فساد الاعلام .... والسياسة في فلسطين

طلال الشريف
talal.alsharif59@gmail.com

2008 / 7 / 13

حلقات(2) " تذكروا معي ":
فساد الإعلام .... والسياسة في فلسطين
الإعلام الذي يمجد صاحبه فاسد، والإعلام الفئوي مدمر للمجتمع وقيمه، وإعلام التخوين، والتكفير، يهدد الأمن القومي، والوطني، وإعلام المرحلة مزق النسيج، ليس، الاجتماعي فقط، بل، النسيج العظمي للإنسان الفلسطيني :
تحدثت في الحلقة الأولى عن فساد المال والسياسة في فلسطين، وكيف أسس هذا الفساد المالي، الذي ضرب أطناب المجتمع الفلسطيني بكل مستوياته، الحكومي، والأهلي، والحزبي، والشعبي، لفسادات كثيرة، تنهل من بئر المال الفاسد.
ولن أتحدث عن أنوية الفساد الإعلامي الصغيرة، التي صاحبت القضية الفلسطينية من بداياتها، حيث كان الإعلام الفلسطيني، إلي ما قبل عقدين مضيا، أخف وطأة، فيما وصل إليه حال هذا الإعلام منذ الثمانينيات، وما بعدها، إلي حالة عجيبة، لا تستطيع، كل مراكز البحث، والدراسة، إلي فهمه، إلا في نطاق الفساد الإعلامي القاتل، المبني علي روح الفئوية البغيضة ، والاستئصال القبيح، والإقصاء للآخر، وليت الآخر، كان إسرائيل أو إعلامها!!
كانت الساحة الفلسطينية تنهل إعلاميا، بكل أدواتها، ووسائلها الإعلامية من معين واحد، رغم، ما شابه، من فساد التفرد، والنظرة الأحادية، التي كانت، تحت قيادة، متنفذة في م.ت.ف، وتيارها المركزي، الذي تقوقع في مستوي ديكتاتورية القائد، ومن كان يحظي بثقته، إلا من شاردة هنا، أو واردة هناك، لبعض القوي، التي حاولت، الفكاك من المركزية الشديدة للإعلام الواحد، وان كانت، أيضا، بنفس الروح الأحادية، ومن منظور الحزب الأضيق من م.ت.ف، ومن التنظير لفكر واحد أيضاً، فكانت الوسيلة القديمة الجديدة، مجلة لكل حزب، وان لم تتوفر المجلة فنشرة داخلية، يمكن أن يصاحبها، بيان خجول ينزل إلي الشارع أحياناً، فلا يعطي مردوداً بحجم خسارة الورق، والحبر، الذي كتب به.

كانت هذه، هي حالتنا، ما قبل الانتفاضة الكبرى، وكانت الإذاعات البسيطة الممولة، أو المسموح بها، من بعض الأنظمة، التي ترضي عن مجموعة فلسطينية ، أو التي تتبعها هذه المجموعة، بشرط عدم الخروج عن سياسة هذه الدولة، أو تلك، وأحيانا كثيرة، وفي الغالب، كانت تستخدم ضد مجموعة فلسطينية أخري، غير مرضي عنها، حسب تعليمات الأجهزة الأمنية للدولة المضيفة. وكانت الصحف، والكتيبات، والأشعار، والبيانات، لا تخلو من خاطرشن لنفقات الطبع علي نفقة وأموال م.ت.ف، وإعلامها، وكان لا يخلو الإعلام، بمجمله من تجاوزات مالية، أو فساد إداري، لكن ليس بالحجم، والكيفية، التي غرقت فيها الأحزاب، والسلطة، ومؤسسات المجتمع المدني، ومراكز القوى، والمجموعات الانتهازية لاحقا.

بدأت أنوية الحالة الإعلامية الفئوية، والإقصائية، مبكراً، مع تعددية الحركات، والأحزاب، ومجموعات الثورة الفلسطينية،ً كلوحات خاصة توضع في مقدمة البرامج، والنشرات، والإصدارات، للتميز، والتمييز، ولكن، ثبت لاحقاً، أن مدلولها الحقيقي هي الفئوية في الغالب، حتى في السجون، وهذا ما تحدثنا به في الورقة الأولي من غياب ثقافة الحوار الفلسطيني المطلوب.
وغلب علي كل الوسائل الإعلامية، صبغة الفئوية مبكراً، وتواكب ذلك مع أرضية جاهزة للاختلاف، وأحياناً النكاية، وتكبير الكوم، ولم تخل من الفهلوة غير المسئولة، وغير المدركة لتبعاتها داخل الأرض المحتلة أثناء الانتفاضة، وما رسخته من تشوهات للمسيرة الإعلامية، فمن مستويات بائسة، وغير متخصصة، تشعلقت بإعلام الخارج، فقد تشعلقت مثلها في إعلام الداخل، فكان من قدموا، ووظفوا، للإعلام، أناس فئويين أولاً، وغير مؤهلين ثانياً، لمهمات الإعلام المطلوب بشكل حقيقي، حتى، إن بعض الصحفيين، أو الذين عملوا في الصحافة الفلسطينية، كان منهم من يخطئ في النحو، والإملاء وحتى مفهوم الكلمة التي يكتبونها، لأنهم في الأصل، ليسوا هم خريجي كليات الصحافة، والإعلام، والي هذا الحد، يمكن أن نقول علي الأقل، كانت الرسالة الإعلامية الفلسطينية معقولة، وتحمل توجها غير متناقض علي الأقل، ولم تكن الأحداث، والأوضاع في المنطقة تحاصرنا بالشكل الذي حدث لاحقا، ويمكن أن نقول، كانت الحالة الإعلامية غير مهددة، أو قليلة الضرر إن لم تكن نافعة، أو غير مشروخة في نظر العالم، ومن ضمنهم الوطن العربي حتى تلك الأيام.

ولكن، بعد أوسلو، جرت في نهر الإعلام مياه آسنة كثيرة، وأصبح لدينا صحف كثيرة، وإذاعات مريرة، ووزارات للبطالة، من كل ما هب، ودب، باسم الإعلام، وتواصلت الفضائيات، والأرضيات، والنشرات، والمكاتب الصحفية، والمطابع، ودور النشر، ومعاهد الأبحاث، والدراسات، وحتى الكليات، التي تحمل جميعها يافطة الإعلام في بلادنا، وأخيرا الصفحات الالكترونية المجيدة التي تنضح بالفرقة والتجزيء الذي يهدد مستقبل القضية برمتها.

ماذا جري بعد أوسلو ؟

باختصار : فهلوة الوظائف والتوظيف، برامج تزييف الوعي، والحقائق، ومقدموها، التعبئة الفئوية، الشللية، والمصالح، والقبلية، ومجموعات مراكز القوى، وواضعو السياسات الإعلامية، وأحيانا كثيرة تصارع المتصارعين داخل الحزب الحاكم، قد لعبت دورا خطيرا في تدمير الإعلام، وبسط أرضية خصبة لتشويه المسيرة ، استغلتها القوة الصاعدة المناوئة للتيار الوطني حماس، للتحريض ضد مركز التيار الوطني، واستجلاب المناصرين لصالحها. وما كان يجري في تلفزيون فلسطين، وإذاعاتها الوطنية غير الإسلامية، كان فاقعاً بالروح الانشطارية والشللية، وعلي خلفيات المغانم المالية ، وتكبير النفوذ، لنفوذ أكبر، وكأن القضية انتهت، والقادم هو حيازة المراكز، والمواقع، والنفع الخاص.

وأتذكر هنا مجموعات الممتهنين من الصحفيين، والكتاب المحسوبين علي الصحف الوطنية، ممن كانوا يمثلون الانتهازية النفعية، بشتى صورها، وأخذوا يجلدوننا بأمجاد الثورة، والخارج، ونقلوا لنا حيثيات تجاربهم الفاشلة في الخارج، ليجعلوها بطولات يسردونها علي جمهور الداخل، وكأنها خبرات نافعة، حتى زيفوا مفاهيم الناس، التواقين لتجارب، وسلوكيات حقيقية، ترفع من مستواهم الثقافي، وتمكين الوعي الوطني والمصلحة العامة في عقولهم، فادخلوا الناس في وعي خطير، أدى إلي انفضاضهم عن دعم الحزب الحاكم في الوقت الذي كانوا جميعا يقدمون النقد اللاذع علي السلطة، وهذا جيد، لكنهم في نفس الوقت كانوا يتقاضون رواتبهم، ويمررون مصالحهم، عبر مراكز القوي التي ينتقدون أداءها، وإدارة المنتنفذين، وفعلوا تماما مثل "المنشار رايح جاي ياكل" علي رأي المثل، دون بوصلة، أو قيم حقيقية يتبنونها.
وإذا ما استعرضنا إعلام الجدران، أو جريدة الحائط،، أو الإعلام الجداري، نجده يفعل فعله التدميري، فكان ولازال ينضح فئوية، وعنتريات، بعيدا عن المصلحة الوطنية العليا. الكل يمدح نفسه ، ويتباهى ببطولات قد تكون أحيانا وهمية، ولم يكن يميز المناضلون، والمجاهدون منذ البدء، بين تعددية سياسية، أو تعددية عسكرية، وفي بعض الأحيان تعددية، الشللية أو القبلية وكانت الأمور مختلطة. وتراجعت التضحيات، والشهادة، عن جدار فلسطين، لتذهب لجدار الحزب، والفصيل، كي ترتكز عليه، ويرتكز عليها في تبادل عجيب للمصالح الخاصة، في غياب المصلحة الفلسطينية العليا، وحتى الشهداء الأطفال،كانوا يلونون، ليس تبركا، بل لمن يدفع أكثر، ولمدة أطول من الأحزاب.

والجميع يعرف قصص الرايات، والأعلام، هي أيضا جزء من الإعلام، وقد تغيرت، وتعددت، إلي أن غاب الموحد للشعب الفلسطيني، وهو علم فلسطين المعروف والموحد للجميع.

وكانت الوحدة الوطنية التي طالما تغني بها المناضلون، والمجاهدون، ولا زالوا، هي ذر للرماد في العيون، إن كانت عمدا، أو جهلاً بالشعار المرفوع، أو اندفاعاً بالواقع، ولذلك، ولعوامل أخري، كانت تلك الوحدة المسماة وطنياً، أصلا مهددة بالانهيار في أحسن حالاتها، لطبيعة التكوين، والتعبئة، والتطور في المسيرة كما ذكرنا.

الشعارات كانت متضاربة، والأوامر متضاربة، وأحياناً نكاية بالآخر من التنظيمات، وليس نكاية باليهود
إعلام المساجد: أصبحت المساجد ليس لله وحده كما نفهم من الآيات الكريمة، بل أصبحت لحزب، أو حركة كذا، وهي منابر إعلامية خطيرة، وفي كثير من الأمثلة، كان بناؤها، وإداراتها ووظائفها تغلب عليها الحزبية، والمصالح الدنيوية، وكانت معارك حامية الوطيس علي بلاطة بالمسجد، مثلاً، بعد أن اقتسم المجاهدون، والمناضلون، وأتباعهم أرضيات المسجد بالبلاطة، لإثبات الحضور والقوة، والنفوذ، لبعضهم طبعا، لأن الإسرائيليين لا يأمون المساجد، وهم ليسو هنا أصلا، فأصبحنا نعرف أن هذا المسجد لحماس وهذا للجهاد وهذا لفتح وهذا للدعوة وهذا للعائلة الفولانية المختبئة وراء الحزب الفولاني.

ولكن كل ما جرى في السابق، كان يمكن تحمله، إلا أن الكارثة الإعلامية الكبرى، كانت إبان و بعد الانقلاب.
كانت الفرجة ببلاش، علي رأي إخوانا المصريين، علي الإعلام الفلسطيني، فضيحة كبري، ضاعت معها ملامح كل لبنة بنيت في إعلامنا الهزيل أصلاً، حيث دخلنا في قصص، وبلاغات وإصدارات، ونشرات، وإذاعات،، تنفث السموم القاتلة، وتدعوا للقتل،وتنشر صور التسفيح الذي هز كيان الكبار قبل الصغار، وباختصار، كان إعلاما قاتلا، واستئصالياً بفجاجة، ولا زال بمعني الكلمة، يدعو للتصفيات الجسدية، والتخوين، والتكفير، ويحرض علي القتل، وألفاظ نابية، غيروا معها ألفاظ الأطفال، والشباب، بطريقة لم يسبق لها مثيل من العنف المتوالد في الشارع الفلسطيني نحو الذات.


فالإعلام السلبي يهدد الأمن القومي، وما يحدث في الإعلام الفلسطيني مخيف، وان ما تبثه هذه الفضائيات، من ثقافة استئصاليه إقصائية، وأحيانا تخريفية، هو فاسد، ويرسخ لثقافة العدوان، والتخوين، والتخويف، وحب الانتقام، والتمزيق المجتمعي، والعائلي، والشخصي لدى أولادنا، وبناتنا، ويضع كل بيت في مشكلة حقيقية.. ولذلك نرفض إفساد عقول أبنائنا وبناتنا.

من المعروف، أن الإعلام هو من أقوى الأسلحة غير الحربية، ذات التأثير الشامل الكبير، والذي أتقن اليهود استغلاله، الاستغلال الحسن، نظراً لفرقتنا، وإعلامنا الهزيل، الموجه لتدمير الذات، والمطلع على بروتوكولات صهيون، يتوصل إلى تلك الحقيقة، ويظهر له جلياً، اهتمام بني صهيون بالإعلام، وتركيزهم الشديد على السيطرة عليه، فبينما هم يفعلون العجائب، والفظائع، وينفذون ما يخططون له من مجازر، ومذابح، تجد إعلامنا يبث الفرقة، والفئوية، ويدعو للعنف، والتدمير الذاتي، فهل يعرف المسئولون عن الإعلام ماذا يفعلون؟ وهل لديهم مقاييس، ودراسات تبحث عن مؤثرات ذلك علي المستقبل؟ أرجو ألا يكون قد فات أوان الإصلاح لما فعلوه بهذه الأجيال.

9/7/2008م
T8sharif@hotmail.com
www.dtalal.jeeran.com

"بعدما تحدثنا عن فساد المال والاعلام والسياسة، في المقال القادم سنتحدث عن فساد السلاح والسياسة في فلسطين"



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن