القضاء، أي استقلالية نريد؟

محمد باليزيد

2008 / 9 / 14

حول قضية محمد الراجي،المدون المغربي الذي حكم عليه بسنتين حبسا نافذا بتهمة عدم احترام الملك، أجرت جريدة "المساء" المغربية حوارا مع المحامي محمد اعشابو نشرته بتاريخ 10-09-2008 تحت عنوان: "الملك لن يرضى بإدانة الراجي." وعن السؤال:"كيف مست هذه المحاكمة صورة حرية الرأي والتعبير بالمغرب؟" أجاب: "للأسف، الحكم يعيد المغرب إلى ماضيه سواء بالعقوبة أو بظروف المحاكمة. ..تقارير المنظمات الحقوقية حول حرية الرأي بالمغرب كشفت عن إشكالية خطيرة بدأتها مؤخرا الغرامات الثقيلة في حق عدد من الصحف وهي أحكام لا تتماشى مع توجهات الملك الذي يسعى إلى توسيع نطاق الحرية وإشراك مكونات المجتمع المغربي في اتخاذ لقرارات. في اعتقادي لن يرضى الملك بصدور هذا الحكم لأنه ملك ولد في صلب الحداثة ومؤمن بقيم الانفتاح."
سنتناول هنا معنى توجيه الكلام للملك ولو بشكل غير مباشر. أولا نلاحظ أنه بمثل هذا الأسلوب نوجه المسؤولية، ولو بأسلوب مؤدب، إلى الملك. فحين نقول: "الملك لن يرضى.." معناه أنه إذا علم به عليه أن يتدخل. فهي إذن دعوة، استعطاف، من أجل التدخل. وها نحن نضرب مبدأ استقلالية القضاء بأيدينا. لأننا نأمل في التغاضي عن عدم الاستقلالية إذا أردنا رفع ظلم مستعجلا. وهذا مبدئيا غير مقبول. يجب أن تحال إلى القضاء نفسه حتى التظلمات(1) المستعجلة.
ونحن لم نكن لنتحدث عن هذه القضية من هذا المنطلق لو أنها مسألة نادرة ومعزولة. لكن المشكل أن التعاطي مع القضاء بهذا الشكل في الإعلام وغيره أصبح سائدا. وسنتشهد بمثال ، واحدا فقط كي لا نغرق في الأمثلة فالمهم هو جوهر القضية، إعلامي آخر على هذا النهج. في جريدة "الوطن" المغربية عدد 278 بتاريخ 09-02-2008 نشر مقال بعنوان: "هل سيدوس الجنرال على حكم باسم الملك؟" القضية هنا التي صدر فيها الحكم لا تعنينا. من المعروف أن جميع الأحكام يبدأ القاضي عند النطق بها قائلا: "باسم جلالة الملك حكمت المحكمة..." وقد أشار عدد من المواطنين المهتمين وذي الاختصاص، الراغبين في إصلاح أمور هذا الوطن، إلى ضرورة التخلي عن تلك المقدمة في النطق بالحكم لأنها تعني من بين ما تعني تحميل جلالة الملك أخطاء جميع القضاة المغاربة في جميع القضايا. سواء القضايا التي يحكم فيها القاضي بتعليمات لأنها تمس سياسة الدولة أو تك التي لا تعني سوى الأشخاص في ما بينهم والتي يمكن أن يحكم فيها القاضي حسب "مسطرة جيبه" وليس حسب المسطرة القانونية أو حتى الأخطاء التي يرتكبها القضاة من غير قصد إما لقلة خبرة أو لقلة المعلومات في الملف المطروح للحكم. كل الأحكام إذن تصدر باسم الملك. ولهذا فإن هذا العنوان: "هل سيدوس الجنرال على حكم باسم الملك؟" له معاني ومستتبعات لم يضعها، على ما أعتقد، كاتب المقال بالحسبان. فمن جهة إن كل من تمرد عن حكم قضائي، ولو كان رجلا بسيطا سرق خبزة فحكم بمدة قصيرة وهرب من السجن أو عائلة فقيرة حكم عيها بإفراغ محل سكناها، لأن مالك العقار رفع دعوى بذلك القصد، ولم تستطع فعل ذلك طواعية لأنها ليس أمامها سوى الشارع... كل هذا وذاك سوف يحسب ممن "داس على حكم باسم الملك"!! وسيجتهد القضاء، إن كان هناك مَن مِن مصلحته تحريك المسطرة ورفع دعوى بهذا المضمون، والمحسنون غير قليلين، سيجتهد القضاء المعروف بعدم تسامحه في هذا المجال ويثبت التهمة، إهانة الملك، على صاحبها ما دام قد "داس على حكم باسم الملك" ويحكم عليه بسنوات من السجن. من جهة أخرى أن كل ذي حس ولو بسيط سيشم في هذا العنوان رائحة معناها أن الجنرال، لأنه من كبار القوم، لا نستطيع أن نجابهه بتهمة عدم الانصياع للقانون وحكم القضاء لأنه في مركز من "لا يحسب للقضاء حسابا" وأنه ليس أمامنا، لإرغامه على "احترام القانون!" "ككل المواطنين" سوى أن نهدده بأنه بفعله، المنتظر، ذاك سيكون قد أهان الملك بشكل من الأشكال وله الاختيار! من جهة أخرى إن الأسلوب، كما أشرنا سابقا، فيه دعوة للملك كي يتدخل إذا، لا قدر الله، ركب الجنرال رأسه و"داس على حكم باسم الملك". وهنا ضرب لجوهر استقلال القضاء.
نعم، على الكل أن يحترم القضاء كبارا وصغارا وعلى الإعلام أن يندد بصوت عال بكل "مسؤول كبير" أوهمه غروره، والواقع، أنه في مركز يستطيع معه عدم احترام القضاء. وعلى الشعب، مثقفين وسياسيين وبالخصوص هيئة القضاء والدفاع الشرفاء وعامة الشعب محاربة تلك الظاهرة، عدم احترام القضاء ومعها بالمقابل عدم استقلالية القضاء، إن استفحلت ولم تعد تقتصر على حالات نادرة، بكل الوسائل السياسية والمدنية بما في ذلك النزول إلى الشارع بشكل تنظيمي ومسؤول. إن عجز المجتمع المدني عن مهمة تنظيم الشعب وراءه تنظيما سياسيا متحضرا من أجل محاربة كل مظاهر الفساد في الدولة والمجتمع، إن هذا العجز لا يبرر لجوءنا إلى أساليب من شأنها زيادة خلط الأوراق وتقهقر قيمنا وقوانيننا دون أن نقصد. في مثل قضية محمد الراجي التي يقول بعض الإعلام والحقوقيين أن فيها كل ما يشوب المحاكمات السياسية من عدم نزاهة نقول أنه على الإعلام ورجال القانون أن ينددوا بذلك بصوت عال. من المفروض ومن الطبيعي أن يتضمن القانون والدستور المغربي فصولا تمنع إهانة الأشخاص. لكن هذه الإهانة يجب أن تحدد بوضوح وأن تشمل فقط المسائل الشخصية وليس المسائل السياسية. فأن نقول مثلا أن برلمانيا أو رئيس حزب يتبع سياسة فاشلة وغير واقعية أو أنه ديماغوجي... إلى غير ما هناك من الأوصاف السياسية، أعتقد أن هذا ليس إهانة تستوجب متابعة قانونية لأن مثل هذا الكلام يدخل في حرية نقاش الأطروحات والسلوكات والأفعال السياسية.
1) نشير هنا إلى وجود ما يسمى في المغرب بديوان المظالم. هذه الهيئة التي يلجأ إليها كل ذي تظلم لرفع الظلم عنه. طبعا ممن يئس من طريق القضاء أو من ارتآى أن قضيته "لا يلائمها القضاء." هنا إذن نتساءل:" أليس القضاء هو الجهاز الوحيد الذي يرفع الظلم عن المظلومين كيف ما كانت طبيعتهم وطبيعة قضيتهم في الدول المتقدمة؟ ألا يعني وجود هيئة تعمل بالموازاة مع القضاء، وفي استقلالية عنه، أن القضاء أريد له أن يبقى ناقصا؟



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن