المدلول السياسي لتزامن جولة رايس مع افتتاح مؤتمر القمة العربية في دمشق!!

احمد سعد

2008 / 4 / 2

امام الهجمة الامبريالية المنهجية، فان مسؤولية القوى الوطنية والتقدمية واليسارية تصعيد كفاحها التضامني مع سوريا ومع مختلف قوى المقاومة والممانعة والمناهضة للمشروع الاستراتيجي الامريكي – الاسرائيلي ولخدامه من انظمة وقوى الدواجن والارانب العربية المتواطئة معه!
إستضافت سوريا المؤتمر العشرين لقمة الدول العربية الذي عقد في العاصمة دمشق يومي السبت والاحد 29 و30 آذار الحالي. ومنذ الاعلان عن دمشق السورية محطة الاجتماع الدوري السنوي للقمة العربية اكتسب هذا الحدث اهمية مميزة في بورصة التوقعات المرتقبة سياسيا، خاصة بين فريقين، تيارين، متباينين ومتناقضين في الموقف من تقييم ما سيتمخض عن هذا الحدث. فريق لم يفقد الامل انه في حالات وظروف معينة على ساحة التطور والصراع في المنطقة بالامكان استخراج السكر من العلقم وانه ليس من الحكمة التخلي عن شعاع التفاؤل حتى في احلك سويعات العتمة. ويستند هذا الفريق في موقفه الى اخفاقات وفشل استراتيجية العدوان الامريكية – الاسرائيلية في تحقيق اهدافها السياسية الاستراتيجية ان كان في العراق او في لبنان او في فلسطين المحتلة، وذلك بالرغم من جرائم الحرب ضد الانسانية التي ترتكبها، ما يشبه حرب الابادة في العراق التي قتلت حتى الآن اكثر من مليون ونصف مليون عراقي وهجرت خمسة ملايين عراقي حولتهم الى لاجئين داخل وخارج الوطن العراقي وتحويل ثلاثين في المئة من نساء العراق المتزوجات الى ارامل وتأجيج الصراع والفتن الطائفية ومصادرة الهوية الوطنية لوحدة العراق شعبا وأرض وطن، والمحرقة الاسرائيلية وجرائم احتلالها في قطاع غزة وباقي المناطق المحتلة وفشل تنصيب دواجن امريكا في رأس نظام لبناني جديد يصادر حق المقاومة ومناهض لسياسة التدجين الامريكي في الحياة والسيادة الوطنية، وتأجيج الصراع الاثني والقبلي لتمزيق الوحدة الوطنية الاقليمية لدول السودان وتشاد والصومال وغيرها. وهذا في وقت فشلت فيه ضغوطات ومؤامرات الحصار والتهديد الامريكي – الاسرائيلي في كسر شوكة سوريا وايران والمقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية وتدجينها في حظيرة استراتيجية الهيمنة الامريكية. انطلاقا من هذه الحقائق توهم المتفائلون ان الظروف اصبحت اكثر مناسبة لاختراق استراتيجية العدوان الامريكي ومشروعها المأزوم من خلال اعادة لحمة التضامن العربي الى الصف العربي والقضاء على الفواصل التي وضعتها الادارة الامريكية من خلال مشروعها الاستراتيجي للهيمنة منطقيا، فواصل التقسيم الجيوسياسي بين دول عربية "معتدلة" مدجنة او متواطئة مع المشروع الاستراتيجي الامريكي و"دول ممانعة" لهذا المشروع وتناهض استراتيجية العدوان الامريكي الاسرائيلي. فواصل امبريالية قسمت العالم العربي الى محاور واججت الخلافات العربية. وقد حاولت قوى التفاؤل الوطني، الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى وسوريا واليمن وغيرهم رأب الصدع وتوحيد الصف العربي، بشكل يجعل من قمة دمشق منعطفا تاريخيا يبلور التضامن العربي وفق برنامج استراتيجي يقره مؤتمر القمة العربي ويكون في مركزه نصرة الحق الفلسطيني في الدولة والقدس والعودة وانهاء الاحتلال الامريكي للعراق لضمان حرية واستقلال الشعب العراقي وحل الازمة السياسية في لبنان لصالح الشعب اللبناني وضمان أمنه وحريته وسيادته الوطنية. وتوهم المتفائلون ان يتحرك الدم المتخثر في شرايين بعض الانظمة العربية ويناصروا قضايا شعوبهم وشعوب وبلدان اخوانهم وينقذونها من بين انياب الوحش الاستعماري المفترس.
اما الموقف الثاني المناقض للموقف الاول المذكور فتبناه الادارة الامريكية واسرائيل وحلفائهما من انظمة اليمين الحاكم في فرنسا والمانيا وبتواطؤ بعض الانظمة العربية "المعتدلة" مثل الانظمة المصرية والسعودية والمغربية والاردنية، فقوى هذا الموقف تنشط منذ البداية لافشال عقد المؤتمر في دمشق لمواصلة محاولات ضرب طوق العزلة الدولية على سوريا ونظامها المناهض لاستراتيجية الهيمنة الامريكية – الاسرائيلية في المنطقة. وكلنا يذكر انه قبل ثلاثة اسابيع تحولت وزير الخارجية الامريكية في المنطقة وفي عز جرائم ومجازر المحرقة الاسرائيلية في شمال قطاع غزة. وفي زيارتها مارست ضغوطات شرسة على اجتماع وزراء الخارجية العرب في حينه لاجهاض القمة العربية في دمشق ولعدم اتخاذ قرارات "راديكالية" في القضيتين المركزيتين، الاكتفاء في القضية الفلسطينية بدفع ضريبة كلامية تدين محرقة الاحتلال ضد اطفال واهالي قطاع غزة دون اتخاذ اية اجراءات عملية للتضامن مع الشعب الفلسطيني ومواجهة المحتل المجرم وسنده الامريكي، اما في القضية الجوهرية الثانية المتعلقة بأزمة الفراع الرئاسي والازمة السياسية في لبنان فعدم التطرق الى الدور الامريكي المعرقل للوفاق الوطني في لبنان ومواصلة "الغمز واللمز" باتهام سوريا بالمسؤولية عن مواصلة الازمة.
ليس من وليد الصدفة، او من اوجه الغرابة، ان تقوم وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس ببدء جولة جديدة في المنطقة، تزور خلالها اسرائيل والمناطق الفلسطينية المحتلة والاردن، في نفس يوم افتتاح اعمال مؤتمر القمة العربية في دمشق (يوم السبت)!! ففي معالجة سابقة اكدنا حقيقة ان المشروع الاستراتيجي الامريكي في المنطقة يواجه اخفاقا وازمات وفشلا في تحقيق وانجاز اهدافه الاستراتيجية السياسية، يواجه الاخفاق والازمة وملامح الفشل ولكنه لم يهزم بعد، وذلك بدليل محاولات انتشال وانقاذ مشروعه من المستنقع الآسن لأزمته. ولهذا لم يكن وليد صدفة ان يهرول الى المنطقة كبار الوزراء والمسؤولين في ادارة بوش، وزير في قفا وزير، ومسؤول في قفا مسؤول، فقبل اسبوع جاء الى المنطقة عربيد المحافظين الجدد، محراك شر الحروب، نائب الرئيس الامريكي ديك تشيني، وبمواقف الصلفة المغامرة اراد بث رسالة ان امريكا لا زالت "على حيلها" ولن تخرج من العراق، وفي السعودية اراد ضمان مصادر النفط في خدمة استراتيجيته، وفي عمان الاردن افهم العرب ان القدس بما فيها القدس الشرقية المحتلة عالمة لاسرائيل، وفي اسرائيل ومناطق السلطة الفلسطينية شرعن وبرر المحرقة الاسرائيلية الاجرامية في غزة. بمعنى ان "السلام الامريكي" مبني في غربة بعيدة عن الحقوق العربية والفلسطينية الوطنية.
والسؤال، ما الهدف من وراء زيارة رايس المتزامنة مع عقد القمة العربية في دمشق؟ الجواب على هذا السؤال امريكيا هو ترديد نغمة الاسطوانة الامريكية المهترئة "بان الزيارة تستهدف دفع عجلة العملية السياسية الاسرائيلية – الفلسطينية"!! ومن التجربة المرة مع مدلول هذا الادعاء فان الهدف هو ممارسة مزيد من الضغط على القيادة الفلسطينية، على السلطة الفلسطينية، لابتزاز تنازلات سياسية تنتقص من ثوابت حقوقهم الوطنية وتنسجم مع المشروع الكولونيالي الاسرائيلي – الامريكي المعادي للحقوق الوطنية الفلسطينية غير القابلة للتصرف.
برأينا ان هرولة رايس مبعوثة ادارة عولمة ارهاب الدولة الامريكية المنظم في وقت متزامن مع عقد مؤتمر القمة العربية في دمشق يستهدف التخريب على قمة دمشق وجعل قراراته مخصية المفعول، وتحديدا تستهدف هذه الزيارة التآمرية الاهداف التالية:
* تكريس الانقسام في الساحة العربية بين انظمة الموالاة "المعتدلة" والانظمة الممانعة، بلورة المحاور المؤيدة والمتواطئة مع المشروع الامريكي في المنطقة. وقد نجحت الادارة الامريكة، وللاسف، في تخفيض مستوى المشاركة في قمة دمشق فانظمة دول مركزية لها وزنها في المنطقة وفي اطار المشروع الاستراتيجي الامريكي رضخت للضغوط الامريكية وخفضت مستوى وفدها المشارك في القمة مثل انظمة مصر والسعودية والمغرب والاردن، وكذلك البحرين وعمان واليمن.. وامتناع لبنان ورفض حكومة السنيورة المشاركة في المؤتمر. والسؤال هو، ما هو نوع العلف الذي ستقدمه رايس الى دواجنها مقابل رضوخها للاملاءات الامريكية بفرض طوق العزلة عمليا على سوريا وافراغ القضايا المركزية المطروحة على اجندة مؤتمر دمشق من مضمونها ومدلولها السياسي. والاخطر من كل ذلك، هو استغلال رايس والادارة الامريكية تمزيق وحدة الصف العربي للمضي قدما في محاولة تمرير مشاريع تآمرية لضرب الحقوق الوطنية الفلسطينية والعراقية واللبنانية وانتشال مشروع "الشرق الاوسط الجديد" من مقبرة الحرب اللبنانية الثانية.
* ثانيا: يجري الادعاء بان الهدف المركزي لجولة رايس يتمحور حول اخراج عملية المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية من مرحلة الركود و"الركض الموضعي". وهذا ادعاء كاذب، فادارة بوش – تشيني – رايس تنشط في الوقت الضائع، وحتى ان المتفائلين في ادارة بوش وخارجها، يدركون انه من المستحيل انجاز اتفاق اسرائيلي – فلسطيني حول الحل الدائم حتى نهاية العام الفين وثمانية، نهاية عهد ادارة بوش الاسود. كما ان عودة رئيس حكومة اسرائيل والاحتلال الاسرائيلي الى تكرار الموقف الاسرائيلي الكولونيالي انه لن يوقف مشاريع الاستيطان الاستعمارية في القدس الشرقية المحتلة وباقي المناطق الفلسطينية المحتلة، ومواصلة بناء جدار الضم والعزل العنصري، كما انه لن يوقف مواصلة ارتكاب المجازر والاجتياحات واغتيال شخصيات فلسطينية واعتقال العشرات والمئات من مقاومي الاحتلال. فهذه التأكيدات للممارسات الاجرامية الاسرائيلية تعكس حقيقة ان السلام مع الفلسطينيين ليس خيارا استراتيجيا لدى حكومة الاحتلال والكوارث الاسرائيلية.
اضافة الى كل ذلك فان الموقف الرسمي لادارة بوش – تشيني – رايس ضد المبادرة اليمنية والتوصل الى صياغة لمصالحة وطنية بين فتح وحماس والضغط على السلطة الوطنية الفلسطينية لعدم المصالحة واقامة سلطة وحدة وطنية مع حماس وغيرها من فصائل المقاومة الفلسطينية، واتخاذ حكومة الاحتلال نفس الموقف المنسق مع واشنطن. فهل هذا الموقف ينسجم مع الهدف المعلن بان هدف زيارة رايس دفع عجلة العملية السياسية!! وهل الضغط الامريكي والسعودي على النظام اليمني الذي اثمر عن عدم مشاركة الرئيس اليمني في قمة دمشق التي ستناقش المبادرة اليمنية، هل هذا يخدم فعلا قضية التسوية ام يخرب على هذه القضية؟ وهل الضغط على جلالة الملك الاردني عبدالله الثاني لعدم المشاركة في القمة وعدم مشاركة وزير الخارجية الاردنية وتمثيل الاردن بواسطة مندوبها في الجامعة العربية، هل هذا يخدم قضية دفع عجلة التسوية وللاردن دوره الهام في هذا السياق.
* ثالثا: ان الضغط الامريكي على حكومة السنيورة والموالاة من مجموعة ومحور الرابع عشر من آذار المدجن امريكيا في رفض المشاركة في المؤتمر يندرج في سياق التآمر الامريكي لعزل سوريا وتحميلها مسؤولية عدم الاستقرار والازمة السياسية وخاصة الفراغ الرئاسي في لبنان القائم منذ اكثر من اربعة اشهر. وخطاب رئيس حكومة الموالاة في لبنان فؤاد السنيورة عشية انعقاد مؤتمر القمة في دمشق وتبرير عدم المشاركة في المؤتمر بسبب الدور السوري ومسؤولي في الازمة اللبنانية، جاء منسجما مع الموقف الامريكي والاسرائيلي وخادما له ولمخططه الاسود ضد لبنان وسوريا. وما يثير قلقنا ان تستغل الادارة الامريكية حقيقة ان تسع دول عربية خفضت من مستوى تمثيل مشاركتها في قمة دمشق بحجج واهية تفتعل خلافات هشة مع النظام السوري، خاصة في الموقف من الازمة اللبنانية، واستغلال عدم مشاركة لبنان في المؤتمر، وذلك لفتح شهية عدوان جديد، حرب انتقامية جديدة تعد لها اسرائيل العدة منذ انتهاء حرب هزيمتها العسكرية والسياسية في حزيران الفين وستة.
فرائحة حرب جديدة مغامرة اسرائيلية – امريكية ضد لبنان وجر سوريا الى اتونها تلوح في الافق، وذلك بهدف حسم الصراع في لبنان لصالح القوى المدجنة امريكيا واسرائيليا والاطاحة بالنظام السوري وضرب حركات المقاومة الوطنية في لبنان والمناطق الفلسطينية المحتلة والعراق وغيرها. فهل تحمل رايس في جولتها الحالية مؤشرات ارتكاب الجريمة الامبريالية المقبلة والمحتملة؟؟
امام هذه الهجمة الامبريالية المنهجية فان مسؤولية القوى الوطنية والتقدمية واليسارية، في مختلف بلدان المنطقة، وبضمنها في اسرائيل، ان ترتفع الى مستوى متطلبات تحديات هذه المرحلة، بتصعيد كفاحها التضامني مع سوريا ومع مختلف قوى المقاومة والممانعة والمناهضة للمشروع الاستراتيجي الامريكي – الاسرائيلي ولخدامه من انظمة وقوى الدواجن والارانب العربية المتواطئة معه!



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن