إعترافات فحل يساري لتحرير فلسطين

وليم نصار
willie.nassar@live.com

2008 / 8 / 9

أصابني أنا الهارب الأبدي مرض خطير، إذ اكتشفت متأخرا بأنني لا أحب الشعر، ولا أستهضم الشعراء.. وبما أنني لا أحب الشعر ولا ناظمية، فلعنة الشعر كتبتني على شكل آيات غير مقدسة.

أذكر عندما كنا صغارا، حيث كنا نجلس "كالمسلوبين"، لنستمع إلى حديث عن الشعر والحب من زملاء المدرسة الأكبر منا سنا، أو من كتب التربية المدنية (الأخلاق)، أو من أهالينا والجيران أثناء السهرات المسائية، حيث كانوا يتفذلكون في الحديث عن الشعر والحب والمرأة.. إلى ما هنالك من أمور كان مستعصيا علينا فهما آنذاك. وفيما بعد، عرفنا أن تلك الأحاديث يسهل علينا نحن العرب "خير أمة أخرجت للناس" التحدث والتنظير بها، لكن يستحيل علينا تطبيقها.

وأجمل الأحاديث، تلك التي كان أجدادنا وجداتنا يحدثوننا عنها على شاكلة قصص جميلة، حفظوها أبا عن جد أو أما عن ست. أحاديث وحكايا جميلة، تكاد تكون أجمل من تاريخنا المركب.. وأعمق من أفكارنا ومعتقداتنا المعلبة.
ولا أخفي سرا "كي لا أدخل جهنم حيث صرير الأسنان كما يذكر العهد القديم"، بأنني كنت دائما أنعاطف مع المرأة في تلك القصص أكثر من الرجل، ولسبب بسيط وهو شعوري، وبدون وعي، لمعاناة المرأة من أجل الوصول لحبيبها، ليعيشا معا فيما بعد، حياة سعيدة مليئة بالبنين والبنات زينة الحياة الدنيا ومعيقي "التفرغ للنضال من أجل القضايا الخاسرة".

وما كان يعجبني أنا الصغير إليه تعالى، سنا وعقلا، أكثر من تلك الحكايات، هي تلك القصائد الشعرية والأغاني، والتي كانت "تدحش دحشا" في الحكايا مثل حبوب منع النوم، فتغمرني نشوة، ويتورم رأسي من الوهم بأنني في يوم من الأيام لا بد لي وأن أصبح واحدا من أبطال تلك الحكايا، وأنقذ حبيبتي، بل وأكثر من ذلك بأنني سأقرض الشعر حينما أكبر.

وعندما كبرنا نسبيا، وعلمنا من أهالينا، أو من ثيابنا الداخلية، أننا أصبحنا في سن البلوغ، بدأنا ننظم قصائد لا شكل لها لبنات الجيران، لبنات العم، لمعلمة اللغة الانكليزية، وفي أسوأ الحالات لجارة أكبر من جداتنا، كنا قد بصبصنا عليها عندما انحنت لالتقاط ملقط غسيل.

وعندما كبرنا وأصبحنا في سن النضوج، أو ما قبله بقليل، وطارت من أحلامنا أيام الولدنة "بقضل الروح القدس"، بدأنا نحن نقص نفس الحكايا، ونلقي نفس القصائد، ونتفذلك بنفس الأحاديث التي كانت تجلسنا كالمساطيل ونحن صغار.
وبما أن القلم قد بدأ بالحديث عن الشعر والحب والمرأة، بدون قصد أو تخطيط مسبق، فلنبدأ من يومنا هذا..

الشعر، ليس قصيدة مركبة على بحر أو عامود أو سارية، كما أنه ليس مجرد كلمات موزونة ومدوزنة.. الشعر، كتلة الأحاسيس التي تحترق داخل خلجات مطلق إنسان فتتحول تلك الأحاسيس إلى قلم ولغة فقصيدة فموسيقا، أو إلى دمعة.
هذا هو الشعر بكل بساطة وبدون أي "امتشاق لأي ولادة" كما يعرّفه صديقي الشاعر..
وبرأيي المتواضع، فإن كل إنسان يكتب الشعر بقصد أو بدون قصد، بدون الحاجة إلى خطة خمسية أو قضايا وموت وشهداء وقتلى، وبدون أي تنازلات سياسية أو مواقف راديكالية.
فدمعة طفل هي قصيدة..
وتنهيدة امرأة متهورة هي معلقة..
وحالة الحب هي ديوان شعري بدون كلمات معسولة ولا إهداءات وحفلات توقيع وكاميرات.

أما بعد..
فإن أكثر ما "بعجبني" ويثير في نفسي أبشع مشاعر الأسى، هو الشعر العربي المفعم بالفحولة..
شعراؤنا يتغزلن بالنساء، يحبوهن، يضاجعوهن في القصائد وهم خصي، ويتفذلكون بشعار الحب السرمدي والالهام يأتي من المرأة، إلى ما هناك من شعارات براقة لاتخفي تحتها سوى الحقيقة التي نشعر بها نحن الذكور العرب نحو المرأة.. والتي يخجل شعراؤنا من البوح بها، ألا وهي: "المرأة هي السرير الذي نتقيأ عليه عقدنا".

يا الله..
ما أبشع الجسد الأنثوي في القصيدة العربية، وما أسهل الحب في الشعر العربي، وما أذل المرأة في تفكير الرجل العربي سواء كان فينيقيا أم فرعونيا، بابليا أم كنعانيا، حضريا أم بدويا، ملحدا كان أم مؤمنا، يمينيا كان أم يساريا، حتى ولو كان يساريا طفوليا أو تروتسكيا أو يساري "متقاعد".

وبما أن شعرنا العربي هو نسخة فوتوكوبي عن مجتمعنا الفحولي، فالمأساة والطامة الكبرى إذن ليست في الشعر بل في مجتمعنا وتقاليدنا البائسة وحضارة سد "الثقوب" أينما وجدت.
مجتمعنا الذكوري العربي مصاب بحالة الشيزوفرينيا على رأي صديقي.. من الأميين ساكني الجرود والذين لا يعرفون بعد ما هي الكهرباء، إلى ساكني القصور، إلى العدو اللدود للطبقات البرجوازية، وأعني البروليتاريا وحزبها الطليعي. حتى مثقفينا ومجنمعم الحضاري المزيف.. لا يختلفون في شيء.
بالله عليكم..
ما معنى أن نسمح لأنفسنا نحن الفحول العرب من يسار أو يمين باحصاء عدد النسوة اللواتي ضاجعناهن، وفجأة ننتفض حمية عندما نسمع صديقاتنا أو زوجاتنا أو أخواتنا بأن هذا الممثل أو ذاك المغني "الرقاص"يعجبهن. (ولو كان القصد من الناحية الفنية فقط).

ما معنى أن نسمح لأنفسنا بممارسة رجولتنا أينما سنحت الفرصة بحجة أن مجتمعنا لا يعيب الرجل.. أو حلال عالشاطر..
يا إلهي ما أجملها من نكتة!!
ما معنى أن نقرأ في أدبيات أحزابنا السياسية أبواب بأكملها عن حرية المرأة والمساواة بين الجنسين بينما لا يوجد في تلك الأحزاب سوى قيادات ذكورية.
ما معنى أن يتحول الشيوعي منا أو الثوري أو المقاوم والرافض، أو المناضل في مجال حقوق الإنسان، أو الحيوان مع قلة الفرق، وبمجرد أن يدق الكوز بالجرة إلى فحل شرس فيرتفع الشعار القومي العربي الخالد "شرف البنت زي عود الكبريت" ليعيدنا إلى أمجاد يا عرب أمجاد، ويعيد المرأة بالتالي إلى موقعها الطبيعي.

ما معنى أن تبقى المرأة العربية مرتبطة اقتصاديا بالرجل، فتصبح رهينة لديه لممارسة كافة اشكال الحقوق الزوجية وكل أشكال القهر والإذلال دون رغبة منها، حتى ولو كانت زوجة مطيعة والقطة تأكل عشاءها.
وما معنى أن يذهب الفحل منا للاستمتاع برؤية راقصة ستربتيز تتعرى، وعندما نعود لمنازلنا نقفز لنطفيء التلفاز إذا ما شاهدنا ممثلين يتبادلان قبلة.
إنني أعلن خجلي ....

يا أيها المواطنون.. وتحديدا المواطنون الرفاق..
الواعون وغير الواعين..

المرأة ليست جسدا، وليست لتربية الأطفال فقط.

لا تصدقوا ما جاء في الكتب الحزبية ولا تصدقوا ما جاء في الكتب المقدسة بأن المرأة خلقت من ضلع امرء، ولذلك دعيت امرأة.. فالذكر هو من كتب تلك الكتب.

أليست كلمة ماء أنثى؟ ومن الماء خلقنا كل شي حي.

أليست الشجرة أنثى، والوردة أنثى، والحياة أنثى، والموسيقا أنثى، والدمعة أنثى؟

بعد كل ما تقدم.. ومع انتهائي من آخر بلعة من قنينة الفودكا، على شاطيء نهر بارد المياه، أليس من حقي وأنا في لحظة التجلي تلك أن أكرز في البرية داعيا المرأة العربية للثورة على قيودها والتحرر من سجانها الفحل العربي..

ربما تلك أقصر الطرق كي نحرر فلسطين.

وللحديث بقية
__________________________________

** دكتور وليم نصار، مؤلف موسيقي شيوعي مقيم في المنفى
عضو اللجنة العليا للقدس عاصمة الثقافة العربية 2009



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن