مسرحية ( رحلة الصالح )

جمان حلاّوي
jumann59@yahoo.com

2008 / 7 / 2


شخصيات المسرحيـة :
1- أحمد الصالح
2- المعلّم ، صوت المعلم
3- الأميرة ، الفتاة الصنم ، صوت الساحرة ، الأم
4- شخص أول ، صوت الصنم 1
5- شخص ثاني ، الأب
6- شخص ثالث
7- فتاة اولى ، صوت صنم 2 ، الأخت
8- فتاة ثانية ، صوت صنم 3

الديكـــور : يتغير حسب المشاهد ، وهو على العموم بسيط يتوضّح
في نص المسرحية .

ألمشهد الأول

( على يمين خشبة المسرح مشبّك هرمي ، مصنوع من خشب خفيف يتحرّك قسماه ، وعلّقت عليها كتب مشككة.
هناك صندوق مقلوب في خلفية المسرح ،
يجلس أحمد الصالح تحت المشبك مرتديا" قميصا" وبنطلون ، ويتصفّح كتابا" ،
يرفع أحمد الصالح رأسه أثر صوت المعلّم )

صوت المعلم : كفى انجرافا" فقد كبرت ويجب أن تعرف كيف تحافظ على نفسك لتعيش،
إنها الحياة ..ذئاب حولك ، فمن أنت لتحمل آلام الآخرين ؟!
صغير كالنملة تداس ! وان كانت تقرص تلك ، فسوف لن تلحق أنت
حتى لتعض .. إذ لن تبق في فمّك أسنان ولا أظافر لتخربش فيها ، ستقتلع
بإيماءة غير متكلّفة !

احمد الصالح : إني أتألـّم !
صوت المعلم: عش فقط وقص رأسا" حملته كتفاك وادفنه في قعر بئر ..
إنها تجربة سنين فلا تعيد تاريخا" مشؤوما" تنسى بعده كخرقة باليـة !
احمد الصالح : هل أعيش فقط ؟ البهائم تعيش كذلك !!
صوت المعلم: البهائم لها ثمنها ، أما أنت فبلا ثمن تستباح !
احمد الصالح : لا .. لا يمكن أن نستباح !! وأحلامنا ؟ ألا يحق للإنسان أن يحلم ؟!
صوت المعلم: احلم ، لكن ليس في بطون الكتب ودهاليزها المظلمة فهي تصنع أدوات
تعذيبك !
احمد الصالح : انا لا أبغي التشايع بالناس فزمن النبؤات قد انتهى . أردت فقط أن ابحث
عن عالم نقي .. ابحث عن الأميرة الجميلة !
أميرتي بكل ذلك الجمال الشفّاف .. ذلك القوام الهفهاف ..
تلك النظرات الهادئة المطمئنة التي كحّلتها ينابيع الأرض صفاءا"، وضوء
القمر سلاما" ..
أميرتي التي ظفرت لها الشمس جدائلا"، ومهدّت لها الأرض مماشيا"
صوت المعلم : أنت طفل كبير يا أحمد الصالح !!
احمد الصالح : ولماذا تمنع عني طفولتي ؟
" امنحوني طفولتي .. تمنحوني ملكوت السموات " (1)
( يجثو محتضنا" الكتب ، ثم يتركها بقدسية ويقف )
في نحو الألف وتسعمائة وتسع وخمسين بعد الميلاد ولدت في إحدى البيوتات
المتناثرة وسط محيط جاثم ، مطلقا" صرخة وحشة ، مقلّصا" أنامل رهيفة حين
رفعتني القابلة ودخل أبي مهلّلا" .. فابتدأت حياتي ، وأتخذ قلبي نبضا"يلائم
جوا" جديدا" لا ماء يغمر فيه ولا دم أمّ مليء بالحنان يجري فيه ؛ فقد انتزعت
ووجب أن أواجه الحياة ومنذ تلك اللحظة وحيدا" ..
" احمد " دون اسمي ؛ هكذا أصر أبي بعد أن كان لأمي التقية رأيا"
آخر فقد أرادت أن تسميني "صالح " ، ولها قصة قد آمنت بها حين
حلمت قبل المخاض .. جاء لها طيف ، قالت بسم الله الرحمن الرحيم
( Spotعلى أم حامل تستند بجسمها المتعب الثقيل ، يجلس قربها الأب )
الأم : جاءني شيخ جليل بلحية بيضاء كريمة ورداء ابيض معطّر بماء الورد وأخبرني
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي القدير مالك الملك والأرحام .. اخبرني ستلدين
ولدا" وسيكون صالحا" في الأرض ...
الأب : لا تشركي بالله يا امرأة فلن نعرف نحن معشر الفانين جنس الجنين !
الأم( بتوسل) : إذا كان ولدا" فسنسميه "صالح " ،
الأب : سنسميه " احمد " فله وقع جميل في النفس ، وهو اسم مبارك ..

( ظـلام / إنارة ، احمد الصالح وحيدا" في المسرح )

احمد الصالح : وجاء ليل غفلة استنفر خلال أنوار مطمئنة ، ثم لعنة هجمت ساحقة
هدوء الأمكنة مقيئة دواخلها العفنة المخبوءة في أعماق سحيقة ، فأمسى
السكون مزمجرا" بجنون كعويل ..
فتشتّتت الموجودات هاربة ، متلفتة بفزع تلاحقها أحراش نشطت غازية
الأسطح بسواد معتم .....
ثم نهار عكر أنفتق فوق الأشياء ..
( يتــذكّر )
عند هامش الفلاة كان ، والعشب بدا مداعبا" زهور صفراء وبنفسجية
حين سمع المعلم يقول ..
صوت المعلم : أن تعشق وجب أن تكون واقفا".؛ أن لا تسير على أربع !!
احمد الصلح : هل هذا يكفي ؟
صوت المعلم : هاك خذ !
احمد الصالح ( مرتقيا" الصندوق ) :
" أللهم أسألك أن لا تردّني أليّ بعدما اختطفتني منّي ، ولا تريني نفسي
بعدما حجبتها عليّ " (2)
( ينـزل من الصندوق / مكلما" نفسه )
هل من يكابر على نفسه يسير على اثنتين ؟ وذاته ؟!
كانت الشمس محتجبة خلف غبار ، وكان وجه الأرض أجردا" ..
بقيت أصل مدرستي فوق دراجتي الهوائية ، كنت أهوى ذلك ؛ أن أعب
من الهواء ملء رئتي .. لكن !!
( يرتقي الصندوق )
" أيها الناس اعلموا أنّ الله أباح لكم دمّي ، فاقتلوني .. أقتلوني تؤجروا
وأسترح " (3)
( ينزل من الصندوق ويكلّم من كان فوق الصندوق )
تتكلّم بالكفر وتقوم الصلاة ، فما قصدك يا حلآّج ؟
( يرتقي الصنـدوق )
أن تقتل هذه الملعونة ( مشيرا" إلى نفسه )
يا ويح روحي من روحي فوا أسفي عليّ منّي فأنّي أصل بلوائي
كأنني غرق تبـدو أناملــــه تغوّثا" وهو في بحر من الماء (4)
( ينـزل من الصندوق متهالكا" )
صوت المعلم : وهو طريق عسير .. وستموت قبل أن تلحق !
احمد الصالح : لكني مصر على التعلّم . أرجوك علّمني !
صوت المعلم : أن تعشق وجب النقاء . أن تستشهد وجب الجهاد !
احمد الصالح : أو أن تعشق وجب الجهاد . أن تستشهد وجب النقاء !
أو أن تجاهد وجب العشق . أن تتنقى وجب الشهادة !!
صوت المعلم: أو أن تتنقّى وجب العشق . أن تجاهد وجب الشهادة ..
النقاء والجهاد والعشق والشهادة أوجه لأمر واحد !
احمد الصالح: لكن كيف والتردد في الفم يمضغ !
كيف ويداي تدبّان بجنون لأشعر بقشعريرة اللذة ....
( يؤشر إلى مابين فخذيه ، يضمهما مع علامات الخجل )
أهكذا اربد وأبغي كما أغوى " بافنوس " " تاييس الراقصة " (5)
ملبّسا" كوامنه ب( لاهوتيّات ) جرّها لحظيرة خراف المسيح ، ثمّ ليكشف
لها عن نواياه الدفينة .. عن عريه !! لا..لا ، انه العشق ؛ فأنا أعشق
الأميرة الجميلة كما عشق الحـلاّج إلهه، والراهب تاييسه ؛ ذلك
العشق النقي !!
لكن ألم يصلب الحلاّج زنديقا" عند بوّابة بغداد ، ثم يحرق ويذر في نهر دجلة ؟
( بخوف ) ألم يتحوّل الراهب إلى مسخ شبيه بالوطواط حينما كشف
لتاييس عن جسده وهي في طريق الصعود إلى السماء تائبة من فجورها ،
متشبثة بنور الله ، شاهقة بآخر نفس حمله دمّ المسيح ؟!
ماالذي اراده الحـلاّج ، وما الذي يبتغيه الراهب بافنوس ؟
( ملتفتا" إلى الصندوق الفارغ )
لماذا تحوّلت إلى وطواط ، ها ؟ أخبرني ألم تعشقها ؟!
صوت المعلم : لقد عمّـدها راقصة" فابتليت بعشق المسيح ، فغمرها تائبة" فانسربت لعشق
الله ، فداهمها بعشقه فأحبّـها الله ..
احمد الصالح( معتليا" الصندوق ) : أنا الذي عشقتها يا ألله .. أتنافس عبدك الحقير يا ألله ؟
أتنافس من خلقت وصوّرت فملكت على من خلقت وصوّرت فملكت ؟!
( ينـزل من الصندوق وينـزوي تحت مظلّته )
من عشق من ؟ الراهب لألهه فعشق تاييسا" كخلق منه ؟
أم تاييس لراهبها فعشقت إلهه حين دلّها عليه ، أم الله لراهبـه فجعلـه
رمز نقيضه ؛ ظلام أمام نور ، قبح أمام جمال ، شرّ أمام خير ، لعنة أمام ثواب
( يخرج من تحت مظلّته ) تبّـا" لك يا معلّم ...! أما أنت يا أميرتي الجميلة فأنا
أعشقك رغم كل المفردات وتأويلاتها .. وسأبحث عنك في كل مكان ..

المشهد الثانـي

( يدخل "احمد الصالح " حاملا" المشبك فوق رأسه وقد علّقت عليه الكتب / يسير
بصعوبة مقاوما" الريح / صوت ريح تصفر للحظات ثم تتوقف )
( يدخل ثلاثة أشخاص عكس حركة احمد الصالح يحملون نماذج لنخيل ، يضعونها
ويقفون قربها .. يقترب احمد الصالح منهم )
شخص أول : أما زلت تبحث بين ثنايا المستحيلات ؟
شخص ثاني : أما زلت تستنشقها ربيعا" ضائعا" ؟
شخص ثالث : أما زلت تحتضنها موسوعة لآمال بعيدات ؟
احمد الصالح : نعم ، أبحث عن خطى الأميرة الجميلة !

( يرفع الأشخاص الثلاثة نماذج النخيل ويخرجون عكس حركة سير احمد الصالح وهم
يرددون )
الأشخاص الثلاثة : وربّ الكعبة أنت من الخاسرين .. وربّ الكعبة أنت من الخاسرين !
صوت المعلم : انه طريق عسير .. ستنام مع بيض رخّ فيلتقطك بمخالبه ليعبر بك بحورا"
وستقابلك ساحرة ؛ آية من الجمال ، داهية في الغدر.. ستدليك طريقا"
لن يعرفه أحد غيرها أن عرفت كيف تغمرها ، وإلا ستمزّقك ....
وستخترق غابة أصنام آدميّة متقلّبة الأشكال تحيلك إلى صنم من صخر
أن التفتّ لها وكلّمتها .. وستصعد جبالا" وتنـزل وهادا" .....
انه طريق ملعون ! !
احمد الصالح ( مكلما" نفسه ) : اهرب .. اهرب ، ستموت !
لكن لا ، فما قيمة الإنسان إن لم يجذّر موقفا" !
ٍ( spot على الأخت الكبيرة )
الأخت( متحركة نحو احمد الصالح ) : لقد أحرق أبي الكتب ، أنه لا يريدنا أن ...
احمد الصالح : ماذا ؟!
الأخت الكبيرة : أن نعيد ما قام به من قبلنا ..!
احمد الصالح : سأعبر معك البحور ،
الأخت : من علمك ذلك ؟!
احمد الصالح : أرجوك ..
( صرخات من الأخت وكأنها تحت التعذيب )
احمد الصالح ( راكعا" ) : لا ، أرجوكم ، أتوسل إليكم ، هل من يبحث عن حقّ مقتول ؟
صوت المعلم : ستمتلئ أكتافك أثقالا"، وتجحظ عيناك هلعا" .. عن وحدة مريرة وغربة
مكلوبة ، انه الطريق الملعون.. حيث الأميرة الجميلة !!
احمد الصالح : ما مقامي بأرض نخلة إلا كمقام المسيح بين اليهود
أنا في أمّة تداركها الله غريب كصالح في ثمـود (6)
سأستمر بالبحث أيها المعلم ، ولن يوقفني شيء !
( يرفع المشبك ، مدخلا" ذراعيه في جزأي المشبك كأنهما جناحين ، ويبدأ بتحريكهما )
احمد الصالح : سأهديك وردا" من أحلى الزهور وأعطرها .. سأضعها أمامك لتمنحك
كل عطرها وجمالها .. كل روحها ، فلا تبخلي علي بلمسة حنان ...
أيها الرخ ،ّ يا شقي ، أحملني بعيدا" كرفيق ..
كحبيب ، كعشيق !
أيها الرخّ ، يا صديقي ، أغرس مخالبك بقلبي
حتى لا أسقط قبل الطريق !
( إضاءة متداخلة / يختل توازن احمد الصالح فيسقط فارشا" جناحيه / ينـزعهما ويظل
يتقلّب متأوّها" / ثم يقف مترنّحا )
احمد الصالح : الساحرة ! يجب أن تبحث عنها حتى تلقاها ...
لكن احذر أن تلتهمك أن لم تلحق وتلهم من طحين أمامها ، وتمص
حلمتيها الباردتين كالثلج !
( يركض احمد الصالح هنا وهناك بحذر / تتداخل الإنارة / أصوات الساحرة وهي تزعق وتعوي / ثم تصرخ بيأس فقد ربح احمد الصالح الجولة )
صوت الساحرة : اذهب يا رضيعي .. أمامك درب مخيف لكن احفظه جيدا" فلن أستطيع
مساعدتك بعد الآن !!
( يخرج احمد الصالح قميصه من محزمه ويفك أزراره متنفسا" بعمق ، ثم يسير مترنّحا" )
( يدخل شخصان . يرتطم كتف احمد الصالح بأحدهما .. )
احمد الصالح ( بثمالة ) : عفوا" !
شخص أول : أخذه سحر ، ألم يلحق الرأس بالذنب ؟!
شخص ثاني : ربما دخل غابة الأصنام الآدميّة !!
( تتحرك الإنارة متداخلة / يخرج الشخصان / تندفع عكس حركة احمد الصالح
أصنام كأشخاص واقفين ، وتتناثر صخور هنا وهناك / تدخل مع الأصنام فتاة
وكأنها صنم أيضا" )
احمد الصالح : أين أنا !!
( يقوم بحركة من يديه وكأنه يبعد خيوط عنكبوت / أصوات ضجيج وصراخ وتأوّه )
صنم 1 : تقدّم .. تقدّم !
( يتقدم احمد الصالح بحذر دون الالتفات إلى مصدر الصوت )
صنم 2 : حبيبي خذني .. أني أتألم أرجوك !!
( يتلوى احمد الصالح ويتأوّه ، شاعرا" باختناق ويتنفس بصعوبة )
صنم 3 ( بتوجع ) : حملي ثقيل يا ولدي !
احمد الصالح : أمّي .. أمّي، أين أنت ؟
صنم 3 : أنقذني يا ولـدي !!
احمد الصالح ( منتبها" للخدعة ) : آه .. لا !!
( تتقلص رجلا احمد الصالح وتتصلب يداه ، لكنه يقاوم بصعوبة / ترمى عليه صخرة
فترتطم بصدره ، يتنبّه )
الفتاة الصنم : تقدّم أنا الأميرة ، خذني .. ضمني إلى صدرك فأنا لك !
( يجتازها بحذر دون الالتفات لها فتهجم عليه وتمسك إحدى ساقيه ، يركلها ويحاول الهرب /
تضحك الفتاة الصنم بتشنّج وتعود صنما" / تسحب الأصنام يضمنهم الفتاة الصنم / يسقط
احمد الصالح متهالكا" )
صوت المعلم : بسم الله !! أمازلت تجني ثمارا" ؟
ما في هذا الدماغ ، أجنون أم شرائع محفّزات ؟
ما الذي يحوص داخل مقلتيك النهمتين يا صالح
أسواد كعينيك أم متفلّقات حبيسات ؟
تكلم ياهذا ، أنطق ياحجرا" تفور دواخله حمما" مائجات !
أخر ائس متمنطقات لواعجك وشواهد مندرسات
أم سكر آثم أخجلنه من أكملن أسبوع دين صائمات ؟
ليكن ذلك ..ليكن ، فالقروش لا تنام أبدا" ..
هائمة" تحملها لجج البحر صاعدات هابطات
لا مستقر يقرّ عيونهن المجرحات يوم ولدن وحتى الممات ..
احمد الصالح : قلق الروح الذي لا يطاق .. قلق لا يطاق !
صوت المعلم: لا بأس يا ولدي .. لا بأس
استمر ببحثك وسأكون عونا" ما حييت ..
وتذكّر فقد كان قيام المسيح بسيطا" كانسلاخ النهار من الليل !
( صوت طلقات نارية بشكل متواصل من رشاش أوتوماتيكي / يدخل "المعلم " وقد
امتلأ صدره دما" ، ثم يسقط قرب احمد الصالح )
احمد الصالح(متفاجئا") : ماذا ؟! لا ، لن تموت .. أنهض يا معلم !!
دم .. دم .. دمدم .. دمدمات .. دمادم تفجرت ،
فقفعات .. فقافع .. فقاقع تدملت ، تقيحت ،
محاجر اغرورقت ، ازرورقت ..
فحدوات تفعللت .. تخبخبت ، تكالبت ..
فدرست مفرّطات دحرجت ، انسحقت ..
احمد الصالح ( جالسا"عند رأس المعلم باكيا" ) :
مكانك من قلبي هو القلب كلــّه فليس لشيْ فيه غيرك موضع
وحطّتك روحي بين جلدي وأعظمي فكيف تراني أن فقدتك أصنع (7)

المشهد الثالث

( "احمد الصالح " جالسا" القرفصاء تحت المشبك يقرأ )
احمد الصالح : ستبقى وحيدا" .. كتب عليك ذلك ..
أتتركني مع ذئاب مسعورة ؟
( يخرج من تحت المشبك )
وتزول أيامك ؛ يوما" بعد يوم ، هذه مشيئتك ..
ستفقد بصرك و يتبقّع وجهك عن دمامل وقشور ...
( Spot يتحسس وجهه بيديه )
ويحال نهارك ظلاما" ، ويدلهمّ ليلك محاقا" سندسا"...
أتتركني وحيدا" وصدري أمام نار وحديد ؟
وتلوك التشرّد والغربة متجرّعا" يقظة الجفاف ...
أوغاد .. أوغاد !
هكذا أردت ، وهكذا ستكون؛ سكون دائم ، ووحدة مريرة ، وهروب
متعثّر ، وموت .. موت رجيم .!
( يحمل احمد الصالح المشبك فوق رأسه ويهم بالسير )
احمد الصالح : الريح حبيسة والشمس لاهبة ،
لكن لن أموت فالهدف هناك وضّـاء
انه هناك لمـّاع ، مشرق وضـّاح

( يترنّح ويسقط على ركبتيه )
لا أحد يقدر ، يتمكّن ، يجرؤ ، يحاول ، يفكّر أن يجهض دماغي
( يسـقط ممددا" دون حراك )
صوت المعلم : اقتل وحش الإنسان داخلك .. ذلك الوحش الذي يحمل
نزوات ذاته في العطش والتعب و الانهيار ..
ذلك الوحش الذي يحاول تدمير النقاء ..
اقتل الوحش داخلك واتبع النقاء ، ثم الق نظرة باردة على الحياة والموت (8)
احمد الصالح: معلّـمي أين أنت ؟!
أمازلت حيـّا" أم هو جنون برأسي ؟!
( يبحث بارتباك ، ثم يعود يائسا" ويحمل المشبك فوق رأسه ويسير )
( يدخل ثلاثة أشخاص عكس حركة احمد الصالح حاملين نماذج النخيل ، وفتاتان
تحملن بوابة المدينة ، يقفون كل قرب ما حمل / يقوم الجميع بتحريك سعف نخيل
ابتهاجا" / موسيقى ترحيب و استقبال / يقف احمد الصالح مبهورا" مستبشرا" )

صوت الأميرة : أنا الأميرة موجودة هنا ، وكلّي آمال لمن عانى وخاطر ،
سيستحق كل الاستحقاق أن أكون بين يديه الطاهرتين ..
( يتقدم احمد الصالح ببطء متلفتا" )
شخص أول : سمو الأميرة بانتظارك ،
احمد الصالح : أين أنا الآن ؟
شخص ثاني : في حدود الأمارة ..
( يتحرك شخص ثالث دليلا" لأحمـد الصالح حيث يقوده نحو البوابة / تخرج الفتاتان
بساطا" احمرا" ملفوفا" ، تفلاّه من البوابة حتى قدمي احمد الصالح / يدخل احمد الصالح
البوابة )
( ظـلام / ثم إنارة .. تكون البوابة خلف احمد الصالح وهو يتحرك فقد اجتازها الى
داخل الأمارة يتبعه الأشخاص الثلاثة والفتاتان )
( تدخل الأميرة وهي تلبس ثوبا" ابيضا" فضفاضا" وقد غطّت وجهها ببرقع يخفي معالمه )
الأميـرة : هاأنذا يصعد صدري ويهبط ناعما" بضـّا" مليئا" بالحنان ،
حلوا" ، خدرا" .. كخمر الجنان !
هاأنذا ، امسح عرقك وارم الكتب واسترح ، ثم كل لتشبع فالمسافة كانت
طويلة وشاقّـة ومؤلمة وخطيرة ! وقد ضحّيت وكابدت وجازفت ..
سأكون لك كما تريدني أن أكون ..!

( تحاول الفتاتان مساعدة احمد الصالح في أنزال المشبك ، يمنعهما الأخير بلطف )
الأميـرة : اتركاه يرتاح وكما يرغب يا بنات ،
هيا لنقم احتفالا" بهذه المناسبة الجليلة
احمد الصالح : أريد رؤية وجهك، سمو الأميرة ..!
الأميـرة : أنا أمامك .. جسدي ، مفاتني ، كلها تحت تصرفك ، دعك من وجهي !
احمد الصالح : لا تلتمع الحقيقة إلا بعيونها ، لا تعرف الحياة إلا بلمعانها .!
( يحاول احمد الصالح رفع البرقع من على وجه الأميرة ، تمنعه بلطف )
( يضع احمد الصالح المشبك ويجلس تحته ، ويفتح كتابا" ويبدأ بالقراءة محرّكا" جذعه )
( تبدأ موسيقى شرقية بالعزف / يضع أحد الأشخاص الثلاثة الصندوق لتجلس الأميرة
ويقف خلفها / يجلس الآخران عند قدميها واضعين أقداحا" أمامها / يقدم احدهما
كأسا" للأميرة بعد أن يملأه من قارورة )
( ترفع الأميرة البرقع بمقدار يسمح لها بشرب الكأس دون ظهور الوجه / ترقص الفتاتان
على أنغام الموسيقى / يبدو على احمد الصالح أنه بعيد عن جو الطرب ولم يزل يحرّك
جذعه وهو يقرأ )
الأميـرة ( بضحكة عالية ) : أعطني كأسا" أخرى ..
احد الشخصين ( بتخنّث ) : أمرك أميـرتي ..

( تأخذ الأميرة الكأس ، تشرب منه ، ثم تقذفه بعنف عند قدمي احمد الصالح وتقف
غاضبـة ، تتوقف الموسيقى ويقف الجميع امتثالا" / يقف احمد الصالح أيضا" )
الأميـرة ( لأحمد الصالح ) : هاأنذا ، لماذا لا تريد تحقيق الهدف لتحصل على ما ابتغيت ؟!
فلقد مات الكثير من الشبّان وهم في طريقهم السّـامي
للوصول لي ، وقد وصلت أنت لا غيرك بعد أن اجتزت
المخاطر والصعاب ، فلماذا لا تأخذ مبتغاك ؟!
( تركض نحوه وتجثو عند قدميه )
الأميـرة ( بتوسّل ) : أنا عبدة لك ؛ جارية بين يديك . افعل بي ما شئت !
( ينظر احمد الصالح ببرود )
الأميـرة : لماذا تنظر إلي هكذا ؟ لماذا جئت إذن وتحمّلت الصعاب ؟
( تقوم بتعديل ثوبها ) الست فاتنـة ؟!
( يسحب احمد الصالح البرقع من على وجه الأميـرة / يبدو وجهها مشوّها" جدا" /
يتراجع احمد الصالح مصدوما" / تركله الأميـرة بعنف )

الأميـرة : لتحل لعنتي عليك ، أنت من الخاسرين !
أنت ملعون ، وستذكرك الأجيال .. ملعون ، ملعون إلى أبد الآبدين !
اذهب وتقبّل مصيرك وحدك ، وسوف لن تكون بشجاعة اقتحامك
مخاطر الطريق .
( تقف الفتاتان وأحد الأشخاص الثلاثة مع احمد الصالح غاضبين له ، ويقف الشخصان
الآخران خلف الأميـرة غاضبين لها )
( يخرج أتباع احمد الصالح أعلاما" حمراء ، ويخرج أتباع الأميـرة أعلاما" زرقاء )
( يتقدّم أحد أتباع الأميـرة ويمزّق علم أحد أتباع احمد الصالح بغضب )
أتباع احمد الصالح : يحيا احمد الصالح !
أتباع الأميـرة : لم تلده أمّه من يقف بوجه الأميـرة !

( يهجم أتباع الأميـرة على أتباع احمد الصالح شاهرين خناجرا" / يسحب أتباع
احمد الصالح خناجرا" أيضا" / تحدث معركة يسقط قيها احد أتباع الأميـرة
و إحدى الفتيات من أتباع احمد الصالح )

احمد الصالح : ويحكم ، دم ينـزف .. أسعداء انتم ؟!
( يقف الجميع منصتين له / تتقدّم الأميـرة محاولة احتضان احمد الصالح برغبة )
الأميـرة ( بتوسّل ) : إنهم خصيان !! ونسلي معقور ...
احمد الصالح : إني عائد إلى وطني ..
أيها الناس أني لم آتكم حتى أتتني رسلكم ( مشيرا" إلى الكتب )
أن أقدم علينا فليس لنا إمام لعلّ الله يجمعنا بك على الهدى والحق ،
فأن كنتم لقدومي كارهين انصرفت عنكم إلى موطني (9)
الأميـرة : أرجوك لا تذهب ،
احمد الصالح : أنا ذاهب ،
الأميـرة : أرجوك ، أنا وحيدة ؛ الغربة تقتلني !
احمد الصالح: أنا غريب أيضا" !
( يهم بالخــروج / يتقدّم احد أتباع احمد الصالح ويطعن الأميـرة بخنجره / تسقط
الأميـرة / يهجم الشخص التابع للأميـرة على تابعي احمد الصالح )
( يبقى احمد الصالح صامتا" معطيا" ظهره لمشهد العراك، ثم ينحني على الأميرة المضرّجة )

احمد الصالح : أميرتي .. !
( يبكي ، ثم يخاطب الواقفين ) أدفنوها ، وادفنوا قتلاكم ..
الجميـع : سنتبعك !
احمد الصالح : لا ، لن يتبعني أحد .. كتب عليكم الفناء بني الإنسان !

مشهد ختامـي
(" احمد الصالح " يحمل مظلّته فوق رأسه وهو يسير باتجاه معاكس لحركته في المشاهد
الأولى / صوت ريح تصفـر )
احمد الصالح : الأرض لكم أيها الجوف !
صوت المعلم : الحزن يبعث الحزن ولن يبعث التفاهة والخسران والخيبة ،
الحزن كما الموت ؛ قوي وكبير ومجذّر وعريق ....
( يدخل " المعلم " بقميصه الذي مزّقته الطلقات النارية يحمل صليبا" كبيرا" فوق كتفه
ثم يسنده ويقف لصقه مادا" ذراعيه وكأنه المسيح المصلوب )
المعلم ( يصرخ بألم ) : الهي .. الهي ، لماذا تركتني ؟! (10)
(يرمي احمد الصالح المشبك ، رافسا" الكتب بغضب ، ثم يركض نحو المصلوب
ليحتضنه وهو يبكي )
احمد الصالح : لا جدوى يا يسوع .. لا جدوى !! (11)

ستـــارة
جمان حلاّوي
Email / jumann59@yahoo.com


__________________________________________
(1) يسوع المسيح ( ع )
(2) ، (3) ألحــلاّج
(4) ألحــلاّج
(5) شخصيتان في رواية ( تاييس الراقصة ) للروائي الفرنسي " أناتول فرانس
(6) ابي الطيب المتنبي
(7) الحـلاّج
(8) بـوذا – بتصرّف –
(9) جزء من خطبة الأمام الحسين بن علي بن أبي طالب ( ع ) الى جيش عمر بن
سعد في واقعة الطفّ في كربلاء .
(10) صرخة السيد المسيح الأخيرة قبل أن تفيض روحه فوق الصليب _ أنجيل مرقس _
(11)رواية " المسيح يصلب من جديد " للروائي نيكوس كازانتزاكس .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن