر الصحوة هؤلاء يهددون بأنهم سيعودون إلى المقاومة والتمرد على الحكومة إن هي إستمرت في تجاهل مطلبهم بإدماجهم في القوات الأمنية والجيش. وطلع علينا ممثلو التيار الصدري ليعلنوا رفضهم إدماج الصحوات في الجيش والشرطة، لدوافع لاتخلو من النفس الطائفي المقيت، أما عصابات "القاعدة" التي تدعي الحكومة والقوات الامريكية انها باتت ضعيفة، فهي بين الحين والحين تنفذ عمليات معينة لتثبت أنها ما زالت موجودة!
وسط كل هذه الأجواء، وتلميحات الأميركان الى احتمالات تخفيض عديدهم في العراق وانسحابهم من المدن وتسليم الملفات الأمنية الى قوات الحكومة (المشبعة بالميليشيات الطائفية)، كلها علامات بل دلائل على أن القادم هو الأسوأ، وأن الأستقرار ما هو إلا أكذوبة، وأن فرق الموت عائدة، والفتنة الطائفية ما زالت تتقد ويسهم السياسيون المصلحيون في نفخ نارها من تحت رماد الاستقرار الهش الكاذب..
وإنا لله وإنا إليه راجعون!



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن