حان la esmeralda

ناس حدهوم أحمد

2008 / 3 / 24

هنا مدينة سبتة من جديد
شوارع المدينة نظيفة للغاية ومقفرة هذا اليوم إلا من بضعة أشخاص متناثرين هنا وهناك .
الحمام كالعادة ( las palomas ) ينتشر في الفضاءات الخضراء
السيارات الأنيقة ترتاح بهدوء وعلى شكل صفوف منتظمة ومتراصة عبر كل الشوارع والممرات توحي لك بأن أصحابها
مستكينين بمنازلهم يحتفلون مع عوائلهم هذا اليوم الذي يكتسي صفة دينية - la semana santa - فالإسبان شعب متدين
وشعب طيب ونبيل . وقد خبرت ذلك من خلال إقامتي ببلادهم لمدة طويلة جعلتني أحبهم وأحترمهم .
كل الأماكن الخاصة والعمومية على السواء مقفولة خلال هذه المناسبة . وحدي أنا ومرافقي ( حسن ) الصامت جدا والمهذب
جدا والشروب جدا .نبحث عن حانة نختبيء فيها من مفاجأة السماء التي من حين لآخر كانت تمطر وتتوقف لتعود لتمطر
من جديد كعادة كل شهر مارس الأحمق كما يسمونه . بالكاد صدقنا أن حانة ما (أخيرا) سوف تستوعب غربتنا .
إنها حانة la esmeralda .
ولجنا الحانة . كان الفضاء قانطا ربما أو هكذا بدا لي الأمر . بعض الزبناء يتجرعون الجعة كما بدوا لي من نافذتي
منهم من كان يشرب الشاي . التلفزة كانت تعلن أخبارا سيئة عن العراق وأفغانستان وبؤر متوترة أخرى بما يكفي من
التصدع والقلاقل المعتادة . ثلاثة أشخاص من السكان الأصليين يقفون مع آلة تزدرد قطعهم النقدية والتي تتقيأ من حين لآخر
نقودا من أحشائها لبعض المحظوظين النادرين . تناولنا أنا وصديقي قطعا - las tapas - تعطى عادة مع المشروب الجعوي
وكؤوس النبيذ . شخص يبدو أنه مدمن وليس له ثمن الكاس كاملا . فلم يلب النادل طلبه . نال عطفي فسددت له بضعة كؤوس
أرسل إلي ابتسامته كتعبير عن إمتنانه . فجأة تقيأت الآلة قطعا نقدية كثيرة ومسترسلة . إستغربت للتناقض الذي يكتنف لعبة الحياة
( شخص لا يجد ثمن كأسه في حينه تصب الآلة الصماء والعمياء نقودا أكلتها بالتقسيط لتتقيأها بالجملة ) دخل شخص آخر للتو
وانقض على آلة أخرى مماثلة بجانب الأولى ثم بدأ يطعمها بالقطع النقدية يخرجها من جيب بنطلونه . لم أكن أنتظر رد فعلها
فجأة أحسست كأن شيئا من داخلي أخبرني بأن الآلة سوف تخرج أحشاءها إلتقطت كأسي بسرعة جنونية والقيت بالجرعة الأخيرة
في جوفي فإذا بالتخمين صار صحيحا . سمعت رنين النقود ينهمر وهو يملأ فضاء الحانة بشكل صاخب جعل الأعناق كلها
تلتفت نحو المصدر .لقد تقيأت الملعونة كنظيرتها المحاذية لها . حظ آخر ينضاف لنظيره ايضا . قلت في نفسي هذا يحدث لأنني
موجود هنا . بدا لي هذا الظن سخيفا لأنه من فعل الخمرة التي تجعلنا ننسب كل شيء لنا كأننا محور العالم بينما نحن لاشيء
بالمرة .
سددت الفاتورة وسألت صاحب الحانة عن إسم هذا المكان . لوح لي بإسمه قائلا إنه bar la esmeralda . و لكي أكتب شيئا عما شعرت
به طلبت منه الإذن فوافق على ذلك. تصافحنا ثم خرجت وصديقي - حسن - بعدما عانقت الشخص المدمن مقبلا جبينه في حين
هو شكرني على مبادرتي الطيبة نحوه . خرجنا وابتلعتنا المدينة الجميلة داخل حافلاتها الأنيقة مثلها مثل بساتينها وسكانها الذين
تبدو عليهم تنمية حقيقية وليست وهمية وتقيأتنا الحافلة اللا معة النظيفة عند الحدود لنواجه عالما مختلفا .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن