الإخفاق الأمريكي في مؤتمر الجوار العراقي بالكويت

سهر العامري
aslam_326@hotmail.com

2008 / 4 / 24

منذ سنوات خلت وأمريكا مستمرة بالضغط على العرب من أجل أن ينفتحوا على حكومتها بالعراق وقد بدأ هذا الضغط أول ما بدأ بشكل خفي ثم تصاعد فصار جهارا وبشكل وصل في أحيان حد صراخ أطلقته وزير الخارجية الأمريكية ، كوندليزا رايس ، وهي تحط أول خطوات لها على أرض المطار من ايرلندا في طريقها الى المنطقة العربية لحضور مؤتمر دول الجوار الإقليمي الذي كان هو في الأساس من بنات الفكر الأمريكي سواء كان ذلك في اجتماعاته السابقة أم في انعقاده الأخير.
لغاية الانفتاح هذه شد الرئيس جورج بوش الرحال الى بعض الدول العربية غير ما مرة ، وخاصة تلك الدول التي ترتبط بها أمريكا بعلاقات متينة مثل مصر والمملكة العربية السعودية . ومثل الرئيس جورج بوش رحل الى هذه الدول كذلك نائبه ديك تشيني ثم وزيرة الخارجية الأمريكية ، كوندي !
وعلى أساس مما تقدم فقد عملت الإدارة الأمريكية جاهدة على تسويق حكومتها في العراق عربيا وعالميا تماما مثلما فعلت ذلك من قبل حين قامت الإدارة نفسها بتسويق صدام وجعلت منه بطلا قوميا ! على حد تعبير الإعلام العراقي المزيف وقتها.
لقد صرح رئيس وزراء الإتحاد السوفيتي السابق يفغيني بريماكوف قائلا : نحن والأمريكان من سوّق صداما عالميا . وكلام بريماكوف هذا في تسويق رؤساء دول العالم الثالث يظل قائما في السياسة الدولية ليس مع حكومة أمريكا في العراق وحسب وإنما مع دول أخرى وفي أزمنة أخرى كذلك والى الساعة التي تموت فيها المطامع الامبريالية الدولية ، ويظهر على سطح كرتنا الأرضية هذه نظام دولي بديل أكثر عدلا وتوازنا.
لقد بذلت أمريكا جهودا جبارة من أجل دعم وإسناد حكومتها المحاصرة في المنطقة الخضراء من قبل العراقيين داخليا ، والمحاصرة من قبل العرب والكثير من دول العالم خارجيا ، ورغم تلك الجهود لم تفلح أمريكا بكل جبروتها للآن أن تفك طوق المحاصرة هذه عن تلك الحكومة التي تزداد اختناقا يوما عن يوم .
والسؤال الوجيه الذي يمكن أن يطرح هنا هو لماذا فشلت أمريكا للآن بحمل الدول العربية خاصة دول الخليج العربي منها على فتح سفارات لها في العراق وكذلك رفع حمل الديون الضخمة عن كاهل العراق والعراقيين؟
والجواب على هذا السؤال يكمن في حقيقة تعرفها الأطراف المتحاورة جميعها لكنهم يتجاهلونها في الوقت نفسه ، ولا يريدون البوح بها علانية لأسباب تخص كل واحد منهم ، وبعبارة أكثر جلاء يمكن لي أن أقول : إن الأمريكان سعوا عند العرب لمد العون لهم في العراق بعد أن تيقنوا من حقيقة لا يمكن تجاهلها وهي أن أية حكومة في العراق لا يمكنها أن تنعزل عن محيط العراق العربي ، ولهذا راحت أبواق الدعاية الأمريكية في الآونة الأخيرة تردد رغم أنف صولاغ وخدينه الجلبي أن العراق بلد عربي وهو جزء لا يتجزأ من الوطن العربي هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى هو أن الأمريكان عادوا بأمس الحاجة الى دعم العرب للوضع المتهالك في العراق وذلك بعد أن تعاظمت ورطتهم فيه جراء استمرار حربهم على مدى هذه السنوات الطويلة هناك ، ومن دون أن تلوح في الأفق بارقة تبشر بنهاية هذه الكارثة الرهيبة التي أصابت الناس في العراق بأضرار جسيمة فاقت التصور ، مثلما أصابت أحلام رجال البيت الأبيض بخيبة أمل فظيعة ، تلك الأحلام التي رأوا أنفسهم فيها وهم يتربعون على عروش أبار النفط في العراق من خلال حرب خاطفة لا تدوم على تقدير بعض عملاء أمريكا من العراقيين غير أسابيع معدودة ، فالشعب العراقي بتصور ميتي الضمير هؤلاء مستعد لتلقي جحافل السيد بوش بالزنابق والورود وإذا ما انعدم الزنبق والورد في العراق فإن ذاك الشعب سيتقبل أولئك الفاتحين بسعف النخيل وما أكثر النخيل في العراق !
ومع معرفة الأمريكان لتلك الحقيقة لكنهم يقولون بنفاق واضح : أننا نريد حضورا عربيا في العراق من أجل موازنة النفوذ الإيراني فيه وهو نفوذ طالما تشكى منه العرب . وحقيقة هذا النفاق يعرفها الأمريكان قبل أن يعرفها العرب فأمريكا تعلم علم اليقين أنها هي التي سمحت للنفوذ الإيراني أن ينتشر مثل وباء الجرب في الجسد العراقي ، ولولا الأمريكان لما كان لإيران هذا النفوذ الكبير . والكثير من العراقيين صاروا على بينة من أن التمدد الإيراني داخل العراق هو ثمن لتعاون إيران المخلص في شن أمريكا الحرب على العراق ولا أراني بحاجة الى أثبات تعاون إيران ذاك ، فقد أشار الى ذلك أكثر من مسؤول إيراني . وها هم الأمريكان ومعهم حكومتهم في بغداد يسمعون التصريح الأخير للسفير الإيراني في العراق ، كاظم قمي ، وكيف يبرهن تصريحه ذاك على تدخل إيران في شؤون العراق ، حتى عاد السفير هذا معه وكأنه بوبل بريمر جديد ومن دون أن يرد عليه مستشار واحد من مستشاري حكومة أمريكا في العراق وعلى رغم من كثرتهم التي تعدت المئات.
لقد ظل العرب ينظرون الى الوضع في العراق بمنظار آخر فهم لا يريدون أن ينجروا الى الوضع فيه كي يكونوا بملاقاة إيران على أرضه تماما مثلما رمت بهم أمريكا في أتون الحرب التي أشعلتها أمريكا بين صدام والخميني والتي دار العرب في فلكها لثماني سنوات مريرة لم يحصدوا منها سوى الخسائر المالية الجسيمة . وعلى سبيل المثال لا الحصر هو أن الاحتياطي النقدي لدى السعودية كان مئة وخمسين مليار دولار أمريكي لم يبق منها غير خمسين مليار دولار ساعة أن وضعت حرب السنوات الثماني أوزارها.
وعلى هذا يدرك العرب الآن ، مع رفضهم الشديد للتدخل الإيراني الفظ في الشأن العراقي ، أن أمريكا هي المسؤولة بالدرجة الأساس عن نفوذ إيران ذاك ، وهم بعد ذلك ينظروا الى أن حكومة أمريكا في العراق على أنها حكومة تقوم على حزبين إيرانيين نشأة ومحتدا مثلما تقوم على حزبين كرديين وبهذا يكون عرب العراق من حيث النفوذ في حكومتها تلك خارج معادلة الخطأ هذه وهي معادلة جاءت بها أمريكا نفسها ولكنها تريد من العرب الآن أن يمدوا يد العون لحكومة قامت أساسا على معادلة الخطأ تلك.
ليس من مصلحة العرب الدخول في حرب مع إيران وليس من مصلحتهم أن يساهموا في الطوق الأمريكي ضدها وخارج قرارات الأمم المتحدة وعلى ضوء هذا الفهم نرى أن العرب عمدوا الى أن تكون علاقاتهم بإيران ذات طبيعة هادئة ، هذا الهدوء الذي عملت على تحقيقه دولتان عربيتان كبيرتان هما مصر والمملكة العربية السعودية وذلك من خلال الزيارات المتكررة للمسؤولين الإيرانيين لهاتين الدولتين والى الحد الذي صارت فيه إيران تحضر القمم العربية ، الصغير منها مثل اجتماعات دول الخليج العربي ، والكبير منها مثل قمم الدولة العربية مجتمعة ، ولكن مع سياسة الهدوء هذه فإن العرب يرفضون تدخل إيران في شؤون العراق الداخلية هذا الرفض الذي انعكس بشكل جلي في تصريحات وزير خارجية المملكة العربية السعودية أثناء اجتماع دول الجوار في الكويت قبل يومين من الآن ، وهو تدخل أرادت من ورائه أمريكا أن تدخل العلاقة العربية بإيران في حالة من التوتر الدائم خاصة بعد تنصيبها لحكومة في العراق ذات هوى إيراني يتشكل أغلب أعضائها من حزبين هما في الأساس حزبان إيرانيان أنشأتهما إيران من أجل تحقيق أهدافها في العراق سواء كان ذلك على زمن الشاه المقبور أو على زمن الولي الفقيه.
من دون قيام حكومة ذات توجهات عربية في العراق يشعر من خلالها العرب أنها تحرص على وجود العراق بينهم كدولة عربية كانت من بين الأعضاء المؤسسين لجامعة الدول العربية لا تنتظر أمريكا ولا حكومتها في العراق منهم قيام علاقات دبلوماسية أو إسقاط ديون ، فهاتان هما الورقتان اللتان يحارب بهما العرب إيران داخل العراق ، وإيران مهما بذلت من جهود استثنائية ومهما تمددت في نفوذها داخل العراق لن تستطيع أن تعوض العراقيين الخسارة الجسيمة التي ستلحقهم حين يفقدون العرب خاصة خسارتهم للدول العربية التي تحيط بالعراق والتي يعيش على أراضيها الملايين من العراقيين الآن .
خلاصة القول يجب على أمريكا أن تدرك أن العرب وخاصة دول الخليج العربي ترفض أن تجر رجلها الى معركة مع إيران على أرض العراق مرة أخرى بعد أن استطاع أمريكا أن تجر تلك الرجل في حرب صدام والخميني التي احترقت فيها إيران والعرب كذلك ولم ينتفع أحد من تلك النيران سوى دهاقنة المال في أمريكا الذين استطاعوا إعادة ثروات مالية طائلة توفرت لإيران والعرب أثناء الفورة النفطية في مطلع السبعينيات من القرن المنصرم بينما تحولت تلك الثروات لدى إيران والعرب في سوح تلك المعارك الطاحنة الى بارود ودخان .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن