غريبان على الخليج

كامل داود
kamildwd@yahoo.com

2008 / 5 / 30



ينطوي الشعر الشعبي العراقي على الكثير من تيمات الحياة الاجتماعية وتناقضاتها وان كان اغلب الموروث منه يفتقر الى مؤلف معروف بيد ان ذلك لم يضع الاجيال في موقع الاحجام عن تناقله الشفهي وتداوله والتمثل به في مواقف الحياة اليومية المختلفة .

فالشعر الشعبي هو شعر سماعي يشكل ثالثة الأثافي للغناء والرثاء على حد سواء لأنه الأقرب إلى الضمير والأصدق في التعبير عن خوالج الإنسان وتاريخه وطرق تفكيره التي تتشابه بتشابه المعتقدات ونمط الإنتاج،وهذا مدعاة أن لا نرى غرابة في كتابة الحاج زاير الدويج عن ( غربته على الخليج ) ونقل تداعيات العسكرة العثمانية و التجنيد الإلزامي الذي أمر به مدحت باشا (حكم العراق 1869-1872) و أرغم العراقيين على الانخراط في الجيش العثماني مستثنيا ألوية المنتفق والعمارة و الدليم لأنهم رحالة غير مستقرين في حين كانت الحواضر العراقية الأخرى تدفع سنويا بشبابها طوابير في دوائر التجنيد وهكذا هي الحال في مدينة النجف التي كانت مرتعا للحاج زاير وميدانا لمجده وجمهوره الذي لم يستطع ان يخفِ شاعرَه عن عيون مفارز الجندرمة التي تترصد الهاربين من الخدمة العسكرية وتطاردهم ولم يتمكن ان يفلت من ( السفر برلك ) وسيق الى ( قَطَر)حيث القاعدة العثمانية لقتال ال سعود الذين شقوا عصا الطاعة على الباب العالي . فكان الحاج زاير يعتلي سطح المعسكر وينظر الى البحر وحين تهب الصبا من الشمال تحمل له ذكرى العراق فيبكي :

تهب ريح الصبا وتكدّر

فيكتب الى صديقه هادي وقد تقطعت به سبل الرجاء واشتط الملتقى :

هيهات يحكم بعد ملكانة

من حيث صار لل( قطر )ممشانة

ممشانة حاكم والمكدر كدر

انت مغرب وانا رحت ل(قطر )

عنك يهادي عبر سابع بحر

والرِخ منه تجل جنحانه

حتى طائر الرخ الخرافي تكل أجنحته ولا يقوى على عبور البحر اللامتناهي الممتد بينه وبين العراق.:

البحر اوسع مايكون وانت ابعد ما يكون

والبحر دونك يا عراق

فتختلط مشاعر الغربة عند شاعرين وتتماثل استجاباتهما تجاه تحدي الأبعاد القسري عن الوطن سواء كان بتجنيد الحاج زاير او بهجرة بدر شاكر السياب الى الكويت هاربا من بطش السلطات العرفية بعد انتفاضة 1952

ولجوئه المتخفي للكويت بعد ان عبر الخليج من إيران بسفينة متهرئة الأشرعة والسكن مع العمال العراقيين في ضواحي الكويت :

جلس الغريب يسرّح البصر المحّير في الخليج

ويهدُّ أعمدة الضياء بما يصعد من نشيج

يا ريح يا أبر تخيط لي الشراع متى أعود ؟

إلى العراق متى أعود ؟

أتراه يأزف قبل موتي ذلك اليوم السعيد ؟

تساؤل تتلاشى به زفرة الشاعرين على ضفاف الخليج وتضيع في ضجيج أمواجه المتلاطمة على مدى الأفق الرحيب تحمل بقية روحين وأشلاء نداءٍ
أبدي:

( حتى الظلام هنالك اجمل حين يحتضن العراق )




https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن