النفط السوداني:الشركات متعددة الجنسية وصراع المصالح

تاج السر عثمان
alsirbabo@yahoo.co.uk

2008 / 9 / 13

بعد العام 1992م دخلت شركات صينية وماليزية وكندية ومن دول الخليج وسويسرية ونمساوية في مجال التنقيب عن البترول والإنتاج، وفي نهاية عام 1996م وبداية عام 1997م تجمع كونسورتيوم (GNPOC) وأعطى الامتياز ليغطي القطع 2، 1، 4 حسب النسبة المبينة أمام كل شركة
1- شركة استيت (قبل بيع الأسهم لشركة تلسمان الكندية) 25%.
2- الشركة الوطنية الصينية للبترول CNPC 40%.
3- بتروناس الماليزية 30%.
4- سودابت (حكومة السودان) 5%.
كما تجمع كونسورتيوم لتطوير القطعة 5 أ في منطقة السدود في جنوب السودان بجوار حقل الوحدة ووقعت الاتفاقية مع حكومة السودان في فبراير 1997م، وكانت الشركات المساهمة هي :
- شركة لوندين السويدية 40.37%.
- الشركة النمساوية (OMV) 26.13%.
- بتروناس الماليزية 28.50%.
- سودابت (حكومة السودان) 5%.
ومن أهم النقاط في اتفاقيات النفط أنه عندما تصل الشركة إلى مرحلة الإنتاج تبدأ في استعادة مصاريفها ماعدا مصاريف الخدمات الاجتماعية التي صرفت خلال مرحلة الاستكشاف بنسبة من الإنتاج الكلي السنوي من النفط والغاز تتراوح بين 30 – 40% وقد تزيد وتنقص هذه النسبة وتسمى بـ (التكلفة)، أما النفط المتبقي من الإنتاج الكلي، بعد أن تأخذ الشركة زيت التكلفة يقسم بين الحكومة بمتوسط 70% للسودان و 30% للشركة قابلة للزيادة أو النقصان، وبزيادة الإنتاج ومرور الزمن تزيد نسبة الحكومة منه وتقل نسبة الشركة تدريجياً حتى تصل إلى مرحلة يملك السودان الإنتاج بنسبة 100% وتحدد الفترة (التقرير الاستراتيجي 1999/2000).
وقبل توقيع اتفاقية السلام كانت الحكومة الأمريكية تنتقد الحكومة السودانية والشركات العاملة في التنقيب عن البترول، بحجة أن عائد البترول يذهب للمجهود الحربي للحكومة على سبيل المثال ورد في صحيفة "الرأي العام" بتاريخ السبت: 26/4/2003م، استعراضا للأستاذ/ السر سيد أحمد لتقرير وزارة الخارجية الأمريكية الذي تناول الشأن النفطي في السودان، أشار التقرير إلى أن الإنتاج النفطي في تصاعد مستمر، وأنه في المتوسط بلغ خلال العام الماضي 240.436 برميلاً في العام ليرتفع إلى (244.604) برميلا في الربع الأخير من العام الماضي وذلك بسبب إضراب عمال النفط في فنزويلا والوضع في العراق وأنه بإضافة إنتاج كميات صغيرة من مربع (3)، (6), فإن الإنتاج ربما يكون قد وصل إلى 250 ألف برميل يومياً وشهد السعر ارتفاعاً عاكساً لحالة الاضطراب التي عاشتها السوق النفطية. وبلغ سعر البرميل من مزيج النيل خلال العام الماضي 29.50 دولاراً، ويقدر التقرير أنه بسبب زيادة الإنتاج وارتفاع الأسعار متزامناً مع تقلص كلفة تطوير الحقول، فإن الخزينة الحكومية يمكن أن تكون قد حصلت على 800 مليون دولار في فترة الأشهر الستة المنتهية في مارس الماضي، وينقل التقرير عن الحكومة قولها أنها تضع العائدات تحت إشراف بنك السودان، ومضيفاً أن عائدات النفط أصبحت تحتل مكانة متعاظمة في جانب الإيرادات، كما أن الزيادات في العائدات صحبها زيادة في الإنفاق العسكري يعبر عنه ظهور طائرات هيلوكبتر عسكرية لم تكن موجودة من قبل على الساحة، وأسهمت هذه الأسلحة الجديدة في تغيير بعض التكتيكات، إذا توقف القصف الجوي للمدينة عبر الطائرات ذات الأجنحة الثابتة، كما كان يحدث في السابق، وأصبحت طائرات الهيلوكبتر تقدم المعاونة اللازمة في العمليات العسكرية" ومثال آخر للصراع جاء في صحيفة الأيام بتاريخ: 10/11/2002م" في فينا (النمسا) هاجم القس الأب جوزيف أبا قابيت فاس المسئول عن ابرشية طمبرة / يامبيو في غرب الاستوائية الذي عقد مؤتمراً صحفياًَ بالآتي:
- مناشدة شركات البترول العالمية العاملة في السودان مغادرته فوراً، وعدم العودة إليه إلا بعد أن يتم التوصل إلى اتفاقية سلام لأن عائدات البترول تستغل في شن الحرب ضد الجنوبيين.
- أموال البترول تذهب لتمويل شراء الطائرات الحربية التي تقصف مناطق المدنيين المسيحيين مضيفاًَ أن السودان بيني الآن خطاً حديدياً لنقل النفط ليرفع طاقته إلى 400 ألف برميل في اليوم، مما يعنى أنه سيضاعف دخله، وبالتالي تضاعف الأموال المتاحة للحكومة لشراء الأسلحة لضرب المسيحيين في الجنوب وتشريدهم".
وكان من نتائج هذه الضغوط أن انسحبت شركة أراكس الكندية من السودان وحلت محلها شركة تلسمان الكندية، أما شركة تلسمان فقد وجهت لها اتهامات من منظمات حقوق الإنسان بأنها: سمحت للطائرات الحربية للجيش السوداني باستخدام مطاراتها في حقول البترول، كما أنها نقلت (عبر طرف ثالث) شاحنات وقطع غيار لحكومة السودان من السوق الأسود في بلغاريا، وكان من نتائج هذه الضغوط على شركة تلسمان أن انسحبت من الاستثمار في النفط السوداني، وقامت شركة البترول والغاز الطبيعي الهندية بشراء حصة تلسمان من مشروع البترول السوداني والبالغ 25% وبصفقة بلغت 750 مليون دولار (الأيام: 13/11/2002م).
ومن الأمثلة للصراع بين الشركات: ما جاء في صحيفة الأيام بتاريخ 6/11/2002م وتحت عنوان (البرلمان يفتح ملف البترول) أشار جار النبي إلى الآتي:
- العقود التي وقعتها الوزارة مع الشركات فيها قصور يلحق إجحافاً بحق السودان.
- الوزارة (وزارة الطاقة) لا تتعامل بالشفافية والشورى والديمقراطية ولاتهتم بآراء الآخرين لتستفيد منها في هذا المجال.
- الوزارة تتحامل على الشركات الوطنية فكيف تريد أن تقيم صناعة استراتيجية حساسة دون إعطاء الشركات الوطنية الخاصة فرصتها وقال إن مصفاته (كونكورب) لاتمدها الوزارة باحتياجاتها بينما تعطي الخام للشركات الأخرى.
- الشركات الأجنبية تبالغ في أسعار المعدات وتحصل على أموال لاتستحقها.
- إن مصفاة الجيلي مستعملة وأسعارها مبالغ فيها.
والجدير بالذكر أن محمد عبد الله جار النبي هو مدير شركة كونكورب للبترول وبائع اسهم شركة شيفرون لصالح حكومة السودان.
أما وزير الطاقة د. عوض الجاز فقد نفى ذلك وأشار إلى الآتي:
- 25 شركة وطنية تعمل في مجال البترول.
- العمالة السودانية في البترول 75%.
- حجم المنتج من البترول حاليا بين 235 – 250 ألف برميل. كما جاء في الأيام بتاريخ الأحد 10/11/2002م، المعلومات الآتية عن البترول:
- عدد حقول البترول التي يستمر العمل فيها في الوقت الحاضر (6)، ولكن الحقل المنتج حالياً واحد هو حقل (هجليج) ، وأن حقل الفولة الذي منح للشركة الصينية سينضم إليه كحقل منتج في العام القادم، إضافة لذلك، فإن المسوحات الجيولوجية أثبتت أن هناك أربعة حقولاً بترولية في مختلف ولايات السودان ولم يتم التعامل معها بعد.
- مايتم تكريره يومياً يبلغ واحد وستين ألف برميل يتم تكريرها في ثلاثة مصافي كما يلي:-
- خمسون ألف برميل بمصفاة الجيلي.
- عشرة آ لاف بمصفاة الأبيض.
- ألف برميل بمصفاة أبو جابرة.
- عائدات الدولة من البترول 40% من إيرادات الميزانية.
- عدد الشركات الأجنبية العاملة في حقول البترول تسع وهي من جنسيات مختلفة، وأن الشركات الوطنية العاملة ثلاث شركات .
ومن الأمثلة على الصراع بين الشركات ما جاء في الانباء "أصدرت بورصة لندن قراراً بوقف تداول أسهم شركة وايت نايل للمرة الثانية خلال ثلاثة أشهر وذلك بعد أن فشلت الشركة في تقديم ما يثبت التعاقد بينها وبين حكومة جنوب السودان، يذكر أن شركة وايت نايل تتنازع مع شركة توتال على حقول التنقيب في البلوك (B) (الأيام: 30/5/2005)".
ومعلوم أن شركة توتال الفرنسية بدأت أنشطتها منذ العام 1980م ويشير مدير شركات توتال جين فرنسوا : إلى أنه فيما يتعلق ببلوك (ب)، تتولى شركة توتال إدارة عمل شركة مشتركة تضم شركات نفطية من أوربا والولايات المتحدة عبر شركة مارتوان والشرق الأوسط من خلال الشركة الكويتية للتنقيب عن النفط، في الخارج الكويتية ومن أفريقيا بمساهمة شركة سودابت، مما يجعل من هذا الاستثمار في بلوك (ب) استثماراً دولياً متعدد الأطراف، وستعمل هذه الشركات معاً".
وحول الصراع مع شركة وايت نايل يقول فرنسوا "لم توقع شركة وايت نايل أي عقد على الإطلاق، ولوقت طويل لم تكن شركة وايت نايل قادرة على تقديم أي وثيقة تثبت واقعية حقوقها" (الأيام: 30/5/2005م)، والجدير بالذكر أن الحركة الشعبية كانت قد وقعت اتفاقاً مع شركة النيل الأبيض البريطانية للتنقيب عن النفط في الجنوب ببلوك (ب) وهي منطقة امتياز لشركة توتال الفرنسية. الصراع بين الحكومة والحركة الشعبية حول هذه القضية ربما يؤدي إلى فشل اتفاقية السلام .
وفي صراع المصالح بين الشركات متعددة الجنسية نشير إلى أن دول الاتحاد الأوروبي وكندا تبحث عن أسواق لتنشيط صادراتها واستثماراتها، فضلاً عن أنها ترى أحقيتها بالسوق السوداني أكثر من الصين ودول جنوب شرق آسيا ورأس المال الإسلامي العالمي (دورة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، أغسطس 2001م) كما ترى أمريكا أحقيتها على البترول السوداني الذي تم اكتشافه على يد شركة شيفرون الأمريكية.
وبعد توقيع اتفاقية السلام في نيفاشا في 9/1/2005م من المتوقع أن تتدفق شركات البترول للاستثمار في السودان، على سبيل المثال جاء في صحيفة الأيام بتاريخ 29/5/2005م ما يلي "أجرى وزير الطاقة د. عوض أحمد الجاز مباحثات أمس مع مجموعة شركات (SKM) العالمية العاملة في مجال صناعة البترول والصناعات الأخرى التي أبدت رغبة قوية للاستثمار النفطي في البلاد، وضمت مباحثات حول إمكانية ولوج الشركة مجال الاستثمار النفطي في السودان خاصة في مجال الاستكشاف وخدمات البترول المختلفة، وقال عضو الوفد ومدير شركة الفوزين كيكابي العالمية المحدودة، الدكتور راشد على أن نسبة الشعور بالأمان والاطمئنان في الخرطوم تعتبر أعلى بكثير من العديد من العواصم الأخرى وهو الأمر الذي دفعنا إلى التعجيل بفتح مكتب لنا في الخرطوم، يذكر أن مجموعة شركات SKM لها مكاتب في كل من الولايات المتحدة، عمان، كندا والهند.
الشاهد مما سبق عرضه أن هناك شركات متعددة الجنسيات تعمل في الاستثمار النفطي في السودان، ومن المهم أن يعمل السودان على استغلال موارده الطبيعية مثل البترول بما يلبي احتياجات شعبه في التعليم والصحة والخدمات وتطوير الإنتاج الزراعي والصناعي والحيواني، وهذا يتطلب شروطا أفضل في التعاقد مع الشركات العاملة في النفط في السودان و بما يحافظ على التوازن البيئي والسيادة الوطنية.
ويجب وقف تدمير الغابات وأبادتها كما هو جاري الآن في مناطق البترول (راجع على سبيل المثال التحقيق الصحفي الذي أعده الأستاذ/ هارون محمد آدم حول مجازر الغابات بولايات الوحدة وكردفان والنيل الأبيض والذي نشر بصحيفة الرأي العام على ثلاث حلقات بدأت في 22/5/2005م، وانتهت في 2/6/2005م).



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن