أنا مش عارفنى --أنا مش انا

حسن مدبولى
www.hambooly@yahoo.com

2008 / 5 / 26

عندما تشتد المحن , وتدلهم الاحوال , ويكتسى الافق بلون اسود من قرون الخروب والزفت والقطران , وعندما تصبح الحياة مستحيلة على الفقراء , قاسية على متوسطى الحال, وعندما يتمرمط الانسان , وتتمرغ كرامته , بحثا عن الخبز , وعندما لا يكتفى مشعلوا الحرائق بالكوارث التى تحيط بنا من كل صوب , وتطل الفتن ,وتظهر علينا التفاهات , ويصبح الوطن قاب قوسين او ادنى من الاحتراق , فان من يكتوى بالنار , ينتظر دائما , فعل ما , يعدل الاحوال , او صرخة مدوية معبرة , علها تسمع من لا يسمع , او تذهب بعض الهموم عن المكلومين ولو بالتخدير او التوهان عن الواقع , ويمكن القول ان الفن كان دائما صاحب الصرخة الاولى , الفن بأنواعه , سينما , مسرح , مسلسلات , اغانى , الا ان الغناء والشعر سوف يظلان دائما هما المعبرين , الاعلى تأثيرا , والاكثر تصويرا , عن الذين تسحقهم الظروف والاحوال .
والشعب المصرى تعود دائما على من يغنى له فى لحظات الصعاب , فعلها سيد درويش , وكتبها بيرم التونسى وفؤاد حداد , و سار على الدرب نجم وامام , صحيح هناك اصوات جميلة وقلام راقية , غير ما ذكرت , فمن ينسى صلاح جاهين او عبد الحليم او الابنودى , الخ , لكنى ارى هؤلاء وغيرهم , كانوا مرتبطين , بالدولة ,اى دولة , ولو اختلفوا معها , وبالتالى فان تعبيرهم عن المقهورين كان تعبيرا ناقصا ,حتى لو كان مخلصا , لكن سيد درويش ورفاقه بيرم وفؤاد حداد , وفؤاد نجم والشيخ امام , كانوا منحازين تماما للعامة ومعبرين بالكامل عن الغالبية الشعبية التى تعانى , حتى لو تعرضوا -كمعبرين ومبدعين -لمتاعب وبلاوى السلطان .
الان ونحن فى هذا العذاب الاذلى المستمر , احوج مانكون ,لمن يعبر عنا فنيا , وخصوصا بالغناء , فلا الاخ عمرو دياب ينفع فى تخفيف الام وعذاب ارملة توفى زوجها , وترك لها كومة اطفال , بلا عائد ولا مسكن , ولا دولة تعين ,, ولاهو مفيدا فى اى شىء ان تعايرنا الاخت شيرين عبد الوهاب , باننا شربنا من نيلها , وبنلف ونتسكع فى شوارعها .
حتى الاخوة الشعراء المخلصين مثل الابنودى , ونجم, وفاروق جويدة , غيروا جلدهم , فالابنودى شفاه الله , كان قد تفرغ بعد انتهاء مرحلة النضال فى اواخر الثمانينيات , لكتابة الاغانى العاطفية التى تتحدث عن الفراق واللوعة وغدر الحبيب , اما رؤيته السياسية , فتوجها باشعاره المناوئة للاستعمار العربى العراقى لدولة الكويت ,, والاستاذ فاروق جويدة تفرغ للكتابة الصحفية ضد تسقيع الاراضى , واهمية اعداد دراسات علمية شفافة عند بيع القطاع العام , اما احمد فؤاد نجم , فقد كان هو الامل , لكنه بعد انفصاله عن المرحوم الشيخ امام , تحول تحولا غريبا , ليستمتع ويسترزق من عرض بعض اشعاره على المسارح , كما نسى اشعار النضال , وبدأ فى الظهور العلنى مقدما لبرامج شبه ثقافية وتراثية بالمعنى الشعبى , ولكن من خلال وتحت سيطرة حيتان الرأسمالية ,اصحاب الفضائيات, والاموال.
عندما تكون الاحوال من الناحية الفنية شبه مغلقة, كما اوضحنا , فلا يجد الفقراء , سوى التشبث بأى قشة فنية معبرة , ولو كانت شعبان عبد الرحيم, فاذا تراجع شعبان عبد الرحيم , ومسخت تعبيراته وتحول الى مركز لتوصيل الاغانى حسب الطلب, جاء اخرون حتى ولو كانوا يلطمون ويولولون , وهل نحن حاليا فى حال يستحق الفرفشة او التطريب ؟
احدث اغنية تجوب انحاء مصر حاليا , وتسمعها العامة والخاصة بتمعن وانسجام , سواء فى الميكروباصات , او على الموبايلات , او من خلال اجهزة الكمبيوتر , هى اغنية " انا مش عارفنى " للمطرب الشعبى عبد الباسط حمودة , وهو مطرب لا يعتمد على الكليبات ولا الفضائيات , وكان يعبر عن فئات شعبية محدودة , لكنه كان معروفا بشكل معقول ,الا انه صار حديث الساعة بعد اغنيته الجديدة التى تقول بعض ابياتها ,, انا انا انا -- انا مش عارفنى -انا تهت منى --انا مش انا -لا دى ملامحى - ولا شكلى شكلى - ولا ده انا -- بصيت لروحى فجأة - لقيتنى كبرت فجأة --تعبت من المفجأة وتاهت خطوتى -- انا مش عارفنى -الخ
هكذا وفى ظل انعدام التعبير الحقيقى فنيا عن الناس , وعما يحسون ويشعرون , فان الناس تخلق اى معبر حتى ولو كان مجرد لاطم او نائح .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن