تصريح -يوفال ديسكين- غباء أم إستغباء؟!

سعيد موسى

2008 / 7 / 29

((مابين السطور))


تناقلت بالأمس وسائل الإعلام, تقرير جهاز"الشاباك" الصهيوني, والذي يفترض انه من أسرار الدولة, ومفاده حسب ما نقل عن لسان رئيس جهاز الأمن العام الصهيوني"ديسكين" بان حركة حماس تستغل التهدئة التي تم التوصل إليها مع كيانه المسخ يوم 19/ حزيران / يوليو الماضي, كي تعيد تسليح نفسها, وتتفرغ إلى تكثيف تدريب عناصرها, وبناء العديد من التحصينات الدفاعية بواسطة الاسمنت الذي يتم إدخاله إلى غزة, وهذا كلام عام ربما يصلح لان يردده رجال السياسة وليس رجال الأمن, وذلك من اجل تقديم الذرائع, لحفاظ على وتيرة الحصار كما كان حتى قبل مايسمى بالتهدئة, ولكن وحسب المصدر وخلال اجتماع حكومة الكيان الإسرائيلي اليوم, يستطرد"ديسكن" تقريره الدقيق التفاصيل, وكأنه هو من باع واشترى, وكأنه هو من سلم واستلم, وكأنه لايعنية مايهدد امن كيانه, حيث فصل كميات ونوع الأسلحة والذخائر التي حصلت عليها حركة حماس خلال فترة التهدئة البسيطة هذه" حوالي 40 طن متفجرات, 50 قذيفة مضادة للدروع, ومواسير وبارود لتصنيع الصواريخ".



وفي نفس السياق, نقلت صحيفة"معاريف"الصهيونية اليوم, بان حركة حماس استطاعت التزود بكميات ضخمة من المتفجرات والأسلحة قبل التهدئة, وانه أي حركة حماس لا حاجة لها الآن بتدفق مزيدا من الأسلحة والمتفجرات, كي لا تعطي لكيان الإسرائيلي, ذرائع لإنهاء التهدئة, التي من شانها أن تقوض سلطتها في القطاع, والحركة معنية بتهدئة طويلة المدى, لتستقر سلطتها في القطاع, لذا وحسب زعم الصحيفة أنها معنية بعد زعزعة تفاهمات التهدئة, وعدم تهريب مزيد من السلاح, بل تسعى حركة حماس إلى مزيد من الطموح, برفع الحصار وفتح معبر رفح, وقد أعربت العديد من الشخصيات السياسية الصهيونية, عن رضاها عن أداء الحركة في نجاحها بفرض التهدئة ولجم إطلاق الصواريخ من قطاع غزة, وانطلاقا من هذه الرؤيا لسياسة الكيان الإسرائيلي, والتي كان آخرها وقبل هذا التصريح, تصريح آخر "لديسكن" بان التهدئة كانت ومازالت بمثابة, حبل النجاة لحركة حماس, وهذا يعني أن سياسة الكيان المبنية على هذه الرؤيا, ليس متوقعا منها كالمعتاد,أن تفي بالتزاماتها حيال التهدئة ورفع الحصار, من منطلق أن التهدئة مصلحة لحركة حماس أكثر مما هي مصلحة صهيونية, ومن يتتبع استخفاف الصهاينة بالتزاماتهم, وعدم جديتهم ومصداقيتهم, يرصد عشرات الخروقات لتلك التهدئة, بل نلامس جميعنا أن لاجديد وان الحصار مازال كما هو دون أي تغيير يذكر, فمازال أعداد الشهداء المرضى في تزايد وصلوا المئات جراء إقفال المعابر بتعليمات صهيونية صارمة, وان كميات الوقود لم تبارح حجمها المعهود, وهاهم الصهاينة يسومون مليون ونصف مواطن فلسطيني في القطاع, سوء العقاب الجماعي باستخفاف يقابله التزام فلسطيني, وتشديد ولأول مرة يكون بتوافق غير مباشر بين مستويي السياسة والمقاومة,على ضرورة الحفاظ على التهدئة ولكل مصلحة بذلك سواء المصالح الخاصة أو العامة.



وتضيف صحيفة "معاريف" الصهيونية, بأنه رغم المؤشرات الايجابية بالتزام الطرف الفلسطيني, إلا أنهم في جهاز الأمن العام, يواصلون استعدادهم للمواجهة القادمة حينما تأتي.


وهنا سؤال يطرح نفسه, في الوقت الذي يروجون بان أجهزة مخابراتهم واذرعتها الأخطبوطية, ووسائلها التكنولوجية المتطورة, بان تلك الأجهزة اعجازية ولا يفوتها فائتة, والدليل التفصيل الدقيق الممل لجهاز"الشاباك" حول أصناف وكميات والسقف الزمني الذي دخلت به تلك الكميات, فالمراقب والمحلل يتناول هذا التصريح من خلال فرضيتين على اعتبار أن السوبر امن"ديسكن" يعي مايقول بهذه التفاصيل, فليس أمامنا إلا تناول الأمر وفق فرضيتين,بعد السؤال طبعا عن تسريب مادار في جلسة الحكومة من تفاصيل أمنية خطيرة, والفرضية الأولى أن يكون لدى أجهزة امن الكيان معلومات دقيقة من مصدر السلاح قبل وصوله الحدود البرية أو المائية الفلسطينية, وهنا نتساءل, ماهي المصلحة المنية للكيان الإسرائيلي, كي يغض الطرف عن دخول هذه الكمية أو غيرها من المتفجرات, وهو يعلم أنها ستستخدم في مقارعته وقصف مغتصباته,أو حتى مواجهته في حال اتخذ الكيان الإسرائيلي قرار بالاجتياح لقطاع؟؟؟ طبعا في حال القياس لهذه الفرضية, فان غض الطرف غير منطقي على الإطلاق, إلا إذا كان هناك أهداف أخرى تتركز باتجاهين, عدم حرق مصدر المعلومات إن كان المصدر أو الموصل لشحنة الأسلحة, وبالمقابل تتبع من خلال عملاء ميدانيين لاماكن تخزين تلك الشحنة من المتفجرات, فيكون لديهم خارطة أمنية لمراكز تخزين المتفجرات ومستودعات الأسلحة, أما الفرضية الثانية تقول أن استقاء مثل هذه معلومات دقيقة, طبعا إن كانت صادقة وهذا يحدده صاحب الشأن وتحديدا حركة حماس, فالفرضية الثانية تتجه إلى أن مصدر المعلومات من المستقبل وليس المرسل,أي وصول المعلومة "لشاباك" بعد تامين الشحنة داخل القطاع, وهذا بحد ذاته يتطلب وقفة أمام هذه المعلومات التفصيلية الدقيقة والخطيرة, فهناك عشرات الأنفاق وعمالها, وهناك المتخصصين بالتهريب عبر البحار, وهؤلاء حتما نتيجة المعرفة قدر الحاجة, والحاجة في حال نقل المتفجرات مؤكد أنها تقتضي حين الخطورة, والحيطة والحذر, تعريف الناقل والموصل والمستلم, بتفاصيل ما يتم جلبه.



ففي حال فرض مصداقية المعلومات, هل يكون تسريبها من الأمن الصهيوني غباء غير مقصود, أم استغباء مقصود, وماهية أهداف هذا الاستغباء, هل هو يدخل ضمن الحرب النفسية, لإيصال رسالة أن أجهزة الأمن الصهيونية على اطلاع كامل على التفاصيل, وهذا لايحدث أي خلل يذكر في موازين قوى المواجهة والحسم إذا اقتضى حدوثها, أم هو في حال مصداقيته مطلوب تحريك تلك الذخائر وغيرها من مستودعات غير مرصودة إلى أخرى سيتم رصدها وتحديدها على خارطتهم الأمنية, لأنه لايعقل أنهم يريدوا إيصال رسالة إلى حماس وفقا لهذه المعلومات, بان عملياتهم مكشوفة, ليتحروا مزيدا من الاحتياطات السرية لجلب تلك الأسلحة والذخائر, وكأنها في حسابات الصهاينة لمواجهة غير مواجهتهم, فهذا قياس غير منطقي .


وفي الفرضية الثانية, لتفسير الغباء الصهيوني الأمني الغير مقصود, أو الاستغباء الأمني المقصود, فليس منطقا إن كانت المعلومات الدقيقة حقيقية, وان أصلها من داخل قطاع غزة أو عبر حدودها, أن ينبهوا المقاومة الفلسطينية, عن اختراقات بينهم أو بينهم وبين الحاملين والموصلين للأسلحة, وبالتالي يتم رسم خطط بديلة أكثر أمنا لضمان استمرار تدفق السلاح, بما يشكل خطرا كبيرا على عملائهم في حال تتبع المعلومات واكتشافهم, فبالقياس تكون الفرضية غير منطقية على الإطلاق, إذن ماذا يقصد إن كان الأمر استغباء معلوم وهادف, عندما يتم تسريب ونشر مثل هذه المعلومات الدقيقة بمواصفاتها وكمياتها وأصنافها؟؟؟ فلو كان لأجهزة الأمن الصهيوني معلومات مسبقة, لدكتها طائراتهم أثناء دخولها, أو حتى أثناء تخزينها, هكذا يفترض أن يكون منطق معادلة الصراع وتجريد المقاومة كخصم من عوامل قوتها, أما أن يكون لدى أجهزة الأمن معلومات مسبقة كما يفيدون بتحديد النطاق الزمني لدخول تلك الأسلحة والمتفجرات, ولا يقدمون على محاولة لإحباط عملية التهريب, فان ذلك لايمكن إخضاعه إلى تحليل على أسس واقع الصراع الحقيقي, خاصة وان المعلومات الأمنية تفيد بان الأجهزة الأمنية والتي تقوم عليها المؤسسة العسكرية في رسم خطوط حسم المعارك, من غير المعقول أن لاتهتم بعشرات أو مئات الأطنان من تلك المتفجرات, والتي ستستخدم حتما لمواجهة في المنظور القريب أو البعيد مع الاحتلال, ولاشيء يجعلنا نعتبر ذلك غباء أو استغباء, إلا إذا نظرنا للأمر بان أجهزة الكيان الصهيوني, تعلم جيدا خط سير ومواقع تخزين تلك الكميات الضخمة من المتفجرات, وان أرادت دمرتها ودمرت كل ماحولها في حالة مواجهة جادة, أي أن تلك المتفجرات في مخططاتنا نعمة لنا, وفي مخططاتهم نقمة علينا, وحتى لو كان بالإمكان منطقة المعادلة بهذا الشكل, والمعلوم امنيا أن القوة تكمن في سرية معرفة تفاصيل الخصم, حيث امتلاك أوراق المفاجئة والإرباك, لانتزاع الاستسلام من الخصم, فكيف في مثل هذا التنازل عن عنصر المعادلة هذا, يتم تفسير التسريب الغبائي الغير معلوم, أو تفسير التسريب الاستغبائي المعلوم والهادف, خاصة وان هذه المعلومات تصدر من أعلى رأس الهرم الأمني الصهيوني الداخلي"يوفال ديسكن" رئيس جهاز الشاباك الصهيوني؟؟؟؟!!!



كل هذه الأسئلة تستطيع الإجابة عليها وتقيمها , وبشكل سري وغير معلن, فصائل المقاومة الفلسطيني, وان كانت جدية, فمن المستحسن أخذها على محمل الجد, والعمل وفق مخططات أمنية عالية لعلاج هذه التداعيات, لأننا على يقين بان التهدئة ماهي سوى وهم عمره قصير, وان المواجهة قادمة لامحالة, مهما كان لاحتلا مصلحة في تلك التهدئة, إنما هي مصلحة مؤقتة, وهي حسب المعمول به تهدئة من طرف واحد مع استمرار العدوان وان تغيرت أشكاله, واعتقد مع استمرار هذه الغطرسة الصهيونية, والإصرار على الحصار والعقوبات الجماعية, وانتهاج مزيدا من سياسة الخنق, والتفرد بقيادة وعناصر التنظيمات الفلسطينية في الضفة الغربية كذلك, فالمرجح أن حدود الصبر لن تطول, لان في ذلك القبول انتحار بطيء, يسعى إلى انفجار مواجهة دموية داخل القطاع وهذا أمر مكشوف, والخلاص من كل هذا سواء أكان ديسكن غبي أو يتغابى, البديل هو الحوار الصادق والجاد وصولا إلى استعادة الوحدة الوطنية, قبل تدمير كل خطوط عودتها, وبالمحصلة, سينفرد الاحتلال باستثمار ذلك الانشطار, لتكون عملياته الجراحية العدوانية أيسر بكثير.




https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن