الامن المائي في الوطن العربي

فدى المصري

2008 / 6 / 19

تشكل المياه العصب الأساسي للحياة على سطح الأرض بما تحتويه من عناصر تؤثر في نمو الكائنات الحية النباتية والحيوانية ،و يتزايد استهلاك هذه الطاقة يوميا ً مع تقدم الصناعة ونمو السكاني المتزايد الذي يؤدي إلى الزيادة في استهلاك هذه الطاقة محليا ً وعالميا ً . وتعتبر المياه من الطاقة المتجددة التي تعمل على تجديد ذاتي بفعل دورة المياه ؛ تحت تأثير التبخر بفعل الحرارة ، والتكاثف بفعل انخفاض الضغط الجوي الذي يشكل كتل الغيوم ، لتهطل الأمطار من جديد وتسلك مجراها إما عبر السيول الجارية على سطح الأرض من خلال الجداول والأنهار والينابيع ، أو تتركز في مكان واحد وترقد عبر البرك والبحيرات والبحار؛ أو تختزن في باطن الأرض كمياه جوفية .
غير أن من الملاحظ أن حصة الدول من المياه تختلف باختلاف المواقع الجغرافية والمناخية ، إذ نجد تفاوت بين البلدان في كمية المياه التي تتمتع بها ؛ سواء بين دول العالم أو بين دول العالم العربي . وذلك يعود إلى طبيعة المناخ وطبيعة التضاريس وموقع الدول على خطوط العرض وخطوط الطول ؛ ومدى قربها من البحار أو من المناطق الصحراوية أو القطبية . وهذا التفاوت ينعكس على أداء البلدان في تأمين هذا المورد لشعوبها ، في ظل تعاظم هذه المادة الحيوية الأساسية في نشاط الإنسان بمختلف أوجهه الاقتصادي الزراعي والصناعي؛ فقد كرست الأمم المتحدة الخميس الواقع في 20آذار، يوما ًعالميا ً للمياه التي يحرم منها أكثر من مليار شخص ويتوقع أن يزداد النقص فيها أكثر فأكثر في المستقبل تحت تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري والطلب الكبير المتواصل لسكان العالم. فلا يزال ثلث البشرية (2,4 مليار نسمة) يعيشون محرومين من المياه الصالحة للشرب وحتى من المراحيض والصرف الصحي. ويموت كل يوم 25 ألف شخص معظمهم من الأطفال بسبب النقص في المياه والمستلزمات الصحية وانخفاض حصة الفرد من الاستهلاك الشخصي.
إزاء ذلك ما هو شكل توزع هذا المورد ضمن المجتمع العربي؟ وما هو الدور الذي تؤديه طاقة المياه؟ وكيف نجد واقع الأمن المائي بين الدول العربية والآلية المعتمدة لتأمين هذا المورد؟
في ظل هذه الإشكالية لا بد من التحقق عبر النقاط التالية:
 دور المياه في نشاط الإنسان
 مفهوم الأمن المائي
 واقع المياه في الوطن العربي
 ندرة المياه والمشاكل الإقليمية الناتجة عنها.
 تنمية وإدارة الموارد المائية.
أولاً : دور المياه في نشاط الإنسان :
تبرز أهمية المياه للإنسان من خلال ما تؤديه من أدوار تساعده في نشاطه اليومي المدني والاقتصادي ، حيث أن لولا هذا المورد لما استطاع أن ينشئ الإنسان حضارته من القدم لما حققته له من ادوار ، ومع مرور العصور وتقدم المجتمعات كان هذا المورد يزداد أهمية مع تقدم نشاط الإنسان الصناعي والتكنولوجي،أدوولفت بيار شوفالييه أخصائي الموارد المائية في المعهد الفرنسي للأبحاث، بأن استهلاك المياه عالميا ً يتوزع فيما يلي؛ فالمياه المخصصة للاستهلاك المنزلي -لأغراض النظافة الشخصية وتنظيف المنازل- لا تمثل سوى 10% من الاستهلاك العالمي مقابل 20% للصناعة خصوصا ً إنتاج الطاقة و70% للزراعة كمعدل وسطي. لكن مع تفاوت كبير لأن الزراعة يمكن أن تمتص في آسيا أكثر من 85% من الموارد المائية.
أما الأدوار التي تلعبه المياه بالنسبة للإنسان تكمن من خلال :
- الاستهلاك اليومي : وذلك من خلال الشرب والحاجات المنزلية المختلفة، وإذا نظرنا إلى حصة الأفراد اليومية من هذه الطاقة ضمن البلدان فإننا نجد أن متوسط استهلاك الفرد السنوي في أميركا يصل إلى 2200 م مكعب من ضمنه 275 م مكعب الحاجات المنزلية ، ففي أسترالية تنخفض إلى 1400 م مكعب و850الحاجات المنزلية لأفرادها سنوياً، فتنحدر إلى 500م مكعب متوسط استهلاك الفرد سنويا ً في الصين ويبلغ 30 م مكعب الحاجات المنزلية . أما متوسط حصة الفرد في الهند تبلغ 620 م مكعب و20 م مكعب فقط للحاجات المنزلية. إزاء ذلك نجد تفاوت كبير بين البلدان من حيث متوسط حصة الفرد وتلبية احتياجاته المنزلية التي تتعلق بالحاجة الأساسية الملحة للسكن الصحي السليم سواء من حيث النظافة ، أو الاستعمال الغذائي أو استهلاك المياه العذبة في الشرب.
- الاستهلاك الزراعي : وذلك عبر ري المزروعات والتي لا يمكن لها أن تحقق الإنتاج الزراعي الجيد إلا من خلال توافر هذا العنصر ، والذي جعل جميع البلدان تتسابق إلى تنفيذ السدود على مجاري الأنهار سعيا ً لتوفير هذا العنصر الحيوي لنو النبات وغنى التربة بموادها العضوية الحيوية بفعل الرطوبة.
- الاستهلاك الصناعي : حيث أن الكثير من الصناعات المعدنية والاستهلاكية وخاصة الصناعية منها لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال توفر العنصر المائي ، وتشكل ندرة المياه العامل المعرقل لاستغلال الطاقة المعدنية الجوفية منها والبترولية ، فنجد أن حصة المياه 20ليتر لكل كلغ من البترول ؛ تصل إلى 300ليتر لكل كلغ من الورق ؛ وترتفع إلى 2000ليتر لكل كلغ من البلاستيك خلال عملية التصنيع .
- كما تشكل المياه عنصر حيوي داعم لوسائل نقل الإنسان ، حيث نجد أن أقدم وسائل النقل عرفتها البشرية ؛هي وسائل النقل النهري والبحري عبر البواخر ، إذ ربطت الشعوب والحضارات ببعضها البعض عبر وسائل التنقل البحري وكان لهذه الوسيلة الدور الفعال في الاكتشافات الجغرافية ؛ عبر الرحالة بواسطة الأساطيل البحرية ، ورسمت الخصائص الجغرافية للكرة الأرضية عبر مسيرة البحث والاكتشافات البشرية المتواصلة.
- وأخيرا ً وليس آخرا ً ، إن المياه شكلت وما تزال تشكل مورد للطاقة الكهربائية ، من خلال ضغطها وقوة وجراها حيث شكلت مصدر نظيف متجدد للطاقة الكهربائية بدون تكلفة ، وبدون ضرر بيئي ؛ مما حدا الدول تبني مجاري المائية النهرية ؛ في توليد الطاقة الكهربائية التي تشكل عصب النمو الاقتصادي للمجتمعات الصناعية، والجدير بالذكر أستطاع الإنسان أن يولد الطاقة الكهربائية مؤخرا من قوة دفع الأمواج البحرية ، حيث أقامت بريطانية مؤخرا محطة لتوليد الطاقة الكهربائية على شواطئها البحرية مستغلة بذلك قوة الأمواج البحرية ، كتوليد طاقة نظيفة بديلة للطاقة الملوثة .
ثانيا ً : مفهوم الأمن المائي:
والجدير بالذكر بأن طاقة المياه موزعة بطريقة متفاوتة على سطح الأرض وبطريقة مختلفة من حيث شكل تواجدها أو من حيث كميتها وفقا ً لاختلاف القارات وتوزعها الجغرافي ألمناطقي والمناخي ، حيث نجد بلدان تتوفر لديها هذا المورد بغزارة وبلدان أخرى تشكو من ندرتها ، وتعتبر اليوم الأمم المتحدة بأن حصة الفرد من المياه يجب أن تتبلور بـ1000م مكعب سنويا ً وفق مؤشرات التنمية. ومن هنا فإن المقصود بالأمن المائي هو مدى قدرة الدولة على توفير هذا العنصر لأفرادها بشكل مياه عذبة نظيفة خالية من الملوثات المختلفة بشكل آني ومستقبلي ، إذ يجب أن تحافظ على توفر هذه الطاقة للأجيال الحالية والأجيال المستقبلية دون هدر أو دون عجز في تلبية الحاجات المائية لشعبها.
وتعرف جمعية الخط الأخضر البيئية (GREEN LIGN)، وفق ما أشارت به "فضة المعيلي" مفهوم الأمن المائي كمفهوم مطلق علي أساس جوهري هو الكفاية والضمان عبر الزمان والمكان.أي أنه يعني تلبية الاحتياجات المائية المختلفة كما ونوعا مع ضمان استمرار هذه الكفاية دون تأثير من خلال حماية وحسن استخدام المتاح من مياه , وتطوير أدوات وأساليب هذا الاستخدام, علاوة علي تنمية موارد المياه الحالية, ثم يأتي بعد ذلك البحث عن موارد جديدة سواء كانت تقليدية أو غير تقليدية(1).
ثالثا ً : واقع المياه في الوطن العربي:
إن توزع المياه في الوطن العربي يختلف من بلد لآخر وفق طبيعته ؛ولا سيما بين بلدان الخليج وبلدان العربية المتوسطية ، وبلدان شمالي إفريقيا تبعا ً لما تتمتع به من خصائص من حيث تكوين القشرة الأرضية ومعدل هطول الأمطار ، وكيفية تواجد المياه في المجتمع من حيث شكل وأماكن توزع المورد المائي وفقا ً للخصوصية الجغرافية لدى كل بلد عربي .
بشكل عام فإن جميع البلدان العربية تتباين لديها معدل هطول الأمطار ، ومن الملاحظ أن تساقط الأمطار لدى البلدان العربية تنحصر بفصول معينة خلال السنة ولا سيما فصل الشتاء ، وتنحصر هطول الأمطار بعدد قليل من أيام السنة تبع ً لما يتمتع به الوطن العربي من مناطق صحراوية واسعة المساحة التي تؤثر على معدل وحجم تساقط الأمطار .والجدير بالذكر بأن المياه في الوطن العربي تذهب هدرا بفعل التبخر بحكم جريانها بشكل مكشوف إذ أن 90 % من المياه في الوطن العربي يتبخر ،أو انحدارها إلى مصباتها عبر البحار ويبقى جزء قليل منها لا يتجاوز 2 % من حجم المياه يختزن في باطن الأرض . ، حيث نجد 307 مليار مكعب حجم المياه السطحية في الوطن العربي و46 مليار م مكعب فقط مياه جوفية ليصبح 353 مليار م مكعب حجم المياه المتوفر في الوطن العربي، كما نجد أن العالم العربي يستثمر 52% فقط من ثروته المائية ؛ موزعة على الشكل التالي :ينفق 83% منها على الزراعة ،11% منها على الصناعة، 6% على الحاجات المنزلية وعلى الشرب.
إلا أن توزع هذه المياه في المجتمع العربي نجده عبر الأنهار بالدرجة الأولى والتي تغذي مياه الأمطار المجاري المائية السطحية التي لا تقل عن 50 نهرا ً، وعدد لا بأس منها من كمية مياه الأمطار تتغذى من مجاري خارجية مثل النيل والفرات ودجلة والسنغال مما تجعلها موضوع نزاع إقليمي كون هذه الأنهار الكبرى تجري عبر أكثر من بلد . إلا أن حصة البلدان العربية من المياه وحصة أفرادها تتوزع بطريقة غير متساوية، إذ نجد مناطق عربية مثل لبنان وسوريا والعراق لديها مورد مائي كبير تبعا ًلما تتميز بها طبيعة التضاريس الصخرية لهذه البلدان فإذا تناولنا لبنان فنجده يتميز بقشرة أرضية صخرية كلسية نافذة تسهل تسرب المياه إلى باطن الأرض مشكلة منطقة كارستية جوفية غية بالمياه من هنا نجد معدل المياه الجوفية مرتفعة في المجتمع اللبناني،وبلدان أخرى تشكو من ندرة المياه لديها مثل السعودية ومناطق الخليج كافة تبعا ً لما تتمتع من مناخ صحراوي جاف يساهم بندرة هطول المياه ، فعمدت إلى تحليه وتكرير مياه البحر لتوفير هذه الطاقة الحيوية وتغطية الاحتياجات المحلية لسكانها.
غير أن من الملاحظ بشكل عام أن كميات المياه المستخدمة في الوطن العربي لا تغطي الاحتياجات الكاملة لسكانها ؛ حيث نجد أن 30 % من سكان العالم العربي لا يحصلون على مياه شرب نظيفة وكافية ،كما أن المياه المستخدمة في الزراعة لا تسمح بتحقيق الأمن الغذائي الزراعي العربي. وتقدر حصة الفرد العربي بـ660 م مكعب وهي دون خط الفقر المائي التي اعتمدته الأمم المتحدة بـ1000م مكعب سنويا ًحصة الفرد. ولا بد هنا من الإشارة إلى أحد البحوث الذي تم في المجتمع المدني عبر "وكالة سبأ" اليمنية للأخبار في رصد نتيجة استبيان أجرته على عينة عشوائية من السكان وذلك حول مدى سلامة اختيار المياه من مصادر نقية ، والبديل في حال الشك بسلامة المياه ، فقد تم التوصل إلى أن 76% من العينة يحرصون على سلامة المياه نقية ، و48 % منهم قد شربوها عشرات المرات وهم يشكون بمستوى نقاوتها بسبب ندرة توفرها لهم ، و18 % منهم قد أفاد بأنهم لا يكترثون بمدى نقاوتها مكتفين بمصادفة القدر لحفظ سلامتهم الجسدية من الأمراض التي تنقلها المياه الملوثة إلى أجسامهم.
رابعا ً:ندرة المياه والمشاكل الإقليمية الناتجة عنها:
إن الواقع المائي الذي يتمتع به الوطن العربي ؛ من حيث توزعه وكمية توفره في الوطن العربي ولا سيما من حيث اشتراك عدد من البلدان العربي بعدد من الأنهار شكل سياسة إقليمية معينة فيما بينها من حيث إقامة السدود على مجراها ، ومن حيث آلية استغلال هذا المجرى ولا سيما من حيث السياسة المائية المعتمدة من قبل البلدان تجاه بعضها البعض ؛ فإذ أشرنا نجد أن نهري الفرات ودجلة تشترك به سوريا والعراق من حيث المنبع ومن حيث المجرى ، مما فرض عليها سياسة معينة في كيفية إدارة هذه الطاقة ، وكذلك اشتراك لبنان وسوريا في نهر العاصي، وأمثلة أخرى عديدة . إلا أن المسألة تبقى عربية فقط ، وبفعل اتفاقية سياسية معينة فيما بينهم يتم تحديد حصة كل منها من هذا المورد . ولكن المسألة هنا طالت الصراع العربي الإسرائيلي ، وذلك من خلال ندرة المياه في فلسطين المحتلة من قبل مستوطنة الإسرائيلية ، وبفعل ندرة المياه لديها من جهة وتزايد الاقتصاد الإسرائيلي للطاقة المائية؛ مما جعلها بصراع دائم مع المجتمع العربي عبر الأزمات الأمنية المفتعلة من هنا وهناك ، ولعل صراع الإسرائيلي اللبناني المستمر منذ منتصف القرن العشرين ومستمر للوقت الراهن يعود جذوره إلى ندرة المياه في المنطقة التي احتلتها وتحاول السيطرة على مجرى نهر الحاصباني اللبناني ، وتوفير هذا المورد لتحقيق نشاطها الاقتصادي الذي لا يتحقق من دون هذا المورد الهام .
في الوقت الذي نجد انتشار لمشكلة ندرة المياه في الوطن العربي ، بحكم أن استغلال الوطن العربي لكمية المياه تفوق الكمية المتاحة والمتوفرة للاستثمار ،وهذا الوضع مؤشر لانخفاض حصة الفرد من الكمية المتاحة له من المياه النظيفة ، تشير الإحصاءات بأن هناك انخفاض في حصة الفرد بحلول عام 2020 سنويا ً، حيث نشير إلى أن حصة الفرد في العراق سوف تكون 2570م مكعب للفرد الواحد بعد أن كانت 6580م مكعب عام 1980، في سوريا سوف تنحدر من 3350 م مكعب للفرد عام 1980؛إلى 1211 بحلول 2020، في لبنان تنخفض من 1850 إلى 1000؛أما في مصر فتنخفض إلى النصف حصة الفرد من 1240 إلى 600،الأردن تنخفض حصة الفرد إلى ما دون الثلث من 484م مكعب عام 1980 إلى 161 فقط، في السعودية نجد الانخفاض من 160 م مكعب إلى 56 حصة الفرد الواحد أما اليمن فنجد الانخفاض من 518 م مكعب إلى 216 م مكعب بحلول العام 2020 ، هذا بعض الإحصائيات لتوزع حصة الفرد ومستوى توقعها مستقبلا ً ، وقد أتت هذه النسب المئوية وفقا ً لانتشار عامل مناخي من جفاف وسيطرة المناخ الصحراوي ، وانتشار ظاهرة التصحر نتيجة مخلفات الإنسان المنتهك للبيئة دون رادع أو احتساب لهذا الأمر، عداك عن انتشار بظاهرة الاحتباس الحراري ، في ظل ارتفاع حاجة الفرد العربي من هذه المادة تبعا ً للنشاط الاقتصادي من جهة ونمو السكاني في الوطن العربي من جهة أخرى.
خامسا ً : تنمية وإدارة الموارد المائية.
في سبيل تنمية مائية أفضل واستغلال صحيح للطاقة المائية ، لا بد من اعتماد آلية وصياغة تتبلور في سياسة الحكومات العربية لتفادي هذه المشكلة وتحقيق منها لنتائج تنموية ، تحافظ على هذه الطاقة وتلبي احتياجات أفرادها من هذه الطاقة بشكل آني ومستقبلي ، كسبيل لتنمية بشرية مستدامة ، وقد تعاظمت هذه القضية عالميا ً ومحليا ً دفع الإحساس بخطورة الموقف العالمي بالنسبة للموارد المائية الحكومات والمنظمات العالمية للعمل على عقد المؤتمرات ووضع البرامج والخطط وسن القوانين المتعلقة بالمياه. ولعل من ابرز سمات هذا الإحساس بقصور موارد المياه التقليدية عن الوفاء بالمتطلبات في الكثير من بقاع العالم إلى جانب جهود الحفاظ على الموارد المائية وترشيد استخداماتها في مختلف قطاعات التنمية، السعي لاختصار الدورة الطبيعية المتكررة لتوفير الماء العذب من الرصيد الضخم من المياه المالحة في البحار والمحيطات، عن طريق التبخير بالتسخين الشمسي ثم الترسيب على هيئة أمطار تجري في الأنهار والسيول، وكذلك عن طريق استخدام التكنولوجيا لتصنيع المياه العذبة، ومن هنا جاء التوسع الملفت للنظر في بناء محطات تحليه المياه المالحة أو المياه الجوفية الضاربة للملوحة. ولقد شهدت السنوات الأخيرة معدلات أسرع في إنشاء هذه المحطات وفي تطوير تقنيات حديثة للتحلية، مثل التطاير الفجائي والتقطير متعدد المؤثرات والديلزة الكهربائية والتجميد والتناضح العكسي، وأخيراً استخدام الطاقات المتجددة لهذا الغرض.ومع الأخذ بعين الاعتبار التكلفة التشغيلية المرتفعة لتحليه المياه، يصبح من البديهي ضرورة التركيز على كافة مجالات المحافظة على هذه المياه التي يتم استخلاص قطراتها من المياه المالحة، وتشمل المحافظة على المياه جميع خطوات الإنتاج والنقل والتخزين والتوزيع. كما يصبح من البديهي أيضا وبخط مواز ٍ ضرورة جمع ومعالجة موارد مياه الصرف العادمة لإعادة استخدامها في مجالات تؤدي بالضرورة إلى تخفيـف الطلب على المياه العذبة وبالتالي إلى تخفيف عبء التكاليف الباهظة عن كاهل الدولة لتوفير موارد مياه إضافية(2). من هنا يجب التنبه إلى صياغة ما في أداء الحكومات العربية عبر سياسة الترشيد في الاستهلاك وتوعية فردية إعلامية في كيفية إدارة هذه الطاقة ، عدا عن اتخاذ عدة تدابير ، ومنها :
1- تكرير المياه المبتزلة وإعادة استخدامها في النشاطات الزراعية والتنظيف، ولعل تجربة الأردن في ذلك قد نجحت وإن كلف هذا المشروع أموالا ً طائلة من خزينتها ، غير أن النتائج حققت أرباح هائلة إن على صعيد البيئي أو توفير مياه غنية بالمواد العضوية مما يخفف من استهلاك الأسمدة الكيماوية الزراعية.
2- استخدام طريقة التنقيط لري المزروعات.
3- توعية فردية في كيفية الاستهلاك وذلك عبر ترشيد الاستهلاك من هذه الطاقة.
4- تغطية الأقنية المائية المكشوفة لحمايتها من التبخر.
5- جرّ الفائض المائي من البلدان العربية الغنية إلى البلدان المجاورة. والجدير بالذكر هنا تقترح دولة قبرص في جر ّ المياه من لبنان عبر رصد ميزانية لهذا المشروع في سبيل مواجهة موجة الجفاف لديها.
6- تحليه مياه البحار المالحة ، ولعل تجربة دول الخليج قد خففت من آثار ندرة المياه لديها عبر هذا المشروع.
7- سياسة إعلامية عربية موحدة ، نستهدف التوعية عبر المواد الإعلامية للتكامل في مشروع التنمية المائية وتحقيق معدل الأمن المائي بشكل أفضل لشعوبها بشكل آني ومستقبلي ، وذلك نحو بيئة مائية عذبة نظيفة للجميع .
8- استثمار المورد المائي في توليد الطاقة ، ولعل الحكومات دور في الاستفادة من مشروع الأوروبي حول إقامة محطات توليد الكهرباء على شواطئها للاستفادة من أمواج البحر في توليد طاقة نظيفة متجددة.
9- تنسيق بين الجمعيات البيئة العربية في دول وذلك للاستفادة من خبراتهم وتبادل معلوماتهم البيئية نحو عمل بيئي منظم ومتكامل ومتحد بين المنظمات العربية.


المراجع:
- المواطن والبيئة / أستاذ سليم ديب ، رئيس قسم الجغرافيا في الجامعة اللبنانية.
- مجلة البيئة والتنمية ، صحيفة شهرية، عدد كانون الثاني 2002
(1) http://www.greenline.com.kw/Reports/047.asp
(2) http://mmsec.com/m2-files/waterkwit.htm



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن