الجذور التاريخية للتخلف في السودان

تاج السر عثمان
alsirbabo@yahoo.co.uk

2008 / 8 / 30

بعد مرور اكثر من خمسين عاما علي استقلال السودان، يقفز الي الذهن سؤال: لماذا وصلت البلاد الي هذا الحد من التخلف والتردي؟، وماهو الأفق لنهضة البلاد في مختلف الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؟.
أولا: السمات النوعية للتخلف.
يمكن تلخيص السمات النوعية للتخلف الاقتصادي في السودان في الآتي:
أ – الجانب الدولي للتخلف المتعلق بالتوجه الخارجي وعلائق التبادل غير المتكافئة مع الدول الرأسمالية المتطورة التي تتمثل في :
- التبعية الاقتصادية للدول الرأسمالية المتطورة.
- استنزاف رأس المال الاجنبي للدخل بشكل منظم وتصدير الفائض الاقتصادي الي الخارج وخسائر الدخل الناشئة عن العلائق الخارجية مع العالم الرأسمالي.
ب- الجانب الداخلي، أى المتعلق بالسمات البنيوية(جمود الطاقات، عدم الاستقرار السياسي)، ويتلخص في الآتي:
- اقتصاد مفكك يفتقر الي الوحدة العضوية والتكامل ويتسم بطابع مفتوح وتركيب مشوه لفروعه.
- مجتمع غير متجانس ذو بنية مزدوجة( قطاع حديث وآخر تقليدي).
وبكلمات اخري ترتبت نتائج سلبية علي تبني الفكر التنموي التقليدي الغربي والذي نتج عنه الآتي:
- ديون خارجية، تبعية تكنولوجية، عجز غذائي أو مجاعات، عدم الاستقرار الداخلي، نماذج فاشلة للتصنيع، عدم تحقيق الأهداف المباشرة المنشودة، آثار سلبية التضخيم دور الاستثمار في التنمية، عدم الثقة بالنفس وتزايد الاعتماد علي الغير.
ثانيا: التخلف في السودان نتاج تطور تاريخي.
هذا التخلف ليس قدرا لافكاك منه، او لعنة حلت حلت بالسودان، ولكنه نتاج تطور تاريخي.
ومعلوم للقارئ، أن السودان في العصور القديمة والوسيطة شهد مولد حضارات(كرمة، نبتة ومروي، النوبة المسيحية، الممالك الاسلامية)، كانت مزدهرة فيما يختص بالتطور الزراعي والصناعة الحرفية والتقنية، وكانت تلك الحضارات لاتقل عن الحضارات التي كانت معاصرة لها في بلدان الشرق والعالم الاسلامي والاوربي.
وكانت البنية الاقتصادية- الاجتماعية لتلك الحضارات مترابطة فيما بينها، فكانت الزراعة توفر احتياجات الناس الأساسية من الغذاء ، وكانت الصناعات الحرفية توفر ادوات الانتاج والاحتياجات الأخري، وكانت التجارة ترتبط بالمنتجات الزراعية والحيوانية والصنعاعة الحرفية. وكانت المواد الخام اللازمة للصناعات الحرفية كلها محلية مثل: الخشب، الحديد، النحاس، الذهب، الصوف، القطن، ..الخ.
أى اذا جاز استخدام المصطلح المعاصر، أن الاقتصاد كان يقوم علي الاكتفاء الذاتي، اى متوجه داخليا.
اما التجارة الخارجية، فقد كانت الواردات بشكل أساسي كمالية تهم الطبقات المالكة والغنية والاثرياء مثل: الانسجة الفاخرة، الروائح والعطور، ادوات الزينة وغير ذلك من الكماليات التي كان يتم استيرادها في حضارات السودان القديم والوسيط، أى ان تلك المجتمعات كانت مترابطة ومتوجهة داخليا، بمعني أن الزراعة والصناعة الحرفية والتجارة، كانت توفر للناس احتياجاتهم الأساسية من مأكل ومسكن وملبس .الخ، صحيح أن تلك الحضارات كانت تشهد مجاعات وأوبئة نتيجة لتقلبات المناخ والاحوال الطبيعية وتخلف الطب، وغير ذلك مما شهدته حضارات العالم القديم التي كانت معاصرة لها.
هكذا كان الوضع حتي عام 1821م، عندما بدأ الاحتلال التركي المصري للسودان، وباحتلال الاتراك للسودان نشأت بنية اقتصادية- اجتماعية تابعة، بمعني أن كل النشاط الاقتصادي والاجتماعي في تلك الفترة، كان موظفا لخدمة اهداف دولة محمد علي باشا في مصر. وتم نهب وتدمير القوي المنتجة( المادية والبشرية)، وتم افقار السودان ونهب موارده الاقتصادية، وكان ذلك جذرا أساسيا من جذور تخلف السودان الحديث.
وفي تلك الفترة ارتبط السودان بالسوق الرأسمالي العالمي عبر تصدير سلع نقدية مثل: الصمغ، العاج، القطن..الخ، كما شهد السودان خلال تلك الفترة غرس بذور نمط الانتاج الرأسمالي علي الأقل في سمتين:
أ‌- اتساع عمليات التبادل النقدي، والعمل الماجو اى تحول قوة العمل الي بضاعة.
ب‌- الارتباط بالتجارة العالمية.
كانت التحولات في ميادين الاقتصاد والزراعة والصحة والمواصلات والتعليم محدودة، وظل الجزء الأكبر من النشاط الاقتصادي في تلك الفترة حبيس القطاع التقليدي، وظلت قوي الانتاج وعلائق الانتاج بدائية ومتخلفة.
ويمكن القول، أن السودان في تلك الفترة شهد تدمير أو خسارة لبنية اقتصادية- اجتماعية، دون كسب لبنية اخري أرقي.
اى ان السودانيين في تلك الفترة خسروا عالمهم القديم، ليحل محله عالم ملئ بالبؤس والشقاء ، وارهاق كاهل الناس بالضرائب، واستنزاف ونهب موارد البلاد، حتي انفجرت الثورة المهدية التي اطاحت بذلك الوضع، بعد انفصل السودان لمدة ثلاثة عشر عاما عن المسار العام والدوران في فلك المنظومة الرأسمالية العالمية.
ثالثا: اعادة الارتباط بالنظام العالمي:
ارتبط السودان مرة اخري بالنظام الرأسمالي العالمي، بعد احتلال السودان عام 1898م، وعاد الاقتصاد السوداني مرة اخري للتوجه الخارجي ، اى اصبح الاقتصاد خاضعا لاحتياجات بريطانيا ومد مصانعها بالقطن( كان القطن المحصول النقدي الرئيسي، ويشكل 60% من عائد الصادرات)، وتم تغليب وظيفة زراعة المحصول النقدي علي وظيفة توفير الغذاء للناس في الزراعة. هذا اضافة لسيطرة الشركات والبنوك البريطانية علي معظم التجارة الخارجية، وارتباط السودان بالنظام الرأسمالي العالمي، وفي علاقات تبادل غير متكافئة، صادرات:مواد أولية(قطن، صمغ، ماشية، جلود،..)، وواردات سلع رأسمالية مصنعة.
ففي عام 1956م، كان 72% من عائد الصادرات تتجه الي اوربا الغربية وامريكا الشمالية، و50% من الواردات تأتينا منها، أى كان الاقتصاد السوداني في ارتباط وثيق مع النظام الرأسمالي العالمي.
كما كان مجموع الواردات والصادرات تشكل 40% من اجمالي الناتج القومي، هذا اضافة لتصدير الفائض الاقتصادي للخارج فعلي سبيل المثال في الفترة: 1947 – 1950م، كانت ارباح شركة السودان الزراعية اكثر من 9,5 مليون جنية استرليني، تم تحويلها الي خارج البلاد.
كما كانت الصناعة تشكل 9% من اجمالي الناتج القومي ، واجهض المستعمر اى محاولات لقيام صناعة حرفية وطنية ، كما تم تدمير صناعة النسيج والاحذية التي كانت موجودة خلال فترة المهدية، بعد أن غزت الأقمشة والاحذية الرأسمالية المستوردة السوق السوداني.
وكان نمط التنمية الاستعماري الذي فرضه المستعمر يحمل كل سمات ومؤشرات التخلف التي يمكن تلخيصها في الآتي:
• 90% من السكان يعيشون في القطاع التقليدي.
• قطاع تقليدي يساهم ب56,6% من اجمالي الناتج القومي.
• القطاع الزراعي يساهم يساهم ب61% من تكوين الناتج المحلي.
• ضعف ميزانية الصحة والتعليم، تتراوح بين(4- 6%).
• كان دخل الفرد 27 جنية مصري.
• اقتصاد غير مترابط ومفكك داخليا ومتوجه خارجيا.
• تنمية غير متوازنة بين أقاليم السودان المختلفة.
وبعد الاستقلال استمر هذا الوضع، وتم اعادة انتاج التخلف واشتدت التبعية للعالم الخارجي أو التوجه الخارجي للاقتصاد السوداني: ديون بلغت 31 مليار دولار، عجز غذائي( مجاعات)، حروب أهلية، تصنيع فاشل، اشتداد حدة الفقر حتي اصبح اكثر من 90% من السودانيين يعيشون تحت خط الفقر حسب الاحصاءات الرسمية، اضافة لانهيار القطاعين الزراعي والصناعي وانهيار خدمات التعليم والصحة، انهيار القيم والاخلاق، واصبحت معتمد علي سلعة واحدة: البترول الذي اصبح يشكل 80% من عائدات الصادر، وحتي عائدات البترول لايحس بها المواطن في دعم الصناعة والزراعة والتعليم والصحة والخدمات..الخ.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن