الأمن الغذائي وواقعه أمام الغلاء العالمي

فدى المصري

2008 / 7 / 25

من الملاحظ أن الدول العالم أجمع تعيش حالة غليان من خلال ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية منها والكمالية ، وذلك لما تتخبط به من عوامل ومؤثرات اقتصادية واجتماعية ، ولعل عوامل عديدة تفاعلت مع هذه الظاهرة ، ومن ابرز هذه العوامل انخفاض معدل إنتاجية الأرض الزراعية من جهة من جراء تحول اقتصادي عالمي من الزراعة إلى التجارة أو الخدمات كونها أكثر ربحا ً ومردودا ً من القطاع الإنتاجي الزراعي والصناعي،كما أن غلاء أسعار النفط والمحروقات عالميا ً من جهة ثانية قد أنعكس على حركة الأسعار وخاصة أسعار المواد الغذائية من حبوب وبروتينات وخضار وعلى الإنتاج الغذائي الحيواني والصناعي بشكل عام .
في حين يعد تلوث عناصر البيئة وانتهاكاتها الفوضوي والعشوائي من جهة ثالثة لها تأثير بالغ في انخفاض قدرة الأراضي الزراعية على الإنتاج الزراعي والحيواني والصناعي ، خاصة مع الانعكاسات البيئية الخطيرة المرافقة للمتلوثات الصناعية والكيميائية كالاحتباس الحراري والأمطار الحمضية والتصحر الذي يفقد قدرة التربة من خصوبتها وقدرتها على العطاء الزراعي وهذا ما يشكل عامل أساسي في انخفاض معدل الإنتاج القطاع الزراعي ،في الوقت الذي نشهد فيه زيادات سكانية وارتفاع في حجم النمو السكاني الديمغرافي ومدى قدرة الإنتاج الزراعي على تلبية الحاجات البشرية من المواد الغذائية في ظل تقلص هذا الإنتاج وازدياد النمو البشري المرافق لهذه المشكلة.
في ظل هذا الواقع المرير الذي يسيطر على دول العالم أجمع وإزاء سيطرة موجة الغلاء الذي أنعكس سلبا ً على أكثر من ثلثي سكان العالم لما تخبط به من فقر وحرمان ولا سيما في البلدان النامية وخاصة في البلدان الأفريقية التي يسيطر المجاعة على غالبية سكانها ، وهذا ما دفع العديد من دول العالم الأول إلى الاجتماع طارئ من أجل إيجاد الحلول اللازمة لهذا الارتفاع في الأسعار للمواد الغذائية ، والجدير بالذكر هنا ، أن ثمة محاولة جدية لخفض سعر البرميل النفط عبر زيادة الإنتاج النفطي من جهة وتوفير الطاقة للمنتجين الصناعيين والزراعيين من جهة أخرى عبر دعم المحروقات لما لا تأثير في عامل الإنتاج كمواد أساسية في القطاع الإنتاجي الزراعي والصناعي على حد سواء ، وذلك في سبيل خفض الأسعار المواد الاستهلاكية التي يعيش عليها الإنسان ولا سيما الأسعار المواد الغذائية الأساسية .
إلا أن العامل الأساسي الذي ساهم في تأزم هذه المشكلة ، ذلك التحول العالمي الذي تعيشه المجتمعات من خلال التحول البيئي لدى جغرافيتها الطبيعية والمناخية ؛ وما يتعرض إليه القطاع البيئي من مشاكل سواء ضمن عناصره المائية ، الهوائية أو التربة وبنية الأرض ، وكل هذه المشاكل قد انعكست بالدرجة الأولى ،على مدى قدرة البلدان في تأمين الحصة الغذائية لشعبها ، ومدى قدرتها على توفير الآمن الغذائي لشعبها ، والذي يضمن لهم النمو الجسدي السليم ويحفظ جسدهم من الأمراض الناجمة عن نقص في الغذاء وذلك كما أشار به مثلث "ماسلو" من احتياجات غذائية يجب توفرها للفرد وللأطفال كسبيل رئيسي لنمو جسدي سليم .
والجدير بالذكر هنا ، نجد أن الأمن الغذائي العربي يحتل موقعاً متقدماً بين النشاطات المتعددة التي تقوم بها المنظمة العربية للتنمية الزراعية لتطوير القطاع الزراعي في المنطقة العربية. ويرد ذلك الاهتمام المتواصل بالأمن الغذائي إلى الدور المتعاظم الذي يلعبه الغذاء الآمن في إعداد المواطن العربي لمجابهة التحديات الكبيرة التي تفرضها عولمة الاقتصاد. ذلك أن المتغيرات السياسية والاقتصادية الهائلة التي انتظمت العالم خلال الفترة الماضية تجعل الحاجة أكثر إلحاحا لتكامل الجهود العربية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية المختلفة. ولعل أهم العوامل المساعدة على تحقيق هذا الهدف هو رصد مجمل التطورات التي تشهدها المنطقة العربية في مجال الأمن الغذائي، ومقارنتها بالمتغيرات التي تصاحبها على المستوى العالمي. (1)
والجدير بالذكر هنا أن المجتمع العربي يعد من المجتمعات المستهلك وليست المنتجة للموارد الغذائية ، رغم تمتع هذا المجتمع بالبنية البيئية اللازمة للإنتاج الزراعي ، ومن مصدر مائي هام يتفاوت من بلد لآخر حسب الموقع الجغرافي ، وننوه هنا أن لبنان من البلدان العربية الذي يتمتع بمورد مائي هام ، لما يختزن من خزان مائي كبير في باطن الأرض عدا عن عدد كبير من الأنهار والينابيع ،والآبار الارتوازية ، ورغم ذلك نجد أن النظام اللبناني لا يحقق الاكتفاء الذاتي الغذائي ولا يحقق الأمن الغذائي تبعا ً لما يسيطر على هذا المجتمع وعلى بيئته العديد من المشاكل الاجتماعية والسياسية والأمنية.إلا أن القطاع الزراعي في المجتمع اللبناني يعتبر هشا ً نظراً لما يتعرض إليه من مشاكل طبيعية وبشرية تكمن من خلال المؤثرات التالية :
1-إن الأراضي الزراعية في المجتمع اللبناني التي تبلغ قرابة 300 ألف هكتار من المساحة الإجمالية العامة للبلاد ، والتي تبلغ المساحة المزروعة فعليا 200ألف هكتار من المساحة الإجمالية ، فإن المروي منها يبلغ 83 ألف هكتار فقط أما المساحة الغير مروية تبلغ 117 ألف هكتار.(2)
2-يفتقر النظام الزراعي اللبناني للمختبرات العلمية التي تحدد نوعية الإنتاج المرافق لنوعية التربة .
3-نجد أن الوزارة المختصة بالقطاع الزراعي ليس لها أي إجراءات فاعلة لمعالجة مشاكل المزارعين ، وتطوير هذا القطاع الحيوي تبعا لما تعانيه من نقص في الخبرات ، ونقص في موازنتها التي تفتقر للأموال الأزمة من أجل أي مشروع تطويري في البلاد ، وذلك بسبب النظام الاقتصادي اللبناني الذي يعتمد على قطاع التجارة والخدمات السياحية على حساب القطاعات الأخرى .
4-يعيش القطاع الزراعي مشاكل عديدة مما ينعكس سلبا على المردود الإنتاجي للمزارع مما يدفعه إلى ترك هذا القطاع والتحول إلى قطاعات أخرى أكثر ربحا وأقل جهدا .
5- يتعرض المزارع إلى مشاكل عديدة وأهمها مشاكل طبيعة وكوارث مناخية مما يؤدي سلبا على حجم الإنتاج الزراعي وتقلص أرباحه ، وهذا ما يجعل المزارع غير مهتم بهذا القطاع ، ولا سيما أن حجم التعويضات اقل من حجم خسائره المادية .
6- يفتقر المزارع إلى المعرفة للتكنولوجيا الزراعية ويفتقر للمختبرات العلمية، وللخبرة في تطوير زراعته ، ويفتقر أيضا للقدرة المالية المناسبة للتطوير القطاع الزراعي لديه ، وذلك لعدم توفر البنوك التسليف الزراعي .
7- حجم المزروعات المستوردة تتضارب مع الإنتاج الزراعي الموجود في البلد مما يؤدي إلى تضارب الأسعار وخفض الأرباح لدى المزارعين اللبنانيين .
8- تعاقب الوزارات والحكومات عبر المراحل الزمنية ، ولكن المشكلة المتعلقة بالقطاع الزراعي والصناعي تبقى ، كون لا يكون هناك مخطط متكامل للقضاء على مشاكلها بشكل جذري ، عبر تخطيط منظم قائم على البحث العلمي الشامل للقطاعات المتعلقة بهذا القطاع المهني ، إنما تكمن الحلول في التلطيف من آثار مشاكلها بشكل سطحي .
9-بسبب ما نجد من تفاوت مناطقي بين الأرياف والمدن في توزع الخدمات الصحية والتعليمية والإدارات الرسمية ، نلاحظ استمرار لوتيرة النزوح الدائم تجاه المدن ، فتهمل الأرياف ويهمل معها القطاع الزراعي ، بسبب تحول مهني ، وهكذا تبقى الأراضي بور ، وتفقد التربة قدرتها على الإنتاج الزراعي بسبب ما تفقده من خصوبة ، وهذا يتكبد الكثير من الجهد والأموال لاستعادة خصوبة الأراضي الزراعية ، فتتعرض للإهمال من قبل أصحابها جراء ذلك .
10-نجد أن تحول الأراضي إلى مسلح باطوني في الكثير من المناطق اللبنانية ، وغزو المنشآت العقارية لما تحققه من أرباح سريعة ، إلى تحويل الأراضي الزراعية لمناطق سكنية رغم القانون العقاري الذي صدر والمتعلق بعدم منح رخص للبناء في الأراضي الزراعية ، ولكن بفعل المحسوبيات والوساطة ، تم تحويل قسم لا بأس منه من الأراضي إلى مناطق سكنية ، وهذا كله تم على حساب القطاع الزراعي وحجم الإنتاج الواجب توفيره للسكان من الإنتاج الداخلي.
11- التلوث البيئي المستمر بسبب الانتهاكات البشرية الفوضوية للموارد المائية والهوائية والبرية ، انعكست بطريقة غير مباشرة على حجم الإنتاج وجودته .
بسبب كل هذه العوامل والمؤثرات نجد أن الأمن الغذائي الداخلي غير متوفر لأكثر من ثلثي الشعب اللبناني ، الذي يعيش تدهور معيشي وفقر ، تعجز الأسر اللبناني في تأمين قوت أبنائها الأساسية من المواد الغذائية ، وخاصة للأطفال ،من مواد تتعلق بالإنتاج الحيواني ، كالحليب ومشتقاته ، والذي ارتفع سعره بشكل هائل ، لأكثر من الضعف ، خاصة أن الأسر اللبنانية ما زالت تعتمد الإنجاب الكثير في غالبتها ، وهذا ما انعكس سلبا ً على حجم قدرتها في توفير الأمن الغذائي لأفرادها . في ظل قطاع إنتاجي لا يحقق الاكتفاء الذاتي ، من الإنتاج الزراعي والصناعي الغذائي،كون النظام الاقتصادي اللبناني يعد من الأنظمة المستهلكة وليست المنتجة . ومن خلال هذا الواقع المتردي لا بد من إحداث نقلة نوعية ، في النظام الاقتصادي اللبناني والبيئي ، في سبيل دعم القطاعات المنتجة وتأمين الأمن الغذائي للشعب اللبناني بالدرجة الأولى للطبقات الكادحة التي تفتقر لأي أمن اجتماعي أو معيشي ، والتي تأخذ هذه الطبقة بالاتساع عبر المراحل الزمنية التي تلت الحرب الأهلية اللبنانية ، وهذا يعود بالدرجة الأولى إلى سوء إدارة الحكومة للنظام الاقتصادي اللبناني . وإفلاس القطاعات الإنتاجية المتوسطة الحجم والصغيرة أما القطاعات الضخمة ، في ظل سيطرة للشركات العملاقة المتعددة الجنسية وسيطرتها على النظام الاقتصادي المحلي.
1) تقديمhttp://doc.abhatoo.net.ma/spip.php?article841
2) د. رضوان العجل ، أنظمة الاستثمار الزراعي في عكار واقعها وانعكاساتها ، أطروحة دكتوراه في علم اجتماع التنمية ، ص :99








https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن