الوجودية .. واشكالية الماهية

ضمد كاظم وسمي

2008 / 7 / 8

اذا سلمنا بأن الفلسفة الوجودية لم تكن فرنسية الاصل .. فلا يماري احد في سطوع نجمها الثاقب في باريس على يد بول سارتر وسيمون دو بوفوار عقيب الحرب العالمية الثانية ، ومما اعلى من كعبها .. ان معتنقيها شاركوا بفعالية وببسالة في ازدهار حركة المقاومة الفرنسية للاحتلال الالماني .. وهكذا سمع صوت حداتها في ارجاء العالم .. وتعلق الناس بأذيالها .. وهي في نظرهم فلسفة شعبية ميسورة لكل احد – المثقف وغير المثقف- (( انت مطلق الحرية ، فاصنع ماشئت ، والحياة كلها سخف يورث القلق والضجر )) .. هذه ابسط مفاهيمها كما يفهمها ابسط الناس .. الامر الذي البسها ثوباً فضفاضاً ، حتى عزّ محتواها الجلي على مؤرخي الفكر الفلسفي بما فيهم إمام الوجودية نفسه (( سارتر )) .
خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر اصاب العلم نجاحاً باهراً .. نجم عنه تقدم تقني هائل حتى شهد الناس مولد (( الخرافة العلمية )) على حد وصف (( ياسبرز )) حيث يقول : (( ولم يعد هناك شيء فوق الانسان ، بعد ان وضعوه في مكان الله ، وأضحى التاريخ – لا الله – هو الحاكم الاعلى )) .. في هكذا عصر تتناهبه التيارات الالحادية والمتمردة .. لابد للقيم الحسية والاخلاق النفعية من ان ان تزدهر .. وتهمش القيم النبيلة المرتبطة بالضمير والخالق ، بغية تلبية الميول الغريزية الحيوانية النازعة الى اللذة السريعة والمباشرة . فكان لابد للفلسفة من موقف مسؤول من هذه الازمة الصارخة .. لان للفلسفة في كل عصر مطلباً دائماً لايتغير .. انها تنشد مساعدة الانسان على ان يحقق ذاته ، وان ينزه شخصيته .. أي ان يكون موجوداً حراً واثقاً بربّه .. ان يراعي مبادئ الحق والخير والجمال .. ان يحقق فردانيته بالتواصل مع الناس .
في كتابه (( الوجودية فلسفة انسانية )) .. يرد سارتر على الاعتراضات التي وجهت الى الوجودية ووصمتها بانها فلسفة تأملية ، بورجوازية تنزع الى التماس الراحة في اليأس ، وتجعل الانسان في عزلة عن الجماعة لانها تنطلق من (( الذاتية )) او (( من الجيتوالديكارتي )) وانها تستطيب ابراز القبيح من جوانب الطبيعة الانسانية ، كما رميت الفلسفة الوجودية بجريرة ابطال الاوامر الالهية ، والتنكر للقيم الخالدة .
وعلى الضد من ذلك يرى سارتر ان (( الوجودية )) فلسفة انسانية .. ثم يرد على ناقدي الوجودية قائلاً : (( اننا نعني بالوجودية مذهباً يجعل الحياة الانسانية ممكنة .. كل حقيقة وكل فعل يتضمنان بيئة وذاتية انسانية )) .. ثم ينتقل الى القول بان الوجود سابق على الماهية .. لكن سارتر قد سكت عن بيان المعنى الذي يقصده من هذين المصطلحين كما ذهب الى ذلك بعض دارسيه .
ان (( الوجود )) هو تحقق الشيء في الخارج عند فلاسفة الاسلام .. بينما الماهية حسب اصطلاح الفلسفة المدرسية هي (( الصفات الذاتية التي تميز الكائن عن غيره من الكائنات )) .. فيما يقول بعض الدراسين في الحقل الفلسفي : انه لكي نفهم سارتر يجب ان نرجع الى (( هيدجر)) ومن (( هيدجر)) الى ((كير كجارد)) وهذا الاخير قد اعطى معنىً جديداً للفظ الوجود : فلم يعد الوجود مرادفاً (( للكينونة )) بل اصبح مرادفاً (( للذاتية )) .
ان مقولة سارتر : (( الوجود يسبق الماهية )) ، تعني ان الموجود – الانسان ككائن حي ومفكر – حين يقف الموقف الخاص به من الاشياء انما يصنع نفسه ، فسبق وجوده معناه انه حر .. حرية مطلقة .. : (( لان الحرية عنده – سارتر – لاتكون ممكنة الا لان الانسان ليس له ماهية يتحدد بها )) .. وبخلاف سارتر فان فلاسفة القرنين السابع عشر والثامن عشر كانوا يرون ان (( الماهية سابقة على الوجود )) .. وان هناك طبيعة انسانية عامة ، بينما عرفنا ان سارتر يرفض (( الشمولية )) الانسانية ومعها كل القيم الكلية .. حيث يقول : (( الخطوة الاولى التي تخطوها الوجودية هي ان تجعل كل انسان حائزاً او مالكاً لماهيته ، وان تسند اليه المسؤولية التامة عن وجوده )) .. لكنه يستدرك فيقول : (( اننا لانعمل ما نريد ، ونحن مع ذلك مسؤولون عما نحن كائنون : هذا هو الواقع )) .. الامر الذي يشير الى شيء من الغموض والالتباس والتناقص .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن