الإبستيمولوجيا و التراث،إستئناف البدء

عادل البكوري
adil.bakkouri28@hotmail.fr

2008 / 2 / 26

إن تاريخ الفلسفة لا يستقيم إلا عبر تصادمات كبيرة، ومواجهات عنيفة وقاسية في أحايين كثيرة. مواجهات مدارها المكرور هو الخرق الذي تقتضه مقالة تنتصر لاستحداث فجوات اختراق الموروث، وبعث الجدة فيه. بل وأحيانا الدفاع عن هاته الجدة حتى الموت. وذلك في ثنائية ضدية حادة،إذ تستكمل الضدية مقالات عتيقة أخرى لا ترى فيض الحقيقة إلا في نبع مزودهاالأصلي والأصيل سواء كان نصا دينيا، أو متنا علميا، أو أطروحة فلسفية سابقة، بل قد يكون حكاءا أسطوريا سواء استعلى ظاهرا أو توارى ضامرا .ومثال هذا الصدام متكثر في المفاصل التاريخية ذات الاستعظام الوافي، و التي ارتبكت فيها الفلسفة في البث أمام خياري العودة والارتداد للتعتق والوفاء له، أم الانتصار لمقالة التحديث. وتظل في الغالب هاته الضدية الحادة قائمة رغم محاولات التفكير في إيصال قطبيها بالابتلاع والتركيب. و قد يبتدئ مثال ذلك بالسخرية السقراطية ضد السفسفطة وعموم الماحصل اليوناني في القرون الأولى لبدء تباشير فعل التفلسف، ثم تأوهات الفلسفة الإسلامية الوسيطة بين المحن والمنافي وإحراق الكتب، ثم الإنقلاب الحديث للعلم خاصة الفلك الكوبرنيكي والفزياء الجاليلية.....كما قد يتجاوز الثورة البيولوجية المعاصرة ويمس أفكار النهايات (نهاية التاريخ. الايدولوجيا. الانسان...) والثورة العلوماتية متصلة بالفلسفة والعلوم... كل هذا يؤكد الفرض الذي يري أن لا تاريخ حقيقي للفلسفة و العلوم إلا ذاك المبني على المواجهات والتصادمات، والملاحض هو إمكانية تعمم و تعمق الإيمان بجدية هذا الفرض وهذا أمر محمود . لكن المشكل هو تعمق هذا الإيمان دون حضور المساءلة الجادة لهاته الثورات خاصة في بنياتها الداخلية ومحدداتها المتحكمة، فيكون قبولنا لها مبتذلا كأي حدث بسيط في التاريخ المديد ،حدث ينضاف إلى الذاكرة العادية، مثل حوادث سقوط الأمطار في مواسمها العادية مما لا يثير الإندهاش والتساؤل، ودون محاولة الانخراط الجدي في استشكال المحددات والأسباب والنتائج، واستثمارها الفاعل والجدي في إعادة بناء وتشكيل الوعي بالقضايا المعاصرة، خاصة ذات البعد المصيري، وتلك المتصلة بالهم الراهن.
إن تجاوز مثل هذه الأشكال من التعامل المعتل مع الانقلابات والثورات العلمية والفلسفية، يبتدئ رأسا بطرح السؤال الآتي: ما الذي يحصل في الثورة ؟ وما الذي يسببها؟ و بشكل أفضل، ما مادامت الثورات الفلسفية والعلمية تقوم قياما جليا على التجديد والمغايرة، فما الذي يتغير بالضبط حتى تحصل الثورة؟ أوبالسلب، ما الذي يبقى مستمرا عاديا لا يتغير، أوما الذي لا يكون أصلا حتى يبقى الأمر مستقرا استقرارا خطيا هادئا مهادنا؟ وبتغيره تقوم الثورة؟ ولماذا يتغير؟ وكيف يتغير؟

إن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة ومعالجتها الجدية، ستجعلنا نقف على إفادات مهمة في إعادة قراءةة التاريخ المديد للتراث العربي الإسلامي، قراءة لا تتراكم كرقم إضافي إلى القراءات السائدة، بل كإعادة تثورية لهذا التراث ذاته.
قد يبدو للقارئ أن هذا الربط بين المقدمة المعلن عنها أعلاه والمرتبطة رأسا بكل التاريخ العام للفلسفة و العلوم من حيث هو انبناء قابل للتفجر في كل لحظة، نتيجة استعداداتها الدائمة للفعل الثوري كما رأينا، وبين التراث العربي الإسلامي، قد يبدو ربطا مباغتا ومفاجئا، إلا أننا نعده أن هذا الربط سيكون ذا منتوجية أفضل وأقوم في حسن قراءة واستعادة هذا التراث، وهذا ما سنعمل على تشريحه لاحقا وذلك باستحداث مكان أساسي لابستمولوجيات العلوم خاصة الرياضيات في قراءة التراث.
وبه، ففي الحلقات القادمة والتي ستلي إن شاء الله هذه، فسنعمل على تبين تداول الثورة في الفلسفة والعلوم، خاصة في الرياضيات، لنركز بذلك على الجانب الأكسيومي في تاريخ ابستمولوجيا الرياضيات موجهين أعيننا بشكل واضح للجوانب المضمونية والمنهجية معا في هذا التداول، ليرتفع بعد ذلك الجانب المضموني، حتى نبقي على المنهجية فقط. إنها المنهجية التي طالما تكررت في كل فعل ثوري رغم تعدد واختلاف الجوانب المضمونية من ثورة لأخرى. كما سنبين الحضور اللاواعي لنفس المحددات تقريبا في كل هذه الثورات.
إن هذا الحضور الإستعاري لمفاهيم التحليل النفسي ممثلا في التكرار ًاللاواعيً لشروط قيام الثورة سينضاف إلى عدتنا المنهجية رفقة ما قلناه أعلاه من جهة، ومن أخرى تنضاف بعض المفاهيم الهيرمونيطيقية التي سنعلن عنها في مكانها المناسب لاحقا.
ونعلن منذ الآن أن كل هذا سيجعلنا ممسكين بجهاز منهجي قويم، نراه قادرا على إتيان قراءة جديدة ومزدوجة للتاريخ موضع البحث، أي التاريخ العام {تاريخ الفلسفة والعلوم بعموم الحال} والتاريخ الخاص{التاريخ العربي الاسلامي}. كل ذلك بغية الكشف عن المحددات المتحكمة في التاريخين معا.الكشف عنها دون الخضوع للمقدمات النظرية التى غالبا ما انجلت مستبدة بأركان البحوث السابقة ،جاعلة إياها أقرب للوهم منها للجدية.
يتبع.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن