ابو عريضة

نضال حمد
sofsafi@gmail.com

2004 / 2 / 9

هناك كثير من الناس لا يعرفون من هو هذا الشخص، وليس ليدهم أي فكرة عنه، وبالمقابل هناك الكثير ايضا من الناس وخاصة بين اللبنانيين والفلسطينيين في جنوب لبنان يعرفون محمد الغرمتي (48عاما) الشهير باسم ابو عريضة ،فقد كان هذا الشخص في منتصشف السبعينات وبداية الثمانينات مع حركة فتح وبالتحديد في جهاز الأمن الموحد، وبما ان الموضة في تلك الفترة كانت العمل في صفوف احهزة أمن الحركة العديدة والمنوعة،حيث كانت تلك الأجهزة بمثابة المرآة التي تعكس موازين القوى داخل حركة فتح. فجهاز الأمن الموحد كان بإمرة الراحل صلاح خلف ابو اياد، وجهاز الأمن العسكري بأمرة الفاسد الكبير عطالله عطالله ابو الزعيم، أما جهاز الأمن والمعلومات والمندوبين والمختص باختراق الفصائل والاحزاب والمنظمات الأخرى فقد كان تابعا للراحل هايل عبد الحميد ابو الهول ، ويبقى في النهاية جهاز أمن ال17 الغني عن التعريف مثل رئيسه سابقا ابو الطيب،أحد ألمع قادة المصادفة في التجربة الفلسطينية.

ابو عريضة عمل لصالح جهاز الأمن الموحد واستطاع ان يجمع حوله مجموعة كبيرة من اللبنانيين والفلسطينيين من سكان بلدة صيدا القديمة،وقد كان هذا الجهاز في البلدة القديمة بمثابة سلطة تحكم البلدة، وتهيمن عليها، وكثيرا ما كان اعضاء جهاز ابو عريضة يقومون بتجاوزات وتعديات على سكان المنطقة، وقد تطورت تعدياتهم لتشمل احزاب الحركة الوطنية اللبنانية والمرجعيات الدينية الصيداوية وبعض فصائل منظمة التحرير الفلسطينية.

في سنة 1981 شنت مجموعة مسلحة من جماعة ابو عريضة هجوما سافرا على المطرانية المارونية في المدينة واحرقوا محتوياتها،كما اعتدى ابو عريضة على المونسنيور يوحنا الحلو، مما اثار غضب الفعاليات الوطنية الصيداوية وعلى رأسها المناضل النائب  السابق  الراحل مصطفى معروف سعد رئيس التنظيم الشعبي الناصري ومسئول الحركة الوطنية اللبنانية في جنوب لبنان، وعندما واجهه الراحل ابو معروف ومعه احزاب الحركة الوطنية في المدينة، بررّ المدعو ابو عريضة فعلته الشنيعة بالعدوان الذي تعرضت له صيدا عبر القصف المدفعي الذي قامت به عصابات جيش لبنان الحرّ بقيادة العميل الرائد سعد حداد. وكاتب هذه السطور يذكر جيدا العدوان الذي تعرضت له صيدا، حيث كنت يومها اقف على شرفة منزل عمتي في المدينة ،وفجأة بدأت القذائف والقنابل تنهمر على الحي السكني، فاسرعت وحملت الطفل محمد ابن العدة اشهر كي احميه من القصف، لكن قذيفة أخرى سقطت على مقربة منا أصابته مباشرة اصابات قاتلة، توفي على اثرها بين يديّ واصيبت امه اصابات شديدة.فهل هذا الحادث يبرر لي او لغيري مهاجمة الكنائس في صيدا ؟ بالطبع لا ، لكن كانت لأبي عريضة حساباته العريضة.

يقال ان ابو عريضة كان من الأبناء المدللين للراحل ابو اياد، لكن هذه الميزة لم تمنعه من العمل فيما بعد جاسوسا وبالعلن لصالح القوات الاسرائيلية التي احتلت صيدا سنة 1982 وقد نشر مع عصابته التي انتقلت مجموعة محدودة جدا منها من العمل في الأمن الموحد لصالح المخابرات الاسرائيلية والاحتلال الرعب في صيدا وجوارها، ومارست ادوارا عفنة واجرامية ضد صيدا والجوار. وقبل الغزو الصهيوني بقليل قام ابو عريضة ومن معه  بشن هجوما ضاريا ضد التنظيم الشعبي الناصري مما نتج عنه احراق وتدمير جانب كبير من اسواق المدينة القديمة في صيدا. ويذكر كاتب هذه السطور ايضا : كنت في تلك الفترة شاهدا على عدة ممارسات سيئة لهذه المجموعة، فقد حدث ان حصل عراك كلامي بين عناصر مسلحة من جماعة ابو عريضة مع شخص من مخيم عين الحلوة، وبعد هنيهات تطور الأمر فأشهر كل منهم سلاحه، لكن في اللحظة الأخيرة تدخل مسئول الجهاز في عين الحلوة وهو من عائلة معروفة في المخيم وقال للطرفين : ما هذا الا تعرفون انكم كلكم من الامن الموحد ؟

عندما احتلت قوات الغزو الصهيوني جنوب لبنان ومدينة صيدا باشر ابو عريضة عمله العلني لصالحها وكان مع جماعته من أسوأ عملاء الاحتلال الذي يتحملون المسئولية عن مصرع ومقتل واختفاء واعتقال العديد من المواطنين اللبنانيين والفلسطينيين في صيدا ومخيمي عين الحلوة والمية ومية المجاورين.

عندما ارغمت المقاومة اللبنانية الفلسطينية المشتركة والمتصاعدة قوات الاحتلال على الفرار والانسحاب من منطقة صيدا، فرّ ابو عريضة معها ليقيم في مرجعيون المحتلة ويمارس من هناك دوره المخابراتي والتجسسي، وكان قبل ذلك الانسحاب بقليل تعرض وجماعته لهجمات عديدة اسفرت عن مصرع والده بالاضافة لعدد من العملاء ضمن مجموعته العملية.

بعد فترة من اقامته في مرجعيون  قام ابو عريضة في اوائل التسعينات بالمتاجرة بالمخدرات مما ادى لاعتقاله من قبل جيش الاحتلال الصهيوني،اطلق سراحه يعد فترة لكن اعادت سلطات الاحتلال اعتقاله بتهمة التعاون مع المخابرات في الجيش اللبناني وقيامه بتسهيل عملية اختطاف العميل احمد الحلاق من الشريط الجنوبي المحتل، ليتم اعدامه فيما بعد بتهمة تفجير سيارة مفخخة باحد قادة جهاز الأمن في حزب الله.

هناك جهات صيداوية عديدة تربط بينه وبين حادث التفجير الذي تعرض له المناضل الراحل النائب الصيداوي السابق مصطفى سعد سنة 1985، ويقول النائب اسامة سعد شقيق المرحوم ابو معروف أن ابو عريضة كان اول من دخل المنزل المستهدف بعد لحظات من الانفجار،وحاول تنظيم تظاهرة ضد المسيحيين وليس الاسرائيليين، وهذا يدل على نوايا الاحتلال الذي كان يريد تعزيز الفرقة والخلافات والانقسامات بين ابناء الشعب اللبناني وطوائفه الدينية، خاصة ان منطقة صيدا بقيت منطقة للتعايش المحترم والمسالم بين الطوائف اللبنانية باستثناء بعض التجاوزات الصغيرة التي قام بها ابو عريضة وامثاله من الطرفين.

الحقيقة الوحيدة التي نعرفها ويعرفها كل من عرف ابو عريضة وعاش مرحلته بشقيها الفلسطيني اللبناني المشترك والاسرائيلي الانعزالي الواحد، هو ان ابو عريضة تعامل مع الاحتلال نتيجة جبنه وتواطؤه وخسته ومعدنه السيئ القابل للتغيير والتبدل بحسب موازين القوى القائمة. مهما كان فليس هناك ما يبرر له او لغيره العمل لصالح الاعداء، وقد احسنت الاجهزة الامنية اللبنانية المختصة فعلا عندما اقتادته من المطار مباشرة الى الحجز، لكن لازال وضعه ينتظر الحسم والبث من قبل القضاء اللبناني، ولا ندري ان كان مصيره سيكون كمصير عملاء جيش لحد الذين استسلموا للدولة اللبنانية ولم يحاسبوا، أم أنه سيلقى العقاب المناسب وأقله السجن ؟! ..

(اوسلو)



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن