ملاحظات حول كتاب مقالات لينين

حسقيل قوجمان
ykojaman@googlemail.com

2008 / 8 / 10

ارسل لي قارئ عزيز رسالة ذكر فيها ما يلي: "فقد نشر في منتدى يساري كتاب اسمه اخر المقالات المزعوم نسبه الى لينين والصادر في العهد الخروشوفي!!!!!! وفيه يحاولون تشويه صورة الرفيق ستالين" ثم اضاف الملاحظة التالية: "ننتظر ردك على هذا الموضوع حتى نضعه في منتدى يساري"
من المعروف ان لينين كان طريح الفراش في سنة 1922 بحيث لم يستطع ممارسة اي نشاط سياسي وقد اقترح انتخاب ستالين سكرتيرا عاما للحزب البلشفي وعلى هذا الاساس اصبح ستالين سكرتير الحزب حتى وفاته. في تلك الفترة منع الاطباء لينين حتى من الاطلاع على الصحف ومع ذلك لم يستطع لينين الخضوع للمرض واستطاع ان يملي بعض الرسائل الى الحزب رغم شدة مرضه. وما نشر في الكتاب المذكور اعلاه هو بعض او كل هذه الرسائل المسجلة املاء وليست بخط لينين قدمت في الكتاب على انها مذكرات وفي الواقع ليس لها اية صفة من صفات المذكرات. فهي رسائل سياسية موجهة للحزب تناقش بعض قضايا الحزب وشعاراته وتقدم بعض المقترحات المتعلقة بسياسة الحزب وكيفية تقويته وزيادة عدد اعضاء اللجنة المركزية وصيانته من الانشقاق.
في هذه الرسائل وردت ملاحظات انتقادية على ستالين متهمة اياه بالافراط في الفظاظة. ففي احدى هذه الرسائل وردت العبارة التالية: "ان الرفيق ستالين ، الذي أصبح أمينا عاما ، قد حصر في يديه سلطة لا حدّ لها ، و أنا لست على ثقة في أنه سيعرف على الدوام كيف يستعمل هذه السلطة بما يكفي من الاحتراس". ولكن العبارة الاساسية جاءت في رسالة اخرى اكثر تشددا نصت على ما يلي: ان ستالين مفرط في الفظاظة ، و هذه النقيصة التي يمكن احتمالها تماما في بيئتنا نحن الشيوعيين و في الاتصالات فيما بيننا ، تصبح أمرا غير محتمل في منصب الامين العام . و لهذا اقترح على الرفاق أن يفكروا في اسلوب لنقل ستالين من هذا المنصب و تعيين شخص آخر لهذا المنصب يمتاز من جميع النواحي الأخرى عن الرفيق ستالين بمزية واحدة فقط ، هي أن يكون أكثر تسامحا ، و أكثر ولاء ، و أوفر لطفا ، و أشد انتباها للرفاق ، و أقل تقلبا في الاهواء ، الخ . . هذا الاعتبار قد يبدو أمرا تافها لا يؤبه له . و لكني اعتقد أن هذا ليس بالامر التافه من وجهة نظر درء الانشقاق و من وجهة نظر ما كتبته سابقا عن العلاقات بين ستالين و تروتسكي ، أو أن هذا امر تافه و لكنه قد يكتسب أهمية فاصلة . (التأكيد في الكتاب).
وطبيعي ان هذه العبارة هي السبب الاساسي في اعادة نشر هذه الرسائل اليوم بعد اكثر من خمسين عاما على وفاة ستالين وبعد عقدين من زوال الاتحاد السوفييتي من الوجود تقريبا. فالحاجة الى التنديد بستالين اليوم بعد انقضاء هذه العقود الطويلة دليل على عظمة ستالين وعلى مكانته التاريخية وشعبيته سواء في بلدان الاتحاد السوفييتي سابقا او في العالم كله. اذ ان كل الاتهامات المزعومة ضد ستالين لم تستطع ان تمس بعظمته وبالانجازات التي حققتها شعوب الاتحاد السوفييتي تحت قيادته وبقيادته العبقرية للحرب ضد جحافل النازية الهتلرية وحتى في قيادته لاعادة البناء بعد الحرب ولمساعدة دول اوروبا الشرقية في نضالاتها ضد الاحتلال النازي ووضع الاسس لتحقيق نظام ديمقراطي شعبي يسير سيرا وطيدا نحو بناء المجتمع الاشتراكي.
من المعروف ان هذه الرسائل لم تنشر في مؤلفات لينين الى ان نشرها خروشوف ضمن حملته الهجومية على ستالين سنة ۱٩٥٦. وعدم نشرها قبل ذلك يمكن اعتباره اخفاء لاراء لينين حول ستالين وطبيعي ان المتهم الاول في اخفاء هذه الرسائل لابد ان يكون ستالين اذ من غيره يرغب في اخفاء اراء لينين حول ستالين!؟ والنقاش حول ستالين لم يبدأ اليوم بل كانت جميع الابواق الاعلامية الامبريالية والاشتراكية الديمقراطية تبث الاتهامات على ستالين وعن وحشيته وعن كونه جزارا مصاصا للدماء طيلة فترة وجود وتطور الاتحاد السوفييتي تحت قيادته وحتى الحرب العالمية الثانية حين ظهرت قدرة ستالين على قيادة الجيش الاحمر وشعوب الاتحاد السوفييتي في الدفاع عن الوطن الاشتراكي ودحر الغزاة النازيين. ففي تلك الفترة توقفت الاتهامات الفظيعة على ستالين وحل مكانها مدح ستالين وتعظيم كفاءاته كما نراها في مذكرات تشرتشل مثلا. الى ان جاء الخروشوفيون فاقتبسوا كل ما اشاعته وسائل الاعلام الامبريالية من قبل واضافوا اليها الكثير من اجل تحقيق هدفهم في اعادة الراسمالية الى الاتحاد السوفييتي. ومن جملة هذه الاشياء نشر هذه الرسائل التي لم تنشر على الجمهور سابقا.
جاء اتهام ستالين بالافراط في الفظاظة بعد مشادة حدثت بينه وبين كروبسكايا زوجة لينين حين منعته عن الاتصال بلينين فرد عليها بخشونة. وقد نوقشت هذه الرسائل في اللجنة المركزية للحزب البلشفي وبحث ما اذا كان من المناسب نشرها في مؤلفات لينين ام من الافضل عدم نشرها. ومعروف تاريخيا ان ستالين كان مصرا على ضرورة نشرها في مؤلفات لينين الا ان اللجنة المركزية مع ذلك قررت عدم نشرها. فلم يكن ستالين وراء عدم نشر هذه الرسائل رغم ان خروشوف اعلنها للتنديد بستالين واتهامه ضمنا بانه هو الذي اخفى هذه الرسائل لغرض اخفاء راي لينين عنه عن الشعوب السوفييتية وشعوب العالم.
ومن المعروف تاريخيا ايضا ان ستالين اكد انه حقا مفرط في الفظاظة تجاه اعداء الحزب والثورة والاشتراكية وسيبقى كذلك. واستنادا الى اقتراح لينين باستبداله بشخصية تتميز بالتسامح والولاء وغير ذلك من الصفات اعلن استقالته من منصب سكرتير الحزب للمرة الاولى ولكن اللجنة المركزية او المكتب السياسي قرروا بالاجماع رفض استقالته. واعتقد ان ذلك شمل حتى صوت تروتسكي المنافس الاول لستالين في تلك الفترة.
كيف كان وضع الحزب البلشفي في الفترة منذ الثورة حتى ۱٩۲۲ موضوع البحث؟ كانت في الحزب انذاك ثلاث كتل معارضة لسياسة القيادة البلشفية سواء اكانت قيادة لينين قبل محاولة اغتياله ومرضه ام تحت قيادة ستالين بعد عجز لينين عن القيادة. كانت هناك كتلة تروتسكي وكتلة بخارين وكتلة زينوفييف كامينيف. وكل هذه الكتل كانت كتلا علنية وليست كتلا سرية. كانت هذه الكتل تمارس نشاطاتها علنا وتنشر اراءها في منشورات وفي كتب وتعلنها في اجتماعات اللجنة المركزية والمكتب السياسي وفي المؤتمرات صراحة وكان البلاشفة وعلى راسهم لينين ثم ستالين يناقشون هذه الاراء ويدحضونها بحيث تصوت الاغلبية لصالح البلاشفة وليس لصالح هذه الكتلة او تلك. كانت هذه الكتل الثلاث من القوة والاتساع بحيث كانت تتامل الحصول على القيادة في مؤتمر الحزب لو استطاعت الاتحاد ضد القيادة البلشفية.
وقد استمرت قيادة الحزب البلشفي على انتخاب ستالين سكرتيرا للحزب رغم رسائل لينين ورغم اعتراف ستالين بفظاظته تجاه اعداء الحزب. والعبرة في ما انجزته شعوب الاتحاد السوفييتي تحت قيادة الحزب البلشفي وعلى راسه ستالين وما الت اليه شعوب الاتحاد السوفييتي تحت قيادة خروشوف والخروشوفيين. فهذه الانجازات الهائلة التي احرزتها شعوب الاتحاد السوفييتي تحت قيادة ستالين واضحة وضوح الشمس لا يستطيع انكارها احد مهما حاول اخفاء نور الشمس بمنخل. فالتاريخ يبقى تاريخا مهما حاول الانسان تشويهه وتزيييفه. وما الت اليه شعوب الاتحاد السوفييتي تحت قيادة خروشوف والخروشوفيين واضح هو الاخر وضوح الشمس في وضح النهار. والوقائع تبقى وقائع مهما حاول الانسان تغطيتها وسترها. وظروف شعوب الاتحاد السوفييتي الحالية اكبر برهان على ما انجزته قيادة خروشوف من اعادة الراسمالية بكل فظاعتها الى الاتحاد السوفييتي. ومن يريد ان يعمى عن هذا التاريخ بشقيه فهذا شأنه. ولا اظن انني بحاجة هنا الى التأكيد على انجازات الاتحاد السوفييتي في عهد قيادة ستالين ولكن يكفي ان اذكر ان المظاهرات التي تجرى في بلدان الاتحاد السوفييتي السابق وفي ارجاء العالم في المناسبات العمالية كلها تحمل صور ستالين الى جانب صور معلمي الطبقة العاملة الاخرين ماركس وانجلز ولينين.
ولكني قرات قبل شهرين في مجلة "نورث ستار كومباس" الكندية تحقيقا حول هذه الرسائل شيقا جدا. فقد حلل كاتب المقال هذه الرسائل والاراء السياسية الواردة فيها وقارنها باراء لينين المعلنة قبل املاء هذه الرسائل وبرهن على ان الاراء الواردة فيها تختلف اختلافا جوهريا عن اراء لينين السابقة ويستنتج من ذلك ان هذه الرسائل لم تكن من املاء لينين فعلا بل كانت رسائل موضوعة ومقصودة الهدف. ومن المعروف ان كروبسكايا نفسها كانت انذاك تنتمي او تميل الى احدى الكتل التي ذكرناها اعلاه ويستنتج كاتب المقال ان هذا ما اتاح الفرصة لتزوير هذه الرسائل. ولابد ان الايام ستبرهن ما اذا كانت هذه الرسائل من املاء لينين فعلا ام هي مزورة وموضوعة بدون علمه.
ان اعادة نشر هذه الرسائل اليوم لا يمكنها ان تخفي او تشوه تاريخ تطور الاتحاد السوفييتي سواء في فترة بناء المجتمع الاشتراكي الاول في التاريخ ام في تدمير هذا المجتمع واعادة الراسمالية الى الاتحاد السوفييتي تحت ستار الهجوم على ستالين وتصحيح اخطائه واعادة الماركسية الى طبيعتها اللينينية. فليس من يستطيع ان يعمى اليوم عما يجري في بلدان الاتحاد السوفييتي السابقة من انكار لدور الاتحاد السوفييتي في القضاء على النازية ومن تمجيد لعملاء النازية الذين حاربوا الى جانب هتلر في قتل الجيوش السوفييتية والقوى الثائرة المحلية.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن