وديعة بوش الساخنة لخليفته !

جمال محمد تقي

2008 / 2 / 18

ازاحت جولة بوش الاخيرة لدول المنطقة الكثير من الغموض والذي مازال بعضه يكتنف توجهات الاشهر الاخيرة من فترة حكمه ، فالتوقعات مازالت غير راسية تماما لا على بر ولا بحر او جو !
يضرب ايران ضربة استباقية ام ينضج مبررات الضرب لتتولاها اسرائيل ؟ او يدع امر التنفيذ للرئيس الجديد بعد ان يكون قد وفر كامل الاسباب المؤدية للضرب خاصة وان عامل الوقت سيكون لمصلحة التدرج وتكوين تحالف دولي مدعوم ولو جزئيا من الامم المتحدة لفرض حصار اقتصادي مؤثر تتخلله ضربات اسرائيلية سريعة وموجعة ، بعد ان تكون الاخيرة قد امنت نفسها فلسطينيا ولبنانيا باحاطة امريكية فاعلة ؟
عراقيا يسحب 50 الفا من الجنود الامريكان في العراق لصالح البقاء النوعي في خمسة قواعد ثابتة ، ويباشر العمل بعقد اتفاقية عسكرية طويلة الامد مع الحكومة العراقية بعد ان يروض الوضع باكمله لصالح اقرارها بالتوازي مع اقرار قانون النفط والغاز الجديد بتعديلات غير جوهرية ، وتفصيص العراق عمليا حتى لو لم يجري اعتماد القانون الامريكي غير الملزم بتقسيمه الى ثلاثة دويلات فدرالية ، وعليه ستكون موضوعة اقامة جيش عراقي حقيقي امر غير وارد لان وجوده سيسرع بالمطالبة بالانسحاب الامريكي الشامل والكامل ، تسريع الامور على هذا النحو مع تركيز نوعي لسياسة احتواء الجميع بما فيهم المعارضين والمقاومين واشراكهم بالحكم برعاية امريكية واسناد عربي تحت عناوين مدروسة كالمصالحة الوطنية ، والصحوة !
زيارة بوش للمنطقة اكدت سعيه على شحن دولها وخاصة الخليجية منها لتكون طرف مساعد في اي مواجهة حقيقية قادمة مع ايران ، حتى انه اختار دولا لها شجون معها كالبحرين والامارات ، ثم جاء الاعلان عن صفقات جديدة للسلاح مع اكبرها تأثيرا السعودية ، اما قبلته الاولى فكانت اسرائيل التي لم تشهد ما يشذ عن مواقف الادارات الامريكية المتعاقبة لكن الملفت كان تاكيد بوش على ضرورة توحد الاسرائيليين وراء تحالف اولمرت باراك والعمل على تجاوز محنة الارهاب في غزة وفي لبنان اضافة الى حرصه على ضمان امن اسرائيل كدولة يهودية حليفة ، وبعدها كانت زيارته الى الضفة الغربية حيث التشديد على ايفاء عباس بالتزاماته لمحاربة الارهاب الفلسطيني مقابل ضمانات اقامة الدولة بحدود الامر الواقع المعفي سلفا من الايفاء بحق عودة الاجئين ، وبايجاد تخريجة مرضية للاماكن المقدسة في القدس ، لم تخرج طروحات بوش عن المتوقع منه لكنه شدد على الحق الفلسطيني باقامة دولة مستقلة كاملة السيادة ويبدو ان هذا التشديد ضروري لاي رئيس امريكي يريد مايريد من الحكام العرب تماما كما حصل مع جورج بوش الاب اثناء مؤتمر مدريد الذي جاء بعد حرب الخليج الثانية !! الذي يحصل اليوم في غزة من حصار خانق مع تلميحات مستمرة لباراك بضربات موجعة هو اول الغيث في نتائج جولة بوش التي اكدت لاسرائيل على ضرورة تهيئة الاجواء للتعامل مع ايران !
محادثات بوش من الكويت مع المالكي عبر الدائرة التلفازية ثم زيارة رايس الخاطفة الى بغداد ومهلة الثلاث اشهر التي اعطيت للحكومة العراقية لانجاز ما يترتب عليها انجازه من موضوع المصالحة الى سن القوانين الملحة امريكيا ، وبالتساوق مع همة الحزب الجمهوري للتاثير في مجرى الحملة الرئاسية التي بدأت ساخنة فان كل المؤشرات تؤشر على ان بوش وادارته يرتبون امورهم على الجبهات الاربعة الساخنة في الشرق الاوسط ، جبهة العراق ، جبهة ايران ، جبهة الاعتدال والتطبيع ، جبهة محاربة الارهاب ، للشروع ببرمجة مسارات المنطقة كلها على ايقاعات الفوضى الخلاقة التي ستفرض نفسها حتما على البقية الباقية من فترة حكم بوش حتى تجد الادارة الجديدة جمهورية كانت ام ديمقراطية نفسها سائرة على نفس خارطة الطريق المرسومة سلفا !
جبهة الاعتدال والتطبيع حسب الخارطة الامريكية تتكون من دول الخليج مع مصر والاردن والسلطة الفلسطينية والموالاة في لبنان وهي توضع بخندق واحد مع اسرائيل لمواجهة جبهة الارهاب المطاطة والتي تتسع لتشمل سوريا وايران وحزب الله وحماس والمقاومة العراقية واحيانا يجري تقديم وتاخير واستثناء لهذا الطرف اوذاك حسب مؤشرات المصلحة الامريكية ذاتها ، ان مصير القمة العربية القادمة معلق على التفاهمات السعودية السورية حول لبنان ولان هذه التفاهمات يصعب تحقيق تسوية وسطية بشانها بحكم احتدام مطالب الجبهات وبحكم ضيق الوقت عند الادارة الامريكية ، فان القمة العربية ذاتها مهددة بصعوبات الانعقاد ، رغم تشبث النظام الرسمي العربي بورقة التوت ـ المبادرة العربية لانهاء الصراع العربي الاسرائيلي ـ التي تجاوزتها امريكا واسرائيل بمسافات يصعب الرجوع عنها !
في كل الاحوال ان خرجت اسرائيل او لم تخرج على التوقعات بضربة لايران بالوكالة أوبالاصالة عن نفسها فستبقى ملفات المنطقة المطبوعة بحبر بوش وديعة جاهزة يصعب على الادارة الامريكية الجديدة ان تتجاهلها لانها توالدت وتداخلت بما يكفي للتعاطي معها كخيارات استراتيجية مادام النفط واسرائيل هما خطان احمران لا يمكن لاي ادارة كانت ، ديمقراطية او جمهورية تجاوزهما ، ويبدو ان اسرائيل تستعد موضعيا لانجاز ماهو مطلوب منها ، فتدريبات طيرانها الطويل لم ينقع ، وحربها المخابراتية في تصاعد بالضد من حزب الله وعقوله الامنية ، وكان اغتيال عماد مغنية واحدة من نتائجها ، ومن جهتها فالسياسة الامريكية تشحذ بقوى المولاة اللبنانية لتكون شريكا فعليا في المواجهة القادمة الى جانب الجيش اللبناني لتصفية حزب الله ، اما جبهة غزة فيتولاها باراك ويداه مطلقتان بما يلقيه عليها من عناقيد الغضب او شوالات الطمر ، والمعتدلون العرب يتفرجون !



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن