فائض المال .. وإملاق الحال

صادق الازرقي

2008 / 4 / 2

(من أجل تعديل المعادلة غير القويمة)
نفى مسؤولون في الحكومة العراقية التقرير الذي أورده مكتب المحاسبة الأميركي والذي انتقد الحكومة العراقية على ما قال انه سوء تصرف باستعمال المال العام.
وكان تقرير لمكتب المحاسبة الأميركي قد قال ان الحكومة العراقية لم تصرف سوى مبلغ ضئيل لم يتجاوز 4 ونصف بالمائة من ميزانية عام 2007 لإعادة الإعمار حتى شهر آب الماضي وقد دفع هذا الأمر عضوين من لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي الى المطالبة بإجراء محاسبة كاملة حول كيفية إنفاق الحكومة العراقية لمواردها النفطية لتنفيذ مشاريع الإعمار.
وقد أرسل طلب بهذا الخصوص في السابع من آذار الجاري الى ديفيد ووكر وهو أعلى مسؤول حكومي في المكتب يشير الى أن مداخيل النفط العراقية ستصل خلال العام الحالي الى أكثر من 56 مليار دولار بسبب الارتفاع المستمر لأسعار النفط في الأسواق العالمية؛ ويضيف مكتب المحاسبة الأميركي انه وبالرغم من حاجة العراقيين الملحة منذ عام 2003 الى خدمات الماء والكهرباء والمجاري والصحة فان إنفاق الحكومة العراقية على تلك المشاريع لم يتجاوز الـ 22 % من موارد النفط التي خصصت لمشاريع إعادة الإعمار لسنة 2006.
ويزيد مكتب المحاسبة على ذلك بالقول ان الولايات المتحدة أنفقت منذ عام 2003 نحو 50 مليار دولار من دون أن يظهر اثر ملموس على تحسن مستوى حياة العراقيين.
وفي حين تنفي الحكومة العراقية تلك التقديرات محيلة أمر التلكؤ في توفير الخدمات الى أسباب عديدة في طليعتها الوضع الأمني غير المستقر فان تقارير الحكومة الأميركية تورد بدورها معلومات تقترب مما ورد في تقرير مكتب المحاسبة حيث تقول الإدارة الأميركية ان الحكومة العراقية أنفقت 24 % من أصل عشر مليارات دولار حتى تموز الماضي وقد طالب (السناتوران) الأميركيان اثر ذلك بمعلومات مفصلة حول مداخيل الحكومة العراقية النفطية منذ 2003 حتى 2007 وما هي المبالغ التي لم يتم صرفها وبأية طريقة أودعتها الحكومة العراقية في المصارف وأسماء هذه المصارف وأماكن وجودها.
وبغض النظر عما ورد في تقرير مكتب المحاسبة الأميركي والحكومة الأميركية وفي ردود فعل المسؤولين العراقيين فان القضية تعني أولا ً وأخيرا ً المواطن العراقي وهو أول من يعرف بذلك الإخفاق في أداء المؤسسات الحكومية كما أنه أول من يعاني إذا كان الأداء سيئا ً وأول من يستفيد إذا كان جيدا ً هذا المواطن الذي صقلته التجربة طيلة السنوات الخمس المنصرمة منذ إسقاط النظام المباد تلك التجربة القاسية التي أوضحت له مدى البون الشاسع بين ثروات البلاد الهائلة ومستوى المعيشة المتدني الذي يحيا فيه وبالتالي فانه ليس بحاجة الى تلك التقارير التي تميط اللثام عن مدى الإخفاق الحاصل فهو يلمس بصورة يومية نماذج من الهدر في الأموال العامة فحتى تلك المبالغ المستعملة في بعض المشاريع وهي لا تشكل إلا نسبة ضئيلة من مجمل الأموال المستحصلة من النفط نقول حتى تلك المبالغ لم تسلم من الهدر والسرقة فالشارع الذي يبلط سرعان ما يتعرض الى التخسف والتكسر ويعاد تبليطه مرة ثانية وثالثة بفعل غياب الرقابة والفحص وبسبب تغيير مناشىء الشراء فما يسجل في العقود شيء والمواد المستوردة شيء آخر وعلى سبيل المثال لا الحصر فان بابا ً حديديا ً يحتاجه مستوصف يسجل على ان سعره 200 أو 300 الف دينار وهو سعر حقيقي يسجل في الوصولات غير ان بعض القائمين بالشراء يشترون عوضا ً عنه بابا ً بعشرين أو خمسين ألف دينار ويذهب الفرق مال حرام في جيوب البعض وهكذا بالنسبة للمواد والمشاريع الأخرى الأكبر وفي إحدى المرات قبل مدة قصيرة أدى مثل هذا الإجراء الى سقوط احد الجسور في ناحية الكفل في محافظة بابل ولمّا يمض على إنشائه سوى أسابيع وهكذا ينظر المواطن العراقي بحزن وغضب الى السرقة اليومية لخيراته ومصادرة ثرواته وقوت أبنائه وأجياله ويجري بالمقابل تشكل رأي عام عراقي ينظر بعين الشك والريبة الى جميع المشاريع القائمة او المقبلة وهو يعيش نتائج الإهمال في استثمار أموال البلاد وتأتي التقارير الدولية لتعضّد هذا الشك ولتعطي دفعا ً لتعزيز عدم الثقة في المؤسسات الحكومية وهي حالة كنا نأمل أن لا تحصل.
المواطن لا يرى أي أسطول للنقل العام برغم تضاعف كمية الأموال وبرغم تسرب الأنباء مؤخرا ً عن فائض بمقدار 30 مليار دولار حققته الخزينة العراقية وبرغم تنازل معظم دول العالم عن ديونها المستحقة للعراق وبرغم المنح المقدمة بالمليارات من بعض الدول في حين ظل المواطن تحت رحمة الزيادة العشوائية لأسعار النقل الخاص وكذلك لا تلوح في الأفق أي نية لتشغيل الأيدي العاملة العاطلة كما ان المشاريع الصغيرة التي تعلن عنها الدولة لم تفعل فعلها حتى الآن على صعيد الواقع العملي كما لم ينشأ أي مرفق رياضي او ملعب برغم استتباب الأمن في مناطق كثيرة من العراق كما ظل المواطن يعاني من عدم توفر النفط والغاز وشحة الكهرباء والماء وانعدام مجاري الصرف الصحي في مناطق عديدة كما يرى المواطن إتلاف أطنان من الأدوية والأغذية غير الصالحة للاستعمال البشري التي تدفع أموالها من جيوب الناس في حين تغيب الأدوية الضرورية خصوصا ً الأدوية المهمة وأدوية الأمراض المزمنة التي يحتاجها المرضى بإلحاح وفوق ذلك فان المواطن يرى تسرب تلك الأدوية الى الأسواق السوداء في (بسطات) الشوارع ناهيك عن العشرات بل المئات من الإخفاقات الأخرى التي لا يتسع المجال لذكرها ولعل أقوى مؤشر على الفشل في التصرف بالأموال العامة هو إرجاعها مع نهاية كل سنة في الوقت الذي تحرم فيه مناطق تجمعات سكانية واسعة في العراق من الخدمات أما الحالة الأغرب فتتمثل في ان بعض المسؤولين مازالوا يتحدثون عن المشاريع العملاقة التي ستنجز هذا العام ولم يلتفت هؤلاء الى اننا سندخل الشهر الرابع من دون ان يتحقق أي من وعودهم الكبيرة.
إن على الحكومة العراقية إن تتحمل مسؤولياتها إزاء الشعب العراقي وهي غير معنية بالرد على الجهات الأميركية والدفاع عن نفسها ضد الاتهام بقدر ما يكون من واجبها أن تثبت العكس وان تعلن مقدار الأموال المصروفة والأموال الموجودة فعلا في الخزينة وان تحاسب المقصرين وأن تُقصي من يثبت تقصيره لأنه بذلك يكون غير مؤهل للدفاع عن مصالح المواطن وتلبية طموحاته وبالتالي فان وجود أمثال هؤلاء على رأس الوزارات والمؤسسات سيضر بصورة مباشرة بقضية المواطن والوطن.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن