وزارة الصناعة العراقية وتعاملها مع شركاتها بين الامس واليوم ... حكاية الشركة التي وضعت اسس الصناعة الثقيلة في العراق

ليث الحمداني
laith@albilad.net

2008 / 8 / 22

تثير المقالة المقتضبة التي نشرها السيد سعيد نعمة على موقع ( الحوار المتمدن ) منذ ايام حول الاهمال الذي تلاقيه ( الشركة العامة للصناعات الميكانيكية في الاسكندرية ) وجارتها ( الشركة العامة لصناعة السيارات ) من قبل وزارة الصناعة والمعادن وأجهزتها التنفيذية الى حد تجاهلهم لمعرض أقامته الشركتان لعرض انتاجهما في محاولة منهما للوقوف بوجه التدمير الشامل للصناعة العراقية الذي بدأ منذ اليوم الاول للاحتلال ، تشير الى الاتجاه المريض وألمتعمد لالغاء كل ماتحقق من منجزات في القطاع الصناعي العراقي .
شركة الصناعات الميكانيكية في الاسكندرية تحديدا تعد واحدة من افضل شركات القطاع العام التي قدمت للصناعة العراقية مهندسين كبار اسهموا في بناء الاسس لقاعدة الصناعات الهندسية الثقيلة في العراق ، ومازلت اذكر أول زيارة لي للمصانع بمعية الوزير المرحوم طه الجزراوي ووكيل الوزارة المهندس اللامع المرحوم نجم قوجة قصاب وكنت يومها سكرتيرا لتحرير مجلة (عالم الصناعة) (1) يومها كانت ألمصانع التي هي من نتائج ( الاتفاقية العراقية - السوفيتية ) التي وقعت أبان حكم الزعيم الوطني عبدالكريم قاسم ، قد اهملت بسبب ( ثقافة ) كراهية كل ماجاء من المعسكر الشيوعي (2) في تلك الزيارة أوعز الجزراوي الى المدير العام الملتحق حديثا المهندس عبداللطيف العلوان باتخاذ كل الاجراءآت وبالتنسيق مع الوكيل المهندس قوجة قصاب وبالتعاون مع الخبراء السوفيت المتواجدين حديثا لاكمال نصب معداتها وتوفير الكادر الفني لتشغيلها ومنح المهندس قصاب كل صلاحياته كوزير لتشغيل منشآت ألشركة ، في زياراتي اللاحقة تعرفت على ( نشرة ) فنية تطبع على الرونيو تهتم بالصناعت الهندسية ويحررها كادر الشركة ومن خلالها تعرفت على د. عبدالمعطي الخفاف ود. اسماعيل القزاز والمهندس جودت بلال واصبحوا كتابا مواظبين في مجلة ( عالم الصناعة ) وتكررت زياراتي للشركة لاتعرف وعن قرب على ماتشهده من تطورات حيث الحق بها مركزا حديثا للتدريب المهني يستقبل الطلاب من خريجي الدراسة المتوسطة لاعداد الكوادر الوسيطة من المشغلين لمصانع الشركة اداره في البداية مدربون روس ولاحقا تسلمته الكوادر العراقية ، واذكر هنا الدراسات المعمقة التي اعدها د. عبد المعطي الخفاف (3) وفريقه حول المعدات الالات الزراعية واستلهام الدكتور الخفاف شخصيا للتاريخ العراقي القديم حيث دار بين المتاحف وغاص بين الكتب ليقدم صورة تخيلية ل (المحراث البذار) الذي أكتشفه السومريون وكان يقوم بعملية ( الحراثة والبذار ) في وقت واحد ولاول مرة في العالم وسنرى فيما بعد التواصل الرائع بين المهندسين العراقيين وأجدادهم السومريين في التصاميم التي قدمها (المعهد المتخصص للصناعات الهندسية )(4) وسجل العديد منها كبراءآت أختراع أكدت تفوق العقل الهندسي العراقي ، وقد وصل انتاج الشركة الى حوالي ( 5500) جرار زراعي بالتعاون مع شركة تشيكسلوفاكية وأكثر من (17000) آلة زراعية مختلفة سنويا حسبما اذكر .
لقد تحولت الشركة العامة للصناعات الميكانيكية والشركة العامة لصناعة السيارات الى مايشابه ( الجامعة التطبيقية للدراسات العليا الهندسية ) تخرج منها اغلب الكادر الهندسي الذي أدار ( منشاة نصر العامة ) وعدد من منشآت التصنيع العسكري التي ضمت كفاءآت هندسية عملاقة ، وأذكر ممن تعاملت معهم بالكتابة والحوارات وحضرت مفاوضاتهم مع الشركات من العقول الهندسية التي عملت في الشركة والتي ترقى الى مستوى ( العبقرية ) في مجالات اختصاصها د.عبدالمعطي الخفاف د. اسماعيل القزاز ود.عبد علي صاحب وصفاء الحبوبي والصديق الشهيد باسل الدرة وجودت بلال وعادل اللامي وفاروق صفو وأعتذر من الاخرين لان الزمن محا الكثير مما في الذاكرة عن تلك الايام .
لقد انجز العراق منذ عام 1968 وحتى الاحتلال خطوات متقدمة جدا في قطاع الصناعات الهندسية الذي قاده على التوالي المهندسين علي حسين الحمداني وعبدالتواب الملا حويش ونزار القصير ، ذلك القطاع الذي بدأ بالقرب من الصفر وحقق خطوات عملاقة جسدتها ( منشأة نصر ) وغيرها من منشآت الصناعات الثقيلة العراقية .
أن الامم التي تحترم شعوبها وتاريخها تخلد المنشآت التي تؤسس للقاعدة الصناعية لاتتركها للاهمال ، ولكن يبدو ان الاحتلال قد قرر أجتثاث الذاكرة العراقية بكل ماتحمله من منجزات حققها العقل العراقي لتدميررموزها معنويا ولاطفاء جذوة الابداع العراقي الذي بدأ في سومر واكد وبابل حقا اننا نعيش مرحلة الانتقام من العقل العراقي بكل الصور والاشكال

هوامش:
(1) مجلة ( عالم الصناعة ) هي اول مجلة متخصصة رصينة صدرت في العام 1968 واخضعت مقالاتها للتقييم العلمي وكنت واحدا ممن قدم فكرة اصدارها وعملت فيها سكرتيرا للتحرير لسنوات طويلة ومن خلالها عرفت القطاع الصناعي بشكل جيد .
(2) بعد انقلاب الثامن من شباط سادت هوجة معاداة الشيوعية التي لم توفر حتى ( المكائن والمعدات ) حيث اهملت المصانع التي تم الاتفاق على اقامتها بموجب ( الاتفاقية العراقية- السوفيتية ) التي وقعت بنودها في عهد الزعيم الوطني عبدالكريم قاسم ، بأعتبارها تقربنا من الشيوعية ( لاحظ التخلف ) وللحقيقة عاد الاهتمام بهذه المصانع بعد 17 تموز 1968 والصناعات الميكانيكية واحدة منها.
(3) د. عبدالمعطي الخفاف مهندس عراقي ينحدر من مدينة ( الناصرية ) كما اظن درس في الاتحاد السوفيتي كان (عاشقا) للعمل الصناعي وبذل جهودا لتأسيس ( متحف صناعي ) بعد ان عكف لفترة على دراسة التاريخ السومري والاكدي والبابلي ومايتعلق منه بطرق الحراثة والبذار والحصاد وله المئات من الدراسات المنشورة في مجال اختصاصة وله شقيق موسيقار اصغرمنه يعد واحدا من افضل الملحنين في العراق هو جعفر الخفاف الذي قدم عددا من اجمل اغاني التغزل بالعراق منها اغنية مفقودة الان هي ( الشمس شمشي والعراق عراقي ) .
(4) المعهد المتخصص للصناعات الهندسية واحد من ثلاث معاهد تاسست بموجب اتفاقية مع جامعة الدول العربية ايام كانت هناك دراسات جدية للتنسيق والتكامل الصناعي العربي قاده في مراحل التأسيس المهندس عطالله الراوي وفيما بعد د. المهندس عبد علي صاحب وكان من ابرز العاملين فيه د.المهندس اسماعيل القزاز



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن