ازدواجية الشخصية المجتمعية أسبابها، وسبل مداواتها.

هشيار بنافي
hishyar.binavi@googlemail.com

2008 / 2 / 11

إن ازدواجية الشخصية المجتمعية مرض خطير يصاب به أي مجتمع، عندما يكون مسلوب الإرادة في ظل حكم شمولي أو دكتاتوري يكبح الأماني و الآمال القابلة للتحقيق لدى أفراده، لذا تكون الأحلام الخيالية و خاصة ميثولوجيا الأديان الملجأ الوحيد لهؤلاء الأفراد لكي يستطيعوا مواصلة حياتهم و إيجاد المبررات من استمرارهم في معايشة الحياة البائسة التي (يعيشوها) و ذلك بهروبهم إلى دنيا الأحلام الكاذبة و الأساطير الخرافية، و من ضمنها خلق الأمجاد لعنصرهم مهما كان ذلك العنصر وضيعا !.
إن الفانتازيا تلك ترفع المريض إلى السماء السابع آنيا، و حالما يشعر بالواقع المرير و يفيق من نومه المغناطيسي، يسقط من عليائه مجددا، نحو هوة سحيقة لا قرار لها تملؤها الجور و الفساد، بحيث يفهَم كل شيء فيها بصورة معكوسة لان الدماغ الواعي للمجتمع قد ز‘رِعَ من خلال البيت و الشارع و المدرسة و بيوت الله! بكل ما هو مجافي للحقيقة و العدالة، بحيث يفقد من جراء ذلك، المعاني الأصيلة للشرف و الأخلاق و حب العنصر و الروحيات فتنقلب عليه ما يؤمن به إلى خداع عقلي ابتدعه الطغاة ليخضعوا المجتمعات المريضة تلك،و لكي يتفلسفوا بدعارة فكرية لا تستند إلى العقل و المنطق السليم، و هدفهم و كما أسلفنا واضح و جلي لكل ذي بصيرة و عقل و وجدان ، فتلك الوجوه المنتفخة و الجيوب المترهلة و الكروش المتكورة لأصحاب السلطة و المتنفذين ما هي إلا آثار الدماء الممتصة من المعدومين النيام الذين يحلمون بجنات الخلد، أو الذين يتعصبون لعنصرهم، حد الجنون و اقتراف الجرائم لكي يصونوا الشرف الرفيع! ويكونوا أوفياء لأجداد (عظام) احتلوا مشارق الأرض و مغاربها لكونهم أحباب الله! وما المجازر التي ارتكبوها و الأعراض التي انتهكوها إلا بأمر من غير مرئي جبار!.
إن هذا التفكير المريض، اهانة كبيرة لخالق الأرض و السماوات، بل نستطيع القول بان الداعمين لفكرة قدسية تلك الأفعال الإجرامية بحق الشعوب، لا يعترفون بالله الحقيقي فهم ملحدون به و بعظمته لأنهم يحللون دماء غيرهم من البشر.
إن رجال الدين الكبار يعرفون هذه الحقيقة المرّة لذا نرى و طوال التاريخ يرجع أقلية منهم إلى البحث عن الخالق ذاك، بعيدا عن الكتب الصفراء التي أمسى من المحال فرز الغث من السمين بين أوراقها، فما الصوفية و الزندكة إلا وسائل وأساليب وسبل لإيجاد وجه الباري الكريم بعيدا عن مراكز دين السلطة المهيمن على المجتمع ذي الأغراض الانتفاعية و الطفيليين من زملائهم رجال الدين الأفاقين، الذين يمدون تلكم السلطات بخدمات كبيرة لقاء اجر معين و هو بقائهم دون عمل جاد و لا إنتاج مثمر، بحيث لا يستفيد المجتمع منهم سوى التصريح بفتاوى تبرر ما تقوم به سلطته السياسية، من أعمال و إن كانت وحشية قذرة لا يقبلها حتى الضمير الحيواني. و الأمثلة كثيرة جدا على ذلك، فلقد وصل النذالة بمعظم رجال الدين في الأناضول إلى حد تحليل دماء الأرمن في العهد العثماني في مطلع القرن العشرين!، و بذلك أشركوا الله! بفتاويهم الكاذبة في ذلك العمل الجبان، مما حدا بالكثيرين للاقتداء بهم و أمثالهم و منذ سالف العصور و إلى ألان فما الجرائم الوحشية التي اقترفت باسم الدين و الإنسانية و القيم السامية، إلا و بيوت الله مشاركات! في ذلك الجور لان المشرفون عليها مجردون من كافة أشكال الضمير، فالذي ينوّم شعبه بالافتراءات يكون مستعدا للإفتاء بإبادة الشعوب الأخرى. فإذا تجرد ولي أمر أية أسرة من السلوك السوي سواء كان مدركا لانحرافه أو مريضا لا يشعر به، و ماذا تؤول إليه مصير تلك الأسرة التي تربت أفرادها على كل ما هو معكوس للمعاني الحقيقية للقيم التي يدافعون عنها؟. لا شك فيه أن مجتمعا يمتلك هكذا خلايا سرطانية يكون سقيما عليلا يرتكب من حماقات لا حصر لها، في كافة أفعاله و أعماله و أقواله و مشاعره و أحاسيسه و أفكاره ، و يكون متطرفا لا يعرف الاعتدال في إي شيء أبدا، و مستعدا للاندفاع وراء (القيم) التي ما هي إلا سراب يتراءى له في صحراء فكره الأجدب، و يترك المعاني الصحيحة لحب الخالق و الخليقة من نبات و حيوان و إنسان كأنها لا تعنيه أبدا.
لان العراق كان مهد لأديان متعددة و الحاضن لأخرى، فقد ابتلي من جراء ذلك مجتمعه عامة و الحضري منه خاصة بمرض الانفصام هذا، وكأن هذه الآفة الاجتماعية كانت خفيفة عليه، فزادها ظهور المذاهب و الطوائف بين ظهرانه مرضا على مرض و أصبح التفكير الحر فيه حكرا على الخلفاء و السلاطين و الملوك و الأمراء و أخيرا الرؤساء و حاشيات هؤلاء جميعا بمن فيهم الوعاظ و كافة رجال الدين و الدولة، الموظفون لدى تلكم السلطات!.
فما نراه اليوم من تناقضات في عراق اليوم ما هي إلا جنون حاد انتاب المجتمع فصار من جديد مطية لأمراء حروب جدد، يبيعونه في أسواق النخاسة بابخس الإثمان لأجل مساومات حزبية و توازنات طائفية و عنصرية بغيضة، بعيدة عن مصالح عامة الناس الذين هم فقراء مرهوبين، تجرعوا من كؤوس الذل و المهانة على يد دكتاتور أهوج عربيد.
وصل الأمر بهذا الانحطاط إلى أشياء لا يتصورها العقل السوي و ابسط مثال على ذلك، مشكلة علم بعث الإجرام. فكما هو معلوم إن أغلبية الشعب العراقي كانت تكره النظام السابق و هذه الأكثرية نفسها تحب والى الآن الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم، و لكن أصرت على طي علمه المرفوع في كوردستان على الأقل و دافعت بضراوة عن علم الحرس القومي و عبد السلام عارف الملوث بعدئذ بالدم الفاسد لصدام التكريتي!! و ذلك تلبية لأوامر أمرائهم الذين يستلمون بدورهم الأوامر من خارج الحدود!. و بدلا من شكر رئيس إقليم كوردستان لمراعاته مشاعر شعبه الكوردستاني و العراقي، فعلوا العكس تماما و جرحوا بذلك مشاعر كافة أهل كوردستان على الأقل.
الأمثلة كثيرة بحيث لا تعد و لا تحصى في الحياة اليومية العراقية ففي كافة المجالات تنجلي تناقضات حادة في القول و الفعل و أصبح من المعيب تربية الأطفال على ذلك العقد المستعصية لا بل أرها خيانة لأجيالنا اللاحقة سواء كان منا ذلك عن جهل و غباء أو لعنصرية فجة تولد الأحقاد و تزرع بذور الفتنة و الكراهية بين الشباب الناشئ من الناحية السياسية، أما الاجتماعية فحدث ولا حرج لانقلاب معظم الموازين و القراءة الخاطئة لكافة المعاني من شرف وعزة نفس وإباء وفخر ومدح و إخلاص و تضحية و كرامة و وطنية...الخ، ونستطيع أن نقول أن الفرد العراقي يعيش بلاها في عراق اليوم، بعد أن مسخها الطاغية المخنوق استرشادا بأسلافه (العظام) من الحكام (الأطهار).
و لكن، هل يرجى لمجتمع متعفن كهذا الإبراء من سقمه؟. و الجواب هو، نعم بالتأكيد، و لكن حسب شروط و سبل معروفة استخدمتها البشرية في مجتمعات متشابه، و هي فصل الدين عن الدولة و الشارع أولا، و كتابة التاريخ مجددا لكشف الحقيقة بواسطة مؤرخين نجباء و محايدين، و الاجتهاد في الأديان و المذاهب، و إبراز المعاني الحقيقية لطقوسهم، مع الاعتراف بكافة الجرائم التي اقترفت باسمهم،من قبل المرجعيات و مراكز الإفتاء، هذه و غيرها من الحلول سيجدونها المفكرون و الباحثون إن شعروا بالأمان في وطن مستقر. عندها يكون المستقبل البعيد مبشرا لأجيالنا اللاحقة، إذا عرفنا ماهية الخالق العظيم الرءوف المتواضع و الذي لا يستبيح دماء صنائعه المخلوقات برسالة منه!، و لا شك ان كل من يدعي عكس هذا لا يعبد إلا إله مصالحه و شهواته و عنصريته بشتى أوجهها و هو الملحد الحقيقي الذي يجب محاسبته إن كانت توجد محاسبة لأية أفكار!.....



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن