لماذا كانت هذه الرموز والاستعارات التي يحيطها الغموض موجودة بالكتب السماوية؟ وما الحكمة في صياغة كثير من الآيات في هذا القالب المجازي من التشبيهات؟-(2)

راندا شوقى الحمامصى
randa9992001@gmail.com

2008 / 7 / 19

يجب علينا ان نضع انفسنا في موضعنا الصحيح من هذا العالم ومن الحياه فيه كما يجب ان نكون على بينة من موقفنا حاليا ومانحن مقدمون عليه من قضاء محتوم بالوفاة التي تنقلنا الى عالم(احصاء المحصول)
ان انتقالنا من هذا العالم هو اشبه مايكون بسفينة تجهز في احدى المواني فعندما يحين موعد رحيلها فان علاقتها بالميناء ومابها من معدات وادوات وآلات واناس تكون قد انتهت لكي تبدأ سيرها في محيط اخر جديد سواء قد تم اعدادها وتزودت بما يلزمها من ادوات الملاحة وبقية المؤونة ام لم تتزود وتكون اخيرا امام حقيقة(واقعة) تتلخص في عبارة واحدة هي(ان ساعة الرحيل قد حانت)
والوفاة تحدث فجأة كما نعلم ونادرا ماتخطرنا بموعدها حتى نعد العدة لمثل هذه الرحلة الطويلة الهامة ولذلك فان الوفاة تحدث غالبا ونحن على غير استعداد وليست لدينا الرغبة في الرحيل، ولاشك ان الفكرة السائدة في الاذهان عن الوفاة هي انها كارثة لامفر منها
اما السبب في رسوخ هذه الفكرة لدى اغلب الناس هو ان الانسان ليس على صداقة متينة وثيقة مع ذاته الحقيقية ثم ليس على بينة من ان روحه هي كل مايقام له وزن واعتبار فهو يخلط بين الروح والجسد كما يخلط بين العقل والمخ، فالجسد هو وسيلة الروح لكسب الكمالات من الناحية الروحية، والمخ هو وسيلة العقل لكسب المعلومات من الناحية العقلية
والجسد وضمنه المخ يتحللان الى عناصر ومركبات بالوفاة، والروح والعقل(جانب من اشعتها بما حمل من سجلات الذاكرة) خالدان لانهما ليسا من نتائج الطبيعة وعناصرها كالجسد بل انهما سيدا الطبيعة والمهيمنان عليها، ولما كان الانسان يعلم ان جسده سيكون تراب او مصيره التراب، ولما كان على غير دراية او معرفة اكيده بنفسه المنطوي عليها لانه في هذا السبيل لم يقم باية محاولة لمعرفتها، فالانسان نتيجة لذلك ينظر الى الوفاة دائما نظرة ملؤها الخوف والهلع والفزع، ونظرا لما استقر عليه اعتقاده من ان الوفاة هي خاتمة حياته على هذه الارض فهو يسعى جاهدا في اغتراف اكبر قسط ممكن من هذه الحياة الدنيا فينغمس في الملذات دون وعي بل بكل جشع وشغف ذلك لانه متمثل امامه على الدوام غاية واحدة وهي السلوان والعزاء ازاء هذا الكابوس المهيمن على شعوره وتفكيره، هؤلاء الذين لايعتقدون او يشكون في ان الحياة مستمرة الى مابعد الوفاة.
اما اولئك(الحالمون) الذين يتوقعون ان تتحقق لهم الجنة باوصافها(نصا حرفياً) وسرحت فيها خيالاتهم، فلقد علمنا جانبا من اوهامهم وانها في انتظار تشريفهم وندعهم في احلامهم يسرحون، اما نحن وقد ادركنا الغرض من الحياة واهدافها واننا نمضي بمرور الايام والسنين الى نهاية محتومة واننا في تلك النهاية نشرع في رحلة الى عالم جديد في محيط جديد على صورة وبكيفية تغاير تماما الصورة والكيفية التي نعيش عليها في هذه الدنيا
فبناء على هذا يجب ان نكون مجهزين من الان على الاقل بكل مايلزم لهذه السفرة التي نحن مقبلون اليها حتما وفي هذا المقام يشير علينا ذو الجلال والاكرام في قرانه الكريم بقوله الحكيم:
(وماتفعلو من خير يعلمه الله وتزودوا فان خير الزاد التقوى)البقرة197
اي غذاء شهي هذا واي رزق عميم واية مؤونة نتزود بها رائعة لذوي الالباب في رحلتنا القادمة لكل منا، ولهذا لايصبح عجيبا ان يكون تفكيرنا في الوفاة سببا لسرورنا وهنائنا مع هذا الاطمئنان الذي يحيط مشاعرنا طالما نحن مزودون.
وفي هذا المقام قال تعالى في كلماته المكنونة:
ياابن العماء
جعلت لك الموت بشارة كيف تحزن منه وجعلت النور لك ضياء كيف تحتجب عنه
ياابن الروح
ببشارة النور ابشرك فاستبشر به والى مقر القدس ادعوك تحقق فيه لتسرع الى الابد
ياابن الانسان
افرح بسرور قلبك لتكون قابلا للقائي ومرآة لجمالي
ان الايام التي نقضيها في هذا العالم ليست مجرد ايام ثم تذهب مع الريح لكنها فترة من مراحل الحياة تهيئ لنا فرصة لاتقدر قيمتها كما انها لايعوض ذلك لان هناك اشياء واعمال لايمكن ان تؤديها على الوجه الصحيح المطلوب منا سوى مرة واحدة وتكون في فترة حياتنا هنا في هذه الدنيا، وان الشئ الوحيد الذي نأخذه معنا من هذا العالم هو مانكون عليه عند الوفاة وهو يشتمل على ماجنينا باجمعه دون تزييف او تغيير وهذه الحقيقة لاتحتمل تبديلا
تماما كما لو كنا في احدى حجرات المنزل بملابسنا مع الناس ثم ننتقل الى مكان اخر ونزيل ماعلينا من ثياب فنصبح على هيكلنا الاصليه دون ستر ولاحجاب.
وفي هذا المقام نرى ونستمع الى مانقراه
(يومئذ تعرضون لاتخفى منكم خافية)الحاقة18
هل طرق سمعك هذا التعبير؟ ولايبعد ان تكون قد مررت به ولم يطرأ معناه الحقيقي على خاطرك من قبل وكأن المعاني تنجلي امامك للمرة الاولى.
اننا بين مجيئنا الى هذا العالم ورحيلنا عنه نتطبع باشياء و نتأثر من طباع المحيطين بنا وفيها الكثير من التصنع والزيف
وكما ان الملابس تخفي تحتها العيوب الجسيمة وتستر النقص الجسدي منا كما انها تطمس معالم التشويهات الداخلية كذلك نجد ان العبارات المنمقة والفاظ التمجيد والاطراء تحل محل الحقيقة المجردة وتحاول اخفاءها ولكنها تنم غالبا عن النقص والتشويه الذي نشعر به في قرارة نفوسنا ونحن بهذا نخدع بعضنا البعض وكثيرا مانخدع انفسنا كذلك.
وهل فاتك او يفوتك استسلام الكثيرين منا الى الانصات لهمسات المديح التي ترددها لنا نفوسنا والغرور؟ ولكن الوفاة ترفع عنا تلك الاستار الزائفة للنقائص فتسقط عنا كلها كما يسقط الرداء من لابسه وندخل حياة جديدة على حقيقتنا المجردة العارية تماما، أفلا يجدر بنا ان نسأل انفسنا ونحاسبها ونجتهد في ان نرقى بها قبل ان نخطو تلك الخطوة التي لارجعة فيها؟!
هذه الدنيا حقل واسع للتجارب والافعال المختلفة وللتفاعل والرقي فكما ان اجسامنا تنمو تعمل كذلك ارواحنا فهي تتأثر بكل مايحيط بنا وبما نكتسبه ونأتيه من افعال وهي ايضا الى جانب هذا حساسة تتلقى المؤثرات وتنطبع بها وتحركنا دائما ثم هي كذلك تتزايد باكتسابها وتترقى. والروح عند الوفاة لاترتبط بالجسد ولا بالمادة لان فترة تفاعلها مع كل مايحيط ويحيطون بها قد بلغت نهايتها سواء طالت تلك الفترة ام قصرت فلايمكن بعد الوفاة ان تقوم الروح باعمال مثل تلك التي كانت تؤديها في هذا العالم ذلك لانها تكون قد قطعت صلتها بالاداة اي الجسم وكذلك قطعت صلتها بالمحيط السابق وهو هذا العالم بمن فيه ممن كانوا يتفاعلون معها وان كل مافي مقدورها او ماهو مرسوم لها هو البقاء والخلود مع مايلازمها من بقايا اشعتها واهمها الشعور والذاكرة والادراك وحالة خلود الروح هذه تكون اشبه بصورة مكبرة جدا لما كنا عليه وحدث لنا ومنا في هذه الحياة الدنيا ويمكن ان نقرب ذلك للاذهان بتشبيه هذه الحالة بالشريط السينمائي فاننا نلتقط صورا نسجل بها كل الاحداث التي تمر في هذه الحياة فتنطبع كل المرئيات والاجسام بالوانها وكذلك الاصوات على الشريط وتحفظ عليه. ونحن في حياتنا اليومية نصنع او نلتقط مثل هذا الشريط صورا صغيرة عديدة متوالية تصور ذاتنا وانفسنا وكل اعمالنا وتفاعلاتنا ولا تتوقف الالة باجهزتها عن التسجيل مطلقا ونحن في صميم خضم هذه الحياة المزدحمة بمشاغلنا المتباينة وفي غمرة انهماكنا في كل مايتوالى علينا من احداث ومناسبات لانكاد نجد من الوقت متسعا للتأمل في المناظر المتوالية او تقديرها بقدرها الصحيح لان غيرها من الصور تأتي لتأخذ دورها ومكانها وهكذا وهكذا أى لا نستطيع أن نوقف شريط التسجيل كى نقيّم ونراجع أعمالنا،فنكرر الصالح منها ونبتعد عن الطالح فيها.
وعند الوفاة يتوقف الالتقاط والتسجيل ويبدأ الشريط فورا في ان يعرض علينا بمشتملاته مكبرة جدا فتبرز الحوادث والاعمال لادراك ارواحنا واضحة جليه بكل مافيها من محاسن ومساوئ كما بين مساحة قطعة الصورة الصغيرة في الشريط وبين مساحة الشاشة الكبيرة
وفي هذا المقام ينبئنا القران الكريم عن الانفعالات التي تعتري الذين انتقلوا الى عالم الخلود فانفعلوا بما شاهدوه
(وفقالوا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها ووجدوا ماعملوا حاضرا ولايظلم ربك احدا) الكهف49
هاهي الصورة قد وضحت معالمها باكثر جلاء واما حضور ماعملوا لدى مشاهداتهم الوجدانية قد بين لهم كل صغيرة وكبيرة وذلك بان عبر عن هذا الحضور بانه مسجل في كتاب وما هناك كتاب بالمعنى الحسي وما هناك شريط ولا شاشة ولكنها الوسيلة الوحيدة لتصوير الحقائق المعنوية بهذه العبارات والالفاظ ذات المدلول الحسي.
واليك نموذجا اخر مما هو اكثر اتجاها نحو المعنويات في تعبيره:
(فاذا جاءت الطامة الكبرى يوم يتذكر الانسان ماسعى وبرزت الجحيم لمن يرى فأما من طغى واثر الحياة الدنيا فان الجحيم هوالمأوى واما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هي المأوى) المنازعات40 وال عمران 30 و161
أرايت الى قوة التعبير ووضوحه وتركيزه على الذاكرة الخالدة حيث يقول :يوم يتذكر الانسان ماسعى يوم لامكان للاعضاء الجسدية وانما المجال للذاكرة وحدها تستعرض محتوياتها بخيرها وشرها حيث تبينت نتيجة كل من السبيلين.
وهاقد حانت لحظة بدء الحصاد واجتزاز المحصول خالدين فيه هذا هو دور الادراك بقيمة هذا المحصول ثم عن دور الشعور لاي من الحالتين التي تلازم قيمة ذلك المحصول.
انه الحديث الموجه مباشرة للروح ومشاعر العاطفة من رهبة ومخافة وعذاب مهين في احدى ناحيتيه او بالراحة والنعيم والهناء المقيم في ناحية الاخرى.
ومع كل هذا الوضوح الذي تدعمه آيات السماء فانني مهما اوتيت من البلاغة والمقدرة على التعبير فان التشبيه لايكفي لتصوير حقيقة ماسوف يكون هناك. هنالك ولعل من فئة الطبيعين الذين لايعتقدون في وجود الله ولا كتبه ورسله لعل هناك من افراد هذه الفئة من يقرأ هذا البحث وبه هذه العبارات المنسقة دينيا ويود كعادته ان يكون هناك دليل طبيعي علمي يؤيد هذه البيانات ويساندها. الى هؤلاء نأتي بالبرهان العملي الواقعي الذي لاشك فيه
كلكم تعرفون شأن البرفوسور هكسلي وتعلمون انه من ائمة الطبيعين، اليكم بعض ماجاء في احدى محاضراته وقد القاها في جامعة برمنجهام في يوم 29 مايو1911 وكان عنوانها الشعور والحياة فبعد ان حلل الشعور ومناطقه والعلاقة بالذاكرة الى ان عبر عن اعتقاده بان الشعور هو الذاكرة قال: ان كثيرا من الوقائع تدل على ان الماضي محفوظ بأدق تفاصيله في الذاكرة وانه ليس هناك نسيان حقيقي ولقد سمعتم عن الغرقى والمخنوقين الذين نجو من الموت في اخر لحظة كيف انهم يقصون علينا ان ماضيهم كله قد ارتسم لهم في لحظة واحدة وفي وسعي ان اروي لكم امثلة اخرى ان هذا يحدث لمتسلق الجبال حين تزل به قدمه في منحدر فيعتقد انه انتهى ولكنه يقع في حفرة تحت المنحدر وينجو كذلك يحدث للجندي الذي يوشك عدوه ان يصيبه باطلاق النار فيحسب انه مات ذلك لان ماضينا موجود كله باستمرار وماعلينا كي ماندركه الا ان نلتفت الى وراء فيرتسم لنا بجميع تفاصيله.
ونكتفي الان بهذا البعض مما قال ولنا من الاسئلة مانقذف به الى اعماق تفكير اخواننا الطبيعين. مثل هذه الوقائع من المشاهدات المتعددة والحقائق التي حدثت وتحدث لمن كانوا على وشك الموت او الوفاة من الغرقى والمخنوقين والهابطين من الجبال الشاهقة وامثالهم لماذا يتحتم مثول الماض لكل منهم في اخر لحظة ولماذا هذه الحتمية وماشأن الماضي بهم في مثل هذه اللحظة الحاسمة من حياتهم انهم اذا كانوا مثل سائر المخلوقات من الحيوانات مثلا لكانوا قد مضوا الى سبيلهم وانتهى امرهم ولكن ماهذا الفارق البارز الذي يميز الانسان وينفرد به عن بقية المخلوقات بماذا نخرج من هذه الحقائق وقد اثبتها العلماء الباحثون وراء ادق التفاصيل التي تحيط بالحياة هل يكون ارتسام الماضي لمن كان على وشك الوفاة مما يعتبر في عداد العبث ام ان هناك مقاصد مؤكدة من وراء ذلك ترى هل لمستم الهدف الذي يكمن وراء حتمية ارتسام الماضي لكل انسان من لحظة الوفاة او اذا هي اوشكت انها حقيقة فرضت حتميتها الواقعة بما بينته هذه الابحاث العلمية كما قلنا ثم ان هناك مايستتبعها كما قال تعالى شأنه
وكم كان جميلا ذلك التعقيب الذي احاطنا به علما احد الاطباء حين ذكر: ان الموقف لدى امثال هؤلاء لايختصر على مجرد ان يتذكر الفرد كل ماضيه في مثل تلك اللحظة بل لقد رأينا انه يتبع ذلك ان الفرد منهم يغير كل اساليبه في الحياة ومعاملته للناس تغييرا ملموسا وليس في ذلك اي استثناء فتجده يصبح رقيقا في معاملاته هادئا في طباعه وتصرفاته دمث الاخلاق لدرجة تدعو للاعجاب.
اعتقد انه ليس من الضروري ان تحدث لكل انسان حادثة غرق او مايوشك به على الوفاة لكي يغير من طباعه وتصرفاته بل يكفي جدا ان يستوعب ماجاء في هذا البحث.
ويتبادر لذهني في هذه المناسبه من الاستيفاء ذكر ذلك الحديث الشريف الذي ألقى به الرسول الكريم لاحد الاقربين من خاصته بقوله: اذا مات احدكم فقد قامت قيامته
فاقول اولا:صدق الله العظيم لانه لاينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى علمه شديد القوى
ثانيا: ان هذا الحديث الشريف يؤيد بحقيقته الواضحة ما اثبته العلماء الطبيعين من مشاهداتهم.
واولها ان الانسان في الحياة الاخرى لايملك المقدرة على احداث تغير فيما قد تم تسجيله في شريط ذاكرته ولايستطيع ان يعدل أو يمحو ماكان قد اقترفه من اعمال في هذه الحياة الدنيا وان مقصدنا بالتعبير بكلمة الانسان ليس كيانه بجسمه بداهة اما عن عدم مقدرته وعدم استطاعته هذه فترجع اسبابها لان كل من المكان والناس الذين كانوا معه واشتركوا في اكتمال مشتملات ذلك الشريط الطويل قد ذهبوا عنه جميعا او انه هو قد ذهب عنهم حتى ان آلة التصوير قد توقفت نهائيا عن الالتقاط لان اغلب اركانها واجهزتها قد تعطلت وتلفت تماما وهي الجسم وحواسه اما بقية الاجهزة فان ضمنها الذاكرة وقد احتوت على المحصول كله فهل يمكن اعادة الجسد الى الوجود الدنيوي هذا سؤال من الناحية العلمية حيث تثبت القوانين العلمية استحالة هذه العودة وسؤال اخر من الناحية العلمية والروحية ماهي ضرورة عودة الجسم الى الحياة الدنيا مرة اخرى وماذا تفيد عودته أو لاي هدف يعود الجسم وماهو الغرض من تلك العودة كل هذه الاسئلة تجري في تيار الحقائق الالهية والى جانبها القوانين العلمية وهذه وتلك في مجموعها تهدم ذلك الصنم الاكبر من الاعتقاد المتأصل بان البعث من الاجداث ومايدور حوله ويلازمه يقتضي حتما خروج الاجساد من القبور المنتشرة في الارض. وبكل بساطة وقوة نذكر نقطتين بايجاز يكون فيهما القضاء على ذلك الاعتقاد الذي تسرب من جماجم الجهل الاول وانتشر حتى عمّ الجميع الا ماشاء الله
الاولى: لقد تبين لنا بما لايقبل الشك ان الروح هي مركز الشعور لاالجسد
الثانية: لقد اتضح لنا من موضوع توابع القيامة ولوازمها ان البعث والنشور والخروج وكل مايدور حول القيامة قد حدث وتحقق في ظهور كل رسول كما علمنا ان الجنة والنار قائمتان وملازمتان للخليقة وان حالة كل منهما مؤقتة في هذه الدنيا وحالتها الاخرى خالدة وملازمة للروح بعد الوفاة
ويعيد السؤال نفسه مع اضافة بسيطة ماهو مدى حقيقة ذلك الاعتقاد وماهي ضرورة عودة الجسم الى الحياة وما الغرض من ذلك ولايجد السؤال جوابا فيسقط ذلك الصنم الاكبر في ساحة العقول الواسعة .ولنعد الى جولة اخرى في هذا الموقف بعد ان تبينت لنا استحالت عودة الجسم او الصنم الى الحياة ولقد قصد هنا بمعنى الصنم انه المعبود الذي يدور حوله اهتمام الاغلبية الكبرى من الغافلين ويصرفون اعمارهم باكملها في ارضائه وتلبية مطالب الجسم ورغباته.
ونستطلع في جولتنا هذه بعض معالم ذلك الشريط الخالد البالغ الاهمية فاذا كان النعيم غبطة ومصدر سرور لنا بان نكافأ على الجهود التي بذلناها في اخراجه فاننا ربما وجدنا شريط الماضي عاديا ولا ميزة فيه ونتمنى لو اننا كنا قد زودنا ببعض المزايا حتى يصبح ذا قيمة او ربما وجدنا انه يكشف لنا عن حقائق بشعة نرتاع لها بمجرد تصورها بارتسامها لنا ونود لو انه كان في الامكان ادخال بعض التغيرات او اقل الكثير من التحسينات عليه ولكن هيهات وماذا يمكن ان نعمل او نفعل حين ذاك لاشئ فان الجسم والحياة الدنيا وظروفها والموضوع ومناسباته والمشتركين فيه وزمن كل هذا قد ولى وانتهى ولسوف نعاقب على اقتراف هذه الاعمال البشعة عقابا ابديا خالدا بخلود الروح بمشاهدة تلك الوقائع من ماضينا وادراكنا لمدى ماتبعدنا تلك الاعمال عن رضوان الله وعمن رضي عنهم وقربهم اليه(وعذاب الاخرة اشق)الرعد34 اي انه اشق من اي عذاب خبرته او سمعت به في هذه الحياة الدنيا وهذا اكثر هولا مافي هذه الحقائق الماثلة امامك فلاتتصور عذاب في الدنيا ايا كانت مشقته الا ويكون عذاب الافئدة اشق(نار الله الموقدة التي يطلع على الافئدة )
فاذا بدأ شخص حياته في هذه الدنيا باعوجاج ثم تبين خطأه و تدارك نفسه بان شرع بتقويم اعوجاجها فان مثل هذا الشخص سوف يصحب معه سجلا لا بأس به حين انتقاله الى العالم الاخر ذلك لانه قد تمكن من احداث التغيير بان يحل الحسنة محل السيئة طالما هو صاحب التصرف بسلوكه والفرصه مازالت حاضرة في متناوله فهو لايزال حي في الدنيا وقد اصبح من احياء الدنيا لامن امواتها الذين يعيشون تحت امواج غمراتها وفي قرار غفلتهم المهلكة، فالحياة بها كل المقومات الملائمة والاستعداد لتصحيح الاخطاء واستكمال النقص وكأنما بهذه العبارة وحدها قد وضعنا اساسا وقاعدة لبنيان مانحن مقدمون عليه بعد ان وعينا الموقف على حقيقته وذلك بارادتنا ورغبتنا، فان لنا ان نرسم معالم ذلك الشريط صورة تلو اخرى وجزء بعد الاخر ومن الموضوعات والاعمال ماهو تافه سطحي لاقيمة له وتتدرج الاعمال في اهميتها وعظمتها الى ان تبلغ ارقى مراتب الرفعة شأنا واسماها وانبلها مقاما ولكن اذا تركنا الفرصة تولي مع الزمن وجعلنا الاهمال ذلك المارد الهدام المدمر يتسرب الى نفوسنا فتزداد اعمالنا سوءا وتنتهي فترة بقاء الفرد على هذه الارض دون ان يزرع وينمي من خيرات مارزقه الله من نعم لاتحصى وتعد وباختصار القول اذا استغرق في غفلته دون ان يفيق لنفسه فان الفرصه تكون قد افلتت من يده الى الابد ولن يملك ان يقوم لنفسه بعد ذلك نفعا ولا ضرا.
وفي هذا المقام ينبئنا القران الكريم باقوالهم التي تعبر عما يردد في اذهانهم من امال ويقولون (ربنا اخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل اولم نعمركم مايتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير)فاطر37
تأمل مرة اخرى- ومرات- في هذا الامل الذي يراودهم- ولكن اين لامثالهم من اجابة هذا المطلب؟ انه المحال!
وعلاوة على انه قدسبق لنا توضيح الاستحالة-في مثل هذه المواقف- الا ان اية 37 من فاطر- تزيدنا تأكيدا لهذه الحقيقة في اخرها(اولم نعمركم بما يكفي ليتذكر فيه من افاق ورغب ان يتذكر؟) انها الذاكرة مرة اخرى علاوة على انها تعرض للبصائر النافذة لونا من الشعور بالرغبة فيما يشبه المساومة تعتري النفس عندما تتبين لها الحقيقة التي سوف تخلد عليها فهي اذا حالة شعور تغمر المجرمين ويتلمسون من وراء مساومتهم مخرجا ولكن هيهات!
فلاخروج لهم مما امسوا فيه كما انه لامكان هناك للتفاوض ويكفي ان تستدرك في تفكيرك سؤالا(مع من هذه المساومة ؟ واين!)
اما من حيث انه لاخروج من هذا الخلود-ولاعودة هنالك- ليصلحوا ماافسدوا فلقد اكد لنا القران هذه الحقيقة في مثل قوله تعالى(وذوقوا عذاب الخلود بما كنتم تعملون)السجدة14
ففي امثال هذه الاية دليل ناطق على انه عذاب الخلود.
وفي لمحة قريبة من بصائرنا –ونحن في نفس الوقت الذي نطل منه على احوال تلك الفئة التي ادرك افرادها فوات الفرصة وشعروا بالندم على هذا الضياع فاننا ندرك من لمحة بصائرنا الى آيات سورة الفجر الساطعة كأنها الفجر ان الذاكرة هي المحور الاساسي الذي تدور حوله بقية الحالات والنتائج التي تلازم ذلك الخلود.
(يومئذ يتذكر الانسان ماسعى وانى له الذكرى يقول ياليتني قدمت لحياتي00ياايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي)الفجر23-30
ارايت اخيرا ان النفس هي التي تشاهد الجنة ثم00اي نفس هي التي تشاهدها انها النفس المطمئنة وهذه هي النتيجة الطبيعية الالهية لاستقرار النفس التي ازدوجت مع ذات صاحبها وروحه ازدواجا كريما بهيجا
وفي الجهة الاخرى 00تشاهد طائفة المتشبثين باذيال الاستغاثة وتقرأ من عباراتهم ماتنطوي فيها اثار المحاولة التي هي اقرب الى المساومة كما عبرنا من قبل
(هل لنا من شفعاء يشفعون لنا او نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل00قد خسروا انفسهم00)الاعراف52
ياللوضوح الملموس ويالعبقرية التوضيح للحقيقة الروحية الكامنة كأنما يصور لك المجال باكمله وهاهو امامك المتسع من العمل والتحصيل والاكتساب فان انت استجبت وتحركت وعملت فانك ادرى بالنتيجة وان انت اغمضت عينيك والاذنين او اهملت وفضلت السير متواكلا في ركب الاخرين ومواكبهم فاعلم ان امثالهم ممن(قد خسروا انفسهم)
اذا كانت هذه التعبيرات البسيطة العميقة قد افاقتك فاليك المزيد مما ينبهك الى ان تقرأ كتابك وكفى مامضى من فرص ضاعت في مجاهل التخبط.
ونتابع فى مقالنا القادم....................



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن