السرد الروائي في رواية - رجال وكلاب- لمصطفى لغتيري

مصطفى لغتيري
laghtiri1965@yahoo.fr

2008 / 6 / 27

عرفت الرواية المغربية تطورا بارزا في هيا كيلها ومضامينها. مما شكل نوعا من التراكم على المستوى الكمي والكيفي تجلى الأول في الازدياد المطرد للمبدعين في هذا الجنس الأدبي: مبارك ربيع، الميلودي شغوم، بنسالم حميش، أحمد التوفيق، مصطفى لغتيري، عزالدين التازي، الخ… أما الثاني / الكيفي، فتجلى في التطور الذي عرفه هذا الجنس في مضامينه التي اغتنت بطرق وموضوعات مختلفة. تبعا لتطور المجتمع على شتى المستويات: سياسية، اجتماعية، ثقافية، الخ… هذه الخلخلة في البنى والمضامين، أثرت بشكل جلي على هذه النصوص السردية. مما جعلها تتجاوز تلك التيمات التي كانت مهيمنة في مرحلة سابقة بشكل واضح: القمع، الجنس، جحيم المدينة، العنف، الهزائم والانتكاسات، الخ… هذا التقارب التيماتي، أدى بدوره إلى نوع من التقارب اللغوي والمعجمي. لكن على الرغم من ذلك فالإبداع السردي، أصبح يتجه نحو التجريب. وعلى الرغم من كون الرواية
على حد تعبير الناقد ميخائيل باختين هي الجنس الأدبي الذي يبقى دائما قيد التشكل، فإنه يأخذ
فرادته من مميزات المبدع. هذا الأخير يودع في النص تلك الروح الخفية. وإذا استعرنا “الأسلوب هو الرجل نفسه”. Buffonالعبارة من بوفون /
(1)، فإن النص الإبداعي تطبعه خصائص المبدع. هذا الإبداع السردي، واكبته حركة نقدية.
استطاعت بدورها أن تحقق تراكما على مستوى التنظير أو الممارسة. حاول هذا النقد صياغة أسئلته استنادا إلى خلفيات نقدية غربية وخصوصيات النص الروائي العربي (1).
من أهم النقاد المغاربة، نذكر على سبيل المثال لا الحصر: سعيد يقطين، أحمد اليابوري، لحمداني حميد، الخ… اهتم هذا النقد بمختلف مستويات الخطاب السردي: الرؤية السردية، الشخصيات، الفضاء، الزمن السردي، الخ… لكن على الرغم من أهمية المنهج النقدي، فكل
قراءة أو مقاربة نقدية عليها أن تنطلق من النص. وليس العكس كما يذهب بعض النقاد. .(2) .R. Jakobsonتنطلق من العناصر المهيمنة حسب رومان جاكسون /
إن قراءة أولى للرواية التي بين يدينا – رجال وكلاب – للمبدع مصطفى لغتيري، تبين تميزها ببنية سردية متميزة. حاولت خلخلة طرائق السرد المألوف. لكن هذا التحول السردي لدى الروائي مصطفى لغتيري، ليس مجرد إجراء تقني، بل انتهاك وانزياح عن حساسية بكاملها: جمالية، معرفية، الخ… وعن وعي إبداعي.
في ضوء ما تقدم، سأحاول قراءة رواية – رجال وكلاب – إنطلاقا من تلك العناصر المهيمنة، والتي حددتها كالتالي: الكتابة الشذرية، السرد الغرائبي، جمالية اللغة، علاقة الإنسان بالحيوان( مقارنة بين ثلاث روايات: - رجال وكلاب - لمصطفى لغتيري،- التبر -
لإبراهيم الكوني ، - حين تركنا الجسر- لعبد الرحمن منيف .
أ- الكتابة الشذرية:
أهم مميزات الإبداع الحديث. Fragmentaire تشكل الكتابة الشدرية /
واهتم به أغلب الكتاب والفلاسفة: أدورنو، بنيامين، الرومانسيون الألمان، الخ… وارتبطت هذه الخصيصة في الرواية الأوربية بنهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين. عملت على تفكيك البنية السردية وأزمة الذات. على اعتبار أنه لا توجد حقيقة واحدة، بل حقائق عدة ومتداخلة: كافكا، بروست،الخ…
أما بالنسبة لإبداعنا العربي، فارتبطت هذه الخاصية في المجال السردي بالدعوة إلى تجاوز القوالب الجاهزة وإبراز الطابع الإشكالي للكتابة الإبداعية.
تشكل الشذرية في رواية – رجال وكلاب – قيمة جمالية وخصيصة بنيوية للسرد الروائي.
تحدد الرؤيا الفنية للمبدع للكتابة السردية. إن نص رجال وكلاب، عبارة عن نصوص صغرى. متداخلة ومترابطة فيما بينها. ومستقلة في الوقت نفسه. إذ تنبني الرواية على وحدة
حكائية أساسية تتجلى في الحالة النفسية لشخصية السارد ( الحفيد علال ) يقول السارد، ص:13 “ربما قد تهتدي إلى الأسباب العميقة التي تجعلني ضحية للأوهام. كل ما أطلبه منك
أن تتبع ما سأكتبه. انتقي منه ما تشاء.” إن شخصية السارد في هذه الحالة، تشكل بؤرة السرد ومولد للحكي. وتولدت عن حالة / حكاية الحفيد، حالات / حكايات أخرى: حكاية الجد “شيئا فشيئا تدهورت حالة الجد، حتى أنه في بعض الأحيان أصبح لا يستطيع الوقوف على قدميه، يتنقل حبوا في حيزه الضيق. حالته الكلبية ترسخت في سلوكه .” ص:20، حكاية العمة “الحالة الغربة التي تملكت عمتي، تلك التي كانت تعتني بجدي، أصبحت أميل إلى الصمت، لم تعد تشارك في الحديث إلا لماما…” ص:25. حكاية الأب ” هكذا تبوأ الرجل الذي سيكون أبي مستقبلا، مكانة لم تراوده حتى في الأحلام…” ص:28. حكاية الأم “كان لانتقال المرأة التي ستكون أمي إلى بيت أهلي تأثير كبير على مجريات الأمور،الخ…” ص:30.
إن أول سمات هذه الشذرية في رواية – رجال وكلاب – تجلت في تجاوز تلك الحبكة التقليدية التي ترتبط بالحكاية النواة. وعلى الرغم من هذه النواة في الرواية( حكاية الحفيد )،
فإن المبدع مصطفى لغتيري، عمل تكسير هذه النواة. عن طريق انشطارها الشذري.
مما أدى إلى تشعب مسار السرد. فحين نبدأ قراءة هذه الرواية، “في صبيحة يوم ما، كان صاحب المحل الذي اعتدت التبضع منه (…) حين اقتاد الرجلان صاحب المحل، لم يكن أحد
بالشارع، السيارة التي توجهوا نحوها لا تدل على شيء…” ص:5. توهم هذه البداية القارئ. وكأن السرد في مجمل الرواية سيرتبط بهذا الاختفاء ( اختفاء صاحب المحل ) ومحاولة السارد البحث عنه. لكن سيخيب أفق انتظارالقارىء حين سيكتشف بأن هذه البداية عبارة عن حالة نفسية ” أصدقك القول، قارئي المفترض إن ما حدث لي مع صاحب المحل، لم يكن الأول من نوعه، الخ…” ص:12. انطلاقا من هذه اللحظة ( قد نعتبرها بداية التحول السردي)، سيعمل السارد على إدخال القارئ شرنقة السرد. لأن هذا الأخير سيعرف تحولات المرتبطة بحالاتProlepsesوتشعبات شتى. وذلك عن طريق مجموعة من الإسترجاعات/ حكايات مختلفة ( كما حددنا سلفا.) مما يعطي تذبذبا على مستوى الزمن السردي، حسب
الخ… G.Genette جيرار جينيت / R. Barthes مجموعة من النقاد: رولان بارط /
(3) إن السرد عند مصطفى لغتيري، لا يرتبط بحبكة قصصية صارمة تعمل على رصد سيرة حياة الشخصية المحورية علال، رصدا خطيا. بل هي رصد لحيوات متعددة في الوقت نفسه . إن زحزحة الحبكة وتشعب السرد وتقويض الإيقاع المنتظم للزمن، يحرر العملية السردية من خطيتها ونمطيتها. ويمنح للمبدع إمكانات أخرى لتشكيل المادة الحكائية. في هذا
الإطار، فإن رواية – رجال وكلاب – تتجاوز تلك الحدود المصطنعة بين بداية الحكاية ونهايتها.
يبدأ السرد من نهاية الحكاية ( الحالة النفسية لشخصية السارد ) يقول السارد: ” من جهتي سأحاول جاهدا أن أتقصى أهم اللحظات في حياتي…”ص:13. وفي الصفحة 16 يعود إلى بداية السرد الحكائي ( نوع من الاسترجاع ) “كان جدي يعيش في البادية، يملك أرضا صغيرة…” ص:16 أما في الصفحة 23، فيعود السارد للحديث عن نفسه ” وهنا عزيزي المفترض، أجدني مضطر لمخاطبتك مباشرة…”. وفي الصفحة 28 يسترسل السارد في الحديث عن أبيه(عائلته). وفي الصفحة 48، يبدأ السارد باسترجاع ترسبات الطفولة.
نبين ذلك من خلال ترتيب هذه الحالات:
*أ- على مستوى السرد (النص الروائي): حالة السارد، حالة الجد، حالة السارد، حالة العائلة،
حالة السارد، الخ…
*ب- على مستوى الحكاية: حالة الجد، حالة العائلة، حالة السارد / الحفيد، الخ…
إن هذه الوحدات السردية في رواية رجال وكلاب عبارة عن حلقات مستقلة ومتداخلة في الوقت نفسه. دون أن ينال ذلك من انسجام البنية العامة للرواية. إن هذه الرواية لا تنبني على متن حكائي تقليدي، بل على متن حكائي متعدد ومتنوع. يعكس حياة عائلة بكاملها. تقدمها لنا شخصية السارد / الحفيد علال من خلال منظورها الخاص وذاتها الخاصة. لأن هذه الأخيرة، عبارة عن نواة ومولد في الوقت نفسه. تنشطر وتتشظى إلى حكايات فرعية، ومشاهد من سيرة طفولته المتوزعة بين البادية ومدينة الدار البيضاء. وتجاربه العاطفية ومغامراته، من أجل تحقيق الذات وتجاوز أزماتها.
في ضوء ما تقدم، يمكن القول بأن هذه الشذرية على مستوى الحكاية المسرودة والبناء الدائري على مستوى الزمن السردي، يؤشران بأن رواية رجال وكلاب، تنحو منحا أكثر انفتاحا وتحررا من تلك القوالب السردية الجاهزة.
ب- السرد الغرائبي:
ينبني السرد الغرائبي على التناقض ومفارقة الواقع العادي. هذا الأخير الذي غالبا ما ينبني
على مرجعيات الواقع اليومي. وعلى الرغم من أن هذه المرجعيات الواقعية، تعرف انزياحات حين تنتقل إلى المستوى السردي. فإنها تخضع لمنطق ترابط الأفعال/ الأحداث (4).C.Bremandحسب كلود بريمون /
إن السرد الغرائبي يتجاوز هذا المنطق. حيث يأخذ شكلا غير طبيعي. له علاقة باللاوعي. إذ لا يفلح العقل في الإلمام به أو حتى استيعابه تجلى هذا السرد الغرائبي في مجموعة من الأعمال الروائية. نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: العشاء السفلي لمحمد الشركي، أحلام بقرة لمحمد الهرادي، الخ… إن سارد رواية رجال وكلاب يضعنا في عالم الغموض والحيرة. يقدم لنا شخصياته الغريبة في حالات نفسية مضطربة. شأن شخصية السارد نفسه /
الحفيد علال ” السائق يشبه إلى حد كبير الرجل صاحب المحل، إنه تشابه لا يصدق. كيف يمكن للصدفة أن تكون بمثل هذه الدقة(…) فجأة تكلم الرجل فقال: ” ألم تخبر عائلتي؟ ”
ما هذا الذي يحدث؟ أيمكن أن يصدق عاقل كل هذا ؟ ص:8،9. وقد تأخذ هذه الغرائبية، شكل
تحول غير طبيعي. تجلت في حالة الجد مثال “مرت الأيام فأخذ الجد يكلم نفسه، يضع الطعام والماء، ثم يشرع في حث الكلب على تناولها…” ص:18. والصفحة 20، نقرأ ” حالته الكلبية
ترسخت في سلوكاته. أخد يتناول الطعام بواسطة فمه مباشرة دون استعمال يده.الماء كذلك يلعقه كالكلب حذو النعل بالنعل…”. أو حالة نفسه حادة، شأن حالة العمة ” الحالة الغريبة التي تملكت عمتي، تلك كانت تعتني بجدي (…) خلال هذه الغيبوبة تتفوه بكلام غامض، لم يفلح أحد في تبين معناه.” ص:25 مما يولد الحيرة والتردد لدى القارئ على حد تعبير الناقد
إزاء هذه الحالات المتكررة. من هذا المنطلق، يضعناT.Todorov / تزفيطان تودروف
السرد الغرائبي في رواية رجال وكلاب في تصميم اللاواقعي والغامض واللامرئي. تجلى
ذلك كذلك في حديث السارد عن شخصية الجار. ذلك الرجل الغريب الأطوار والسلوكات.
فأي حديث عنه يقول السارد: “داخل أسرتي كان يتم بشكل سري (…) كان الرجل معروفا
بالسحر والدجل…” ص،ص: 43-44 . لينقلنا السارد إلى عالم الجذبة بعالمها الغرائبي وأبعادها الروحية والميتولوجية. ” انخرط الرجال والنساء في رقص غريب يسمى الجذبة
طقوس غريبة أحسست معها بالفزع يخترق فؤادي.” ص: 45. إن هذا يشكل الوجه الآخر المنسي والملغز للكينونة المأسورة في شرك قوي. يتجاوز نطاق تأثيرها وسلطتها حدود التفسير العقلي والمنطقي لظواهر الواقع الطبيعي والحياة العادية.
لقد عملت هذه الإستيهامات ذات الطابع الغرائبي، على تأثيث الفضاء السردي لرواية
رجال وكلاب من خلال تلك التصورات عن شخصيات معينة: شخصية الجار ( المجذوب)
مثلا. أو حالات معينة ( حالة الجد، حالة العمة، حالة السارد،( شخصية علال.)الخ…).
تقوم هذه الحالات ( الحكايات) على الخارق والصدفة وسرعة التحول الغريب والمفاجآت.
خاضعة لقانون ضمني. تتشكل وفق توجهاته. إن الرواية حسب هذا التصور، لا تخلق عالما
بعلاقات جديدة، بل تقدمه من خلال خلق سنن خاصة. لأن العالم حسب الناقد جان ييف تادييه
لم يبق موضوع رهان تغيير معين، بل موضوع حلم أو اكتشاف أو استفهام (5).
*ج- جمالية اللغة:
إن للغة الرواية خاصيات عدة. تميزها عن الأجناس الأدبية الأخرى. إن الرواية حسب الناقد شاكر النابلسي، جنس أدبي ينسجها التاريخ، والجغرافيا والعلاقات الاجتماعية، والعادات، والتقاليد الأخلاقية، والأدبية، والنحوية، والسياسية، والاقتصادية، وعلى لغة الرواية أن تكون أداة صالحة وفعالة لنقل كل هذه الشبكة المعقدة من المعطيات (6).
إن رواية رجال وكلاب تبتعد عن العمل الروبورتاج وتهتم بالجانب اللغوي بشكل جلي. وعلى الرغم من كون الرواية عامة، غالبا ما تتكون طبوغرافيتها من ثقافة المبدع، لغته
الخاصة، من طبيعة الموضوع المتناول، من نوع الشخصيات التي تساهم في بناء هذا العمل
الإبداعي، فإن المبدع مصطفى لغتيري يحطم هذه القاعدة. لكون لغته السردية لا تعرف هذا
التعدد. على الرغم من تعدد شخصياته على المستوى الاجتماعي والثقافي. ولا نكاد نعثر داخل الرواية سوى على جملتين باللسان الدارج. يقول السارد، ص:29:” أدخله مكتبه، وبلهجة أبوية خاطبة:
- أميلود، خاصك تكمل دينك أولدي…”.
ويقول كذلك في الصفحة 32 ” وقالت له مستنكرة:
- أش كدير ألفقيه ؟ “.
إذ باستثناء هذين النصين، فإن اللغة في هذه الرواية، لغة أنيقة فصيحة. وعلى الرغم من
دلك، فإنها مفهومة وبسيطة في الوقت نفسه. لغة تتميز بالرشاقة والنسيج الرفيع. هذه الخصيصة لا تتحقق إلا من خلال الفصاحة. إن اهتمام المبدع مصطفى لغتيري باللغة،
جعل هذه الأخيرة، ترجمة للحياة وذاكرة تصويرية وليس انطباعية. والتصوير عن طريق
اللغة لا يتأتى إلا بواسطة هذه الفصاحة. فالكتابة الإبداعية لا تتوفر إلا من خلال الفصاحة. قصد خلق المتعة لدى القارئ وتجاوز تلك الهلهلة التي تطغى على بعض الأعمال الإبداعية.
لأن اللغة المتدنية حسب الناقد عبد المالك مرتاض لا تخدم الفن السردي (7).
*د- بين الإنسان والحيوان:
إن هذه العلاقة قديمة قدم الإنسان نفسه وترتبط بالإبداع. فقد تجلت بوضوح في الشعر العربي القديم. خاصة تلك العلاقة بين الشاعر وناقته أو فرسه. حتى تشكل نوع من الالتحام بين هذا الشاعر والحيوان. يقول ثعلبة بين صغير المازني:
وإذا خليلك لم يدم لك وصله * فاقطع لباتنه بحرف ضامر (8) (الحرف الضامر، يعني البعير.) أما في الإبداع الحديث فتجلت هذه العلاقة في أعمال روائية عدة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ( حسب قراءاتي): التبر لإبراهيم الكوني، -حين تركنا الحسر- لعبد الرحمن منيف، -القطة- لليلى العثمان، و رجال وكلاب لمصطفى لغتيري إن العلاقة بين شخصيات هذه الروايات والحيوان، لم تؤد إلى القوة والاتصال الدائم بل إلى الانفصال والموت. في رواية -التبر- كانت علاقة أوخيد (الشخصية المحورية في الرواية.) بمهره
- الأبلق- علاقة قوية لكنها أدت إلى الانفصال العلائقي بين أوخيد ومحيطه الاجتماعي
( العائلة ثم القبيلة.). يقول السارد، ص: 75 “النتيجة، تبرأ منه، قال للشيخ موسى: أبلع الأحمق أن ايموهاغ على حق عندما سنوا النسب إلى الأم (…) ثم حرمه من الميراث، فانفصل عن القبيلة…” إن هذه العلاقة في رواية - التبر – توازيها علاقة الجد بالكلب في رواية - رجال وكلاب - حيث أصبحت علاقة قوية بينهما. يقول السارد:”ارتبطت وشائج قوية بين الجد والكلب، حتى أن المرء لا يراهما إلا معا…” ص:16 حتى أصبح نوع من التماهي بين شخصية الجد والكلب. أدى إلى تلك الحالة الكلبية لدى الجد ” هكذا مارس جدي رغبته الغريبة في التماهي مع الكلب…” ص:19. وإذا كانت هذه العلاقة قد أدت إلى الانفصال في رواية التبر بين شخصية أوخيد وقبيلته، فإن الشيء نفسه عرفته شخصية الجد.
إذ انفصل عن أهل القرية ” لم يمض بعض من يوم حتى كان الجد محجوبا عن أعين الفضول…” ص:19. فكانت نتيجة ذلك الموت ” وجد في صباح أحد الأيام ميتا.” ص: 23.
أما في رواية - حين تركنا الجسر- لعبد الرحمن منيف، فالعلاقة نفسها والمصير نفسه يتكرر مع شخصية المحورية زكي نداوي وكلبه وردان. يقول السارد،ص:18 “نحن إخوة وردان..نعم نحن إخوة وفينا شيء مشترك، صفات مشتركة…”.ليتحقق نوع من التماهي والحلول بين زكي نداوي والكلب وردان ” أنت يا وردان شيء له صلة بروحي..قلت لك ألاف المرات تعال نتحدث.” ص:96. ليعيش زكي نداوي حالة كلبية. شأنه في ذلك شأن الجد في رواية - رجال وكلاب- وحين يغيب/يموت الكلب وردان ” اصطدم رأس وردان بصخرة تنام وسط الزرع…” ص:213. أصبحت هواجس الموت تلاحق شخصية زكي النداوي
“يجب أن انتقم من نفسي…” ص: 185. ويقول السارد، ص:204. “قلت لنفسي: كما كانت جدتي تقول: ملك الموت مر الآن من هنا…”
إن ما يجمع هذه الروايات هي تلك العلاقة القوية بين الشخصية والحيوان. علاقة أدت إلى الانفصال والغياب / الموت.
نبينها من خلال ما يلي:



إن رواية رجال وكلاب لمصطفى لغتيري، عمل سردي متميز. سواء على مستوى البنية السردية، أو الرؤيا الإبداعية التي يقدمها لنا. إن ما قدمناه في هذه الورقة. لا يعد من قبيل الجامع المانع. بل حاولنا استجلاء بعض العناصر/ القضايا المهيمنة. والرواية لا زالت تزخر بعناصر عدة، قابلة للقراءة والمقاربة النقدية، خاصة عنصر الزمن.
* الهوامش:

(1) سعيد بوعيطة، النقد الروائي، مجلة الرافد (الإماراتية.) ع 46، يونيو 2001، ص:82
R.jakobson, Huit questions de poétique, P : 32. (2)

R.Barthes, Introduction à L’analyse Structurale des Récits,(in) (3)
Communications 8, Paris, 1981, P : 12.

C. Bremond, communications -8- 1981, P : 175 (4)

Jean Yves Tadie, la critique littéraire au XXéme Siècle, (5)
Paris : 1987, P : 129.

(6) شاكر النابلسي، مدار الصحراء، ص:21.
(7) عبد المالك مرتاض، في نظرية الرواية، (عالم المعرفة)، ع 240، 1998،ص:139.
(8) الزوزني،شرح المعلقات السبع.

* الروايات:
أ- مصطفى لغتيري، رجال وكلاب، افريقيا الشرق، 2007.
ب- ابراهيم الكوني، التبر، دار الآفاق الجديدة، 1991.
ج- عبد الرحمن منيف، حين تركنا الجسر، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1982.






https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن