حوار مع الاخ فؤاد نمري (7)

حسقيل قوجمان
ykojaman@googlemail.com

2008 / 7 / 19

ما معنى المجتمع الإستهلاكي أو الخدماتي الذي لم يعد رأسمالياً ؟
يبدأ الاخ فؤاد نمري جوابه على هذا السؤال بمقدمة عن مزايا المرحلة الراسمالية ك"خاصية الانتاج بالجملة"، "تحويل الناس بالجملة الى بروليتاريا" "وكونها الام التي تحمل بالشيوعية" وكونها حسب رايه "اول نظام كرس قدسية قوة العمل" الى اخره من مزايا النظام الراسمالي. ويختتم مقدمته بالعبارة التالية: "ولعل إحدى هذه الحسنات هي الاحتفاظ بالطبقة الوسطى طبقة رقيقة وهشّة، محدودة الإنتاج كيلا تثقل كلفة خدماتها دورة الإنتاج الرأسمالي في السوق وتحمله كلفاً إضافية لا تعود بأدنى فائدة على المستهلك ."
ان المراتب المتوسطة في النظام الراسمالي او ما يسميه الاخ فؤاد الطبقة الوسطى تتألف من عناصر كثيرة مختلفة الطابع الطبقي وتختلف في اسلوب عملها وحصولها على مدخولها الذي تعيش منه. وليست جميع هذه المراتب مراتب منتجة بالمعنى الحقيقي للانتاج. فمرتبة متوسطي الفلاحين هي اكبر المراتب عددا وهي مرتبة منتجة للمنتجات الزراعية. والنظام الراسمالي حارب هذه المرتبة وضايقها وحول اقساما منها بالجملة الى مستوى البروليتاريا. اذ ان الانتاج الزراعي الواسع النطاق الذي يستخدم احدث المكائن الزراعية والاساليب العلمية ينافس انتاج الفلاح المتوسط الذي يعتمد على الاساليب والادوات البدائية في الزراعة. فهذه المرتبة من الفلاحين تتحول بصورة كبيرة الى مرتبة فقراء الفلاحين اذ تضطر الى التخلي عن اراضيها الزراعية لمصلحة برجوازية الريف التي تشكل جزءا من الطبقة الراسمالية.
وفي المدينة توجد مراتب انتاجية حرفية اخرى متوسطة اكثرها من بقايا النظام الاقطاعي. فهناك بقايا الاصناف التي كانت هي السائدة في الانتاج الصناعي البدائي في المرحلة الاقطاعية كالصفارين والحدادين والنجارين والندافين والخياطين والنساجين والصاغة وغيرهم. وهذه الفئات تعاني من ضغط الراسمالية ما يؤدي بها الى الانقراض لان انتاجها يستند الى الصناعات البدائية والعمل اليدوي ولا تستطيع المنافسة والصمود امام الانتاج الصناعي الراسمالي الواسع النطاق. وتاريخ التطور الراسمالي زاخر بمآسي المراتب الحرفية في المدينة وفي الريف لهذا السبب.
اما المراتب المثقفة فهي مراتب غير منتجة بالمعنى المعروف للانتاج. فاعمال هذه المراتب المثقفة تكون عن طريق تقديم خدماتها للطبقة الحاكمة في كل نظام وفي النظام الراسمالي تقدم خدماتها للطبقة الراسمالية. فالعلماء والاساتذة والمعلمون والمحامون والصحفيون والمهندسون والاطباء والمحاسبون كلهم يحصلون على دخولهم عن طريق تقديم الخدمات للشركات الراسمالية او للحكومة الراسمالية كموظفين. وحتى الضمير يصبح سلعة تقدم الخدمات للنظام الراسمالي لقاء اجور. فهذه المراتب ليست مراتب منتجة بل مراتب تساعد الانتاج الراسمالي بطريقة عملها المتخصصة. ولا يمكن فصل هذه الخدمات وجعلها مستقلة عن الانتاج الراسمالي السائد. ونمو هذه المراتب الثقافية "نموا سرطانيا" يجري بسبب زيادة حاجة النظام الراسمالي والحكومات الراسمالية الى هذه الخدمات.
وبعد هذه المقدمة عن مزايا النظام الراسمالي وخصائصه ينتقل الاخ فؤاد الى تفحص اوضاع الدول التي "كانت راسمالية" ويتخذ الولايات المتحدة نموذجا لها ويقول: "لنتفحص واقع حال الولايات المتحدة الأميركية اليوم ومدى احتفاظها بذات الخصائص وقد كانت الدولة الرأسمالية الإمبريالية النموذج في نهاية الحقبة الرأسمالية في ستينيات القرن الماضي" وفي هذه العبارة يعلمنا الاخ فؤاد بان الحقبة الراسمالية انتهت في الستينات وربما في السبعينات من القرن الماضي. ويؤكد على ان هذه الدولة كانت الدولة الامبريالية النموذج في اواخر عهد الراسمالية الامبريالية. ثم يتفحص ما تبقى من خصائصها الراسمالية بعد انتهاء حقبتها الراسمالية.
واول موضوع يتطرق اليه في هذا الخصوص هو: "تعاني السوق الأميركية منذ السبعينيات من شح متفاقم في السلع الإستهلاكية مما يضطرها لأن تكون سوقاً مفتوحة لواردات بضاعية ضخمه من بلدان شرق آسيا وخاصة الصين" لا شك ان المنتجات الصينية غزت واغرقت الاسواق الامبريالية بصورة واضحة. اذ كل سلعة رخيصة اصبحنا نقول انها صناعة صينية. ولكن السياسة الراسمالية في اغراق الاسواق ليست جديدة بل مارستها وما زالت تمارسها جميع الدول الراسمالية خصوصا بعد تحولها الى دول امبريالية. فمن المعروف على سبيل المثال ان المرء يستطيع ان يشتري السيارة المنتجة في بريطانيا في اوروبا بسعر ارخص من شرائها في بريطانيا. ولكن المثل الاكبر لاغراق الاسواق كان قبل الحرب العالمية الثانية بالبضائع اليابانية. فكان يطلق على كل بضاعة رخيصة "صنع في اليابان". فحتى قبل الحرب العالمية الثانية كانت اسواق الدول الامبريالية كلها مغرقة بالسلع اليابانية الرخيصة. والصين ليست وحيدة في هذا المجال في ايامنا بل تقوم دول اخرى بانتاج الكثير من مثل هذه المنتجات الاستهلاكية وتغرق بها الاسواق الراسمالية. فتايوان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وتايلاند وغيرها كلها تنتج مثل هذه المنتجات الرخيصة التي تغزو الاسواق الراسمالية. ولكن ما طبيعة هذا الانتاج ولماذا استطاع ان يغزو الاسواق الراسمالية؟
اولا ان طبيعة المواد الاستهلاكية المنتجة في هذه البلدان بضائع يجري انتاجها وفق احدث ما توصل اليه العلم من الثورة التكنولوجية. فهذه المواد تشمل الحاسبات ومطابع الليزر والهواتف المحمولة والكامرات والتلفيزيونات وكل منتجات الثورة التكنولوجية. ولكن انتاج ادوات الانتاج المتقدمة اللازمة لانتاج هذه المنتجات لا يجري في هذه البلدان بل تحتاج هذه البلدان الى استيرادها من الدول الصناعية الكبرى او الدول الخمس او السبع "الغنية" كما يسميها الاخ فؤاد. فالدول الراسمالية الصناعية الكبرى لا تسمح للدول التابعة والمستعمرة بان تتقدم صناعيا الى درجة انتاج وسائل الانتاج. هي تسمح لهذه الدول بانتاج المواد الاستهلاكية المتقدمة بوسائل انتاج لا تستطيع هذه الدول الحصول عليها الا باستيرادها من الدول الراسمالية الكبرى. وهذه سياسة امبريالية معروفة استخدمتها الامبريالية طيلة تاريخها حتى حين كانت تجعل الدول التابعة منتجة لسلعة اولية واحدة كالتمر في العراق والبن في البرازيل. فاذا تمردت احدى هذه الدول وارادت ان تستقل صناعيا تستطيع الدولة الراسمالية المصدرة لادوات الانتاج خنقها اقتصاديا عن طريق عدم تزويدها بوسائل الانتاج او قطع غيارها. وكان سلوك الحكومة السوفييتية الخروشوفية مثالا رائعا على ذلك حين قطعت عن الصين فجأة وبدون انذار ادوات الانتاج وقطع الغيار من اجل اخضاعها للسياسة الخروشوفية او القضاء عليها صناعيا. وقد يمكن اعتبار الصين شاذة في هذا المجال اذ ان سلوك الحكومة الصينينة بعد اعلان الجمهورية الشعبية كان مستقلا عن السياسة الامبريالية مما ادى الى تكون صناعات وسائل الانتاج التي نراها متطورة الان في الصين ولكن الصين الحالية كما هو معلوم تسمح للشركات الامبريالية الكبرى ان تعمل في الصين وان تكسب المليارات عن طريق استغلال عمالها وموادها الخام.
ولكي تستطيع الصين او الدول الاخرى اغراق اسواق الولايات المتحدة وسائر الدول الامبريالية يجب عليها اولا انتاج هذه المواد. وانتاج هذه المواد يتطلب وجود مصانع كبرى تستخدم الملايين من العمال لهذا الغرض. وهذه المصانع الكبرى اما تدار براسمال امبريالي اميركي او غير اميركي او براسمال محلي او راسمال مشترك. ولكنه على اية حال راسمال يستغل فائض القيمة من ملايين العمال المحليين في هذه البلدان. والفرق الوحيد هو ان عمال هذه البلدان ارخص من عمال البلدان الراسمالية الكبرى والمواد الخام اللازمة هناك ارخص منها في البلدان الراسمالية. فاغراق الدول الامبريالية بالبضائع الرخيصة من هذه البلدان لا يعني انتهاء الراسمالية بل يعني زيادة استغلالها للطبقة العاملة العالمية وزيادة نسبة فائض القيمة المنتزعة من الطبقة العاملة. وهذا ما يفسر ما اشار اليه الاخ فؤاد بقوله: "ويبلغ العجز في الميزات التجاري للولايات المتحدة أكثر من ملياري دولار يومياً ؛" ويستنتج الاخ فؤاد "ومثل هذه الحقيقة وحدها تنفي تماماً تواجد الإقتصاد الرأسمالي في المجتمع الأميركي بصورة رئيسية."
ولكن هل الانتاج الراسمالي مقصور على انتاج السلع الاستهلاكية؟ لا شك ان المرء يجب ان يكون في منتهى السذاجة لكي يتوصل الى ذلك. فمن المعروف ان الولايات المتحدة اضافة الى كونها اكبر منتج لادوات الانتاج اكبر منتج للاسلحة في العالم. وفي تحقيق قرأته قبل سنوات عديدة يشار الى ان الراسمال المستخدم في الانتاج العسكري في العالم يبلغ مئات اضعاف الراسمال المستخدم في الانتاج المدني. ولا شك ان هذه الظاهرة ازدادت تفاقما بعد دخول غزو الفضاء الى العملية الانتاجية. ويكفي ان نذكر ان المملكة العربية السعودية وحدها تشتري من الاسلحة بعشرات المليارات كل سنة وان حروب اسرائيل المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني وضد الدول العربية مزودة بالدرجة الرئيسية من الاسلحة الاميركية. وانتاج الاسلحة لا يجري عن طريق البرجوازية الوضيعة لانها ليست طبقة منتجة حتى في عرف الاخ فؤاد بل يجري عن طريق اكبر الشركات الامبريالية التي عرفها التاريخ البشري. ولا يقتصر انتاج الاسلحة الاميركية على الطائرات والدبابات والبوارج والمدافع والصواريخ التي يجري بيعها لحكومات العالم كله بل يشمل انتاج القنابل الذرية والقنابل الهيدروجينية والقنابل الالكترونية غير المعدة للبيع علنا ولكن الولايات المتحدة تختزن منها ما يكفي لابادة العالم مئات المرات وما زالت تواصل انتاجها وانتاج اسلحة اخرى جديدة لمصلحة شركات انتاج الاسلحة. ويسود اليوم في الولايات المتحدة خصوصا وفي الدول الامبريالية عموما انتاج مواد غزو الفضاء التي يكلف انتاجها اضعاف ما يكلفه انتاج الاسلحة الاخرى. وليس خافيا على احد برنامج اميركا لنصب جدار الدفاع ضد الصواريخ الذي تريد فرضه على العالم كله وهو برنامج هائل النفقات وهائل الارباح. وكل هذه الاصناف من الانتاج لا يمكن انتاجها الا عن طريق الراسمال والطبقة العاملة. واذا اخذنا زيادة الخدمات كما يشير الى ذلك الاخ فؤاد فان هذه الخدمات ليست بالدرجة الرئيسية سوى خدمات يقدمها العلماء والمهندسون وذوو الاختصاصات المختلفة التي يتطلبها انتاج مثل هذه الاسلحة والمعدات. فهي خدمات تقدم اما للحكومات الامبريالية مباشرة او للشركات الامبريالية الكبرى المسؤولة عن انتاج هذه الاسلحة وادوات غزو الفضاء.
قرأت عن استغلال الشركات الاجنبية العاملة في الصين انها تستغل العمال الصينيين بتشغيلهم خمس عشرة ساعة في اليوم سبعة ايام في الاسبوع وباجور تافهة. وقرأت عن انتاج شركة (Nike) المنتجة للاحذية الرياضية انها تنفذ سياسة استعباد ضد العمال في هذه البلدان بحيث ان العامل لا يكسب من انتاج هذه الاحذية الباهظة الثمن ثمن قيطان الحذاء الذي انتجه. اهداني ولدي بذكرى ميلادي الاخيرة ماكنة حلاقة فيليبس جديدة. وحين فحصت مكان انتاجها تبين انها منتجة في الصين. فشركة فيليبس او الشركة المنتجة لشركة فيليبس تصنع مكائن الحلاقة في الصين لانها تكلفها هناك عشر تكلفة انتاجها في البلدان الاوروبية او اقل. وبهذه الطريقة تزيد شركة فيليبس من نسبة فائض القيمة المستلب من العمال. وماكنة الحلاقة هذه نموذج للمواد الاستهلاكية التي تغرق البلدان الراسمالية وهي مواد تنتج بنفس الطريقة الراسمالية التي عرفناها منذ نشوء الراسمالية حتى يومنا طريقة امتلاك الراسمالي لادوات الانتاج والراسمال وتأجير العمال والاستفادة من فائض القيمة الذي ينتجونه. فاغراق اسواق الدول الصناعية الكبرى بالمواد الاستهلاكية احدى الصفات الاساسية للنظام الامبريالي.
ويقول الاخ فؤاد انه نتيجة لزيادة الانتاج الخدمي على الانتاج الراسمالي في الولايات المتحدة : "وتبعاً لذلك فقد انكمش حجم الطبقة العاملة بصورة خطيرة لدرجة أن صراعها ضد أعدائها الطبقيين لم يعد محسوساً بالرغم من أنها لم تعد تواجه قوى القمع المكارثية التي واجهتها في الخمسينيات." تنقسم هذه العبارة الى قسمين. اولهما هو ان الطبقة العاملة في الولايات المتحدة تقلصت بصورة خطيرة. ولم يستند الاخ فؤاد في هذا القسم الى احصائيات محددة للطبقة العاملة الاميركية والى نسبة هذا الانخفاض الخطير. ولنفرض جدلا ان هذا القول صحيح ودقيق جدا. فما هو واجب الباحث المهتم بتطور الطبقة العاملة بهذا الخصوص؟ يبدو لي ان واجب باحث من هذا النوع ان يدرس الاسباب التي ادت الى انخفاض عدد الطبقة العاملة. فهل نجم هذا الانخفاض عن تحول اعداد منها الى برجوازية وضيعة؟ هل نجم هذا الانخفاض عن ظاهرة زيادة الوفيات على الولادات؟ هل نجم هذا الانخفاض نتيجة لنزوح الطبقة العاملة الاميركية الى بلدان اخرى بحثا عن العمل؟ فمهمة الباحث هي تحديد هذه الاسباب والعمل على اصلاحها وتفاديها ان كان ممكنا. قرأت اخيرا احصاءا عن انخفاض سكان روسيا مليونا كل سنة وحدد الكاتب سبب ذلك الى نزوح السكان الى بلدان اوروبا الاخرى بحثا عن العمل. فتقلص عدد الطبقة العاملة ظاهرة تحتاج الى الدراسة والمعالجة. والطبقة العاملة الاميركية ليست سوى جزء من الطبقة العاملة العالمية. فهل يعني تقلص عدد البروليتاريا في الولايات المتحدة تقلص عددها في العالم كله ايضا؟
والشق الثاني من العبارة هو ان صراع الطبقة العاملة ضد اعدائها الطبقيين لم يعد محسوسا. ويقدم الاخ فؤاد هذه الظاهرة كأنها نتيجة لهذا التقلص في الطبقة العاملة. فهل يمكن الربط بين تقلص عدد العمال وبين نضالاتهم ضد اعدائهم الطبقيين؟ لا اعتقد ان هاتين الظاهرتين مرتبطتين احداهما بالاخرى. فنضال الطبقة العاملة ضد اعدائها الطبقيين ينجم عن ظروف استخدام واستغلال الطبقة العاملة وليس نتيجة لكثرة عددها او قلته. فالعمال يناضلون من اجل زيادة اجورهم من اجل تقصير يوم العمل من اجل مساواة اجور المرأة بالرجل، من اجل تحسين الوقاية الصحية في المعامل من اجل ضمان صحي للطبقة العاملة من اجل ضمان ثقافة اطفالهم من اجل منع استخدام الاطفال. هذا اذا تركنا جانبا نضال الطبقة العاملة من اجل الاطاحة باعدائها الطبقيين وولادة الجنين الذي يحمل به النظام الراسمالي وتحقيق نظامها الاشتراكي. هذا النضال يصح في بلد يبلغ عماله عشرات ومئات الملايين وبلد يبلغ عماله مئات الالوف على حد سواء. فتقلص عدد الطبقة العاملة لا يمكن اعتباره سببا لتقلص الصراع ضد اعداء الطبقة العاملة الطبقيين.
وفي حالة انحسار نضالات الطبقة العاملة على الباحث المهتم بحياة الطبقة العاملة ان يدرس هنا ايضا الاسباب التي ادت اليه. فهل سبب ذلك هو تقاعس قيادات النقابات العمالية عن توجيه نضالات الطبقة العاملة توجيها نضاليا صحيحا؟ هل سببه دكتاتورية الطبقة الحاكمة ضد اتحادات العمال؟ هل سببه تحسن ظروف الطبقة العاملة الاقتصادية؟ هل سببه ضحالة وعي الطبقة العاملة؟ الى ذلك من الاسباب التي تؤدي الى تضاؤل نضالات الطبقة العاملة ضد اعدائها الطبقيين.
ومن هم اعداء الطبقة العاملة الطبقيين؟ هل هم البرجوازية الوضيعة التي تريد افتراس الطبقة العاملة؟ ام هم الفئات التي تستخدم الطبقة العاملة لتستغل فائض القيمة منها؟ اذا طالب العمال بزيادة اجورهم مثلا هل تتصدى لهم البرجوازية الوضيعة في هذا النضال ام الطبقة الراسمالية؟ واذا نشط العمال ليساندوا مطلب زيادة الاجور وتحول ذلك الى اضراب او مظاهرة فمن الذي يقوم بتفريق المظاهرة بالهراوات والقنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه وحتى اطلاق النار احيانا؟ هل تقوم بذلك البرجوازية الوضيعة ام تقوم شرطة البلد بذلك والاستعانة بالجيش اذا تضخمت الامور؟ اذا تذكرنا فقط موقف حكومة ثاتشر في بريطانيا قبل سنوات في اضرات عمال مناجم الفحم وكيف تحولت الدولة البريطانية الى حكومة عسكرية ضد العمال كنموذج لذلك. فظاهرة انحسار نضال العمال ظاهرة لا علاقة لها بعدد العمال بل باستعداد العمال للنضال من اجل مطاليبهم التي لا يحصلون عليها الا عن طريق نضالهم ضد الراسماليين الذين يستخدمونهم.
ولكن البحث كله هو حول وجود النظام الراسمالي في العالم كله ولا ينحصر بوجوده في الولايات المتحدة. وحتى لو فرضنا ان النظام الراسمالي قد انتهى في الولايات المتحدة منذ السبعينات من القرن الماضي فهل هذا يعني ان انتاج السلع الخدمية التي تغرق بها اسواق الولايات المتحدة تنتج بطريقة لاراسمالية؟ وهل يعني تقلص عدد العمال في الولايات المتحدة تقلص عدد الطبقة العاملة العالمية كلها؟ ان ذلك يتطلب الاطلاع على احصائيات دقيقة بهذا الخصوص واثبات ان نهاية الراسمالية يؤدي الى تقلص الطبقة العاملة العالمية وانتهائها النهائي اذ لا وجود للطبقة العاملة العالمية بدون وجود راسماليين قادرين على شراء قوة عملها المصدر الوحيد لبقائها على قيد الحياة.
يقول الاخ فؤاد القاعدة الذهبية في العلوم السياسية تقول أن " من يُطعِمْ يحكمْ ". ولكي نقرر من يحكم الولايات المتحدة علينا ان نعرف من هو الذي يطعم فيها. ولكي يستطيع شخص ان يطعم او تستطيع دولة او طبقة ان تطعم عليها قبل كل شيء ان تحوز على مواد الطعام اللازمة لذلك. فليس بامكان من يطعم ان يطعم ما ليس لديه. والولايات المتحدة اصبحت مجتمعا استهلاكيا تحصل على موادها الاستهلاكية من الصين وتايوان وكوريا والملايو وسنغافورة وسائر بلدان اسيا الشرقية، ولا تستثنى اليابان عن ذلك رغم انها احدى الدول الخمس او السبع الغنية. ومن المعروف ان هناك صراع بين حكومة الولايات المتحدة وحكومة اليابان حول حجم صادرات كل منها الى الاخرى. فالمجهز الرئيسي للمواد الاستهلاكية التي يستهلكها مجتمع الولايات المتحدة هي الصين والبلدان الاخرى. فهل يمكن اعتبار راسماليي هذه الدول من يطعم شعب الولايات المتحدة ومن يحكم فيها استنادا للقاعدة الذهبية؟ او هل يمكن اعتبار حكام هذه الدول من يحكم الولايات المتحدة؟ الواقع هو ان هناك في الولايات المتحدة شركات تشتري هذه المواد الاستهلاكية من جميع هذه الدول وتقدمها الى المجتمع. فمن الذي يشتري هذه المواد الاستهلاكية ويوزعها في الولايات المتحدة اليوم؟ هل الطبقة المتوسطة او البرجوازية الوضيعة تقوم بهذا الدور؟ ان البرجوازية الوضيعة بطبيعتها المتوسطة لا تقوم بهذا الدور بل تقوم به شركات تجارية كبرى تستورد المواد الاستهلاكية باموال طائلة لتوزعها على المجتمع بارباح خيالية. هل يمكن ان نقول ان هذه الشركات التي تقوم بتوزيع المواد الاستهلاكية على المجتمع هي التي تطعم الشعب الاميركي؟ واذا كان الامر كذلك فعلينا ان نتوصل الى الاستنتاج المنطقي وهو ان الشركات التجارية الكبرى في الولايات المتحدة التي تطعم هي التي تحكم. فهل حقا "انتفت القاعدة المادية التي يستند عليها حكم الطبقة الرأسمالية؟" نتيجة لكون الشركات التجارية تستورد المواد الاستهلاكية براسمالها التجاري بدلا من انتاجها محليا لكي تطعم بها المجتمع الاميركي؟
يقول الاخ فؤاد "عندما كانت الولايات المتحدة تصدر البضائع ورؤوس الأموال الضخمة إلى اليابان من أجل إقامة سد منيع في أحد كوريدورات الثورة الشيوعية كانت إذّاك دولة رأسمالية إمبريالية. أما عندما كفت عن ذلك وغدت تستورد إحتياجات شعبها من الصين ومن اليابان فلا يمكن والحالة هذه أن توصف بالدولة الرأسمالية الإمبريالية . "
في هذه العبارة يدمج الاخ فؤاد موضوعين مختلفين، موضوع استيراد المواد الاستهلاكية، وموضوع تصدير رؤوس الاموال. اولا ان استيراد المواد الاستهلاكية من اسيا الشرقية لا يدل على عجز الولايات المتحدة عن انتاجها. اذ ان الولايات المتحدة تستورد هذه المواد لان استيرادها ارخص من انتاجها محليا وهذا ما يزيد ارباح الشركات المستوردة التي توزعها على المجتمع الاميركي. ولكن السؤال هو من هي الشركات التي تقوم بانتاج المواد الاستهلاكية التي تستوردها هذه الشركات؟ هل هي شركات راسمالية تستخدم العمال في بلادها كما كانت الدول الراسمالية السابقة؟ وهل هذا الانتاج ما زال انتاجا راسماليا؟ ومن هي الشركات المنتجة لهذه المواد الاستهلاكية في هذه البلدان؟ اليست على الاغلب شركات متعددة الجنسيات تعود حصة الاسد منها للشركات الامبريالية الاميركية؟ وحتى لو فرضنا ان الشركات المحلية وحدها هي التي تنتج جميع هذه المواد المستوردة اليس انتاجها انتاجا راسماليا؟
ولكن الاخ فؤاد يربط تصدير رؤوس الاموال باستيراد المواد الاستهلاكية وهما ظاهرتان اقتصاديتان مختلفتان. فهل حقا توقفت الولايات المتحدة او اية دولة امبريالية اخرى عن تصدير الاموال وهي الصفة الاساسية للنظام الامبريالي؟ لنترك جانبا الاموال المستثمرة في انتاج نفس المواد الاستهلاكية التي تستوردها الولايات المتحدة. فما هو دور البنكين العالميين اللذين تسيطر عليهما الولايات المتحدة؟ لقد اصبحت حكومة الولايات المتحدة اكبر حكومة مدينة في العالم اذ بلغت ديونها ارقاما خيالية. ولكن دول ما يسمى العالم الثالث كلها غارقة في الديون لهذين البنكين وغيرهما. ومشاكل هذه الديون بلغت ارقاما هائلة وكادت تؤدي الى انهيار بعض هذه الدول مثلما حصل لاندونيسيا. وان هذه القروض التي بلغت ارقاما هائلة موضوع بحث الدول السبع الغنية في كل مؤتمر لها ويجري البحث عن تخفيضها او الغائها. وهناك فرق بين هذه القروض وبين قروض الدولة الاميركية. فالقروض الاميركية قروض تتحملها الحكومة وتقترضها من شركاتها الامبريالية او من سائر مواطنيها لتمويل اهدافها الامبريالية. اما القروض التي تتحملها حكومات العالم الثالث فهي رؤوس اموال مصدرة من قبل الشركات الامبريالية كجزء من سياسة تصدير الاموال الامبريالية. وان سياسة العولمة تهدف اقتصاديا الى السيطرة على ما تبقى من اقتصاديات العالم ترافقها سياسة الخصخصة التي ليست سوى السيطرة على المشاريع الاقتصادية التي ما زالت تمتلكها حكومات جميع الدول والتي يكنى اليها القطاع العام اطلاقا الى ممتلكات خاصة تسيطر عليها بالدرجة الرئيسية الشركات الامبريالية الاميركية.
والنقطة الاخيرة التي اود مناقشتها في مقال الاخ فؤاد هي قوله: "ومن الجدير أن يذكر في هذا السياق المؤتمر الذي عقد في لندن في مارس 2000 وشارك فيه عن الولايات المتحدة الرئيس بل كلنتون ... " حيث اعلن "كنا نتباحث في كيفية إرساء الطريق الثالثة " (Third Way)" التي يعتبرها الاخ فؤاد "أي الطريق غير الرأسمالية وغير الإشتراكية بذات الوقت"
تعني هذه العبارة ان كلينتن يعتقد بوجود طريق ثالثة يتباحث مع رؤساء الدول الغنية الاخرى حول ترسيخها. فمتى بدأ المسير في هذه الطريق الثالثة؟ لابد ان هذه الطريق الثالثة بدأ السير بها منذ انهيار النظام الراسمالي في بداية السبعينات من القرن الماضي. فقد مضى على نشوء هذه الطريق الثالثة ربع قرن من الزمن ويتباحث كلينتن حول ترسيخها.
ان مؤتمرات الدول الغنية المتكررة كل سنة تبحث العديد من القضايا وتعلن عنها اثناء انعقاد المؤتمر او بعد انتهائه ولكن العبرة في التطبيق. وطبيعي ان الاعلام يلعب دوره في التطبيل لمثل هذه المحادثات. اود ان اشير الى واحد فقط من قرارات مؤتمرات الدول الغنية. فقد اتخذوا قرارا في احد مؤتمراتهم بتخفيض الفقر في العالم الى النصف في سنة ۲۰۱٥ ونحن اليوم في سنة ۲۰۰٨ فهل بدأ انخفاض الفقر في العالم ام تضاعف خلال هذه السنوات وتفاقم حاليا في ازمة ارتفاع اسعار المواد الغذائية ارتفاعا يهدد بابادة المزيد من سكان العالم جوعا وبتحويل الكثير من المزارع الغذائية الى مزارع لانتاج الوقود البيولوجي؟
والسؤال هو ما هي هذه الطريق الثالثة التي ليست طريقا راسمالية ولا طريقا اشتراكية؟ ما هو اسمها فقد كان لكل الانظمة الاجتماعية السابقة اسم؟ ما هو تركيبها الاقتصادي؟ ما طبيعة الحكام فيها؟ كيف تم المسير بها في الربع قرن المنصرم ولماذا تحتاج الى ترسيخها؟ ان من يبحث هذه الامور ليس الرئيس كلينتن او غيره من قادة الدول الكبرى وانما يجب ان يبحثه الانسان الماركسي ليحدد صفاتها ومزاياها وفوائدها واضرارها ويتوصل عن طريق ذلك الى وضع الطبقة العاملة في هذه الطريق. عليه قبل كل شيء ان يحدد من يمتلك ادوات الانتاج في المجتمع. لان كافة المجتمعات التي مرت بها البشرية كانت تتحدد بمن يمتلك ادوات الانتاج. وقد كانت الطبقة التي تمتلك ادوات الانتاج هي الطبقة التي تحدد اسم المرحلة التي يمر بها المجتمع. وهذا يصح على المجتمع العبودي والمجتمع الاقطاعي والمجتمع الراسمالي والمجتمع الشيوعي بمرحلتيه الاشتراكية والشيوعية. بل هو ايضا العامل الاساسي الذي حدد اسم مرحلة المشاعية البدائية. عليه ان يحدد العدو الاساسي في هذا النظام الجديد وان يضع للبروليتاريا شعارها فيما يتعلق بالقضاء على استغلال الانسان للانسان. واذا كان هذا النظام الجديد اللاراسمالي اللااشتراكي نظاما خاليا من الاستغلال فكيفية تطويره الى نظام اخر كنا نسميه نظاما شيوعيا. واذا كان نظاما استغلاليا جديدا فما هو طابع هذا الاستغلال الجديد وما هو طريق نضال الطبقة العاملة وما هي الشعارات الملائمة للاطاحة به وما هي القوى الشعبية التي من مصلحتها مشاركة الطبقة العاملة في نضالاتها بهذا الصدد. هذا ما فعله ماركس حين درس النظام الراسمالي وهذا ما فعله لينين حين درس النظام الامبريالي. وهذا ما على اي ماركسي ان يفعله في دراسة الطريق الثالثة ان وجدت. ان الطبقة العاملة لا تتكل على ما يقوله لها كلينتن ووريثه بوش لكي تقرر مصيرها.
ان الطبقة العاملة لا تنتظر من كلينتن ان يضع لها طريق نضالها وان النظام الاقتصادي، اي نظام اقتصادي، لا يمكن تغييره او ازالته بقرار يعقده مؤتمر للدول التي تمثله. النظام الراسمالي نظام قائم لا يمكن ازالته بقرارات مؤتمرية بل يجب ازالته بثورة عمالية تطيح به وتقيم نظامها الاقتصادي الجديد على انقاضه.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن