قمة بيروت بين الحالمين والرابضين والمنهارين

سمير عادل

2002 / 5 / 16



لم يؤول حال القوميين العرب مثلما آلت اليه في هذه الايام اثر انهيار مشروعهم، وهم يصوبون انظارهم نحو قمة بيروت وكلهم امل من اجل تحقيق امانيهم التي ضاعت قبل اكثر من خمسة عقود من الزمن . ذلك المشروع الذي تلخص اما في" تحرير فلسطين هو الطريق الى الوحدة العربية"او "الوحدة العربية هو الطريق الى تحرير فلسطين".فلا الوحدة العربية تحققت ولا فلسطين تحررت .وفي زمن الجبابرة القوميين العرب كان يبرر قول بن غوريون ضد العرب بعد حرب 1948 وتحديدا بعد توقيع آخر هدنة بين الدول العربية واسرائيل عام 1949"لقد تم لنا ذلك لان اعدائنا يعيشون حالة مزرية من التفسخ والفساد والانحلال" بالتخلف والاستعمار والتبعية .اما اليوم فأن المشكلة تزداد تعقيدا عندما ينتفي وتفرغ الجعبة ما يبرر حال الحركة القومية العربية .وما يزيد الطين بلة عندما تنعدم الافاق لانتشال امنياتهم المهزومة. وعندها لا يبقى سوى التغني بذكريات الفوران القومي العروبي في ألايام الخوالي للكوكبة الشرق ام كلثوم".
ولربما كان صدام حسين حامل لقب فارس الامة العربية، اكثر القوميين العرب ذكاءا في استيعاب هذه الاوضاع رغم انه كان اول المناقصين والمزايدين معا حول القضية الفلسطينية ،حيث علق المسؤولين في حزب البعث بالنيابة عنه على المشروع السعودي للسلام الذي عد لاجهاضه قبل وصول النسخة الاصلية الى المؤتمرين : يجب ان يعرض مشروع السلام كرزمة واحدة على امريكا وان ببقي الباب مفتوحا في حال تغيير الشروط لصالح العرب لتحرير كامل فلسطين".وتكشف هذه الاقوال والتصريحات بأن القضية الفلسطينية وصلت الى مرحلة لا تتحمل مزايدات سياسية اكثر .فلهذا يستطيع المرء ان يشم رائحة خط الرجوع من تلك التصريحات في حال نجاح مبادرة الامير السعودي للسلام.
لقد عاصر هذا الجيل الباقي على احلامه القومية العشرات من مؤتمرات القمة العربية ،وكانت عشية وبعد كل مؤتمر قمة، يعبر عن ازدرائه وتهكمه من المؤتمرين ومن قراراته ومن الانظمة العربية وحكوماتها التي تنظم وتشارك في هذه المؤتمرات .
المهم ما يهمنا ان نقوله، لاول مرة هناك لفيف من المثقفين القوميين العرب وعيونهم صوب مؤتمر القمة العربية الذي ينعقد في بيروت،وكان هذا واضحا في الرسالة التي وقع عليها العديد من اولئك المثقفين مثل ادوارد سعيد وهشام شرابي وغيرهم على سبيل المثال الى مؤتمر القمة وهم يطالبون الحكومات العربية بالوقوف مع الشعب الفلسطيني ومحنة الامة العربية ..الخ .
ان ما يميز قمة بيروت عن بقية المؤتمرات العربية هو تحولها الى محل انظار المخالفين والموافقين معا ابتداءا بالقوميين العروبيين المتشددين والمعتدلين ومرورا بالاسلاميين مثل حماس وغيرها وانتهاءا برئيس الولايات المتحدة الامريكية.ولا بد من ذكر،بأن الفضل في اعادة الثقة الى الحكومات العربية ومؤتمراتها من لدن اولئك الى الارهابي والمجرم اريل شارون رئيس وزراء دولة اسرائيل العنصرية .فقوة بطشه دفع حتى جورج دبليو بوش الى ان يعلق اماله ولاول مرة على مؤتمر للدول العربية . وكان من المفروض بما متعارف عن الكرم العربي وشهامته تجاه من يسدي حسنة اليه، هو الرد بأحسن منها وهي بالموافقة على طلب اريل شارون بالحضور الى مؤتمر "قمة بيروت" لعرض وجهة نظره .فعن طريق ذبح الفلسطينيين والتفنن في الابادة العنصرية هو الذي اوصل تلك الحكومات الرجعية العربية والمتعفنة بان تتشبث بها من ضيع بوصلته القومية .وما اكثر الزعماء العروبيين المتجمعين في بيروت دهاءا عندما يعملون في كل مرة ادخال جسد الحركة القومية العربية في غرفة الانعاش للحفاظ على روحه المحتضرة اطول فترة ممكن. فهي السخرية بعينها عندما يقود حزب المؤتمر الشعبي الحاكم في اليمن تظاهرات كبيرة في صنعاء الى جانب حزب البعث في سورية الذي يقود تظاهرات مماثلة ،يطالبون مؤتمر القمة في بيروت بنصرة الانتفاضة الفلسطينية.ان من له ادنى بصيرة سياسية كان عليه الادراك بكل بساطة ان قمة بيروت لا تختلف عن بقية القمم العربية الاخرى الا لأمتصاص النقمة والغضب ضد وحشية سياسة دولة اسرائيل الشوفينية واعادة تنظيم وانتاج قيادة الاوهام القومية في الشارع العربي والحيلولة دون انفلات ذلك الغضب وتحوله الى ثورة ضد الطغيان والجوع والفقر ومصادرة الحريات والاستبداد السياسي الذي تمارسه الانظمة العربية منذ اكثر من نصف قرن تحت يافطة القضية الفلسطينية . واذا كانت جميع مؤتمرات القمة فشلت في تحقيق امال الحالمين بالعروبية المنتصرة، فأن النجاح الوحيد الذي كتب لاحدها كان مؤتمر بغداد عام" 1978" اذ منحه معمر القذافي واحد من عشرة ،حيث نفذ احد قراراته الخطيرة وهو مقاطعة الدول العربية لمصر لدخولها على يد انور السادات في اتفاقية سلام منفردة مع اسرائيل .فليس لان الزعماء العرب اشداء تجاه بعضهم،بل هو التحالف الذي ابرم بين العراق والسعودية في اخراج مصر من زعامتها للامة العربية وان يكونا بديلا عن تلك الزعامة . لقد كشفت قمة بيروت للمرة الرابعة والعشرين عن مدى تباين المصالح السياسية للانظمة العربية حول نظرتها الى السلام والصلح مع اسرائيل . ان غياب عمالقة وعرابي الحركة القومية العربية عن مؤتمر بيروت مثل حسني مبارك ومعمر القذافي وغيرهما في الوقت الذي تشتد فيه الماكنة القمعية لحكومة شارون ضد الفلسطينين وطرح مبادرة السلام السعودية يثبت هذا التباين .
فأذا ادخلت المسألة الفلسطينية كحلقة مركزية في الصراع العربي– الاسرائيلي للحفاظ على وادامة استمرارية الانظمة القومية العربية، لكن اليوم وجميع الدول العربية وخاصة المحاذية لاسرائيل تحاول ان تفصل نفسها عن المسار الفلسطيني . كما ان ياسر عرفات نفسه فصل القضية الفلسطينية عن ذلك الصراع المذكور .فمنذ اتفاقية كامب ديفيد الاولى التي وقعتها مصر منفردة مع اسرائيل تحاول الحكومات العربية ان تحذو حذوها ، فنتج عنها مؤتمر مدريد ثم اتفاقية اوسلوا التي فرخت عن الحكم الذاتي للفلسطينيين ثم اتفاقية السلام بين الاردن واسرائيل. ولم تبق الا سورية التي تحاول جاهدة ان تدخل هي الاخرى باتفاقية سلام مع اسرائيل والتي تحاول ان تسيطر على لبنان كي لا تنفرد وحدها وتبقى هي اليتيمة تواجه اسرائيل لوحدها.

ان افول الحركة القومية العربية توج في هزيمة حزيران 1967 .وكانت حقبة التسعينات هي اختتام فصول جميع الحركات القومية على مستوى العالم بعد ان تراءى للذين توهموا بها في اول ذلك العقد من ان صحوة موتها هي بداية انبعاثها .وما بعد "الحادي عشر من ايلول" اذيع اعلان آخر وهو الوصول الى خاتمة فصول الصحوة الاسلامية التي افتتحت على خراب المشروع العروبي .وبهذا تطوي المنطقة العربية صفحات اشرس التيارات معاداة للماهية الانسانية. لكن لم يأذن الوقت الى الان لتمزيقها.
فليس امام القوميين العرب الا التخلي عن افكارهم العروبية واللحاق بركب الانسانية، ركب تعريف الانسان على اساس هويته الانسانية وليس من خلال عروبيته وافكاره العروبية وهو الطريق لتحرير الانسان الفلسطيني من الظلم القومي المفروض عليه ،وايذانا بسحب البساط من تحت اقدام الحكومات الشوفينية العربية التي اغرقت جماهيرها بدمائها تحت ستار القومية العربية .
.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن